Flag Counter

Flag Counter

Sunday, January 29, 2017

نظرية التعقيد والأزمة الإقتصادية القادمة

حتى نقوم بتحليل أسباب الكوارث المالية الكبرى والإنهيارات الإقتصادية فعلينا أن ننظر للأسواق المالية وادواتها من خلال نظرية التعقيد والتي كنت قد تكلمت عنها في موضوع سابق والتي تتميز بأربعة خصائص وهي تنوع العوامل, الترابط, التوافق والقابلية للتكيف.
أول تأثير لتطبيق نظرية التعقيد على مسألة إنهيار الأسواق المالية هي طريقة حساب حجم المشتقات المالية (Derivative) والتي تبلغ حاليا أكثر من 650 مليار دولار, أي أكثر بتسعة مرات من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي وبحسب قيمتها الإجمالية(Gross Amount) وليس القيمة الصافية(Net Amount). التأثير الثاني هو حجم الكارثة والتي ليس لها مثيل لا في الماضي ولن يكون لها مثيل في المستقبل.
الحل لتلك المشكلة معروف للجميع ولكن لا يبدو هناك من يدعو بحماس لتطبيقه ويتمثل بعودة قانون جلاس-ستيجال للتمييز بين المصارف الإستثمارية والتجارية ومنع الأخيرة من المضاربة بأموال المودعين في عمليات تتضمن شراء وبيع أصولو أغلبها مسمومة ومشكوك في قيمتها. كما يتضمن الحل تفكيك البنوك الكبيرة والتي تعمل وفق مفهوم أكبر من أن يفشل(Too big To Fail) حيث يتم إنقاذها من الإفلاس من أموال دافعي الضرائب كنتيجة لتدوالها أصولا وأدوات إستثمارية إحتيالية بمبالغ خيالية. إن ذالك لن يمنع إنهيار البنوك أو حتى إعلان إفلاس بعضها ولكن وقع ذالك وتأثيره على مجمل النظام المالي والمصرفي في الولايات المتحدة والعالم سوف يكون بأقل درجة ويسمح بتقديم ضمانات حكومية للإستثمارات الحقيقية الملموسة والتي هي السبب في النمو الإقتصادي وخلق الوظائف.
الكارثة القادمة سوف تتجاوز قدرة بنك الإحتياطي الفيدرالي على معالجتها لأنه بموارده بالكاد تمكن من منع الإنهيارا لكلي للنظام المالي والمصرفي أثناء أزمة 2007\2008 والأزمة القادمة أكبر بكثير من قدراته الحالية. الأنظار تتجه لصندوق النقد الدولي الذي من المتوقع أن يتبوأ مركز الصدارة ويقوم بإصدار وحدات من حقوق السحب الخاصة في محاولة إنقاذ مايمكن إنقاذه.
إن المواطنين العاديين, المودعين, المتقاعدين هم الضحية الحقيقية للتلاعب بالنظام المالي العالمي من قبل كبريات البنوك والشركات الإستثمارية وصناديق التحوط والتي سوف تستمر في العمل بطريقة أو بأخرى بينما يجتمع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمحاولة وضع قوانين جديدة للعبة وإصلاح الوضع. نجاحهم يعني تجنب كوارث مالية وتسونامي إقتصادي يؤدي إلى إضطرابات إجتماعية واسعة سوف يتم قمعها بواسطة قوات شرطة شبه عسكرية, الجيش, طائرات بدون طيار وأنظمة مراقبة متطورة.
النظام المالي المستقبلي سوف يكون نظاما ماليا لا يلعب فيه الدولار الأمريكي بل وبلا مبالغة أغلب العملات الورقية إن لم نرغب في المبالغة بالقول أنها جميعها سوف تختفي تدريجيا. دول مثل الصين,روسيا, فنزويلا وحتى الهند وأغلب دول مايعرف بالبركس ترغب في التخلي عن الدولار كعملة إحتياطية عالمية في المرحلة الأولى تمهيدا لإلغائه وجعله من ذكريات الماضي.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Sunday, January 22, 2017

حروب المستقبل والأزمات الإقتصادية


حروب المستقبل سوف يكون ميدانها في كل مكان ولن تكون محصورة في بقعة جغرافية معينة حيث من الممكن شن حرب إقتصادية من غرفة كمبيوتر أو من خلال أوامر بيع وشراء في البورصة وتحقيق نتائج مدمرة تزيد في تأثيراتها عن الحروب التقليدية. دوائر صنع القرار الغربية بدأت مؤخرا بالإهتمام بتلك النوعية من الحروب وهناك أقسام في دوائرها الأمنية متخصصة في دراسة الحروب الإقتصادية والأدوات الممكن إستخدامها وتأثير ذالك على أمنها القومي.
إجمالي ماتمتلكه الصين من السندات الأجنبية هو 3 تريليون دولار نصفها من سندات وزارة الخزينة الأمريكية وأي تخفيض في قيمة الدولار الأمريكي يعني خسارة الصين مبلغا لايستهان به من ثروتها الوطنية المتراكمة مما يعني تخفيضات محتملة في قيمة الدولار الأمريكي. الولايات المتحدة تتهم الصين من ناحيتها بشن حرب إقتصادية خفية عبر إجراء تعديلات في فيمة اليوان الصيني لإعطاء الصادرات الصينية خصوصا للولايات المتحدة الأفضلية ولكن الفرق الطبيعي في الأجور بين الصين والولايات المتحدة يبطل ذالك الإتهام. عامل الأثاث في الولايات المتحدة لن يقبل براتب شهري 300-500 دولار وهو يعد مبلغا لا يستهان به في الصين.
سنة 1997 شهدت بداية أحد فصول الحرب الإقتصادية والذي كان من أدواتها مايسمى المال الساخن(Hot Money) والذي تدفق إلى الدول الأسيوية التي كانت تشهد نموا متسارعا سعيا وراء عائدات أعلى نظرا لإنخفضاض نسبة الفائدة في بلدانها الأصلية. وفي لحظة معينة تم سحب تلك الأموال مما خلق أزمة إقتصادية بسبب هبوط قيمة عملات دول أسيوية عديدة وأدى قيام البعض وعلى رأسهم الملياردير الأمريكي المعروف جورج سوروس بالمضاربة عليها إلى إزدياد الأزمة سوأ.
الصين التي لم تتأثر بشكل كبير مماعرف بأزمة النمور الأسيوية راقبت الوضع عن كثب خصوصا كيف أن بعض البنوك وصناديق التحوط بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي تستطيع التسبب بكوارث وازمات إقتصادية لبلد ما أو لمجموعة بلدان.  فمنذ سنة 1999 والصين تمتلك إستراتيجية واضحة للحروب الإقتصادية القادمة وهي التي وضعتها ردا على أزمة النمور الأسيوية سنة 1997 بينما في دول أخرى كالولايات المتحدة على وجه الخصوص فإن تلك الإستراتيجية لم تتضح معالمها حتى سنة 2009 إثر أزمة وول ستريت 2007\2008  والتي بدأت بأزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة ولم تترك بلدا إلا وأثرت فيه مع إختلاف درجة التأثير.
الحروب الإقتصادية لها جانب هجومي وأخر دفاعي. الجانب الهجومي قد يتضمن هجمات خبيثة بإستخدام أوامر بيع أو شراء الهدف منها إحداث إضطراب إقتصادي وإنهيار في قيمة الثروة وسرقتها في كثير من الأحيان. وأما الجانب الدفاعي فيتضمن الرصد المبكر لتلك الهجمات وإعتراضها أو إغلاق الأسواق المالية لفترة معينة بهدف دراسة تلك الهجمات وإيجاد طريقة لوقفها. الأزمة الإقتصادية 2007\2009 لم تكن من ضمن مفهوم الحروب الإقتصادية ولكنها أعطت فكرة واضحة عن نقاط الضعف في النظام المالي الدولي التي يمكن إستغلالها مستقبلا لشن هجمات خبيثة. تلك الأزمة تسببت في تدمير ماقيمته 60 تريليون دولار من الثروات منذ بداية سنة 2007 حتى سنة 2009.
صناديق التحوط تعتبر أحد أهم أدوات الحروب الإقتصادية حيث من الممكن لصندوق التحوط إكتساب ثقة الأسواق المالية والإقتصادية في أحد البلدان حيث يتم منحه خطا إئتمانيا أكبر مع مرور الوقت كما أنه يقيم علاقات واسعة مبنية على حجم الأعمال والصفقات التي يقوم بها وذالك مع بنوك ومؤسسات مالية ومكاتب مضاربة ممايتيح له مجالا واسعا لجميع معلومات عن طبيعة النشاطات الإقتصادية في ذالك البلد لا تكون متاحة للأشخاص العاديين. المشكلة قد تبدأ بأوامر بيع قد تبدو بريئة لأسهم شركات مشهورة مثل أبل وجوجل وسرعان ماتتدحرج كرة الثلج ويؤدي ذالك إلى هبوط أسعار أسهم تلك الشركات لتجر معها أسهم شركات أخرى قد يكون بعضها ليس له علاقة بشركات التكنولوجيا وتتحول المشكلة من ندفة إلى كرة ثلج متدحرجة تجرف في طريقها كل شيئ بفضل القنوات التلفزيونية الإقتصادية المتخصصة ومواقع التواصل الإجتماعي التي تساهم بنشر الأخبار. إن ذالك يعني إنتشار حالة من الذعر والتدافع من قبل الجميع للبيع والتخلص ممافي حوزتهم فتزيد المشكلة تعقيدا.
ولكن ماهي علاقة أوامر بيع لأسهم شركات مثل جوجل وأبل بحالة ذعر إقتصادية عامة؟
للجواب على ذالك علينا أن نعلم عن طبيعة الأزمة الإقتصادية سنة 1929 والتي بدات بعجز المزارعين عن سداد قروضهم الزراعية وإعلان إفلاس البنوك الزراعية الصغيرة ثم المتوسطة وصولا لإنهيار إقتصادي شامل, ندفة ثلجية تحول إلى كرة ثلج عملاقة تسبب بإنهيار ثلجي.
الإعلام يساهم كما ذكرت سابقا في حالة الذعر عبر نسر الإشاعات والأخبار الكاذبة والتلفيق. أخبار لها علاقة بإنهيار بنوك معينة أو إستقالة مدراء صناديق تحوط مشهورة أو وفاة أحدهم هي من نوعية تلك الأخبار والإشاعات.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Sunday, January 15, 2017

حروب بلا هوية


تقرير يناير 2011 في نيوروك تايمز ذكر أن الصين سنة 2010 تحولت إلى بائعة لسندات وزارة الخزينة الأمريكية بعد أن كانت مشتريا رئيسيا لها في السنوات السابقة. الإستغراب بدا واضحا في تقرير الصحيفة الأمريكية الشهيرة لقيام الصين بتلك الخطوة حيث أنها مازالت تمتلك إحتياطيات ضخمة بالدولار الأمريكي على شكل سندات وزارة الخزينة وأدوات إستثمارية أخرى مقومة بالدولار للمحافظة على قيمة عملتها المحلية(اليوان) للحفاظ على صادراتها.
الصين كانت ومازالت تقوم بمحاولات لإخفاء عملياتها الإقتصادية خصوصا مشترياتها من الذهب حيث لايعلن عنها إلى بعد إتمام عمليات الشراء بشكل رسمي. ماقامت به الصين بخصوص بيع السندات أنها قامت بإدارة العملية من خلال وكلاء بريطانيين وبنوك في العاصمة البريطانية حيث لوحظ أنه في نفس الفترة التي نشرت نيويورك تايمز تقريرها فإن بريطانيا تحولت لأكبر مشتري لسندات وزارة الخزانة الأمريكية. كما أن الصين قامت وبحسب تقرير لنفس الصحيفة سنة 2007 بشراء ماقيمته 3 مليارات دولار من أسهم صندق الصخرة السوداء(Black Stone) الإستثماري والذي يبقي على زبائنه والأدوات الإستثمارية التي يستخدمها قيد الكتمان ما أمكن. الصندوق تم تأسيسه بواسطة شخصين, الشخص الأول هو بيتر جي بيترسون((Peter G Peterson أحد قدامى الموظفين في إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون  والذي إحتل مناصب في مجلس العلاقات الخارجية ورئيس بنك الإحتياطي الفيدرالي في نيويورك. الشخص الثاني هو ستيفن أ شوارزمان (Stephen A Schwarzman) وهو مليادير مشهور خصوصا بسبب حفلة عيد ميلاده الستون الأسطورية التي أقامها في نيويورك وقبض فيها المغني المشهور رود ستيوارت (Rod Stewart) مليون دولار عن وصلة غنائية مدتها 30 دقيقة.
في سيبتمبر\2012 إقترح مسؤول صيني في حديث لجريدة (China Daily) التابعة للحزب الشيوعي الصيني تدبير هجوم على سوق السندات في اليابان ردا على مساعي غير حميدة لليابان في مسألة الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي. كما أنه بتاريخ 10\مارس\2013 فقد تعرض بنك الإحتياطي الأسترالي لمحاولة قرصنة يقال أن الصين ورائها بهدف الحصول على معلومات متعلقة بقمة (G-20) والتي عقدت في مدينة بريسبان الأسترالية. يشاع على نطاق واسع أن هناك وحدة في الجيش الصيني تسمى وحدة 61398 هي المسؤولة عن تلك النوعية من الهجمات.
الحكومة الأمريكية ليست بأفضل حالا فهي أيضا تمتلك الوحدة تاو(TAO-Tailored Access Operation) والتي تقوم بالتجسس على جهات أجنبية عديدة بالتأكيد من بينها الصين وذالك بإختراق أنظمة الإتصالات والإنترنت. حجم ومدى إتساع العمليات التي تقوم بها تاو أكبر بكثير مما كشفه إدوارد سنودن سنة 2013.
حتى شارع المال والأعمال في الولايات المتحدة وول ستريت(Wall Street) قد بدأ يحسن من موقعه حيث إستضاف بتاريخ يوليو\18\2013 إحتفالية عبارة عن سيناريو لعبة حرب إقتصادية تمت إطلاق إسم (Quantum Dawn 2) بمشاركة 500 شخص يمثلون وكالات حكومية مختلفة.
أحد سيناريوهات الحرب الإقتصادية تدور رحاها بين الولايات المتحدة وإيران حيث أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية وبنك الإحتياطي الفيدرالي قرارا بحرمان إيران من إستخدام أنظمة الدفع التي تعتمد على الدولار الأمريكي. ولكن إيران إستمرت بإستعمال نظام رسائل الدفع (Swift system) والذي تعد بلجيكا مقره الرئيسي حتى نجحت الضغوطات الأمريكية في قطع إيران حتى عن إستخدامه. ولكن الحكومة الإيرانية أوجدت مخرجا يتمثل في التعاون مع الهند وهي مستورد رئيسي للنفط الإيراني لمبادلة النفط بالذهب ثم مبادلة الذهب عن طريق روسيا والصين مقابل الإمدادات الغذائية والبضائع. وحتى مع إغلاق الحكومة الأمريكية لنافذة الذهب التي إستخدمتها إيران فإنها مازالت تحاول إيجاد السبل والوسائل ومنها إيداع عائدات الصفقات النفطية مع الهند في بنوك محلية في الهند حيث يمكنها إستيراد بضائع من التجار الهنود أو قيام مكاتب تجارية هندية بإستيراد البضائع الأجنبية بالدولار الأمريكي لصالح الحكومة الإيرانية والتي تقوم بالدفع لتلك المكاتب بالروبية الهندية من حساباتها البنكية في البنوك الهندية المحلية.
سيناريو اخر لحرب إقتصادية قد يبدأ بتسلل قراصنة المعلوماتية لشبكة إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة وإحداث إضطراب في كمية الإمدادات بما يؤثر على أسعار عقود المستقبليات والمشتقات المالية. ولكن ذالك السيناريو قد يخرج عن نطاق السيطرة ويتطور إلى موجة ذعر تمتد إلى أسواق المال والأسهم.
من الأثار الجانبية للحرب الإقتصادية خصوصا في أسيا هو محاولة الكثير من الدول الإبتعاد عن التعامل مع نظام مالي يهيمن عليه الدولار الأمريكي ومحاولة إيجاد نظام مالي جديد. الصين على رأس قائمة الدول التي تطالب بذالك كما أن روسيا قد ضمت صوتها للصين وحاليا تعمل مع مجموعة دول البريكس على إيجاد بدائل للنظام المالي الحالي خصوصا الدولار الأمريكي و صندوق النقد الدولي.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Sunday, January 8, 2017

كيف تحولت منطقة الوادي المركزي في كاليفورنيا إلى مكرهة بيئية بسبب مزارع الألبان العملاقة؟(2)

ولمعرفة مدى التلوث الذي تسببه تلك النوعية من المزارع ومصانع الألبان فيكفي ان نعرف أن الفضلات التي تنتج عن الحيوان الواحد تعادل ماينتج عن خمسين إنسانا من الفضلات وأن مزرعة أبقار تحتوي في المتوسط على 10000 بقرة تنتج فضلات تعادل مدينة بحجم بريستول في المملكة المتحدة. وحتى تاريخ نوفمبر\2011 فقد كان هناك 1620 مزرعة أبقار جماعية في ولاية كاليفورنيا بإجمالي تعداد أبقار بلغ 1.75 مليون بقرة تنتج فضلات تزيد عما ينتجه سكان المملكة المتحدة(بريطانيا).
إن إيجاد مكان للتخلص من كل تلك الكمية من الفضلات يعد مشكلة بيئية وصحية حيث أنه في السابق فقد كانت تلك الفضلات تستخدم كسماد للأرض الزراعية التي ترعى منها نفس الحيوانات ولكن مع ظهور الأسمدة الصناعية والترويج للمبيدات الزراعية والمنتجات المعدلة وراثيا وأساليب الزراعة المكثفة فقد تغير الوضع وأصبح التخلص من فضلات الحيوانات كسماد أمرا أكثر صعوبة. أغلب مزارع الألبان تمتلك نوعا من البحيرات الصناعية للتخلص من تلك الفضلات وتكون بجانب المزرعة ولكنها تلوث الهواء بالرائحة المزعجة وتتسرب للمياه الجوفية وتلوث باطن الأرض حتى مع إتخاذ أقصى الإحتياطات اللازمة.
أن التخلص السليم والأمن من فضلات الحيوانات عملية مستحيلة حتى عن طريق توزيعها على المزارع كسماد للأراضي بسبب نسبة التلوث العالية التي تحتويها والتي تعود لحقن الحيوانات بالهرمونات والمضادات الحيوية بشكل مكثف وكذالك طعامها الذي يأتي من المحاصيل المعدلة وراثيا.
أمراض الطاعون وانواع من بكتيريا الإيكولاي(E. Coli) المقاومة للمضادات الحيوية بدأت بالظهور خصوصا في مياه الأبار والتي تلوثت بمنتجات السماد الصناعي المحتوي على النيترات وأيضا تلوثت بالإيكولاي بسبب تسرب فضلات الحيوانات المحتوية على تلك الببكتيريا الخطيرة. المثير للدهشة والإستغراب هو أن السلطات تحرص على التخلص السليم والأمن من الفضلات البشرية ومعالجتها بطريقة مناسبة بينما لا يعطى مستوى الإهتمام نفسه للفضلات الحيوانية على الرغم من أنها أشد خطورة وتلويثا للبيئة. هناك بعض بلدان العالم الثالث التي تتمتع بمياه أمنة للإستهلاك البشري أكثر من الكثير من المقاطعات الأمريكية حيث تتواجد مزارع الألبان وشركات الزراعة التي تستخدم أساليب الزراعة المكثفة.
ولعله من المفيد أن نلاحظ تأثير إستخدام أساليب الزراعة المكثفة والمحصول الواحد بدلا من مداورة المحاصيل على الأرض والتربة عن طريق تدوين كمية المبيدات الحشرية والأسمدة الصناعية التي يتم إستخدامها سنة بعد أخرى لكل ميل مربع من الأراضي الزراعية. إن الكثير من تلك المبيدات والمواد التي تستخدم في الزراعة يطلق عليها (Genome Affect) أي انها قادرة على النفاذ في الجسم وصولا للتأثير على الجينوم البشري والذي يعتبر وحدة البناء الأساسية لجسم الإنسان.
أحد السلبيات التي تعاني منها صناعة الألبان ومزارعها الجماعية والشركات الزراعية التي تستخدم أساليب الزراعة المكثفة هي أنها شديدة الحساسية بالنسبة للتغيرات في الأسعار ولا تمتلك القدرات للتكيف مع مواسم الكساد خصوصا عقب الأزمة الإقتصادية 2007\2008 حيث أفلس بالفعل العديد من أصحاب المزارع في الولايات المتحدة وبريطانيا وبلدان أخرى كما إنتحر عدد منهم وخصوصا في الهند حيث تم تسجيل أكبر عدد من حالات الإنتحار على الرغم من عدم تسليط الضوء إعلاميا بينما يتم التداول إعلاميا بكثافة في حال إنتحر مزارع بريطاني أو أمريكي بسبب إعلان إفلاسه.
الجميع يعاني سواء الأبقار التي يتم بيعها للإستفادة من لحومها بعد إنتهاء عمرها الإفتراضي كمصدر للحليب والذي تبدو أكبر من عمرها بخمسة سنين على الأقل وهزيلة الشكل. مالكي مزارع الألبان والذين يتبعون أساليب الزراعة المكثفة يعانون من تقلب الأسواق وهبوط أسعار محاصيلهم بشكل فجائي. وحتى العاملين في تلك المزارع يعانون من أمراض بعضها خطير ومستعصي والسكان وأطفالهم خصوصا القاطنين في المناطق المحيطة بمزارع الألبان. بل ووصل الأمر للمستهلكين الذين يتعرضون للغش وإستخدام أساليب دعائية مضللة وللأمراض بسبب إستهلاكهم منتجات من لحوم الحيوانات مشبعة بالمضادات الحيوية وهرمونات النمو ممايعرض صحتهم وصحة أطفالهم للخطر.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية