Flag Counter

Flag Counter

Sunday, March 24, 2019

الربيع العربي وأزمة اللاجئين

إن جهود المحللين والمتابعين لأحداث الربيع العربي والتي أدت من ضمن نتائجها الى أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية تنصب في مجملها على دوافع سياسية مثل الحريات والحكم الديكتاتوري والديمقراطية بينما على أرض الواقع, العوامل السياسية لعبت دورا ثانويا خصوصا في وسائل الإعلام التي جانبت الصواب وساهمت في تضليل الرأي العام حول الدوافع الحقيقة للأزمة والعوامل والأسباب التي قادت المنطقة الى هاوية سحيقة من الاضطرابات وعدم الاستقرار. إن جذور أزمة اللاجئين الأخيرة تكمن بحسب بعض الآراء في عوامل اقتصادية منها التذبذب في أسعار النفط, إرتفاع أسعار السلع خصوصا الحبوب, التدخل العسكري الغربي خصوصا في الوطن العربي, أفريقيا وآسيا وأخيرا العولمة واتفاقيات التجارة الحرة.
إن إرتفاع أسعار النفط وتجاوزها حاجز 100 دولار/برميل لم يكن يحمل أخباراً سارة لمواطني بلدان تعتمد على تلك المادة الحيوية مصدراً رئيسيا للطاقة. إن ذلك يعني ارتفاع فاتورة الطاقة في بلدان مثل  تونس أو مصر مما يؤدي الى عجز متزايد في الموازنة يتراكم سنة بعد أخرى. كما أن ذلك يعني إستهلاك فاتورة الطاقة للمزيد من الموارد التي يمكن استخدامها في أمور حيوية مثل التعليم والصحة وتحسين مستوى البنية التحتية.
كما إن إرتفاع أسعار النفط قد ساهم بشكل رئيسي في إرتفاع أسعار النقل والمواصلات وبالتالي إرتفاع أسعار سلع حيوية أخرى مثل الحبوب وجعل قدرة الأسر الفقيرة والمعوزة على إطعام أفرادها تتزايد صعوبته بشكل مستمر. يضاف الى ذلك تخصيص مساحات شاسعة من الأراضي في دول مثل البرازيل وحتى الولايات المتحدة في زراعة الذرة, قصب السكر وفول الصويا  لإستخدامها في إنتاج الوقود الحيوي(إيثانول-85) وفي إطعام المواشي والدواجن قد جعل من توفير كميات الحبوب اللازمة لإطعام العدد المتزايد من السكان مهمة صعبة.
التدخل الغربي خصوصا العسكري في الوطن العربي, أسيا وأفريقيا قد أدى الى تزايد المشاكل في دول هي أصلا تعاني من أزمات مزمنة خصوصا المجاعة, البطالة والفساد. ذلك التدخل كان هو السبب في إنفجار الوضع الداخلي لتلك الدول عبر الربيع العربي والحروب الأهلية حيث أدى الى سقوط الأنظمة في تونس, مصر, ليبيا وفشل تلك المحاولات في سوريا والمغرب بسبب مرونة الأنظمة السياسية من جهة وتركيبة البنية الداخلية لتلك الدول من جهة أخرى. فمنذ نهاية الحرب الباردة, فشلت كل محاولات التدخل الغربي في دول المنطقة وفي العالم من إحداث أي تغيير إيجابي ولم تكن تلك المحاولات لمصلحة شعوب تلك الدول التي تم تسليط الآلة العسكرية الغربية عليها ومحاولة إخضاعها وإضعافها ومن ثم تقسيمها وتفتيتها الى دويلات يسهل السيطرة عليها. بل على العكس تماما, فقد أدى ذلك التدخل الغربي الى ظهور تنظيمات مثل تنظيم القاعدة الذي تطور لاحقا الى تنظيم داعش والى حروب أهلية ضحايا بالملايين والى المزيد من تدهور الوضع الإقتصادي. إن دوافع ذلك التدخل هي إقتصادية لها علاقة بالنفط والغاز وموارد حيوية أخرى, وليس لها أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير, مصطلحات براقة يتم إستخدامها عبر مؤسسات دولية تلعب دورا مشبوها في خدمة مصالح دول غربية هي على رأس المنتهكين لحقوق الإنسان على مستوى العالم.
إن مسألة الأمن الغذائي لدول العالم الثالث في الوطن العربي, إفريقيا وآسيا قد أصبحت على المحك مع عولمة القطاع الزراعي لتلك الدول ودخولها في منظومة التجارة الحرة واتفاقياتها المجحفة. الولايات المتحدة والدول الأوروبية قد أغرقت أسواق تلك الدول بمنتجات زراعية رخيصة الثمن مما أدى الى تضرر القطاع الزراعي المحلي العاجز عن المنافسة. الولايات المتحدة والدول الأوروبية تقوم على تقديم الدعم للشركات الزراعية حيث تسود أنماط الزراعة الصناعية, شركات عملاقة برؤوس أموال ضخمة وتتلقى دعما حكوميا عبر إعفائات ضريبية وشراء الفائض من المنتجات بتمويل حكومي. ولكن في الوقت نفسه, شروط اتفاقيات التجارة الحرة المعقودة مع دول إفريقية وأسيوية متعددة تمنع على حكوماتها تقديم أي دعم حكومي لقطاعها الزراعي ويتم المطالبة بتطبيق اتفاقيات حقوق الملكية المتعلقة بالمحاصيل الزراعية مما أدى الى تخلي عدد كبير من المزارعين عن أراضيهم لصالح الشركات العابرة للقارات حيث انتشرت المجاعة وإرتفعت نسبة إنتحار المزارعين المحليين.
إن كل تلك العوامل مجتمعة قد أنتجت للعالم موجة طوفان بشري من اللاجئين الباحثين عن لقمة العيش والمجبرين على ترك بلدانهم الأم بسبب هروب أهلية وعرقية ونزاعات مسلحة نتيجة تدخل الدول الغربية في شؤون المنطقة بهدف السيطرة عليها وإخضاعها ونهب مواردها ولو على حساب ملايين الضحايا الأبرياء ممن لا ناقة لهم ولا جمل في الصراعات الدائرة. إن الدوافع الإنسانية التي إستخدمها الغرب ذريعة للتدخل في دول مثل ليبيا وسوريا لا يسمع لها لصوتها صدى حين يتعلق الأمر مثلا بالحروب الأهلية في دول مثل الكونجو حيث سقط أكثر من أربعة ملايين كونغولي ضحية لنزاع ظاهره حرب عرقية واثنية وباطنه المنافسة على ثرواته الطبيعية بين الشركات العابرة للقارات حيث تعرض للتقسيم عبر سيطرة  لوردات الحرب كل على مقاطعة وله علاقة مع شركات أجنبية تقوم على تقديم التمويل والمشورة العسكرية والتدريب لميليشيات عسكرية بإشراف مرتزقة أجانب وشركات أمنية خاصة.

النهاية

Sunday, March 10, 2019

الحركة الرأسمالية وخلفيتها التاريخية

كان إنهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية بدايات القرن الخامس الميلادي سببا في دخول القارة الأوروبية الحقبة التاريخية التي عرفت بإسم العصور الوسطى حيث سقطت الحضارة وتراجع الإهتمام بالعمارة والفنون والعلوم وانتشرت الخرافات وازداد نفوذ الكنيسة وانعدم الأمن حيث إنتشرت عصابات من قطاع الطرق والمجرمين تقوم على الإغارة والسلب. وقد خلَّف النظام الإقطاعي الإمبراطورية الرومانية الغربية وورث ما تبقى لها  من سلطة ونفوذ حيث بدأت نواة الدولة القومية الحديثة التبلور حول أمراء حرب من ذوي النفوذ ممن كانوا يفرضون سطوتهم العسكرية على رقعة جغرافية معينة يقومون على حمايتها مقابل قسم من إنتاج المحاصيل الزراعية وضرائب كانوا يفرضونها على القوافل التجارية التي كانت تمر في مناطق نفوذهم. إن سقوط الجزء الغربي للإمبراطورية الرومانية كان هو النواة, بداية ظهور مبادئ الرأسمالية الأولى. وقد يجادل البعض أن مفهوم الرأسمالية, البيع مقابل الربح, يعتبر موجودا منذ أن وجدت الخليقة على الأرض وبالتالي فإن للرأسمالية جذورا تاريخية موغلة في القدم. ولكن تلك كانت إحدى وجهات النظر التي لقيت معارضة واسعة لأن هناك الكثير من الدول التي ازدهرت فيها الحركة التجارية مثل هولندا وفرنسا بدون أن توصف بأنها دول رأسمالية أو ظهر فيها المذهب الإقتصادي الرأسمالي.
إن الخصائص الرئيسية للرأسمالية هي أربعة: الملكية الخاصة, تراكم رأس المال, العمل المأجور والأسواق التنافسية. المرحلة الاستعمارية والتي أعقبت حركة الكشوفات الجغرافية قد أدت الى توسع الدول الأوروبية جغرافيا وتجاريا حيث تزايدت الثروات وتراكمت فيما عرف بأنه عملية التراكم الأولي(Primitive Accumulation). ولقد اعتبر المفكر الإنجليزي الأشهر كارل ماركس عملية التراكم الأولي(Primitive Accumulation) حيوية ومهمة في الانتقال نحو النظام الرأسمالي. إن الفائض(Surplus) من عملية توظيف رؤوس الأموال(Capital) التي تمت مراكمتها بفضل العمليات التجارية والحركة الاستعمارية يتم إعادة توظيفها في عمليات إنتاج بضائع تلبي حاجة السوق وليس حصريا بهدف تحقيق أرباح من عمليات تجارية عابرة. وهناك نقطة مهمة أود التذكير بها وهي أن تحقيق الربح هو هدف أي عملية مبادلة تجارية ولكن إخضاع تلك العملية لمبادئ السوق التنافسي  هي الفكرة التي ولد من رحمها مفهوم الرأسمالية. إن عملية تراكم النقود(Money) بسبب القيام بعمليات تجارية تحقق الربح لا يعني تحول النقود تلقائيا الى رأس المال(Capital) بل يتوجب إعادة توظيف فائض الأرباح(Surplus) من أجل تحقيق تلك الغاية حيث يتحول الفائض الى رأسمال جديد وهلم جرا.
إن الملكية الخاصة هي أحد أهم خصائص الرأسمالية حيث تحفيز الابتكار والإنتاج الفردي مع الحد الأدنى لتدخل الدولة في العملية الإنتاجية حيث يكون دورها الرقابة والإشراف خصوصا تطبيق القوانين التي تكفل حماية تلك الملكية. ولكن في سبيل الوصول الى مستوى من الملكية الخاصة الكفيل بإطلاق مفاهيم الرأسمالية من عنانها,  كان لا بد من تحطيم النظام الإقطاعي القائم في أوروبا. وهنا تدخلت عوامل الطبيعة حيث انتشر مرض الطاعون في أوروبا خلال منتصف القرن الرابع عشر وقضى على ثلث سكان القارة مما أدى الى نقص حاد في عدد العمال والحرفيين والمهنيين وبدأت سيطرة الإقطاعيين على تابعيهم تقل شيئا فشيئا بسبب تمكنهم من فرض شروط ملائمة لهم لنقص الأيدي العاملة في أوروبا. وفي تلك الفترة, بدأ ظهور طبقة من المزارعين أصحاب الملكيات الكبيرة الذين تمكنوا بفعل تحسن وسائل الإنتاج والتكنولوجيا من زيادة إنتاجهم الزراعي وحيازة المزيد من الأراضي وبالتالي زيادة ثرواتهم. وقد كان هناك عدد كبير من المزارعين ممن لم يتمكنوا من استغلال التقدم في وسائل الزراعة وأساليبها لعدة عوامل منها صغر مساحات حيازتهم من الأراضي وعدم امتلاكهم رأس المال الكافي لتوظيفه في عمليات تحسينها بما أدى بهم إلى بيع أراضيهم وتحولوا الى عمال مقابل أجر. كما أن طبقة المزارعين الأثرياء قد استفادت من تزايد عدد السكان ومن ظهور عدد من المدن في أوروبا كمراكز تجارية مهمة مثل مدينة لندن فعملت بالتجارة مما أدى الى ظهور الطبقة البرجوازية الثرية.
وعند وصولنا لهذه المرحلة من النقاش حول الجذور التاريخية للرأسمالية, لا بد في ختام الموضوع من أن أذكر ولو بإختصار بعضا من  أفكار المفكر والفيلسوف الإنجليزي جون لوك مؤلف كتاب "رسالة للحكومة" بجزئيه الأول والثاني(First & Second treatises of government). إن الظروف التاريخية والإقتصادية قد هيأت المملكة المتحدة لتكوين البذرة الأولى للرأسمالية وخروج ذلك المفهوم من شرنقته الى التطبيق العملي على أرض الواقع. وفي موضوع منفصل سوف أقوم بتفصيل أسباب ذلك والظروف التاريخية التي هيأت الأرضية الخصبة لأول تجربة رأسمالية حقيقية متكاملة تعتمد مبدأ التنافسية وإقتصاد السوق ولكن لعدم إطالة الموضوع, سوف أكتفي حاليا بمناقشة بعض أفكار الفيلسوف الإنجليزي والتي أوردها في كتابه المذكور والتي بدأت بالظهور خلال القرن السابع عشر.
إن الثورة الإنجليزية 1688 تعتبر نقطة تحول هامة أثرت مباشرة على شبكة العلاقات الإجتماعية في إنجلترا التي أدت في مجملها مع مجموعة من العوامل الأخرى الى ظهور الرأسمالية في ذلك البلد الأوروبي تحديدا. أحد أهم تلك العوامل هو تطور العلاقات الزراعية التي أدت الى ظهور كبار الملاك الزراعيين الذين شكلوا الطبقة البرجوازية وتمكنوا من السيطرة على البرلمان وإقرار القوانين والتشريعات التي هدفت إلى إزالة الملكيات المشاعة وتعزيز مفهوم الملكية الخاصة وذلك لمصلحة تلك الطبقة البرجوازية حيث ادى ذلك الى تراكم المزيد من الثروات لديها. إن ذلك قد أدى الى اصطدامها مع التاج الملكي بسبب تضارب المصالح حيث إنتصرت الطبقة البرجوازية وتم الإطاحة بالملك جيمس الثاني وتنصيب إبنته ماري وزوجها وليام أورانج ملكين على إنجلترا. إن أفكار الفيلسوف جون لوك المتعلقة بأن الأرض المشاعة التي لا يتم تحقيق الإستفادة القصوى منها عبر استصلاحها هي عبارة عن أرض خربة(Waste) وهدر للموارد. إن الحركة الإمبريالية الإستعمارية كانت إحدى ثمار أفكار جون لوك ومخرجاتها خصوصا أنها تنطبق على أراضي المستعمرات الجديدة خصوصا فيما يعرف اليوم الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية التي كان جون لوك يؤمن بوجوب إنتزاع أراضيها من السكان الأصليين وتخصيصها لمن هو قادر على تحقيق الإستفادة القصوى منها والذين لن يكونوا بالتأكيد الا من الطبقة البرجوازية الثرية التي تمتلك رؤوس الأموال والأدوات القادرة على القيام بتلك المهمة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Friday, March 8, 2019

نظرية الميزة النسبية وذروة الإنتاج النفطي

كانت نظرية الميزة النسبية أحد أهم نظريات التجارة الدولية التي خرجت للعلن بفضل عالم الاقتصاد السياسي الإنجليزي ديفيد ريكاردو. ملخص تلك النظرية على أنه على كل بلد التخصص في إنتاج السلع التي يمكنه من إنتاجها بأرخص من غيره من البلدان. على سبيل المثال تخصص اليابان وكوريا في إنتاج الإلكترونيات وتخصص إسبانيا في المنتجات الزراعية والصناعات الملحقة بها وتخصص البرتغال وفرنسا في إنتاج النبيذ عالي الجودة وهلم جرا. ولكن ارتفاع أسعار النفط جعل عالم التجارة الدولية يصغر وينكمش على نفسه حيث تصبح الأولوية للبحث عن البدائل المحلية. وكما يقول المثل فإن الحاجة هي أم الإختراع حيث تبرز صناعات جديدة وقد تطالب بفرض تعريفات جمركية على الإستيراد حماية لها مما يعني بداية حروب تجارية.
إن نظرية ذروة الإنتاج النفطي(Peak Oil) تعني وصول الناتج الإجمالي المحلي أيضا الى ذروته. دول مثل كوريا الجنوبية تقوم بصناعة الموصلات الإلكترونية وتصديرها للعالم حيث تقوم بإستيراد النفط بشكل رئيسي وليس القهوة على سبيل المثال, في عالم ترتفع فيه أسعار الطاقة, تحتل البدائل المحلية الأولوية وينكمش عالم التجارة الدولية, فإن ذلك سوف يصبح أصعب بإستمرار.
يستهلك شحن بضاعة عن طريق الجو أربعين ضعف كمية الوقود لإرسالها برا عبر شاحنات النقل. كما أن السفر جوا سوف يصبح مكلفا حين ترتفع أسعار النفط فوق حاجز٩٩ دولار للبرميل. شركات الطيران سوف تحقق خسائر في حال زيادة سعر برميل النفط عن ٨٠ دولار للبرميل, أي زيادة عن ذلك المستوى السعر تعني تحقيق خسائر لشركات الطيران الأمريكية بمقدار ٧ مليارات دولار سنويا. أربعة من أكبر ستة شركات طيران أمريكية أعلنت إفلاسها خلال الفترة التي تلت أحداث سبتمبر في الولايات المتحدة وإرتفاع أسعار النفط بسبب ذلك. ولكن ارتفاع أسعار النفط ليس المشكلة الوحيدة التي تواجهها شركات الطيران وحتى قائدي المركبات ولكنها ضريبة الكربون(Carbon Tax) التي تضغط بعض المنظمات البيئية والحكومات لفرضها بذريعة الحد من إستهلاك الوقود الأحفوري والحفاظ على البيئة تجعل تحقيق شركات الطيران للأرباح والحفاظ على قدرتها التشغيلية بدون رفع الأسعار أمرا أكثر صعوبة.
إن ارتفاع أسعار النفط قد يعني الكثير من المشاكل للبلدان النامية على الجهة الأخرى من العالم, في أفريقيا والشرق الأوسط. خلال فترة الثلاثين سنة الماضية حيث كانت أسعار النفط مستقرة نوعا ما وشهدت الدول المتقدمة مستويات غير مسبوقة من النمو الاقتصادي والهجرة من دول العالم النامي. ارتفاع أسعار الحبوب والمواد الغذائية الأساسية بسبب ارتفاع أسعار النفط والمنافسة من قبل شركات صناعة اللحوم التي تستهلك كميات هائلة من الحبوب في إطعام المواشي يعني موجة من التضخم والجوع وبالتالي الهجرة من دول العالم النامي الى دول العالم المتقدم بحثا عن فرصة اقتصادية أفضل. أحد أسباب الربيع العربي والإضطرابات والمشاكل في مناطق أخرى من العالم النامي خصوصا في أفريقيا قد تكون الارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الغذائية الأساسية خصوصا الحبوب مثل القمح وليس لها علاقة بأمور الديمقراطية والحريات كما تحاول بعض وسائل الإعلام تضليل مشاهديها. زيادة نسبة العمالة بسبب زيادة المهاجرين تعني زيادة نسبة البطالة حيث هناك حساسية في دول الغرب من تفشي البطالة التي تعني أرضية خصبة للأحزاب الشعبوية والعنصرية المعادية للهجرة للحصول على المزيد من الأصوات الانتخابية كما هو الواقع في بعض الدول الأوروبية مثل الدنمارك والسويد.
كما أن دولا أفريقية فقيرة مثل دولة مالي قد تخسر ٣% من ناتجها الإجمالي المحلي مع كل ١٠% زيادة في أسعار النفط. ارتفاع أسعار النفط تعني ارتفاع أسعار وقود المركبات والطائرات وبالتالي ارتفاع تكلفة المواصلات وبالتالي ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات بلا إستثناء خصوصا أسعار المواد التموينية والغذائية. كينيا هي أحد الدول الأفريقية حيث قطاع تصدير الورود خصوصا لأوروبا يعتبر قطاعا أساسيا في الاقتصاد بنسبة ١٥% من الناتج المحلي الإجمالي حيث تساهم صادرات الورود الكينية بما مقداره الثلث من الصادرات الأوروبية في ذلك المجال. كما أن حوالي نصف مليون مواطن كيني يعملون في زراعة الورود, ١٤% من الكينيين يعتمدون بطريقة أو بأخرى على ذلك القطاع المهم. خلال الفترة التي سبقت عيد الحب(Valentines Day) سنة ٢٠٠٧, تسببت دعوات ناشطين بيئيين يقيمون في دول أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا الى مقاطعة صادرات الورود الكينية الى خسائر كبيرة للعاملين في ذلك المجال. الناشطين إعتبروا أن التلوث البيئي-البصمة الكربونية الناجمة عن نقل الورود من مكان زراعتها الى الأسواق الأوروبية ليس وسيلة مناسبة للتعبير عن الحب في تلك المناسبة وأن الأولوية هي للحفاظ على البيئة. إن قيام مزارعين أوروبيين بزراعة الورود محليا لإستيعاب السوق المحلي الذي يبحث عن بدائل أرخص ثمنا في ظل ارتفاع تكلفة النقل والشحن أو دعوات الناشطين البيئيين لمقاطعة صادرات الورود من كينيا يعني أخبارا سيئة للمزارعين الكينيين. إنهيار سوق زراعة الورود في كينيا يعني كارثة إقتصادية والأمور لا تقاس مثلا بالكساد الذي أصاب صناعة السيارات في الولايات المتحدة ١.٣% من الناتج المحلي الإجمالي وكندا ٢.٢% من الناتج الإجمالي المحلي مقارنة بزراعة الورود في كينيا ١٤% من الناتج المحلي الإجمالي.
إن مستقبل العالم بدون الإعتماد على النفط مصدرا رئيسيا للطاقة يبدو غاية في القتامة, الكثير من الوعود والقليل من العمل. الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني السابق غوردان براون أعلنا خططا لتخفيض الانبعاثات الكربونية بنسبة ٨٠%, نحن في سنة ٢٠١٩ ولا تبدو تلك الخطط الطموحة ممكنة الحدوث. هناك دول تتمتع بإمكانيات إستخدام الطاقة البديلة مثل الولايات المتحدة, كندا, الدانمرك, السويد, نيوزيلندا و أيسلندا. سوف يجد الكثير من المستهلكين أنفسهم أمام قرارات صعبة مع سعر ٧ دولارات للغالون الوقود ولكن هل سوف تكون البدائل متوفرة أم أن مسألة الإحتباس الحراري والطاقة البديلة يتم إستخدامها لأجندات سياسية؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Monday, March 4, 2019

التغير المناخي, بين الحقيقة والخيال

هناك الكثير من الجدال والنقاش بين العلماء والمختصين حول ظواهر الاحتباس الحراري والتغير المناخي والقضايا التي تتعلق بالمناخ والبيئة بشكل عام. النقاش بين العلماء والمختصين اتخذ منحى مختلف بتحوله الى قضية سياسية، أداة بيد السياسيين يتم استخدامها ضد دول بغرض الابتزاز، صراع مصالح اختلطت فيه الحقائق العلمية مع أهداف السياسيين وأجنداتهم. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دخل دائرة الجدل بإعلان انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ تنفيذا لأحد وعود حملته الانتخابية. فقد اعتبر أن تلك الاتفاقية وقضايا مثل الاحتباس الحراري والتغير المناخي أنها مؤامرة ضد اقتصاد الولايات المتحدة ملمحا الى الصين. ولكن دونالد ترامب ليس الأول من بين قادة العالم الذي يثير الجدل حول قضايا المناخ والبيئة ولن يكون الأخير، رئيس الوزراء الكندي السابق ستيفن هاربر انسحب من اتفاقية كيوتو للمناخ استجابة لضغوطات شركات النفط التي كانت تستثمر بعشرات المليارات من الدولارات في مشاريع النفط الرملي في ولاية ألبيرتا الكندية وحتى لا تترتب على كندا غرامات مالية تقدر بمبلغ 14 مليار دولار بسبب عدم التزامها بنود الاتفاقية.
لقد مرَّ على كوكب الأرض خلال تاريخه عصور جيولوجية حيث تبدل الطقس وتغير بدون تدخل الجنس البشري وبدون أن يكون له أي دور أو نشاط على سطح الكوكب. قبل ستة ملايين عام، تعرض البحر الأبيض المتوسط للجفاف. قبل 90 مليون عام، كانت السلاحف والتماسيح متواجدة في القطب الشمالي. كما أن كوكب الأرض قد شهد ما يعرف بالعصر الجليدي حيث تعرض الكوكب بأكمله للتجمد بسبب انخفاض درجة الحرارة. إن مناخ كوكب الأرض يتغير ويتبدل بدون أن يكون للإنسان أي دور أو سلطة في ذلك وبدون اعتبار الأضرار المترتبة على الوجود البشري ونشاطه فيه. ولكن إذا كانت تلك الحقائق العلمية مؤكدة ومعروفة سواء المؤيدين أو المعارضين لقضية التغير المناخي، فلماذا كل ذلك الجدل الذي يثيره السياسيون والمنظمات البيئية؟ وللإجابة على ذلك السؤال، هناك نقطة مهمة أرغب في أن أنوه إليها بداية وهي أن اختلاف الآراء بين العلماء والمختصين وحتى بين الأشخاص العاديين أمر بديهي وطبيعي ولكن أن يتحول الخلاف الى قضية للسياسيين الرأي الفصل فيها فذلك يسيء لمصداقية الحقائق العلمية وسمعة العلماء.
إن قضية التغير المناخي هي أمر واقع وحقيقي وجميع التحولات المناخية مثل هطول الثلوج في مناطق ذات طبيعة صحراوية، ارتفاع درجة الحرارة في المناطق الباردة وذوبان الجليد في القطب الشمالي هي دليل على ذلك. ولكن السؤال حول ما إذا كانت تلك التحولات عبارة عن دورات مناخية طبيعية أو نتيجة نشاط بشري على سطح الكوكب. هناك نشاط إعلامي مكثف من قبل مؤيدي التغير المناخي ومعارضيه، وذلك من خلال الكتب والمقالات والمؤتمرات والسينما، أفلام مثل 2012 تحذر من نهاية العالم كما نعرفه. المعارضون لمفهوم التغير المناخي يسخرون من تلك النظريات ويعتبرونها أنها لا تستند الى دليل علمي. المنظمات البيئية التي دخلت دائرة الجدل الإعلامي تحولت الى مجرد هياكل كرتونية لا تمارس أي دور فعلي سوى جمع التبرعات ودفع رواتب مرتفعة لكبار المسؤولين فيها بينما يتم الاعتماد في المراتب الدنيا لتلك المنظمات على متطوعين يعملون بدون مقابل يحلمون بأن يحفظوا كوكب الأرض للأجيال القادمة. المثير للدهشة أن بعض تلك المنظمات قد يتلقى تبرعات من شركات النفط والغاز أو من مؤسسات ولوبيات الضغط وشركات دعاية مرتبطة بها بينما يتم إعلاميا تصنيف تلك الشركات هدفا رئيسيا لتلك المنظمات لمساهمتها في تلويث البيئة.
إن التفاوت في درجات الحرارة في الماضي لطالما كان يسبب الإحراج لأنصار لمؤيدي وجهة النظر القائلة بأن التغير المناخي من صنع الإنسان. خلال الفترة الزمنية 950م-1250م, ساد مناخ حار منطقة شمال الأطلسي مترافقا مع أحداث مناخية في جميع أنحاء العالم خصوصا الصين ونيوزيلاندا تلتها فترة برود عرفت بالعصر الجليدي الصغير, أنصار التغير المناخي يتجاهلون تلك الفترة الزمنية ولا يذكرونها في معرض حديثهم عن إرتفاع درجات الحرارة وأن ذلك من صنع الإنسان. إن قضية الاحتباس الحراري وذوبان الجليد القطب المتجمد الشمالي
إن الناشطين البيئيين من نجوم المجتمع, الممثل الأمريكي  ليوناردو دي كابريو على سبيل المثال, يلقون الخطب الحماسية التي تدعو الى إنقاذ كوكب الأرض وذلك بفرض ضريبة الكربون(Carbon Tax) على الانبعاثات الكربونية ولكنهم في الوقت نفسه ما يزالون يمارسون أسلوب حياتهم الاستهلاكي الملوث للبيئة خصوصا قيادة مركباتهم ذات الإستهلاك المرتفع للوقود والإقامة في منازل متعددة الغرف. إن فرض ضريبة على الانبعاثات الكربونية يعني زيادة سعر الوقود. ولكننا لا نتحدث حصريا عن وقود المركبات بل حتى ذلك المستخدم للأغراض الصناعية وتوليد الكهرباء بما يعني إرتفاع أسعار كافة السلع والمواد الإستهلاكية والحبوب والخدمات, زيادة نسبة التضخم بما يؤدي الى تآكل الطبقة الوسطى وازدياد أعداد من يعيشون تحت خط الفقر. شخص مثل ليوناردو دي كابريو الذي يتمتع بدخل سنوي يقدر بملايين الدولارات ليست لديه أي مشكلة في ان يدفع سعر وقود سيارته الفاخرة 7 دولار/لتر وحتى أكثر من ذلك ولن يمتنع عن قيادتها ويركب حافلة نقل عام أو تكسي في سبيل الحفاظ على البيئة والحد من الانبعاثات الكربونية. إنه من السخرية أن تعقد مؤتمرات بيئية تكلف مئات الملايين من الدولارات ويدعى اليها مئات الأشخاص من كافة أنحاء العالم ليلقوا خطابات ويستحموا تحت أضواء الإعلام بينما هم في الحقيقة يساهمون في تلويث البيئة عبر وسائل نقل وسفر مثل الطائرات والسيارات التي تخلف ورائها بصمة كربونية مرتفعة
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية