Flag Counter

Flag Counter

Sunday, June 30, 2024

إمبراطورية وول مارت

 ليس من الممكن رواية تاريخ الرأسمالية المعاصرة من غير الحديث عن مجموعة من الأسماء سواء كانت أشخاص أو مؤسسات مصرفية أو إستثمارية كان ظهورها سبباً رئيسا في تغيير قواعد اللعبة وقوانينها وإحداث تأثير اقتصادي على المستوى العالمي. وول مارت أكبر متجر للبيع بالتجزئة في العالم هو أحد تلك المؤسسات التي ساهمت في ترسيخ مفهوم الشركة الدولة أو رأسمالية الشركات أو النيوليبرالية حيث تحكم الشركات ومصالحها الدولة وتكتب القوانين وتوضع الأنظمة لمصلحة الشركات وليس الدولة وبالتالي المواطنين. وول مارت هي مؤسسة إحتكارية تعمل بواسطة عدة وسائل على القضاء على المنافسين حتى على المستوى المحلي ولها تأثيرات اقتصادية واجتماعية مدمرة على المجتمعات والثقافة والعادات المحلية.

في البداية فإنه ليست من المبالغة أن نصف وول مارت بأنها دولة أو إمبراطورية وول مارت انتشار متاجر الشركة حول العالم يجعلها أقرب الى الشركات الاستعمارية مثل شركة الهند الشرقية. وول مارت لديها فروع في الصين حيث أجواء المنافسة غاية العدائية ورغم ذلك فقد حافظت على وجودها ومستمرة في التوسع في الوقت نفسه الذي فشلت شركات أمريكية في السوق الصينية لعل أشهرها غوغل, فيسبوك و أمازون. الصينيون الناجحون في تقليد كل شيئ وأي شيئ فشلوا في تقليد وول مارت وفي الحصول على حصة من كعكة قطاع البيع بالتجزئة العالمي على الرغم من تفوقهم في موقع التجارة الإلكترونية علي بابا.

هناك آلاف المصانع في الصين التي تزود وول مارت بعدد لانهائي من المنتجات بداية من الدبوس, الدراجات الهوائية, الأثاث المكتبي وقطع غيار السيارات. كل أنواع المنتجات التي يمكن تخيلها ومن الممكن أن تجدها في وول مارت سوف يكون على غالبيتها عبارة صنع في الصين. هناك بعض الأرقام التي قد تعطينا فكرة عن حجم وول مارت وتأثيره على المستوى العالمي وإن كانت أرقاما قديمة بعض الشيئ. كانت قيمة المبيعات ٤٨١ مليار دولار سنة ٢٠١٦ حيث تبلغ مبيعات فروع وول مارت في الولايات المتحدة مليار دولار وفروعه الأخرى في العالم ٢٥٠ مليون دولار. وول مارت إستوردت بضائع من الصين سنة ٢٠٠٤ بلغت ١٨ مليار دولار وتخطط لزيادة ذلك الى ٥٠ مليار دولار خلال العشرة سنين وصولا الى سنة ٢٠١٤. هناك عشرين الف مورد في الصين تبيع وول مارت بضائعهم.

سنة ٢٠١٦, تفوقت شركة علي بابا على وول مارت في قطاع البيع بالتجزئة(الافتراضي) أو الإلكتروني وذلك في حجم المبيعات ولكن على الرغم من ذلك  فإن وول مارت إستمر في احتكار لقب ملوك البيع بالتجزئة في العالم الواقعي حيث تنتشر متاجر وول مارت بالإضافة الى الولايات المتحدة في كندا, المكسيك, الصين والقائمة تطول. الفترة الزمنية(٢٠٠٥-٢٠١٠) كانت فترة نمو بطيئة في وول مارت حيث بدأ الإقتصاد العالمي بالتراجع وصولا الى ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية ٢٠٠٨. ولكن وول مارت حقق خلال تلك المرحلة نموا في المبيعات قدره ١١٠ مليار دولار وذلك يعادل حجم النمو في مبيعات سلسلة متاجر تارجت و موقع أمازون دوت كوم مجتمعين خلال الفترة الزمنية ذاتها. إن حجم شركة وول مارت يعطيها تأثير وقيمة اقتصادية واجتماعية وكلمة مؤثرة في الولايات المتحدة والعالم وأي خطوة أو إجراء تعلن عنه وول مارت سوف يكون وقعه مدوياً.

وول مارت تقوم بتجميع نفايات الكرتون المستعملة وترسلها الى أحد الشركات حتى تقوم بصناعة صناديق ديلي بيتزا, ماركة البيتزا التجارية الخاصة لمتاجر وول مارت التي يبدو أنها قررت أن تنافس ماركات البيتزا الشهيرة مثل بيتزا هت ودومينوز بيتزا. شركة إنتاج ورق التواليت(الحمام) كيمبرلي كلارك قررت إختيار وول مارت من أجل إطلاق فكرة جديدة هي ورق حمام بدون الأسطوانة الكرتونية في المنتصف مع الإبقاء على الفراغ الذي يجعل من عملية تعليقها في مكانها المخصص بذات السهولة.  وول مارت الذي حصل على حق تسويق حصري للفكرة الجديدة سوف يحقق الأرباح وسمعة دعائية بوصف الشركة صديقة للبيئة حيث سوف يتم توفير كمية هائلة من الكرتون المقوى. غالبية متاجر وول مارت في المكسيك تستخدم طاقة الرياح مما يؤدي الى توفير مليون دولار شهريا على فاتورة الكهرباء ومرة أخرى دعاية إيجابية عن الشركة صديقة البيئة. إن متاجر وول مارت الضخمة(سوبر سنتر) التي يتم افتتاحها منذ سنة ٢٠٠٩ تكون موفرة للطاقة بنسبة ٣٠%. وول مارت طالبت مورديها بتقليل حجم وكمية تغليف منتجاتها التي تقوم بتوريدها الى وول مارت ٥% خلال الفترة الممتدة(٢٠٠٨-٢٠١٣). إن شركة وول مارت تعمل دائما من أجل تحقيق مصلحتها والغاية تبرر الوسيلة حتى لو كان من الواضح ظاهريا أن المستهلك هو المستفيد. وول مارت تحقق أرباحا قد لا تزيد عن ٣ سنتات عن كل دولار مبيعات وذلك يؤدي الى إزاحة الكثير من المنافسين من السوق وإغلاق على المبيعات في المتاجر المحلية الذي سوف يغلق بعضها أبوابه ويعمل موظفا في متجر وول مارت المحلي.

شركة وول مارت لديها قوة ضغط على المصنعين والشركات التي تتعامل معها. إن أكبر شركات صناعية مساحيق و سوائل الغسيل قامت بتعديل عبواتها بناء على طلب وول مارت وذلك بتقليص حجمها ٢٠% مع الإبقاء على الفاعلية وعدد مرات التعبئة حيث خفَّضت كمية المياه ٠% تقريبا حيث كانت تلك الشركات نظريا تمارس غش المستهلكين بإضافة كل تلك المياه الى منتجاتها بدون سبب واضح. ولكن بالصدفة فإن تلك الشركات حققت زيادة في الأرباح حيث أن الوقت المستخدم في تعبئة العبوات تقلص وبالتالي هناك إمكانية تعبئة المزيد من عبوات مساحيق الغسيل بدون أي تغيير في ساعات العمل وكمية العبوات التي يمكن إرسالها في الشاحنات حيث يمكن شحن عدد أكبر من العبوات خلال مسافة مقطوعة بكمية الوقود ذاتها. هناك الكثير من الخطوات الأخرى التي تقوم بها وول مارت داخل متاجرة ومع الموردين من أجل تحقيق ما يطلقون عليه الاستدامة وتقليل الإنبعاثات الكربونية ولكن ذلك في النهاية يخدم أهداف شركة وول مارت في تحقيق المزيد من الأرباح من خلال تقليل التكاليف, تخفيضات الأسعار وزيادة المبيعات.

ولكن تلك الأخبار التي يبدو من ظاهرها أنها إيجابية وتحقق الصالح العام للمستهلكين ليست هي الوحيدة التي يمكن أن تروى عن وول مارت التي أصبحت دولة داخل الدولة او الشركة الدولة. هناك قضايا في المحاكم رفعها موظفون ضد وول مارت التي خالفت قوانين العمل وتحايلت على القوانين المحلية وقامت برشوة موظفين محليين من خلال لوبيات ضغط من أجل بناء مراكز تسوق وول مارت في بلدات ومجتمعات محلية رغم معارضة السكان. إن الدعاية التي تروج لها شركة وول مارت يمكن إعتبارها مضللة وأنها على سبيل المثال توفر وظائف للسكان المحليين ولكنها في الوقت نفسه وظائف لا تدفع إلا الحد الأدنى من الأجور ونسبة كبيرة من موظفي وول مارت سوف يعانون عجزا غذائيا لولا قسائم الطعام التي توفرها الحكومة الأمريكية للمعوزين, المتشردين وأصحاب الدخل المنخفض. كما أن وول مارت تعتبر سببا رئيسيا في إغلاق إعلان المتاجر المحلية إفلاسها وإغلاق أبوابها بسبب حرب الأسعار التي تعتبرها الشركة أمرا ثابتا في سياستها.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية



No comments:

Post a Comment