Flag Counter

Flag Counter

Sunday, March 26, 2017

هل سوف يساهم إرتفاع أسعار النفط بإنقاذ الحضارة البشرية؟

إرتفاع معدل الولادات ومشكلة الإنفجار السكاني في بلدان عديدة حول العالم أصبحت مشكلة تؤرق ليس فقط البلدان المعنية بل الإقتصاديين ومراكز الأبحاث المختصة وخبراء التغذية والسبب هو التسائل عن نوعية الحياة التي تكون الكرة الأرضية قادرة على دعمها لتعداد سكاني يتجاوز حدود لمعقول بكثير؟
أسباب مشكلة الإنفجار السكاني تختلف من بلد لآخر والحلول المطبقة قد تكون مختلفة ولها سلبيات عديدة فالصين إتبعت سياسة الطفل الواحد ولكن تلك السياسة لها سلبياتها منها صعوبة تطبيقها في الريف لعدم إلتزام السكان بها ورغبة الكثيرين بإنجاب الذكور ومع تقدم الوسائل الطبية التي تكشف عن نوع الجنين في فترة مبكرة من الحمل مما أدى إلى تزايد حالات الإجهاض ونشوء جيل لم يلتزم معايير التربية الصارمة بسبب التدليل الزائد من قبل الأهل وكذالك زيادة نسبة الذكور على الإناث مما عرض التركيبة السكانية في الصين إلى خلل يزداد يوما بعد يوم.
نفس المشكلة تعاني منها الهند وهي تزايد سكاني أفلت من عقاله مع فشل الحكومة في وضع سياسات ناجحة للسيطرة على المشكلة مع محاولة إبقاء النمو الإقتصادي وفق مستوى يدعم ذالك النمو. وفي الهند أيضا هناك تزايد في معدلات الإجهاض بسبب إنتشار أجهزة الكشف عن الأجنة في مرحلة مبكرة وهناك أيضا سبب ثقافي يجعل العائلات تفضل الذكور على الإناث وهو يرجع إلى أن دفع المهر والكثير من تكاليف الزواج يعود على أسرة الفتاة.
دول غربية كثيرة تعاني من المشكلة الديموغرافية ولكن بطريقة عكسية وهي إنخفاض معدل الولادات منها الولايات المتحدة التي تقف على الحد الفاصل لمعدل الولادات الأدني اللازم للحفاظ على حضارة وهو ٢.١١ وذالك بفضل الهجرة من أمريكا اللاتينية والأهم الهجرة الإسلامية حيث سوف يبلغ عدد المسلمين في الولايات المتحدة ٥٠ مليون خلال الثلاثين سنة القادمة. بلد مثل إسبانيا أو اليونان حيث تبلغ معدلات الولادة لكل مائة نسمة ١.١ و١.٣ على التوالي وهو ما يستحيل عكسه بحسب الأبحاث بأن أي حضارة معدل الولادات فيها يبلغ ١.٣ حيث سوف تنقرض تلك الحضارة أو أنها تحتاج إلى ٨٠-١٠٠ سنة لتصحيح الوضع حيث لا يوجد أي نموذج إقتصادي ناجح ليدعم عملية التصحيح كل تلك الفترة الزمنية. ولكن أوروبا يتزايد عدد سكانها والسبب هو الهجرة الإسلامية تحديدا بحسب أحد الأفلام الوثائقية الغربية القصيرة التي تحذر من تلك المشكلة.
هناك توجه فكري غربي بإلقاء الملامة في ثورات الربيع العربي على الجوع وإرتفاع معدلات البطالة ولكن ماذا عن أمريكا؟ ماذا عن عدد المشردين في الشوارع بدون مأوى أو تأمين طبي أو أي خدمات إجتماعية؟ ماهي نسبة الذين يعتمدون على الخدمات الإجتماعية وبطاقات الغذاء؟ في أمريكا ٥٠ مليون شخص جائع نسبة كبيرة منهم من الأطفال. حتى أن بلدانا مثل كندا تعاني من مشكلة الجوع وإلا كيف يتم تفسير الإعلانات الحكومية المصورة عن مأساة الكنديين الذي يجدون أنفسهم أمام مشكلة الإختيار بين ثلاث وجبات في اليوم وبين تأمين سكن ملائم؟
ماذا عن إضطرابات سنة ١٩٦٥ في كاليفورنيا والتي كان سببها إيقاف سائق سيارة أمريكي من أصول أفريقية بسبب قيادته السيارة وهو مخمور وإستدعاء الحرس الوطني بعد عجز الشرطة المحلية عن السيطرة على الإضطرابات التي إندلعت عقب تلك الحادثة وعن الإجرائات التي تم إتخاذها والتي أدت لوفاة العديد من المواطنين الأمريكيين بسبب إستخدام الحرس الوطني القوة والرصاص الحي. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهني فورا هو هل سبب تلك الإضطرابات هو المجاعة؟ وهل أمريكا بلد ديكتاتورية أم أنها أم الحريات؟ وهل إنتفت الأسباب التي أدت إلى تلك الإضطرابات؟
الجواب على السؤال الأخير هو (لا) لأن أحداث سنة ١٩٩١ أثبتت عدم تحسن الوضع في الولايات المتحدة من ناحية إنتهاكها الحقوق المدنية لمواطنيها ونمو نزعة عنصرية فقد أصبحت مشاهد إطلاق النار على مواطنين أمريكيين أغلبهم من أصول أفريقية من قبل الشرطة أمرا متكررا بصورة مقلقة.
هل في أمريكا يبلغ سعر كيلو الخبز أقل من نصف دولار أمريكي كما في سوريا؟ هل الحكومة الأمريكية تقوم بدعم مادة الطحين والمواد الغذائية الأساسية وتقدم الرعاية الصحية شبه المجانية لمواطنيها كدواء للسرطان بمبلغ ٥٠ ليرة سورية أي مايعادل دولار أمريكي واحد بأسعار الصرف قبل سنة ٢٠١٠؟
هل يقارن عدد الجياع والمشردين بلا مأوى ومن لا يستطيعون الحصول على ثلاثة وجبات في اليوم الواحد في أمريكا وكندا ودول أوروبية عديدة بعددهم في دول مثل سوريا ومصر وتونس وليبيا وهل سبب الإضطرابات في بعض الدول الغربية هو الجوع وقلة الوظائف؟
هل كل خريج في أمريكا يستلم راتبا حكوميا حتى إيجاد عمل مناسب كما كان الحال في ليبيا أيام حكم الرئيس السابق معمر القذافي؟ الليبيون في زمن الحصار المفروض على بلدهم كانوا يستخدمون مادة الخبز كجزء أساسي من غذاء الماشية بدلا من الأعلاف لإنخفاض سعرها بسبب الدعم الحكومي فهل هذه بلد تقوم فيها إضطرابات سببها المجاعة؟
أمريكا وأوروبا تعانيان من إرتفاع نسبة البطالة والمشردين بدون مأوى والفساد والبيروقراطية والديكتاتورية حيث تراقب الحكومات هناك وبدون أذون قضائية مناسبة إتصالات المواطنين وإيميلاتهم الإلكترونية حيث تفجرت فضيحة كبيرة كما أنه هناك قانون باتريوت في الولايات المتحدة الذي يحد من الحريات الشخصية للمواطنين الأمريكيين.
إن كل ماسبق ذكره يقودنا إلى سؤال وهو هل سوف يساهم إرتفاع أسعار النفط بإنقاذ ليس فقط الكرة الأرضية بل الحضارة البشرية؟
إن الكثير من الأراء العلمية تجمع على وجوب إتخاذ إجرائات عاجلة وسريعة للحد من الإنبعاثات الضارة وخصوصا ثاني أكسيد الكربون التي تتسبب بإتساع ثقب الأوزون وقد ينتهي الأمر إلى حصول ما يمكن لتقريب الصورة بوصفه أرماجيدون مناخية.
وقد لا يأخذ البعض التغيرات المناخية وتأثيراتها بجدية ولكن الأمم المتحدة قامت بتأسيس (The Intergovernmental Panel On Climate Change - IPCC) وهي عبارة عن منظمة تهتم بدراسات المناخ وتجمع آلاف العلماء المختصين من مختلف أنحاء العالم لدراسة الإنبعاثات وتأثيرها على الكرة الأرضية بشكل عام.
من النتائج التي توصلت إليها دراسات تلك المنظمة أنه في حال إرتفعت درجة حرارة الأرض أربعة درجات سيليزية خلال المائة سنة القادمة فإن النتائج سوف تكون كارثية إن لم يكن هناك عمل جاد للحد من الإنبعاثات. تلك النتائج الكارثية يمكن تلخيص بعض نقاطها على النحو التالي:
- جفاف سوف يؤدي إلى تناقص حاد في المحاصيل الزراعية
- تسارع ذوبان الأنهار الجليدية سوف يؤدي إلى فيضانات في المناطق الساحلية المنخفضة وبعض البلدان مثل بنجلاديش وفيتنام والمراكز الحضرية الرئيسية مثل نيويورك, طوكيو, كراتشي ولندن
- أكثر من نصف فصائل الحيوانات والنباتات التي تعيش على اليابسة سوف تكون مهددة بالإنقراض
- نتيجة أخرى متوقعة للفيضانات وإرتفاع مستوى المياه هو إحتمال إنتشار الملاريا وحمى الضنك
مشكلة الإنبعاث الحراري ليست بدون حل ولكن يجب العمل على تخفيض الإنبعاث الكربوني والغازات الضارة إلى النصف وعندها فقط يمكن السيطرة على مشكلة الإحتباس الحراري وثقب الأوزون.  
المشكلة أن مصداقية تلك المؤسسات على المحك حيث يتهمها البعض بأنها ليست إلا ستارا لأجندات سياسية هدفها السيطرة على الشعوب والتحكم بها.
والسؤال المطروح هنا ليس عن كيفية السيطرة على المشكلة فجواب السؤال معروف وهو تخفيض إستهلاك النفط والفحم والغاز ولكن إن كان ذالك ممكنا أو إن كان ذالك الحل قابل للتطبيق عمليا؟
كان الحل بالنسبة للأمم المتحدة هو إقرار إتفاقية كيوتو والتي تعد الخطة التنفيذية بشأن إتفاقية الأمم المتحدة المبدئية من أجل التغيير المناخي. ولكن المشكلة في تلك الإتفاقية لم يكن خفض إنبعاث الغازات الضارة بقدر ماكان إعادة توزيع تلك الإنبعاثات على الدول الغير مشمولة بالإتفاقية كما أن تطبيقها إعترته عراقيل منها عدم الأتفاق على سعر عالمي موحد للإنبعاثات الكربونية ومحاولة بعض الدول تغيير بنود تلك الإتفاقية كالولايات المتحدة بضغط من رجال الأعمال واللوبيات الإقتصادية وإنسحاب بعض الدول منها تهربا من إلتزامات وغرامات مالية قد تترتب على عدم إلتزامها ببنود الإتفاقية.
هناك نقطة خلاف جوهرية بين الدولتين صاحبتي أكبر نسبة من الإنبعاثات الكربونية وهما الولايات المتحدة والصين, نقطة الخلاف هي ما يسمى الإنبعاثات التراكمية(Cumulative Emissions). الصين تزعم أن مساهمة الولايات المتحدة بنسبة الإنبعاثات الكربونية منذ ما يسمى الثورة الصناعية الكبرى يبلغ ٢٧% بينما الصين لا تتعدى نسة ٩.٥% ولكن حاليا فإن الإنبعاثات الكربونية من الصين تجاوزت مثيلاتها في الولايات المتحدة ولكن بالمقياس التراكمي فإن الولايات المتحدة ساهمت بحصة من الإنبعاثات الكربونية تبلغ ثلاثة أضعاف الصين ولذالك فإن الصين تصر على تحمل الولايات المتحدة نسبة تكلفة أكبر في سبيل مكافحة إنبعاث الغازات الضارة.
أحد وجوه تخفيض إنبعاث الغازات الضارة متعلق بإيجاد مصادر بديلة وقد كان الإعتماد تخفيض إستهلاك النفط, الفحم, الغاز لصالح الطاقة المتولدة من المفاعلات النووية ولكن تم إلغاء أو فرملة تلك الخطط بعد كارثة المفاعل النووي الياباني فوكوشيما والذي أدى إلى كارثة تسرب وقود نووي إثر الزلزال الذي ضرب اليابان سنة ٢٠١١.
الركود الإقتصادي يلعب دورا مؤثرا في تخفيض إنبعاث الغازات الضارة حيث أن إرتفاع أسعار السلع والبضائع كفيل بإلغاء الكثير من المشروعات الكبرى والتي كانت من المتوقع أنها سوف تساهم في زيادة المشكلة ومثال على ذالك إلغاء مشروعات كبرى بقيمة ٥٠ مليار دولار في مقاطعة ألبرتا الكندي إثر الأزمة الإقتصادية ٢٠٠٧-٢٠٠٨.
الفحم أحد تلك المواد التي تم التوجه إليها سعيا للهرب من أسعار النفط المرتفعة ولكن زيادة إستهلاك الفحم قد أدى إلى إرتفاع سعره كما أن الفحم متهم بأنه ملوث رئيسي للبيئة ومصدر لغاز ثاني أكسيد الكربون. إرتفاع أسعار الفحم والنفط والغاز قد أدى إلى بروز الحاجة إلى التقنين حيث أصبح إنقطاع الكهرباء أمرا روتينيا في الصين والهند كما أن الإرتفاع الكبير في أسعار المواد المستخدمة في توليد الطاقة الكهربائية كالنفط, والغاز وأخيرا الفحم يزيد الأعباء المالية المترتبة على حكومات الكثير من الدول التي تقدم دعما لأسعار إستهلاك الطاقة الكهربائية.
ولكن هناك بارقة أمل وهي أن تفهم الحكومات تأثير فرض مايسمى ضريبة الكربون على الحد من إنبعاث الغازات الضارة وأيضا أسعار الوقود المرتفعة والتي هي قد تمثل الحل الذي سوف يفرض نفسه بقوة إن لم يكن إيجاد حل إختياري بإتفاق جميع الأطراف أمرا ممكنا.
هناك أيضا توجهات بخصوص سيارات تسير بالكهرباء وأخرى منخفضة الإستهلاك للوقود أو مايطلق عليها سيارات الهايبر (Hyper Cars) ومصادر الطاقة البديلة وهي تغيرات نرى تأثيرها في الدول الإسكندنافية كالدانيمرك والنرويج حيث تنتشر قيادة الدراجات الهوائية حيث هناك مسارب مخصصة لها في مختلف المدن وممارسة رياضة المشي للذهاب للعمل أو الجامعة أو التسوق.أن ظاهرة الإحتباس الحراري قد أدى إلى ظهور حركات إجتماعية في كل من اليابان وألمانيا وبلدان أخرى حيث تقوم بنشر الوعي المجتمعي بين الشعوب حول فوائد التقليل من إستهلاك الكهرباء ومصادر الطاقة المختلفة وأثر ذالك الإيجابي على البيئة.
هناك الكثير من الحلول المتوفرة التي قد يفرض بعضها نفسه بقوة إن لم تصل جميع الأطراف لحلول قد تكون منطقية ومقبولة للجميع لتجنيب الكرة الأرضية كوارث إقتصادية ومناخية لم تترك بلدا واحدا من تأثيراتها المدمرة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Sunday, March 19, 2017

كيف يتحدى إنجيل القديس يوحنا المفسرين وخبراء اللاهوت؟

هناك مشكلة تواجه كل من يقوم بمحاولة فهم وشرح النصوص المقدسة المسيحية بطريقة حرفية(Literalism). إن معنى الكلمة(Word) التي يتم إستخدامها في إطار النصوص الدينية يمكن شرح مهمتها بكونها مؤشرا على مفهوم أخر فيما وراء المعنى الحرفي لايمكن للكلمة نفسها أن تقوم بتوضيحه. الحرفية(الأخذ بالمعنى الظاهري) تقترح مهمة لمفهوم الكلمة والتي هي ليست إلا عبارة عن مؤشر(Pointer) يمكن أن تتحول لواقع ملموس بذاتها وبالتالي التأسيس لمفهوم ليس له وجود على أرض الواقع. إن ذالك يجعلنا نفترض مسبقا أن أي دين لايمثل فقط الحقيقة بل قادر على إيضاحها بشكل مطلق. إن الحرفية في تفسير النصوص الدينية قادرة في ظل وجود أشخاص ذوي قدرات فكرية معينة على إنتاج أسوأ أنواع التطرف الديني. الحرفية تعد عدوة الإيمان ومتناقضة مع الحقيقة.
إنجيل القديس يوحنا يعد أكثر النصوص الدينية ضمن الكتاب المقدس تحديا للحرفية في تفسير كلماته وسخرية ممن يحاولون تفسير نصوصه بتلك الطريقة.
إن من يؤمن بحرفية تفسير النصوص الدينية يطلق عليهم المتعصبون(The Fundamentalist) وهم بنقسمون إلى عدة أقسام بينهم خط رفيع جدا. القسم الأول من يؤمن بحرفية النص الديني بكل ماتحمله الكلمة من معنى وبدون أي مرونة. القسم الثاني يبدي بعض المرونة في التعاطي من النصوص الدينية كنص رسالة بول الأولى إلى تسالونكي 5:17(صلوا بلا إنقطاع). من وجهة نظرهم فإنها لاتعني الصلاة 24\7 لأن ذالك يعني العجز عن أداء الروتين اليومي الذي يتوجب على اي شخص القيام به. هناك عدد من النصوص الأخرى في إنجيل القديس يوحنا التي يتم التعاطي معها بطريقة حرفية كنص تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل والجدل بين المسيح وأمه في اللحظات التي سبقت العرس, طرد الباعة والصيارفة من الهيكل, مقارنة جسده بهيكل المعبد وغير ذالك من النصوص التي يتملئ بها الإنجيل والتي لو تم الإقرار بالتفسير الحرفي لتلك النصوص أو غيرها فإن المؤمنين الوحيدين سوف يكونون الأشخاص المتعصبين.
في تلك النقطة فإنه يتوجب علينا عدم الخلط بين رواية القصة والأمثال وبين التاريخ وتفهم البيئة التي أحاطت بالروايات عن يسوع المسيح في القرن الأول ميلادي وتأثير الطقوس الدينية والوعظية خصوصا للصوفية اليهودية على تلك الروايات.
في الفصل الثالث من إنجيل القديس يوحنا رواية الحوار بين يسوع المسيح ونيقوديموس, وفي الفصل الرابع رواية حوار يسوع المسيح مع المرأة السامرية, فإنه وفي كلتا الروايتين يتضح التحدي الذي يبديه كاتب إنجيل القديس يوحنا لمن يؤمنون بالحرفية في تفسير النصوص المقدسة. حتى أنه تلك الصورة تتضح أكثر في حواره مع تلاميذه بعد عودته من المهمة التي أرسلهم إليها ومشاهدتهم له يحاور المراة السامرية حيث إستفزهم كونها إمرأة أكثر من كونها سامرية. يسوع المسيح أجابهم عندما طالبوه بأن يأكل (أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم) حيث تتضح الرمزية في تعاليم يسوع المسيح ومدى السخرية التي أبداها كاتب الإنجيل من الحرفية في تفسير تعاليمه.
في رواية أخرى وهي جزء من حوار يسوع المسيح مع الكتبة والفريسيين في الهيكل إثر شفائه مريض قرب بركة بيت حسدا, يقوم بإنتقادهم بقوله ( فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي) من الممكن الإستعانة بها أيضا كمثال على السخرية التي أبداها كاتب الإنجيل ممن يحاولون الأخذ بحرفية النصوص المقدسة.
النصوص في إنجيل القديس يوحنا بكلماتها ليس أكثر من كونها مجرد مؤشر للحقيقة ولكنها ليست هي الحقيقة نفسها والتي سوف يبقى عاجزا عن إستيعابها كل من لم تتفتح عيناه للحقيقة التي يعجز من يؤمنون بحرفية تفسير النصوص عن رؤيتها.
في نصوص الإنجيل الرابع فإن يسوع المسيح ينتقد وبشدة الأخذ بحرفية الكلمات ومعانيها وهي المشكلة التي نعاني منها حاليا في كافة الأديان ونصوصها المقدسة. القديس يوحنا كان بعيدا كل البعد عن الأخذ بحرفية الكلمات وهو لم يفهم أقوال وأفعال يسوع المسيح بالمعنى المجرد للكلمة فقد كان يهوديا يكتب إنجيله متجردا من الحرفية في إستخدام الكلمات ومستخدما الصوفية اليهودية بكل ماتحمله كلماتها وتعابيرها من رمزية.
إنجيل القديس يوحنا يعبر عن الحالة الإلهية التي ظهرت في هيئة بشرية وتقريب الإنسان للمفهوم الحقيقي للألوهية وليس عن الرب الذي تحول إلى إله أو إكتسب صفة البشر وأخذ بالتجول متنكرا في تلك الصفة البشرية فذالك تفسير حرفي للكلام كل من قرأ الإنجيل بتعمن يلاحظ أن كاتبه تعمد الإبتعاد عنه.
إن مايحتاجه قارئ إنجيل يوحنا هو حالة إيمانية في اعلى مستوياتها والإبتعاد عن محاولة الأخذ بحرفية الكلمات التي وردت فيه لأنه ربما هناك جملة واحدة على أحسن تقدير هي من أقوال يسوع المسيح والباقي وإن كانت تعكس جوهر المسيح ورسالته إلأ أنها ليست مما ورد ذكره منقولا عنه.
إن الحقيقة المتعلقة بإنجيل القديس يوحنا أنه لايمكن قرائته أو تفسيره بطريقة حرفية بعيدا عن الصوفية اليهودية ومفاهيمها سوف تقودنا إلى سؤال أخر عن تلك الشخصيات التي ورد ذكرها في الإنجيل, بعض تلك الشخصيات لم يرد ذكره إلا في إنجيل القديس يوحنا وبعضها الأخر ورد ذكره في الأناجيل الأخرى ولكنه تم تقديمه في إنجيل يوحنا بطريقة مختلفة.
تلك الشخصيات التي وردت على وجه الخصوص في التمهيد ليوحنا(2-11) لايمكن التعامل مع أي منها على أنها شخصيات تاريخية حقيقية. أول تلك الشخصيات هو نثنائيل(هدية من الرب) الذي ورد إسمه في يوحنا(1) والتلميذ المحبوب الذي ورد ذكره في ختام الإنجيل.
بالنسبة لشخصية نثنائيل فهي تم تقديمها كتمهيد أو درس تمهيدي لكل من يحاول إكمال قرائة أو تفسير إنجيل القديس يوحنا بطريقة حرفية. فيليب إصطحب نثنائيل ليسوع المسيح كما فعل أندراوس مع بطرس. قيام فيليب بدعوة نثنائيل لمرافقته للقاء بيسوع المسيح جائت مترافقة مع الكلمات التالية: فيلبس وجد نثنائيل وقال له: وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة(يو1:45). نثنائيل كان قد سمع من فيليب قبل ذالك أن يسوع كان من مدينة يقال لها الناصر فتسائل: فقال له نثنائيل: أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟(1:46). عندما وصل فيليب ونثنائيل للقاء يسوع والذي قال وبدون مقدمات موجها كلامه للأخير: هوذا إسرائيلي حقا لا غش فيه(1:47). نثنائيل والذي كان مصدوما من ذالك الترحيب المفاجئ رد على يسوع بقوله: من أين تعرفني؟(1:48). فأجابه يسوع بدوره: جاب يسوع وقال له: قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة، رأيتك(1:48). إن رد يسوع على نثنائيل لا يخلو من رمزية ولايمكن تفسيرها بمعنى حرفي لأن شجرة التين تعتبر رمزا للمكان الذي كان أحبار اليهود يتدارسون تحت أغصانها شريعتهم التلمودية.
إن إكمال قرائة الحوار بين يسوع المسيح ونثنائيل يجعلنا نتسائل عن تقديم تلك الشخصية وهل هي شخصية تاريخية أم من خيال كاتب الإنجيل؟ بالنسبة لإنجيل القديس يوحنا فهو من أوائل التلاميذ الذين تم إختيارهم وهو في قائمة التلاميذ الإثني عشر ولكن لم يرد إسمه في أي من الأناجيل الإزائية ولم يرد له أي ذكر في الفترة التي سبقت كتابة إنجيل القديس يوحنا.
بعض المختصين في دراسة تاريخ المسيحية لديهم وجهة نظر مثيرة للإنتباه وتستحق المزيد من الفحص وهي أن كاتب الإنجيل إستخدم إسم نثنائيل كرمزية ليخفي ورائها شخصية أخرى حقيقية ولكنه يختلف معها في الرأي, شخصية كبولس الرسول. ولمزيد من التوضيح فيما يتعلق بتلك النقطة فسوف أقارن بعض النقاط التي قد تكون مشتركة بين الشخصيتين:
1- وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي(غلاطية 1:14) بولس.
أجاب يسوع وقال له: قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة، رأيتك(يوحنا 1:48) نثنائيل
2- من جهة الغيرة مضطهد الكنيسة. من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم(فيليبي 3:6) بولس
ورأى يسوع نثنائيل مقبلا إليه، فقال عنه: هوذا إسرائيلي حقا لا غش فيه(يوحنا 1:47) نثنائيل
3- هناك تشابه بين قصة إيمان بولس الواردة في سفر أعمال الرسل(8) والكلام الذي وجهه يسوع المسيح لنثنائيل على وجهة الخصوص, وقال له: الحق الحق أقول لكم: من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان(يوحنا 1:51). ففي كلتا الحالتين تنفتح السماء ويسمع شاول صوت المسيح بينما يرى نثنائيل الملائكة تصعد وتنزل.
من المحتمل أن كاتب الإنجيل والذي كان مختلفا مع شاول فيما يتعلق بمفهوم الخلاص رغب في الإعتراف بفضل شاول فيما يتعلق بعمله التبشيري على سبيل المثال بدون ذكر إسمه الصريح فإستبدله بشخصية نثنائيل والتي من الواضح انه ليس لها أي أساس تاريخي. كما أنه ربما هناك هدف اخر هو التلميح للقارئ بخصوص الطريقة التي سوف يتم إستخدامها في كتابة الإنجيل وأنه لايمكن فهمه وتفسيره بطريقة حرفية.
وحتى تكتمل أركان التشابه فإن بولس قد بدا في مرحلة ما قد أصبح أقرب إلى المناخ السائد في تلك الفترة الزمنية التي عاش فيها القديس يوحنا وخرج إنجيله إلى حيز الوجود. في فيليبي 2: 5-11 تعد كأحد الأمثلة على تلك المرحلة ومقارنة تلك النصوص بما هو مذكور في إنجيل القديس يوحنا سوف يوضح الصورة.
الرسالة إلى أفسس والتي يثار الجدل حولها إذا كان كاتبها بولس الرسول ولكن هناك إتفاق على انها تعبر نوعا ما عن أفكاره وتعد في منتصف الطريق بينه وبين القديس يوحنا وخطوة في الطريق الصحيح لتفسير طبية يسوع المسيح أو مايعرف بالكريستيولوجي(Christology) كما هو واضح في الرسالة إلى أفسس(1:10).
هناك تقاليد كنسية قوية أن الإنجيل الرابع تمت كتابته في مدينة أفسس حيث كان يعيش يوحنا الرسول وأن إحتمال إتجاه بولس للكتابة بإستخدام الرموز والصوفية اليهودية وتأثر يوحنا الرسول به وبكتاباته في مرحلة لاحقة هو إحتمال قوي لا يمكن تجاهله.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Sunday, March 12, 2017

ماهي التحديات البيئية والسياسية والإقتصادية التي تواجه شركات النفط عالميا؟

مشروع النفط الرملي في مقاطعة ألبرتا الكندي يعد ١٦٥ مليار برميل نفط تقريبا وهو مايجعل من الصعب على الشركات النفطية تجاهله ولكن ذالك ليس السبب الوحيد فكندا تعد أحد البلدان القليلة على مستوى العالم والتي يمكن للشركات النفطية الخاصة أن تمتلك وتطور الحقول النفطية وتحقق عائدات مرتفعة. مقارنة بما حصل لشركة أكسون موبيل وشل في فنزويلا وروسيا حيث تم أجبارهما على التخلي عن المشاريع النفطية وإستحواذ الشركات الحكومة عليها, فمشروع النفط الرملي في ألبرتا الكندية يعد ٥٠-٧٠% من الإحتياطات النفطية القابلة للإستثمار(من قبل الشركات الخاصة) على مستوى العالم. تصاعد النزعات القومية في بلدان مثل روسيا والصين وفنزويلا قد تكون أحد الأسباب التي الكامنة التي تفسر كون أكبر الشركات النفطية في العالم هي حكومية مثل سينوبيك الصينية وكاسبورم الروسية.
المشكلة أن إرتفاع سعر برميل النفط هو شرط أساسي لجعل الإنتاج من مشروع النفط الرملي مجديا إقتصاديا فخلال الأزمة الإقتصادية ٢٠٠٧-٢٠٠٨ تم إلغاء ماقيمته ٥٠ مليار دولار من المشاريع المتعلقة بالنفط الرملي في مقاطعة ألبرتا الكندية.
على الرغم من المغريات التي تم تقديمها لشركات النفط للإستثمار مثلا في مشروع النفط الرملي في مقاطعة ألبرتا الكندي فأنه كان هناك عزوف عن الإستثمار لإنخفاض سعر برميل النفط وإرتفاع تكاليف الإستخراج. أحد تلك المغريات كان أن مانسبته الثلث(٣٣%) من العائدات يذهب للحكومة الكندية مقارنة بنسبة ٧٨% من العائدات لمصلحة الحكومة في بلد مثل النرويج.
وحتى نأخذ فكرة عن السبب وراء إرتفاع سعر الإنتاج في مشروع النفط الرملي ولنأخذ مقاطعة ألبرتا الكندية كمثال بسيط حيث يلزم معالجة ٢ طن من الرمل النفطي لإستخلاص برميل نفط. أولا يجب أن يقوم أسطول ضخم من الشاحنات العملاقة سعة ٣٠٠ طن للشاحنة بتحميل النفط إلى مصانع تقوم بمعالجته وفصل النفط عن الرمل. هل تريدون تخيل حجم تلك الشاحنات؟ تبلغ تكلفة تغير إطار واحد مبلغ ٣٥ ألف دولار وتبلغ تكلفة الشاحنة الواحدة مبلغ لا يقل عن مليوني دولار. كما يلزم حفارات(بلدوزرات) ضخمة تعمل على مدار الساعة يستهلك الواحد منها ٤٢٥٠ جالون من الوقود يوميا وذالك لحفر الأرض وتحميل الرمل النفطي على الشاحنات. أما بالنسبة للرمل النفطي فإنه قد يكون سطحيا سهل الإستخراج أو يلزم الحفر ١٠٠-٤٠٠ قدم تحت سطح الأرض لإستخراج ذالك الرمل وتحميله وإرساله إلى مصنع المعالجة حيث يتم تعريضه لدرجات حراراة مرتفعة جدا لفصل مايسمى خام البيوتان عن باقي مكونات الرمل. ولكن البيوتان نفسه غير صالح للضخ عبر الأنابيب ولا يتم إستهلاكه بتلك الصورة حيث لا بد من تخفيفه بإضافة مواد أخرى وتعريضه للمعالجة. إن تلك العملية تفسها تعد مستهلكة للطاقة ولكن تلك ليس المشكلة الوحيدة فأغلب إحتياطات النفط الرملي تقع على عمق ٢٣٠ قدم تحت سطح الأرض مما يجعل عملية إستخراجها أكثر صعوبة حيث يلزم ضخ ماء بدرجة حرارة لا تقل ١٠٠٠ درجة مئوية مما يؤدي إلى تمييع النفط الرملي وضخه إلى السطح بواسطة مضخات ضخمة.
كيف تكون تلك العملية مستهلكة للطاقة؟
كل وحدة طاقة منتجة بواسطة مشروع النفط الرملي في مقاطعة ألبرتا تنتج ثلاث وحدات طاقة ١:٣ مقابل نسبة ١:١٠٠ في حقل نفط واهر في المملكة العربية السعودية.
هناك ١٦٥ مليار برميل برميل نفط في مشروع النفط الرملي في مقاطعة ألبرتا الكندية ولكن ليس من عاقل يقول أنها جميعا قابلة للإستخراج. السؤال الذي يقفز لأذهان المستثمرين وشركات النفط هو عن كمية البراميل التي يمكن فعليا إستخراجها تحت سقف سعري معين في فترة زمنية معينة؟
بالتأكيد فإن النفط المستخرج من مشروع النفط الرملي لن يكون بالتأكيد بالسهولة نفسها التي يتم بها إستخراج النفط الخام من حقول الشرق الأوسط والفرق هو مادة البيتومين(الإسفلت).
النفط الرملي يحتوي على مادة البيتومين وهي قليلة في محتوى النيتروجين حيث يلزم إضافة النيتروجين لتسييل المادة الخام حتى يمكن نقلها بالأنابيب أو الإستفادة منها وهي عملية مستهلكة جدا للطاقة. هذه ليست العقبة الوحيدة حيث أنه يلزم حرق ١٤٠٠ قدم مكعب من الغاز لإنتاج برميل واحد من النفط الرملي.
كل ماسبق ذكره يطرح موضوع التكلفة حيث أنه خلال الأزمة الإقتصادية ٢٠٠٧-٢٠٠٨ إنخفض سعر برميل النفط إلى مايقرب ٤٠ دولارا للبرميل مما سبب خسائر كبيرة لشركات النفط. شركة النفط (Statoil) أكبر شركة نفط في النرويجقد ألغت ١٢ مليار دولار إستثمارات في حقول النفط الرملي في ألبرتا وبلغ مجمل الإستثمارات التي تم إلغائها في حقول النفط الرملية في مقاطعة ألبرتا الكندية ٥٠ مليار دولار.
المشكلة الوحيدة ليس متعلقة بسعر النفط المستخرج من حقول النفط الرملي في مقاطعة ألبرتا بل في الغاز الطبيعي الذي يعد أساسيا في عملية الإنتاج. لا يوجد مصدر غاز يدوم للأبد وإذا صدقت التوقعات بمستوى إنتاج ٤ مليون برميل يوميا من ١.٢ مليون برميل يوميا في وقتنا الحالي وذالك في سنة ٢٠٢٠ فإن ذالك سوف يؤدي إلى تقليص صادرات كندا من الغاز إلى الولايات المتحدة بشكل كبير حيث يعد ٢٠% من إستهلاك الغاز في الولايات المتحدة مصدره كندا وبدونه سوف تتوقف العديد من محطات توليد الطاقة الكهربائية عن العمل.
المشكلة أنه مع مرور الوقت وإرتفاع سعر برميل النفط فإن الغاز الطبيعي كمصدر مولد للطاقة الكهربائية سوف يصبح أكثر جاذبية. السبب في كون الإتجاه السائد هو إستخدام كميات كبيرة من الغاز في عمليات إستخراج النفط الرملي هو لفرق السعري حيث تتكلف وحدة(BTU) من الغاز الطبيعي أقل من مثيلتها من النفط.
السبب هو أن النفط يتم بيعه وشرائه في الأسواق العالمية بينما الغاز الطبيعي يتم بيعه وشرائه في الأسواق الإقليمية وإن كان بعضه ينقل عن طريق البحر ولكنها عملية مكلفة تتطلب إسالته أولا وببساطة لايوجد كميات كافية منه لتجعل تداوله عالميا عملية مجدية إقتصاديا.
علينا أن لا نغفل أيضا عن التحديات البيئية حيث أن كل برميل نفط منتج من مشروع النفط الرملي في مقاطعة ألبرتا الكندية يتسبب في تلويث ٢٢٠ جالون من الماء العذب ويرسل إنبعاثات تقدر بكمية ٢٢٠ رطل من ثاني إكسيد الكربون في الجو. مستوى الإنتاج الحالي يقدر ١.٢ مليون برميل فماذا سوف تكون التأثيرات البيئية في حال وصول توقعات الإنتاج إلى ٤مليون برميل يوميا؟ إن حكومة ولاية ألبرتا تواجه تحديات بيئية كبيرة حيث أصبحنا نرى صدى ذالك إعلاميا على شكل إتهامات بتغاضي الحكومة في ألبرتا وأجهزتها المسؤولة عن البيئة عن التأثيرات الكارثية على البيئة من مشروع النفط الرملي والتغاضي عن ذالك لحساب شركات النفط.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Sunday, March 5, 2017

ماهي البدائل الإقتصادية الممكنة التي تعزز تحقيق الإستفادة القصوى من النفط في ظل إنخفاض سعره؟

قد يستغرب البعض ذالك ولكن ماهي الأمور التي يمكن من خلالها الإستفادة أكثر من النفط بدلا من حرقه؟
الإجابة هنا هي إقتصادية بحتة ولا علاقة لها بالسياسة. إنتاج الإيثيلين من النفط أو الغاز أو إنتاج البلاستيك من البروبيلين(البروبين) له قيمة إقتصادية أكثر من تكرير النفط وتحويله إلى وقود للسيارات. إنتاج الإيثيلين يكلف ٥ دولارات لكل وحدة غاز أو نفط مستخدمة لو تم إنتاجه في أمريكا الشمالية مقابل دولار واحد أو أقل مقارنة بالشرق الأوسط. إن ذالك يعني نموا في الصناعات البتروكيماوية من ناحية كمية الإستثمارات وزيادة الطلب على الوظائف المتعلقة بذالك القطاع.
الصناعات البتروكيماوية في دولة الإمارات العربية المتحدة وخصوصا في أبو ظبي أصبحت مصدِّرا رئيسيا لصناعة السيارات في الصين والتي تنمو بسرعة مذهلة وفي السعودية هناك شركة سابك التي تستحوذ على تكنولوجيا أجنبية سواء بالشراء المباشر أو بالشراكة مع شركات أجنبية في إستثمارات داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها.
إن نمو الصناعات البتروكيماوية في الدول المنتجة للنفط والجدوى الإقتصادية لتلك الصناعات وعائداتها المادية تعني أن الأولوية في توفير الإحتياجات النفطية في حال حصول تناقص في كمية النفط المتوفرة في الأسواق العالمية, سوف تكون لتلك الصناعات والتي تعد مستهلكا أخر للإنتاج الداخلي للنفط يضاف على القائمة التي تضم توليد الكهرباء وتحلية المياه.
لن تكون هناك مشكلة في حال كانت زيادة الطلب على النفط في الدول المنتجة له مترافقة مع زيادة في الإنتاج ولكن ليس دائما تجري الرياح بما تشتهي السفن. صادرات الدول  المنتجة للنفط(أوبك) قد نمت بصعوبة مع النصف الأول للقرن الحالي وهي معرضة للتناقص خلال النصف الثاني منه. منذ سنة ٢٠٠٧ فقد تناقصت صادرات النفط في دول الشرق الأوسط ٧٠٠ ألف برميل, ٦٠٠ ألف برميل من ذالك التناقص كان من نصيب المملكة العربية السعودية, ولولا نمو صادرات روسيا من النفط لكان الوصول لمستوى سعري ١٠٠ دولار أو يزيد أسرع مما نتوقع.
نلاحظ أن الصادرات هي التي تناقصت وليس معدل الإنتاج والذي تمت المحافظة عليه بصعوبة في بعض البلدان. فقد كان نمو الإستهلاك الداخلي للنفط هو سبب ذالك التناقص في الصادرات.
إيران دولة مصدرة للنفط وعضو في أوبك. إنتاجها أيام الشاه كان تقريبا ٦ ملايين برميل وحاليا هو أقل بمقدار الثلث, أي أربعة ملايين برميل من النفط يوميا. إيران ليست المثل الوحيد بل هناك حقول نفط رئيسية مثل برقان في الكويت أو جواهر في المملكة العربية السعودية إن لم تكن تعاني من تناقص الإنتاج فإنها قد وصلت لذروته.
إيران والكويت والمملكة العربية السعودية هي أمثلة من داخل منطقة الشرق الأوسط ولكن من خارجه فهناك فنزويلا حيث هبط إنتاجها من النفط الخام(Crude Oil) بمعدل مليون برميل حتى في العشرة سنوات التي سبقت تأميم الرئيس الفنزويلي السابق هيوجو تشافيز صناعة النفط. أندونيسيا تحولت إلى مستورد للنفط منذ سنة ٢٠٠٤ حيث أن هناك ٢٠٠ ألف برميل تقريبا هو الفرق بين معدل الإستهلاك ومعدل الإنتاج يوميا بالإضافة إلى أنها بإلغاء عضويتها في أوبك والتي إستمرت ٤٦ سنة سابقة.
هبوط صادرات أوبك من النفط يقابلها إرتفاع صادرات روسيا حيث تمكنت تلك الصادرات من التعويض خلال العشرة سنين التي سبقت أزمة ٢٠٠٧\٢٠٠٨ وساهمت في تأخير تخطي المستوى السعري ١٠٠ دولار للبرميل. روسيا لا تمتلك الميزة فقط بكونها ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بل أن معدل إستهلاكها من النفط قد إنخفض بدرجة حادة خلال الأزمة التي مرت بها سنة ١٩٩٠\١٩٩١ وتفكك مايعرف بالإتحاد السوفياتي السابق. إرتفاع في الإنتاج لمستوى ٩ ملايين برميل من النفط يقابله إنخفاض في الإستهلاك لمستوى ٦ ملايين برميل ذالك يعني ٣ ملايين برميل متوفرة لتصديرها للأسواق الخارجية. تلك المعادلة إستمرت لفترة طويلة سمحت بالحفاظ على بعض التوازن في سواق النفط العالمية.
منذ سنة ٢٠٠٠ فإن إنتاج روسيا من النفط قد إزداد بنسبة ٦٠% وتعد روسيا أكثر قريبا ٥٠% من زيادة إنتاج النفط في العالم بين سنتي ٢٠٠٠ و ٢٠٠٦ ولكن إعلان صناعة النفط الروسية أنه لم تسجل أي زيادة في الإنتاج منذ سنة ٢٠٠٨.
ولكن روسيا معرضة لنفس العوامل التي تؤدي إلى تغول الإستهلاك الداخلي على نمو مستوى الصادرات من النفط. بين سنتي ٢٠٠٤ و ٢٠٠٧ فقد نما الإقتصاد الروسي بنسبة ٦% سنويا مما أدى إلى نمو نسبة مبيعات السيارات ٢٠% إلى ٣٠% وباقي القصة معروفة.
المكسيك هي مثال أخر على الدول المصدرة للنفط خارج منظمة أوبك حيث كانت حتى فترة قريبة أكبر مصدر للنفط للولايات المتحدة بعد كندا. ولكن لك المكانة معرضة للإنهيار أو قد تكون إنهارت فعلا حيث أن هناك إنخفاضا للإنتاج منذ سنة ٢٠٠٧ بمعدل ٢٠%.
حقل نفط كانتاريل(Cantarell) البحري والذي يعد ٤٠% من إنتاج النفط في المكسيك وثالث أكبر حقل في العالم يشهد تناقصا حادا في الإنتاج بلغ مليون برميل سنويا وإحتمال خسارة نصف مليون برميل أخر في الفترات القادمة.
إن روسيا والمكسيك ودول منظمة أوبك تعد ٦٠% من الإنتاج العالمي للنفط بمقدار ٤٤ مليون برميل يوميا وكمية تبلغ ٣٥ مليون برميل يتم تصديرها. إن ثبات كمية الإنتاج أمرليس بمستحيل ولكن نمو الطلب على النفط داخليا يعني ٣ ملايين برميل إضافية يوميا تخرج من حسابات التصدير للإستهلاك الداخلي مما قد يؤدي مرة أخرى إلى إرتفاع أسعار النفط وكساد إقتصادي لفترة تسمح بإنخفاض الطلب على النفط مما يؤدي إلى إنخفاض سعره حتى تتغير الدورة الإقتصادية وينتعش الإقتصاد ويزداد الطلب على النفط مرة أخرى.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية