Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, March 29, 2016

من هي الجهة التي سوف تدفع ثمن فاتورة فشل تيار الإسلام السياسي في سوريا؟


على هامش مشكلة أسعار النفط التي إنخفضت لمستويات تهدد عدد من الشركات النفطية فعلا بالإفلاس وعند ذالك أسأل نفسي السؤال الذي تعودت أن أسأله عند بحثي في أي مسألة, من هو المستفيد؟
بالتأكيد السعودية مستفيدة من تخفيض أسعار النفط لتلك المستويات القياسية وان ذالك له علاقة بما يدور في سوريا وتكرار لسيناريو الثمانينيات خصوصا محاولة التأثير على إقتصاد الإتحاد السوفياتي ولكن هي أيضا متضررة لمجموعة أسباب. أول تلك الأسباب هو أنها تعتمد بشكل كبير في ميزانيتها على مبيعات النفط بنسبة 74% وذالك حين كان سعر البرميل يتجاوز حاجز 100 دولار. السبب الثاني أنها تخوض حربا مكلفة في اليمن ولديها حدود مضطربة مع تلك البلد لن تهدأ في القريب العاجل كما أن الأزمة السورية تستنزف سنويا من ميزانية السعودية مبالغ مالية لا يستهان بها. السبب الثالث هو ميزانية التسليح التي تعد أولوية وتؤثر على إنخفاض أو إرتفاع الأموال المخصصة للإنفاق على مشاريع البنية التحتية والرعاية الإجتماعية ودعم السلع الأساسية. وبالطبع قد يكون هناك أسباب أخرى كثيرة كما أن السعودية مؤخرا قد قامت بطرح سندات حكومية وهناك انباء بخصوص الإقتراض من الأسواق المالية الدولية. كما أن السعودية قد إستفادت بخصوص صراعها مع شركات إنتاج النفط الصخري والتي أوشك عدد منها بالفعل على الإفلاس.
الولايات المتحدة أيضا إستفادت من تخفيض أسعار النفط في صراعها مع روسيا وإيران وفنزويلا وحتى كما يذكر بعضهم الصين التي هناك أنباء عن تباطئ النمو الإقتصادي فيها على الرغم من إنخفاض أسعار النفط لتلك المستويات وهو أمر يثير إستغرابي. الصين بالتأكيد سوف تستفيد من إنخفاض أسعار النفط حاليا ولكن ماذا حين تعود مستويات الأسعار لتقفز فوق حاجز 60 دولار وحتى 100 دولار للبرميل؟
المشكلة هي أن كبريات شركات النفط الأمريكية تخسر أموالا طائلة وهي بالتأكيد لن تسكت على ذالك حيث أنها ليست لقمة سائغة كما يظن البعض حتى بالنسبة لعملاق نفطي كالسعودية. شركات النفط الأمريكية والبريطانية تتبع لها لوبيات ضغط ومصالح وشركات وأشخاص على إستعداد للقيام بأي عمل للحفاظ على مصالحهم. تلك الشركات وكبريات البنوك والمصالح المالية كانت وراء الإنقلاب على حكومة مصدق في إيران سنة 1953 وإعادة الشاه محمد رضا بهلوي للحكم ثم كانت نفس الجهات وراء خلع الشاه من كرسي الحكم سنة 1979 حين بدأ يفكر بالتمرد وبتأميم مصالح الشركات النفطية جزئيا أو كليا إذا لم تستجب لمطاليته لها بمزيد من أرباح مبيعات النفط الإيراني.
تحريك لوبيات الضغط النفطية بدأ ضد المملكة العربية السعودية بالحديث عن حقوق الإنسان ورأس الحربة فيه هو منظمة العفو الدولية وجماعات حقوق الإنسان التي تتبعها بشكل أو بأخر على إختلاف مسمياتها وإنتقائيتها في النظر لتلك المسألة خصوصا أنه لا حاجة للحديث عن حقوق الإنسان والتمييز العنصري الذي تتجاهله تلك المنظمات في عدد من الدول الغربية التي تمارس التمييز العنصري والعرقي ضد سكانها الأصليين الذين يسكنون في محميات تفتقر إلى أبسط أنواع الخدمات مثل المياه النظيفة أو السكن اللائق أو حتى تمارس التمييز ضد مواطنيها على أساس عرقي.
وأنا فيما أكتب لست أحكم على الخطوات التي تتخذها المملكة العربية السعودية بالسلب أو بالإيجاب ونفس الأمر يسري على الخطوات التي تتخذها الأطراف الأخرى التي تضررت مصالحها بسبب تخفيض أسعار النفط فأنا أقوم بإستعراض المعلومات وربط الخيوط ببعضها. برنارد هنري ليفي عراب ثورات الخراب والدم إستهدف بسهامه السعودية ولأول مرة في مقال بعنوان "أوقفوا السعودية" في الوقت نفسه الذي إستهدفها الكاتب والمعلق الأمريكي توماس فريدمان "صديقتنا للأبد الراديكالية الإسلامية.. السعودية" وعلى الرغم من أن فريدمان قد زار السعودية في وقت لاحق حيث زعمت وسائل إعلامية مختلفة عن تغيير وجهة نظره ولكني لست أثق في أمثال هؤلاء الأشخاص ولست أثق في وسائل إعلامية خطها من نشأتها بعيد عن الحيادية والشفافية في تحليل المواقف السياسية المختلفة. برنارد هنري ليفي يهودي فرنسي وصهيوني متعصب كما أن توماس فريدمان أمريكي يهودي وليس أقل صهيونية من زميله وكون كلاهما إستهدف السعودية في مقالاته وفي توقيت متقارب ليس صدفة بريئة.
هناك أمر مهم علينا أن نلاحظه حين نحاول تحليل أي موقف سياسي أو تصريح صادر من وسيلة إعلامية بأنه يجب علينا أن لا ننظر إليه كمكون منفصل أو بمعزل عن الأحداث الدولية أو تصريحات لمسؤولين يحتلون مناصب مهمة في بلادهم حيث يوصفون بأنهم من النخبة المتحكمة في صنع القرار السياسي والتأثير به على المستوى الدولي. فحين يصدر تصريح من وسائل إعلامية مختلفة بأن إجتماع وزير الخارجية الأمريكي مع الرئيس الروسي هو لتقرير مصير الرئيس السوري فعلينا أن نعرف أن الغاية للإجتماع هي غير ذالك, فهي لو كانت مخصصة لتلك الغاية لما تم التصريح بها لوسائل الإعلام المختلفة. أقطاب السياسة الدولية والنخب المتحكمة بالقرار السياسي لا تتصرف بطريقة الإستعراض الإعلامي المتبعة في العالم العربي بل يكون هناك مجموعة صحفيين ومصورين من أجل إلتقاط الصور التذكارية وبيان ختامي للإجتماع معد مسبقا ومايجري وراء الأبواب الموصدة يبقى وراء تلك الأبواب ولكن يستطيع تخمينه محللين سياسيين يعملون بالقطعة من الذين يظهرون على شاشات الفضائيات بمناسبة أو بدون مناسبة أكثر من الراقصات ونجوم الغناء والفن.
الإجتماعات المتوالية لكبار المسؤولين الأمريكيين والروس ليس لها أي علاقة بمسألة بقاء الرئيس السوري من عدمه فتلك مسألة محسومة حتى قبل ان تبدأ الأحداث حين كان يجري التحضير لها في كواليس السياسة الدولية على هامش الصراع على مصادر الطاقة في المنطقة والتحكم بها وماجرى من تلك الأحداث حتى هذه اللحظة هو نتيجة رفض الطرف الروسي تقديم أي تنازلات مسبقة فتم الزج بالإسلام السياسي ممثلا بحزب الإخوان المسلمين في الأحداث بكامل ثقله وتم تمويل وتدريب عشرات الألاف من المغسولة أدمغتهم بأفيون الأساطير الدينية والغيبيات في أتون معركة الهدف منها ليس الفوز بها بل إحداث أكبر قد ممكن من الدمار وإعادة عجلة الزمن في سوريا للوراء, للعصر الحجري كما يرغب بعضهم.
إرهاب الإسلام السياسي بدأ يلقي بظلاله على العالم بأكمله ويهدد طريقة العيش وحياة مليارات الأشخاص. إنها ليس معركة يحاول القائمون عليه الفوز بها فتلك أضغاث أحلام وهم يعرفون بذالك مسبقا ولكنها محاولة إبتزاز العالم لتحقيق أجندات معينة بوسائل مختلفة منها الإرهاب ومسألة اللاجئين خصوصا أوروبا التي بدأت تتعالى الأصوات المعترضة فيها والمتسائلة عمن يقوم بتمويل إرهاب الإسلام السياسي على مستوى العالم؟
كبار المسؤولين الأوروبيين بدأت تتعالى أصواتهم ويتسائلون عمن يقف وراء الأحداث في سوريا والتي فجرت أكبر موجة إرهاب يقف ورائها الإسلام السياسي عرفها العالم. إجتماعات وتصريحات وإتهامات تطال خصوصا تركيا وجماعة الإخوان المسلمين بأنها تحاول غزو أوروبا من خلال موجات بشرية متمثلة بمئات الألاف من اللاجئين. عدد كبير مت الوفود البرلمانية والشعبية الأوروبية زارت ومازال تتوافد على سوريا لسماع وجهة النظر السورية الرسمية وللحصول على المعلومات والأدلة التي يتستر عليها إعلام بلادهم والحقيقة التي يتم إخفائها عنهم.
إجتماع كيري-بوتين ليس مخصص لبحث مسألة بقاء الرئيس السوري من عدمه بل لبحث مسائل مثل أين وكيف سوف يتم التخلص من عشرات الألاف من أتباع الإسلام السياسي الذين يقاتلون في سوريا والعراق بعد الفشل الذريع للمهمة التي كلفوا القيام بها وأين سوف يتم إرسالهم من أجل ذالك؟ أم سوف يتم تكليف الجيش السوري والجيش العراقي بتكوين فكي كماشة والإطباق على هؤلاء؟
بإختصار فهدف ذالك الإجتماع وغيرها من الإجتماعات بين أقطاب السياسة الدولية والنخب المتحكمة والتي تؤثر بالقرار السياسي على المستوى العالمي يمكن تلخيص كل ذالك بجملة واحدة " من هو الذي سوف يدفع ثمن الفشل في سوريا؟ ".
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Saturday, March 26, 2016

في عصر العولمة فإن المسافة المقطوعة تساوي نقودا

لنتخيل أحدنا يركب التاكسي ويبقي نظره مصوبا نحو العداد متسائلا إن كان معه مايكفي لتغطية الأجرة. في حال ذهاب أحدنا لأحد محلات البيع بالتجزئة المنتشرة في الوطن العربي مثل كارفور أو من يعيش في الدول الغربية هناك وول مارت أو مارك أند سبينسر, فقلما سوف يجد منتجا مصنوعا في البلد الذي يقيم فيه. إذا أردتم معرفة أهمية المسافة المقطوعة بين البلدان والطرق التجارية, فما عليكم إلا أن تقرئوا عن الأسباب التي دفعت دولا مثل إنجلترا وإسبانيا والبرتغال للإستماتة لإيجاد الطريق حول رأس الرجاء الصالح لتجنب المكوس(الضرائب) التي كان يفرضها المسلمون على السفن التجارية لتلك الدول حيث يجنون أموالا ضخمة من الضرائب.
إرتفاع أسعار النفط مرة أخرى سوف يكون له تأثير كبير على أسعار النقل وهي تشكل جزءا لا يستهان به من التكلفة الإجمالية للسلعة. إرتفاع تكلفة النقل في المستقبل القريب سوف تكون العائق الأكبر أمام نمو التجارة الدولية وليس التعرفات الجمركية. أما لماذا ذكرت إرتفاع تكلفة النقل في المستقبل القريب؟ لأن إنخفاض أسعار النفط الحالي وهمي حيث حدث فجأة بين ليلة وضحاها وليس حقيقي وهو ناتج عن عمليات تلاعب بما يسمى عقود المستقبليات وإشاعات عن تباطئ النمو الإقتصادي في الصين. من يشكك في ذالك عليه أن يسأل عن أسباب إرتفاع سعر وقود السيارات في بعض الدول والأسباب التي تدفع بعض الشركات لرفع أسعار بضائعها وخدماتها تحت ذريعة إرتفاع التكلفة. عن أي تكلفة يتحدثون والنفط إنخفض سعره من أكثر من 50%؟
إرتفاع أسعار النفط سوف يجعل الزمن يعود إلى الوراء في العصور السابقة حيث كانت حركة التجارة الدولية تشكل جزءا بسيطا من الحركة التجارية لأي بلد حيث كانت الأولوية للسوق الداخلية التي كانت محمية بتعريفات وقوانين تجعل عملية الإستيراد في حدها الأدنى. عمليات التبادل التجارية المحدودة كانت في أغلبها إقليمية وليست دولية حيث تتاجر الدول مع جيرانها وليس مع دول تقع في الطرف الأخر من الكرة الأرضية.
بالطبع هناك إستثنائات كأن تشتهر بلد ما ببضاعة معينة حيث إشتهرت الصين والهند وسيريلانكا بتصدير الشاي والبرازيل بالبن حيث يضرب فيه المثل حول العالم من ناحية الجودة واليونان بالزيتون وكوستاريكا ودول أخرى في أمريكا اللاتينية بالموز.
كل ذالك بدأ بالتغير بين سنتي 1960 و1970 حيث إرتفعت نسبة التصدير من إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة 50% حيث تعافت دول مثل اليابان من أثار الحرب العالمية الثانية وأوروبا بسبب تطبيق خطة مارشال.
عشرات السنين من المفاوضات لتأسيس الإتحاد الأوروبي وكذالك المفاوضات الثنائية بين دول العالم المختلفة والتي أدت إلى إتفاقيات مثل إتفاقية الجات وإتفاقية النفتا أدت إلى إستفادة المصدرين والموردين ولكن ليس بدون أثار جانبية. العولمة والتي كانت من ثمراتها تلك الإتفاقيات لتحرير التجارة العالمية لها جانب أسود وإستغلالي. العمالة الرخيصة, ظروف العمل المزرية, التلوث البيئي, عمالة الأطفال, تدمير الصناعات المحلية وغيرها الكثير. بإختصار وللأسف أقولها أن على أحدهم أن يدفع الثمن. كنت أتمنى قول غير ذالك ولكن سلبيات العولمة طغت على إيجابياتها فوراء البضائع الفاخرة التي تملأ أرفف المتاجر, وراء الأسنان الذهبية التي يتفاخر بها الكثيرون, وراء عقود الألماس التي تزين أعناق سيدات المجتمع الراقي, وراء معاطف الفرو الفاخرة, وراء كل ذالك قصص بؤس وشقاء وإستغلال.
إن أحد أهم أسباب بروز الصين والهند كقوى إقتصادية يعود إلى قوانين تحرير التجارة وإتفاقيات الجات وأزالة التعريفات الجمركية.
يمكن إختصار مفهوم العولمة بشكل مبسط على النحو التالي: أحد الصناعيين يقوم بنقل مصنعه إلى دولة توفر له أرخص أيدي عاملة أو حتى يقوم بإستيراد مكونات إنتاج بضائعه بجزء بسيط من سعر تكلفته لو قام بإنتاجه في بلده. المعادلة بسيطة وهي أجور أعلى للقوى العاملة المحلية مقابل بضائع مرتفعة الثمن وبقوة شرائية أقل للعملة المحلية. الكثير من المنتجات التكنولوجية التي يتم التفاخر بها في الوطن العربي أنها من الإنجازات والإختراعات العبقرية تنتمي ما سبق ذكرته حيث هي عبارة عن صناعة تجميعية يتم إستيراد إجزائها من هناك وهناك ويتم تجميعها ومنحها إسما محليا.
كانت الصين خلال العقود الثلاثة الماضية تتمتع بميزة تنافسية بخصوص الأجور أكثر مما تتمتع  به حاليا ولكن كانت هناك مشكلة تحديد سقف الإستيراد والتعرفات الجمركية على البضائع المستوردة والتي أعاقت نمو الإقتصاد الصيني. لم يكن هناك ما يمنع أي شركة ترغب في نقل مصانعها للصين ولكنها سوف تواجه مشكلة في تصريف بضاعتها بسبب تكلفة النقل وتعرفات الحماية الجمركية. في سنة 1971 قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بفرض ضريبة مقدارها 10% على كل البضائع الواردة للولايات المتحدة ولم يتم رفع الضريبة حتى تم إجراء إعادة تقييم للعملات الرئيسية مقابل الدولار مما أدى إلى إزدهار قطاع التصدير.
في رواية المصابيح الزرق للكاتب حنا مينا يصيح أحدهم مناديا على بضاعته من الرز بأسعار ماقبل الحرب فيرد عليه أحدهم, الجمل بقرش وقرش مافي. من الأثار السلبية للعولمة وإتفاقيات التجارة الحرة وإزالة تعريفات الحماية أن أصبح للشركات مطلق الحرية في أن تنقل مصانعها وأعمالها لأي بلد يتوفر على عمالة رخيصة لتحقيق أكبر قدر من الربح حيث أدى ذالك إلى تضائل نفوذ النقابات العمالية التي أصبحت تقبل بعقود منخفضة الأجور خصوصا في قطاعات مثل الفولاذ والسيارات.
ولكن نقل الشركات لمصانعها وأعمالها خارج حدود بلدانها إلى بلدان أسيوية حيث تتوفر على عمالة رخيصة ومصادر أولية من الممكن فهمه في إطار إنخفاض أسعار النفط وبالتالي إنخفاض أسعار الطاقة. في الفترة الأولى(1960-1973) التي شهدت بداية إزدياد حركة التجارة العالمية, فقد كان سعر برميل النفط 14 دولار. في الفترة(1978-2002) فقد تم تخفيض تعرفات الحماية الجمركية 30% كما أن سعر برميل النفط مازال في حدود المعقول حيث بلغ 25 دولار.
في الفترة بين الصدمة النفطية الأولى سنة 1973 و1979, فقد توقف نمو التجارة الدولية رغم تخفيض تعرفات الحماية الجمركية بنسبة 25% ولكن في الوقت نفسه فقد إرتفعت تكلفة النقل إلى ثلاثة أمثالها على الأقل. في الفترة التي أعقبت الصدمة النفطية الأولى فقد إنخفض حجم الصادرات الغير بترولية للولايات المتحدة بنسبة 6% في فترة خمسة سنين لاحقة حتى نهاية سنة 1978 وبداية سنة 1979 في الوقت نفسه الذي إرتفعت واردات دول أمريكا اللاتينية والكاريبي للولايات المتحدة بنفس النسبة.
هل سوف يتسبب الإرتفاع المقبل في أسعار النفط في إعادة ترسيم خريطة التجارة العالمية وإزدهار التجارة الإقليمية وسقوط فكرة العولمة وإتفاقيات التجارة الحرة كما حصل سنة 1973, وسنة 1979 والذي تكرر سنة 2008 حين تجاوز سعر برميل النفط حاجز 100 دولار مما أدى ألى موجة كساد إقتصادي مازالت مستمرة حتى وقتنا الحالي؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Saturday, March 19, 2016

كيف تم إستخدام النفط كأحد أبرز الأدوات لإستهداف أوروبا إقتصاديا(3)؟

في الولايات المتحدة وإثر إنفجار فضيحة ووتر غيت في الفترة التي سبقت حرب سنة 1973 فقد أقنع هينري كيسنجر الرئيس ريتشارد نيكسون بتعيينه في منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي فأصبح بحكم منصبة متحكما بكافة خيوط اللعبة خصوصا أنه قد حامت حوله الشكوك بتورطه في فضيحة ووتر غيت كونه كان مستفيدا من إكتشاف الفضيحة في تجميع المزيد من السلطات بين يديه خصوصا أنه أصبح مستشار الأمن القومي بالإضافة إلى منصبه كوزير للخارجية.
وفي شهر فبراير\1973 فقد تمكن هينري كيسنجر من إقناع الرئيس الأمريكي نيكسون من تشكيل لجنة ثلاثية مؤلفة من وزير الخزانة جورج شولتز(George Shultz), مستشار الأمن القومي هينري كيسنجر(Henry Kissinger) ومساعد الرئيس الأمريكي جون إينرلخمان(John Ehrlichman). لجنة الطاقة الخاصة للبيت الأبيض(White House Special Energy Committee) كان إسم اللجنة التي كان دور هينري كيسنجر فيها مركزيا ومحوريا. في بدايات سنة 1973 فقد بدأت المخزونات الإستراتيجية النفطية الخاصة بالولايات المتحدة بالإنخفاض إلى مستويات كان من المفترض أن تطلق أجراس إنذار.
وليام إي سيمون(William E Simon) هو أحد مساعدي جورج شولتز في وزارة الخزانة والذي تم إرساله إلى المملكة العربية السعودية وإيران في محاولة للعمل على خفض الأسعار عبر زيادة في كمية إنتاج النفط وهو ماكانت المملكة العربية السعودية ممثلة بوزير النفط الشيخ يماني تدعمه. مهمة وليام سيمون لم تكن إلا عبارة عن تمثيلية مسرحية لأن هينري كيسنجر بوصفه وزير للخارجية فقد عمل على حجب الدعم عن مهمة وليام سيمون في السعودية كما أنه كانت هناك تفاهمات مسبقة مع شاه إيران بخصوص إبقاء أسعار النفط مرتفعة. وكما كان يردد السفير الأمريكي في السعودية جيمس إيكنز(Games Akins) بأن وزير النفط السعودي الشيخ أحمد زكي اليماني توصل إلى قناعة بأن الولايات المتحدة لاترغب بخفض سعر النفط أو على الأقل هينري كيسنجر ليس جادا في محاولاته للقيام بذالك. هينري كيسنجر بوصفه وزيرا للخارجية قام لاحقا بطرد جيمس إيكنز من منصبه.
في وقت مبكر من سنة 1974 فقد قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بإرسال أحد كبار مستشاري البيت الأبيض لوزير الخزانة الأمريكي من أجل البحث في مسألة تخفيض سعر برميل النفط ولكن بدون تحقيق أي نتيجة إيجابية حيث ذكر أن كبار رجال البنوك هم من قام بوضع الإقتراح بتخفيض سعر النفط جانبا وبدلا منه كانوا يضغطون في إتجاه كيفية الإستفادة من عوائد النفط المرتفعة فيما أصبح يعرف بإعادة تدوير البيترو-دولار(Petrodollar Recycling). في تلك الفترة فقد شهدت البنوك الغربية وعلى وجه الخصوص بنوك وول ستريت إنتعاشا لامثيل له بفضل عشرات المليارات من الدولارات التي ملئت خزائنها من عائدات النفط المرتفعة. على سبيل المثال فقد حققت إيران في تلك الفترة عائدات سنوية من النفط حصريا بلغت 14 مليار دولار تقريبا كان أغلبها يمر ببنوك وول ستريت
مساعد وزير الخزانة الأمريكي جاك بينيت(Jack F Bennett) والذي إشتهر بأنه بمساعدة بول فولكر قاما بتقديم النصيحة للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بخصوص التخلي عن إتفاقية بريتون وودز لعب دورا بارزا في إعادة تدوير البيترو-دولار(Petrodollar Recycling). جاك بينت الذي بدأ عمله مع وزارة الخزانة سنة 1971 قادما من شركة إكسون(Exxon) قام بزيارة للمملكة العربية السعودية لإضفاء الطابع الرسمي على صفقة التحالف الإستراتيجي السعودي-الأمريكي وذالك مع مؤسسة النقد العربي السعودي(Sama) التي تتعهد بإستثمار حصة رئيسية من العائدات المالية الناتجة عن إرتفاع أسعار النفط في سندات الدين التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية وضمان أن يتم بيع وتسعير النفط بالدولار الأمريكي وذالك مقابل تعهدات بإعطاء السعودية أفضلية في الحصول على أحدث التكنولوجيا العسكرية والتدريب العسكري. إعادة تدوير البيترو-دولار(Petrodollar Recycling) قامت بتمويل النهوض الإقتصادي الأمريكي فيما أصبح يعرف بالقرن الأمريكي(American Century) على الرغم من تداعي الصناعة المحلية الأمريكية.
جاك بينيت قام بإرسال دافيد ميلفورد(Davide Milford) كمستشار إستثماري لمؤسسة سما السعودية لضمان إعادة تدوير البترو-دولار للبنوك المناسبة والتي كانت على الأغلب في لندن ونيويورك. دافيد ميلفورد تولى عدة مناصب مهمة منها سفير للولايات المتحدة في الهند, عضو في مجلس المديرين لمؤسسة (Credit Suisse First Boston) وهي أحد أفرع بنك (Credit Suisse) وهي مؤسسة مالية مصرفية متعددة الجنسيات مقرها الرئيسي في سويسرا.
أموال إعادة تدوير البترو-دولار كانت تدخل البنوك في نيويورك ولندن لتخرج منها على شكل قروض بفوائد مرتفعة لدول مثل البرازيل والأرجنتين لتمويل وارداتها النفطية مما أصاب إقتصاديات تلك الدول بالعجز التدريجي وصولا للأزمة المالية التي بدأت ترخي بظلالها سنة 1980 وتسببت بركود إقتصادي على المستوى العالمي.
وفي منتصف سنة 1974 وأزمة إرتفاع أسعار النفط في ذروتها فقد لعب ماريون هوبرت(Marion Hubert) المعروف بإسمه الأكثر شهرة الملك(Marion King Hubbert) دورا رئيسيا في الأزمة النفطية حين أدلى بتصريحات صادمة كعادته لمجلة ناشيونال جيوغرافيك هذه المرة بأن إنتاج النفط في العالم سوف يصل لذروته(Peak) سنة 1995. هوبرت إشتهر قبل ذالك بتصريحاته بأن إنتاج النفط في الولايات المتحدة سوف يصل لمرحلة الذروة سنة 1970. الأكاديمية الوطنية للعلوم(National Academy Of Science) سارعت سنة 1970 لتبني تصريحات هوبرت وإعطتها المصداقية متراجعة عن تقديراتها السابقة التي وصفتها بالمتفائلة وأنها كانت تقديرات غير صحيحة. الأموال التي كانت يتم بها تمويل الأكاديمية القومية للعلوم مصدرها بشكل رئيسي مجموعة الشركات النفطية ومؤسسة روكفلر والتي كانت تستخدم الأبحاث العلمية للمؤسسة للمضي قدما في أجنداتها ومنح تقاريرها المصداقية. هوبرت تلقى جائزة الخدمة العامة(Public Service Award) من مؤسسة روكفيلر نتيجة دوره وأبحاثة في مجال النفط بما يخدم أجندات الشركات النفطية ويحقق أهدافها وخصوصا أجندات لها علاقة بالبيئة بإستخدام أساليب دعائية ملتوية متعلقة بأزمة بيئية ومناخية سببها الرئيسي الإنبعاث الكربوني.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الثالث والأخير

Saturday, March 12, 2016

كيف تم إستخدام النفط كأحد أبرز الأدوات لإستهداف أوروبا إقتصاديا(2)؟

هنري كيسنجر الملقب بالثعلب والذي كان شغل مناصب في الحكومة الأمريكية مثل وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون تولى المهمة الرئيسية للتأكد من سير الأحداث بالإتجاه الذي تم الإتفاق عليه في ذالك الإجتماع بدون إثارة الشكوك حول دور المصالح النفطية والبنكية الغربية وأنها المحرك الرئيسي للأحداث.
بتاريخ 16\أكتوبر\1973 في إجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط(الأوبك) والذي عقد في فينا فقد تم إتخاذ قرار بزيادة سعر برميل النفط 70% إلى 5.11 دولار\برميل مقارنة بسعره السابق 3.01 دولار\برميل. وفي نفس اليوم تم إتخاذ قرار بحظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة وهولندا التي كانت تعتبر الميناء النفطي الرئيسي لدول غرب أوروبا. وفي اليوم التالي 17\أكتوبر فقد تم إتخذت أوبك قرار بتخفيض الإنتاج 5% من مستوياته في شهر سيبتمبر والإستمرار بنفس نسبة التخفيض كل شهر حتى إستعادة حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته على أراضي 1967.
في إجتماع أوبك من شهر ديسمبر\1973 فقد تم وبناء على طلب شاه إيران برفع سعر برميل النفط إلى 11.65 دولار\برميل وهو مايعادل 400% زيادة في مستوى سعره. الطلب الذي تقدم به شاه إيران محمد رضا بهلوي كان بالتنسيق في وقت سابق مع هينري كيسنجر الذي كان يعمل لتحقيق أجندات إجتماع (Saltsjöbaden).
الملك السعودي الراحل فيصل تلقى إجابة فاجئته حين أرسل وزير النفط السعودي وأمين عام منظمة الأوبك الشيخ أحمد زكي اليماني لسؤال شاه إيران عن سبب تقدمه بطلب لرفع سعر برميل النفط بتلك النسبة التي كانت سوف تضر بالإقتصاديات الغربية بما يتعارض مع مصالح أوبك. الإجابة كانت بإختصار(إسألوا هنري كيسنجر). العلاقة بين شاه إيران والشركات النفطية الأمريكية والبريطانية كانت أكثر من وثيقة خصوصا بعد الإنقلاب على حكومة مصدق وإعادته للسلطة حيث تلقى عدة أشخاص ومؤسسات صحفية وغربية هبات مالية من مؤسسة بهلوي(Pahlavi Foundation). متانة تلك العلاقة وصلت لدرجة أنه في أثناء زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون برفقة هينري كيسنجر لإيران سنة 1972 فقد تم السماح لشاه إيران بشراء كافة أنواع السلاح الأمريكي بإستثناء السلاح النووي وهو إمتياز لم يمنح لغير إيران في تلك الفترة. كما أن شاه إيران أمر بالإحتفاظ بالحسابات الرئيسية للحكومة الإيرانية, العائدات النفطية الضخمة إثر زيادة سعر برميل النفط والتي بلغت 400% بالإضافة إلى حسابات مؤسسة بهلوي في بنك تشيس مانهاتن(Chase Manhattan) والذي تسيطر عليه بشكل رئيسي أسرة روكفلر والتي كانت تعمل في مجال النفط. نفس البنك قام بمنح هينري كيسنجر إثر تركه العمل الحكومي منصبا في اللجنة الإستشارية الدولية للبنك.
في أواسط شهر أكتوبر\1973 أرسلت حكومة المستشار الألماني ويلي براندت(Willy Brandt) رسالة للولايات المتحدة متعلقة بالرغبة الألمانية في البقاء على الحياد فيما يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط. هينري كيسنجر من ناحيته رفض السماح لحكومة ويلي براندت بإعلان الحياد وأرسل رسالة للمستشار الألماني تحمل تهديدا مبطنا بإستخدام السلاح النفطي ضد كل دولة أوروبية تعلن حيادها. المثير للإستغراب أن بريطانيا وهي لاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط أعلنت وبموافقة أمريكية حيادها وبالتالي تمكنت من تجنب الأثار الإقتصادية للحظر النفطي الذي أعلنته دول الأوبك.
ثعلب السياسة الأمريكي سارع التدخل في الأزمة النفطية وذالك في سبيل جهوده لمنع الدول الأوروبية وبعض الدول الأسيوية من إتخاذ مبادرات فردية خارج الخطوط السياسية التي رسمتها الولايات المتحدة من أجل منحها إستقلالية أكبر للوصول إلى نفط الشرق الأوسط. التدخل الأمريكي في ظاهره كان للتنسيق مع الدول الأوروبية وفي باطنه من أجل الحفاظ على المصالح الأمريكية فتم تأسيس وكالة الطاقة الدولية(IEA) لخدمة مصالح كبريات الشركات النفطية والبنوك التي إستفادت من الإرتفاع المفاجئ في أسعار النفط.
منظمة الدول المصدرة للنفط(OPEC) خرجت إلى حيز الوجود سنة 1960 بعضوية خمسة دول هي إيران, العراق,الكويت,السعودية وفنزويلا. وفي سنة 1971 ضمت إلى عضويتها ستة دول هي قطر, أندونيسيا, الإمارات العربية المتحدة, ليبيا,الجزائر ونيجيريا. منظمة أوبك كانت تمتلك سيطرة إسمية على أسعار النفط التي كان يتم التلاعب بها من وراء الستار بواسطة كبريات شركات النفط العالمية والبنوك والسياسيين الغربيين وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا التي كانتا تسيطران على طرق الملاحة البحرية التي كانت طريقة المواصلات الرئيسية لنقل النفط بواسطة الناقلات العملاقة.
أحد الأسباب المحتملة لتغاضي الولايات المتحدة عن منظمة الأوبك ونشاطاتها لفترة زمنية طويلة هو أن إلقاء اللوم على كتلة من الدول تنضوي تحت مظلة منظمة واحدة أسهل من التعامل مع 11 دولة واحدة تلو الأخرى. الوسائل الإعلامية الغربية ركزت هجومها على أوبك إثر الصدمة النفطية وخصوصا وزير النفط السعودي السابق الشيخ أحمد زكي اليماني حيث تم إتهام الأوبك بالجشع وأنها مسؤولة عن اسوأ أزمة نفط تواجه الدول الغربية والتي أدت إلى كساد إقتصادي وإجرائات تقشفية وطوابير طويلة أمام محطات الوقود خصوصا في الولايات المتحدة.
شركات النفط العملاقة مثل إكسون(Exxon) وشركات النفط البريطانية بدأت منذ سنة 1972 بتخفيض إمدادات النفط للأسواق الأمريكية والأوروبية للتمهيد للأزمة النفطية القادمة ومضاعفة تأثيراتها السلبية. والتر جي ليفي والذي ألقى كلمة في إجتماع (Saltsjöbaden) ذكر فيه الأزمة النفطية القادمة وإرتفاع أسعار النفط 400% قبل حلولها بستة أشهر قد قام في شهر تموز\1974 بكتابة مقال مهم في جريدة الشؤون الخارجية(Foreign Affairs) والتي كانت تعتبر تابعة لمجلس العلاقات الخارجية الذي كان يشغل ديفيد روكفلر منصب رئيس المجلس. المقال كان بعنوان (World Oil Cooperation or International Chaos) وفيه قام والتر ليفي بتوجيه أصابع الإتهام لحكومات الدول العربية المنتجة للنفط وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية بوصفها صاحبة أكبر قدرة إنتاجية وتخزينية بانها سيطرت بشكل كامل على صناعة النفط في بلدانها وأنها تتحكم في الأسواق وتقوم بتقنين إمدادات النفط بشكل متعمد. كما أن ليفي قام بالدعوة لسياسة تقليل الإعتماد على النفط المستورد وإيجاد برامج للطاقة البديلة فيما تبين أنها إحدى طرق القوة الناعمة التي تتبعها كبريات شركات الطاقة التي يعمل ليفي لحسابها والتي تحاول على الدوام إستخدام الطاقة كإحدى وسائل السيطرة والتحكم بالشعوب.
كما أن جريدة النيويورك تايمز نشرت موضوعا بتاريخ إبريل\1972 في سبيل التمهيد لأزمة الطاقة القادمة حيث طالبت بإجرائات تقشفية لمنع الهدر في إستهلاك الوقود.
الشركات النفطية الأمريكية والبريطانية على وجه الخصوص كان لها مصلحة في الإرتفاع المفاجئ في سعر النفط لأن ذالك جعل إستثماراتها في حقول النفط البحرية في البحر الشمالي وفي ألاسكا مجدية إقتصاديا حيث تم إستثمار مليارات الدولارات. حقول النفط الأمريكية في ألاسكا وحدها بلغت تقديرات كميات النفط المجدية إقتصاديا والتي تم إكتشافها فيها أكثر من 10 مليارات برميل حيث أدى المسح الجيو-فيزيائي للمنطقة إلى إكتشاف إحتمالية وجود عدد من حقول النفط الضخمة فيها.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الثاني

Saturday, March 5, 2016

كيف تم إستخدام النفط كأحد أبرز الأدوات لإستهداف أوروبا إقتصاديا(1)؟

شهدت سنة 1971م تراجع مكانة الولايات المتحدة الإقتصادية والعسكرية والسياسية على المستوى العالمي وذالك لمجموعة أسباب. أول تلك الأسباب أن تلك السنة شهدت نهاية إتفاقية بريتون وودز التي عقدت سنة 1944 والتي ضمنت للدولار مكانه كعملة إحتياطية عالمية مقابل ربطه بالذهب 35 دولار للأونصة. ثاني تلك الأسباب هو حرب فيتنام التي أصبحت تراوح مكانها بدون نصر عسكري حاسم. ثالث تلك الأسباب هو مناخ من عدم الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا واليابان خصوصا بعد تخليها عن إتفاقية بريتون وودز وإتخاذ بعض الدول الغربية موقفا محايدا من الصراع في الشرق الأوسط وقضية فلسطين.
من الناحية الصناعية والإقتصادية فإن الولايات المتحدة قد شهدت تراجعا تدريجيا وصل لذروته في تلك السنة بسبب تقادم وتهالك البنية الصناعية والتي شهدت تقدما ملحوظا أثناء الحرب العالمية الثانية والفترة التي تلتها حتى منتصف الستينيات. أحد الأسباب هو الدمار الذي لحق بأوروبا وأسيا بسبب الحرب بينما بقيت الصناعة الأمريكية سليمة والولايات المتحدة بعيدة عن أثار الحرب المدمرة. ولكن بفضل توفر الحماية العسكرية الأمريكية وخطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا فقد تمكنت الدول الأوروبية خصوصا ألمانيا الغربية, إيطاليا, فرنسا وفي أسيا اليابان من إعادة بناء إقتصادياتها وفق أحدث المعايير التكنولوجية مما أدى إلى بداية إختلال الميزان التجاري لصالح تلك الدول وتزايد مطالباتها منذ منتصف الستينيات بمبادلة كمية الدولارات التي راكمتها بالذهب بموجب إتفاقية بريتون وودز. في الفترة التي سبقت ذالك فإن الولايات المتحدة كانت تمتلك تقريبا 70% من الذهب في العالم لأنها كانت تشترط الدفع بالذهب مقابل الأسلحة والذخائر والإمدادات التي كان تقوم بتزويد حلفائها بها أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية. إستمرار نزيف السبائك الذهبية من الولايات المتحدة لصالح دول أوروبية مثل فرنسا, هولندا, إيطاليا قد أدى إلى خطاب الرئيس الأمريكي الشهير بتاريخ 15\أغسطس\1971 الذي لمح فيه إلى مايشبه المؤامرة على الإقتصاد الأمريكي.
الدول الغربية فقدت ثقتها بالدولار بسبب خوفها من التضخم الذي تسبب به قيام الحكومة الأمريكية بزيادة كمية الدولار المطبوعة من أجل تغطية نفقات حرب فيتنام وخطة الرئيس الأمريكي ليندون جونسون التي عرفت بالمسدس والزبدة(Guns and Butter) والتي أدت إلى زيادة كبيرة في الإنفاق على برامج الرعاية الإجتماعية وزيادة الإنفاق العسكري في الوقت نفسه. كما أنه كانت هناك موجة شراء للشركات الأوروبية من شركات في الولايات المتحدة بإستخدام دولارات تتضائل قيمتها تدريجيا مع مرور الوقت. كمية الذهب التي كانت بحوزة بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي إنخفضت من 25 مليار دولار إلى ماقيمته 12.5 مليار دولار بحلول سنة 1971م.
بحلول سنة 1973 كان الدولار الأمريكي قد فقد 40% من قيمته أمام عملات مثل المارك الألماني بسبب موجة بيع بدأت إثر قرار ريتشارد نيكسون التخلي عن إتفاقية بريتون وودز. ولكن إنحدار قيمة الدولار الأمريكي لن تستمر وسوف تأخذ منحا عكسيا في الشهور القليلة القادمة.
في مايو\1973 تم عقد إجتماع من قبل أربعة وثمانين(84) من نخبة رجال السياسة والمصارف والأعمال وكبار منتجي النفط في العالم في منتجع مملوك لأسرة والينبرغ(Wallenberg) التي تعمل في مجال البنوك والمصارف في السويد في جزيرة منعزلة تدعى(Saltsjöbaden). الإجتماع المغلق لمايعرف بمجموعة (Bilderberg) إستمع لموظف سابق كان يعمل في مكتب الخدمات الإستراتيجية الأمريكي(OSS) يدعى والتر جي ليفي(Walter. J. Levy) بخصوص إرتفاع وشيك يبلغ 400% في مداخيل الدول الأعضاء في منظمة أوبك. الهدف من ذالك الإجتماع الذي شارك فيه وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيسنجر كان ليس محاول منع ذالك الإرتفاع الوشيك في أسعار النفط بل كيفية الإستفادة من تلك المداخيل الضخمة خصوصا لمصلحة الولايات المتحدة فيما أطلق عليه وزير الخارجية الأمريكي إعادة تدوير البترو-دولار (Recycling The Petrodollar).
والتر جي ليفي(Walter. J. Levy) كان لاجئا ألمانيا في الولايات المتحدة عمل مع مكتب الخدمات الإستراتيجية الأمريكي(OSS) حيث قام برسم خرائط دقيقة لكافة المنشئات التي تقوم على إستخراج الوقود الصناعي من الفحم. بعد إنتهاء الحرب فقد عمل والتر ليفي مع مكتب هيئة الأركان الأمريكية المشتركة وفي الفترة بين 1948-1949 فقد كان مسؤولا عن مكتب النفط في إدارة التعاون الإقتصادي المسؤولة عن تطبيق خطة مارشال حيث أشرف على تمكين شركات نفط روكفلر من السيطرة على قطاع النفط والطاقة على الساحة الأوروبية.
إجتماع مجموعة البيلدبيرغ(Bilderberg) بدأ في مايو 1954 في أحد الفنادق الهولندية والذي تم تسميته لاحقا فندق البيلدبيرغ حيث تجتمع النخبة السياسية والإقتصادية الأوروبية من كبار رجال المصارف والبنوك والعلماء وخصوصا ممن كانوا على علاقة مباشرة بإمبراطور النفط التي تمتلكها أسرة روكفيلر. إجتماعات البيلدبيرغ من المفترض أنها سرية ويتم حضورها بواسطة دعوة مرسلة بالإسم وتسلم باليد للشخص المعني حيث أنه عندما يتم الإتفاق على قرارات وأجندات الإجتماع فإن المشاركين فيه يستغلون أي فرصة تتاح لهم لإعطاء تصريحات صحفية أو تنفيذ تلك الأجندات المتفق عليها بدون ذكر أي البيلدبيرغ. قائمة المدعوين بالطبع كانت تتغير من سنة لأخرى ويتم إختيارها وبدقة شديدة.
إجتماعات البيلدبيرغ تعتبر من أفضل أليات صناعة القرار حول العالم في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية حيث أن الهدف منها هو مشاركة شخصيات أوروبية بارزة بما يخدم التحالف الأنجلو-أمريكي وخصوصا أهداف الولايات المتحدة السياسية والإقتصادية.
الإجتماع الذي تم عقده في مايو\1973 ناقش بشكل رئيسي مسألة إعادة التوازن للدولار الأمريكي الذي يواصل الهبوط مقارنة بأسعار صرف العملات الأخرى بعد قرار الرئيس ريتشارد نيكسون الشهير بفك إرتباط الذهب بالدولار بشكل نهائي. الإجتماع تم بمشاركة ممثلين عن كبار رجال البنوك والمصارف وشركات النفط التي كان لها مصلحة في دولار قوي خصوصا بنوك وول ستريت والمرتبطة بشركات النفط.
في عالم لم يعد فيه الدولار مدعوما بغطاء ذهبي وخسر حوالي 40% من قيمته فإن القرار الذي تم إتخاذه من أجل رفع قيمة الدولار هو تخفيض قيمة العملات الأخرى عن طريق تخفيض النمو الإقتصادي القوي لبلدان مثل ألمانيا. إن ذالك يذكرني بأزمة اللاجئين التي تعاني منها ألمانيا حاليا حيث إستقبلت مليون لاجئ والبعض يظن أنه حركة اللاجئين هي عفوية وأن 30 ألفا من المهربين يعملون بعفوية وينسقون على جروب واتس أب وأن التسامح الألماني إستقبل اللاجئين بعفوية وان الطيبة والكرم والتسامح الألماني هو كله عفوي. فائض الميزانية الألماني هذه السنة بلغ ضعفي المتوقع حيث بلغ 12 مليار يورو بدلا من 6 مليار يورو وهو يعني بداية التعافي من أزمة اليورو وإستعداد ألمانيا لإمتصاص أي صدمات إقتصادية قادمة بإعتبارها القوة المحركة للإتحاد الأوروبي وصاحبة أقوى إقتصاد فيه فكان لابد من إشغالها وإنهاكها إقتصاديا وليس هناك أفضل من إيجاد أزمة اللاجئين من العدم لإستنزاف الإقتصاد الألماني.
ومن أجل تحقيق غايتهم فقد قرر المجتمعون في (Saltsjöbaden) وعلى وجه الخصوص ممثلي الشركات النفطية إستخدام سلاح النفط من أجل تحقيق غايتهم.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الأول

Tuesday, March 1, 2016

كيف تحول النفط من سلعة إلى أحد أهم الأسلحة المستخدمة في الحروب(3)؟

بتاريخ 22\أكتوبر\1922 وهو اليوم اللاحق لإستسلام القوات اليونانية للجيش التركي بقيادة مصطفى كمال اتاتورك, قامت السير بيرس كوكس بالنيابة عن الحكومة البريطانية بالتوقيع على معاهدة الحماية البريطانية للعراق مع الملك فيصل إبن الشريف حسين بمايضمن سيطرتها على الجيش, الإقتصاد والأهم حقول النفط.
في الشهر اللاحق لتوقيع الإتفاق, نوفمبر\1922, فقد قامت قوات عراقية بقيادة بريطانية بالزحف والسيطرة على حقول النفط في منطقتي الموصل وكركوك بعد إتفاق بريطاني\فرنسي يقضي بالسماح لفرنسا بالسيطرة على منطقة الرور الصناعية والتي تقع في مقاطعة الراين الألمانية بذريعة ضمان حصة فرنسا في تعويضات الحرب العالمية الثانية التي توجب على ألمانيا دفعها. كما أن إتفاقية فرساي التي تم التوقيع عليها سنة 1919 تضمنت بنودا لها علاقة بإنتقال الحصص التي يملكها بنك دويتشه الألماني من خط سكة برلين-بغداد إلى شركة بريطانية-فرنسية-إيطالية مشتركة بواسطة محكم من عصبة الأمم التي كانت تحت السيطرة البريطانية عمليا وتم إنشائها مباشرة إثر إنتهاء الحرب العالمية الأولى وتوقيع معاهدة فرساي.
الحكومة الإيطالية كانت تعتبر العراق جزءا من الإمبراطورية الرومانية حيث كانت تعارض منحه الإستقلال بالتعارض من وجهة النظر الألمانية. الحكومة الألمانية من جانبها قامت بتأجيل بحث المسألة العراقية حتى بداية حملة بارباروسا سنة 1941 مماضيع الفرصة لقيام ثورة في العراق تكون موالية لإيطاليا. ولعل سبب التأجيل هو أن التحالف الألماني-الإيطالي لم تكن ملامحه متضحة بشكل كامل حيث كان هناك خلافات دبلوماسية بين البلدين لعل أهمها متعلق بمعارضة إيطاليا لعملية بارباروسا.
في كانون الثاني سنة 1941 فإن المسؤولين والمخططين الإستراتيجيين لحملة بارباروسا قد قاموا بتبادل مذكرات داخلية بينهم وبين القيادة الألمانية متعلقة بالعراق وأهمية تركيز السياسة الخارجية الألمانية على منطقة الشرق الأوسط وخصوصا العراق الغني بحقول النفط. تلك المذكرات الداخلية تناولت تفاصيل متعلقة بإحباط مساعي إيطاليا لمنع قيام ثورات داخلية خصوصا في العراق وفلسطين تكون مؤيدة لدول المحور حيث نصح المستشارون القيادة الألمانية تقديم كافة أشكال الدعم الممكن لقيام تلك الثورات.
وفي شهر مايو 1941 بدأت الحملة الألمانية-الإيطالية المشتركة في شمال أفريقيا والتي تستهدف السيطرة على مصر كخطوة أولى لتهديد الهند التي كانت تعتبر درة التاج البريطاني ومن ثم السيطرة على العراق وحقوله الغنية بالنفط عن طريق تقديم الدعم لثورة رشيد عالي الكيلاني وكذالك محمد أمين الحسيني في فلسطين وللقوى المناوئة لبريطانيا وفرنسا في كل من سوريا وإيران.
في أبريل سنة 1941 قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق بمساندة القوى القومية المؤيدة لألمانيا والمعارضة لبريطانيا حيث تم عزل الملك فيصل. ردة فعل الحكومة البريطانية كانت فورية حيث تم إنزال 14 ألف جندي هندي من ضمن القوات البريطانية العاملة في الهند كما قامت القوات الجوية البريطانية بتدمير الدعم الجوي الضعيف الذي قدمته ألمانيا للكيلاني وحلفائه. بريطانيا نجحت في إفشال ثورة رشيد عالي الكيلاني حيث أن الدعم الذي حاولت ألمانيا تقديمه كان ضعيفا وغير متناسب مع حجم الأمال المعقودة في السيطرة على حقول النفط في العراق وخط نقل الأنابيب الذي يمر بفلسطين في منطقة حيفا والذي كانت وجهته النهائية مدينة طرابلس التي تقع حاليا في لبنان.
ألمانيا خسرت الحرب العالمية الثانية بسبب نفاذ مخزونها من الوقود وتلك ليست مزحة بل معلومات وردت في نتائج التحقيق المبدئي الذي أمر به الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت سنة 1944. التقرير أورد معلومات عن أن التأثير الأكبر للحملات الجوية ضد ألمانيا سوف يؤتي ثماره في حالة قصف المنشئات التي تقوم بتزويد الألة الحربية الألمانية بالنفط الصناعي بالإضافة للحملات العسكرية للسيطرة على حقول النفط في رومانيا والمجر. التقرير ذكر عدد 13 منشأة رئيسية لإنتاج الوقود الصناعي و3 منشئات فرعية تعمل على تزويد ألمانيا بما نسبته 25 تقريبا من إحتياجاتها من الوقود خصوصا سلاح الجو الألماني. بحلول حزيران 1944 فقد تمكنت حملات القصف المستمرة منذ سنة 1943 والتي قامت بها أكثر من 6 ألاف طائرة من الحلفاء قامت بإلقاء 18 ألف طن من القنابل من إصابة كل المنشئات الرئيسية بأضرار بالغة حيث لم يتم إستعادة الإنتاج لمستواه الطبيعي. في سلسلة رسائل من وزير التسليح الحربي الألماني ألبرت سبير للقيادة العسكرية الألمانية فقد ذكر الضرر البالغ الذي أصاب إنتاج النفط الصناعي بسبب حملات القصف المستمرة من قبل طيران الحلفاء حيث أصيب الإنتاج بخسارة بلغت 90% من الطاقة الإنتاجية.
المسؤول عن ذالك التقرير وعن الخطط التفصيلية لإستهداف تلك المنشئات الألمانية هو ضابط أمريكي من مواليد ألمانيا يعمل في مكتب الخدمات الإستراتيجية(OSS) يدعى والتر جي ليفي(Walter. J. Levy) والذي قدر له أن يلعب دورا رئيسيا في أزمة 1973 النفطية والتي يتداول على نطاق واسع أنه تم تحويرها لتستهدف ألمانيا او أنها بالأساس تم إستغلال أحداثها لإستهداف القوة الصناعية الألمانية التي أوشكت في تلك الفترة على إبتلاع أوروبا ليس عن طريق القوة العسكرية بل بإستخدام التقدم العلمي والصناعي.
إن من أهم نتائج الحرب العالمية الثانية أنه تم التوصل لإستنتاج من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام إلى أهمية النفط كسلاح يستخدم في الحروب. المخططون الإستراتيجيون والعسكريون فهموا دور النفط وأنه أهم سلاح يتحكم في مسار الحرب ونتائج المعارك مماأدى إلى تحول جذري في طريقة تخطيط وخوض المعارك حيث أصبح تأمين أبار النفط وإحتياطياته أولوية قصوى.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية