Flag Counter

Flag Counter

Friday, December 28, 2018

ماهو تأثير وسائل الإعلام على العقل العام وطريقة تفكيره وطبيعة القرارات التي يتخذها

هناك نقاش يدور بشكل مستمر بين المتخصصين في مجال الدعاية والإعلان وخبراء التسويق محوره طبيعة النفس البشرية, وهل يمكن أن تتغير وتتبدل؟ هل سوف تكونة مرنة تستجيب للتغيرات أم تتصف بالعناد وغير قابلة للتكيف مع الظروف والمستجدات الطارئة؟ إن الرأي العام قابل للتحول والتأثر بعاملين اثنين: الأول هو عامل داخلي يتمثل في تأييد الرأي العام لقضايا معينة بسبب توافقها مع أهواء ورغبات النفس البشرية. الثاني هو عامل خارجي يتمثل بتأثير الأسرة, المدرسة أو وسائل الإعلام المختلفة.  عالم الأحياء الأحياء الشهير د.بروس ليبتون(Bruce Lipton) شرح في إحدى المقابلات الأهمية التي تمثلها وسائل الإعلام خصوصا البرامج التلفزيونية التي تؤثر على طريقة حياتنا خصوصا في أول سبعة سنين من عمر الطفل بنسبة 95% حيث يستمر ذلك التأثير لفترة زمنية غير محدودة حتى بعد بلوغه سن الرشد.
هناك ثلاثة أراء فيما يتعلق بتأثير وسائل الإعلام المختلفة على العقل العام(Public Mind). الرأي الأول يقول بأنه لا يمكن لوسائل الإعلام أن تؤثر في العقل العام وفي القرارات التي يمكن أن يتخذها أو ردات الفعل التي يبديها تجاه قضايا معينة. وإن كان برأي الشخصي, فذلك يجانب الصواب ولكن لكل قاعدة إستثناء. ويمكن أن نتخذ من الإنتخابات الرئاسية الأمريكية التي فاز بها رجل الأعمال دونالد ترامب مثالا على صواب وجهة النظر تلك. فقد كانت أغلب الصحف الأمريكية والمحطات الإذاعية وعدد كبير من المشاهير والشخصيات العامة يعارضون دونالد ترامب ولكن الرأي العام لم يتأثر وفاز على منافسته هيلاري كلينتون التي كانت تتمتع بتأييد كبير من وسائل الإعلام المختلفة. هناك الكثير من الأمثلة الأخرى والتي يمكن أن نجدها في أي دولة حول العالم حيث يفوز بالإنتخابات أشخاص لا يتمتعون بأي تأييد من وسائل الإعلام وقد يخسر أشخاص الإنتخابات على الرغم من تلقيهم الدعم من عدد كبير من وسائل الإعلام المؤثرة. الصحفي والناقد الإجتماعي الأمريكي هنري لويس منكن(H. L. Mencken) قد صرح في إحدى مقالاته التي نشرها سنة 1914 بأن الرجل المثقف والمتعلم لا يأبه بما ينشر في الجرائد والصحف. الرأي الثاني هو أن الصحف ووسائل الإعلام المختلفة ليست إلا مرآة تعكس وجهات النظر التي يمثلها العقل العام وردات فعله تجاه قضية ما و ذلك برأي تحليل غير منطقي ويجانب الصواب خصوصا حيث أنه قد يساوي بين طريقة تفكير الفرد والجميع, بين الرأي العام الفردي والرأي العام الجمعي(رأي الجماهير). ولكن هناك رأي ثالث يرى أن وسائل الإعلام تترك تأثيرا على العقل العام وطريقة تفكيره وإتخاذه للقرارات وأن تلك أمور يمكن قياسها وتقديرها بشكل مسبق وبنسبة كبيرة من الدقة.
وبالنسبة إلى مستشار العلاقات العامة, الأمر لا يتعلق بمجرد رواية الحقائق حول قضية ما لجذب إنتباه المتابعين أو سلعة ما لجذب مشترين محتملين, بل بالكيفية التي سوف يتم عرض تلك الحقائق بحيث تلقى قبولا لدى الجماهير. وفي سبيل تحقيق ذلك, على مستشار العلاقات العامة القيام بدراسة شاملة لوسائل الإعلام المختلفة وكيفية الإستفادة منها والطريقة التي يمكن من خلالها طرح قضية ما أو الترويج لسلعة ما وأي من وسائل الإعلام يمكن إستخدامها لتحقيق أفضل عائد مقابل الجهد والوقت المبذول في سبيلها. مثال بسيط هو الإعلانات المتعلقة بالحد من النسل أو موانع الحمل حيث لا يمكن أن تلقى تلك الأراء أي شعبية أو ردة فعل إيجابي حتى لو قبلت بالدعاية لها مقابل المال وسائل إعلام محافظة سوف تخاطر في تلك الحالة بخسارة جمهورها المحلي ودخلها من عائدات الدعاية والإعلان من الشركات التي تتبع التوجه المحافظ. إن القدرة على تحقيق أقصى استفادة من الطريقة التي يعتمد عليها العقل العام في إتخاذ القرار تتطلب من مستشار العلاقات العامة المهارة في قياس ردة الفعل وتوقع النتائج المترتبة عليها وتلك عملية تراكمية حيث تزداد خبرات من يعمل في ذلك المجال مع مرور الوقت وازدياد عدد القضايا التي يعمل عليها كما ونوعا.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية


النهاية

Wednesday, December 26, 2018

لمحات من تاريخ التدخل الغربي في الوطن العربي والعالم

تاريخ التدخل الغربي في الوطن العربي, أسيا, أفريقيا هو تاريخ حافل بالمخازي والتناقضات التي لا يمكن إنكارها لأي عاقل يقرأ التاريخ بنزاهة وحيادية. ذلك الأسلوب الذي يعتمد على القوة والعنف كأفضل وسيلة للقيام بالمهمة المقدسة في تحضير وتمدين شعوب دول العالم الثالث هو أسلوب خاطئ وغير منطقي ولا يمكن القبول به من الناحية الأخلاقية. المشكلة أن ذلك هو الأسلوب الذي يجد رواجا لدى السياسيين, معاهد الأبحاث والمفكرين في دول الغرب. غزو العراق, معتقل بوكا وسجن أبو غريب, تقنيات الاستجواب المفرطة في القسوة والغير قانونية هي أمثلة واضحة على منطق القوة وأسلوب العنف المستخدم والذي يجد رواجا لدى النخب السياسية الغربية خصوصا الأمريكية عند أي نقاش حول كيفية التعامل مع الأزمات في الوطن العربي. تلك الأزمات ناتجة أو يتم تعريفها لدى تلك النخب بانها رفض إطاعة الأوامر و الإملاءات الأمريكية والغربية, فعندها يتم تصنيف هذا البلد أو ذاك بأنه دولة عاصية ويتم التدخل فيه بذرائع مختلفة منها حقوق الإنسان, إمتلاك أسلحة الدمار الشامل أو مكافحة الإرهاب والقائمة تطول.
إن تاريخ الولايات المتحدة حافل بالتدخل في شؤون الدول الأخرى منذ إعلان الاستقلال عن بريطانيا وذلك بطريقة مباشرة مثل العمل العسكري أو بطريقة غير مباشرة عبر دعم جماعات سياسية أو مسلحة معارضة. الولايات المتحدة تدخلت في فيتنام وتم إرتكاب جرائم حرب خصوصا قصف المدنيين بالنابالم وتدمير قرى كاملة وتهجير أهلها وتعريضهم لكافة أنواع المعاملة السيئة منها إغتصاب النساء. كما أن الولايات المتحدة قد استخدمت أسلحة الدمار الشامل في فيتنام خصوصا ما يعرف بالعامل الأرجواني(Orange Agent) وتسميم مصادر المياه. ومن سخرية الأقدار أن القوات الأمريكية التي إستخدمت أسلحة الدمار الشامل في فيتنام وقبل ذلك ضد اليابان خلال الحرب العالمية الثانية, قد قامت بغزو العراق بذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل واستخدمت خلال الغزو أسلحة يتم إدخال اليورانيوم المنضب في تصنيعها وهو ما ثبت أضراره القصيرة والطويلة المدى ضد المدنيين, ألاف الولادات المشوهة في العراق بسبب تأثير اليورانيوم المنضب. كما أنه تم إستخدام سلاح الإغتصاب ضد النساء والرجال على السواء وذلك على نطاق واسع ومنهجي مما يجعل تبرير حدوث ذلك على أنه أعمال فردية غير منطقي وغير مقبول.
الإدارة الأمريكية التي استخدمت الأسلحة المحرمة دوليا منذ الحرب العالمية الثانية وفي العراق قامت بتوجيه الإتهام للجيش السوري باستخدام تلك الأسلحة ضد السكان المدنيين ورسمت خطوطا حمراء مرفقة بالتهديد باستخدام القوة في حال حدوث ذلك. المعضلة التي تواجهها الإدارة الأمريكية في سوريا هو أن الحكومة السورية قد قامت طواعية بتسليم مخزونها من الأسلحة الكيميائية وتم التخلص منها بمعرفة جهات دولية. كما ان الجيش العربي السوري لم يثبت بالدليل القاطع إستخدامه تلك الأسلحة ضد المدنيين أو ضد الجماعات المسلحة المعارضة والتي تنتمي للمنهج التكفيري وتوالي تنظيم القاعدة حين كانت تسيطر على مساحات من الأراضي السورية وتهاجم القوات الحكومية.
إن تاريخ فرنسا الذي تختصره المناهج الدراسية بالثورة الفرنسية التي يزعمون أنها غيرت التاريخ بفكرة فصل الدين عن الدولة. إن تلك الثورة بشعاراتها عن الحرية والإخاء والمساواة لم تكن إلا صراع من أجل السلطة وكرسي الحكم قتل فيه الثوار بعضهم بعضا قبل أن يستولي نابليون بونابرت على الحكم. فرنسا بدأت تاريخها الاستعماري بعد الثورة الفرنسية مباشرة حيث حاول نابليون غزو مصر. حتى أن الفرنسيين كانوا في فيتنام وخرجوا منها مدحورين مذمومين بفضل مقاومة الشعب الفيتنامي البطل. فماذا كان يفعل الفرنسيون هناك في أدغال فيتنام؟ هل كان هناك معسكرات لتنظيم القاعدة؟ الفرنسيين استعمروا سوريا, لبنان, الجزائر, المغرب وتونس ودول أخرى في أفريقيا ولم يرحموا شعوب تلك الدول ولم يساهموا في نهضتها ولم يحدثوا تغييرا إيجابيا واحدا لمصلحة شعوبها. وعندما غادروها, بذروا فيها الشقاق والطائفية والتفرقة على يد صنائعهم من أذناب الإستعمار و أيتامه. ثم جاء الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي حاول تبييض صفحة السياسة الخارجية الفرنسية بمعارضته لغزو العراق فهاج وماج الإعلام الأمريكي المتصهين وطالبوا بتغيير إسم البطاطس المقلية(French Fries) وعقاب فرنسا على محاولتها التمرد وذلك ماكان. فقد تم محاصرة جاك شيراك بالفضائح ونبش ملفاته ومحاولة جرجرته أمام المحاكم كالمجرمين. إن أشخاصا حكموا فرنسا مثل نيكولاي ساركوزي وفرانسوا هولاند والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الذي لم يسمع به أحد قبل أن يصبح رئيسا لفرنسا, جميعهم قاموا بالإستمرار في السياسة الاستعمارية والتوسعية في أفريقيا خصوصا جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وفي ليبيا وسوريا.
حتى بريطانيا توصف بأنها دولة ديمقراطية على الرغم من أنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وعلى الرغم من أن ربع سكان العالم كانوا تحت حكم التاج البريطاني وبالقوة المسلحة نهبت البلدان التي احتلتها. تلك الدولة الأوروبية أقرت قانونا لتحرير العبيد ولكنها في الوقت نفسه قامت باستعباد 400 مليون إنسان وكانت تتصرف بعقلية إستعمارية ومازالت. بريطانيا هي المسؤول الأول عن كارثة فلسطين وساهمت في غزو العراق بعد حصار وتجويع سكانه وتدمير بنيته التحتية. توني بلير الذي كان رئيسا لوزراء بريطانيا  اعتذر بوقاحة وصفاقة عن قتل أكثر من مليون طفل عراقي وإعترف بأنه تم تضليله رغم أن ذلك الاعتراف هو تحصيل حاصل. رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لم يتحمل بضعة متظاهرين قام بعضهم بالتخريب وتوعد من يهدد الأمن القومي لبريطانيا ويثير الشغب في شوارع المدن البريطانية. كما أن الحكومة البريطانية تصادر حريات المواطنين وتتجسس عليهم بواسطة كاميرات الشوارع وتتنصت على اتصالاتهم الهاتفية ومراسلاتهم عبر البريد الإلكتروني وبدون أذون قضائية وهو الأمر الذي قامت به دول مثل الولايات المتحدة ومازالت.
إن تاريخ الدول الغربية الإستعماري في العالم وفي الوطن العربي حافل بالتناقضات ومن يظن أن العقلية الإستعمارية لتلك الدول قد ذهبت بغير رجعة فهو مخطئ. وحتى ضد شعوبهم في دول تقدم النصائح للأخرين حول الديمقراطية والحرية هم متناقضون والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى. ففي فرنسا, قتل مؤخرا تسعة متظاهرين وجرح عدد كبير من الفرنسيين خلال مظاهرات للاحتجاج على قانون رفع أسعار الوقود بذريعة المحافظة على البيئة ومكافحة الاحتباس الحراري. كما تم إعتقال المئات من المتظاهرين السلميين وإهانتهم وضربهم وسجن عدد منهم بذريعة إحداث شغب ومقاومة السلطات. وسائل الإعلام الفرنسية والبريطانية والأمريكية كانت تنقل إحتجاجات ومظاهرات سوريا وتقدم النصائح حول الديمقراطية للرئيس السوري وتصف من يقتحمون المؤسسات والمنشآت الحكومية والخاصة ويحرقونها بالمتظاهرين السلميين وتم توجيه الاتهام للحكومة السورية بإستخدام العنف والقمع. كما كانت حكومات تلك الدول تتدخل في الشأن الداخلي السوري وتطالب الرئيس السوري بمغادرة السلطة وتمهله أياما معدودة لتلبية تلك المطالب السخيفة. فهل سوف يرحل الرئيس الفرنسي لأن شرطته قتلت 9 متظاهرين سلميين؟ وهل غادر رئيس وزراء بريطانيا منصبه بسبب القمع ضد مواطنيه الذين تظاهروا ضد سياسات حكومته وتم قمعهم بقسوة؟ وهل سوف يترك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كرسيه بعد تظاهر قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي ضده وضد سياساته؟ الإجابة هي لا فإنهم لن يغادروا.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Tuesday, December 18, 2018

كيف تخدم التنظيمات الإرهابية مصالح الدول الغربية في المنطقة والعالم؟

تنظيم داعش ليس إلا مجرد عصابة من اللصوص وقطاع الطرق الذي قاموا بإستخدام الإسلام وتفسيرات خاطئة للنصوص الدينية لتبرير مستوى غير مسبوق من العنف والأعمال الوحشية والإجرامية بحق السكان المسالمين خصوصا الأقليات الدينية مثل اليزيديين والمسيحيين في كل من العراق وسوريا. كما أنهم في كلا البلدين, قاموا بتنصيب أنفسهم حماة للسنة ضد حكومات وأنظمة يصفونها بأنها طائفية ومستبدة. إن تنظيم داعش يقوم بتمويل أنشطته الإجرامية عبر مبيعات النفط, الخطف من أجل الفدية, ومصادرة الأملاك والأموال للمعارضين له ومن يصفهم بالكفار خصوصا المسيحيين. كما أن التنظيم قام بإستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بفاعلية من أجل تجنيد الأعضاء خصوصا من دول أوروبا وجمع التبرعات. لقد نجح التنظيم والذي يعتبر وارثا لتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين في تأسيس حكمه على أساس من التوحش والرعب ونجح في التسلل إلى دول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وذلك عبر موجات اللاجئين التي عبرت إلى القارة الأوروبية وتم تنفيذ هجمات دموية راح ضحيتها المئات من الأبرياء. كما أن التنظيم بتحريضة على هجمات الذئاب المنفردة للمتعاطفين معه في الدول الغربية قد جعل مهمة الأجهزة الأمنية في تعقب أتباعه ومحاولة الحد من فاعليتهم أكثر صعوبة.
إن الأفعال التي يقوم تنظيم داعش وتنظيمات أخرى مثل القاعدة, جبهة النصرة والجيش الحر بارتكابها لا تخدم إلا أهداف ومصالح الدول الغربية وليس لها أي علاقة بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد. كما أن تلك الأعمال التي تشمل تجارة الأعضاء البشرية, التهريب, بيع وشراء السبايا, تجارة الأثار والسلاح من بين أعمال أخرى ليس لها علاقة بالإسلام وتسيئ لصورة المسلمين حول العالم على أنهم إرهابيون, مجرمون و منحلين أخلاقيا. في سوريا على سبيل المثال, تقوم تنظيمات توصف من قبل دول وحكومات غربية من أنها معتدلة بقطع رؤوس المدنيين والعسكريين على حد سواء وكذلك بعمليات إعدام وقتل بشعة تستخدم فيها الأطفال وتحتجز المدنيين كدروع بشرية. في ضاحية دوما, إحدى مناطق الغوطة الشرقية حيث كان جيش الإسلام يمارس حكم التوحش, تم احتجاز مدنيين مختطفين خصوصا من منطقة عدرا العمالية في أقفاص لمنع تقدم قوات الجيش العربي السوري وتحرير المنطقة. وفي منطقة مخيم اليرموك والتي كانت تحت سيطرة فصائل من عصابات الجيش الحر قبل أن تتنازع تنظيمات جبهة النصرة وداعش السيطرة على المنطقة, تم تنفيذ عمليات إعدام بقطع الرأس, الطعن حتى الموت, إطلاق الرصاص وحرق مدنيين أحياء. أما في العراق, فقد تفوق أعضاء تنظيم داعش على نظرائهم في سوريا حيث تم تنفيذ عمليات إعدام لمئات الأشخاص دفعة واحدة وعمليات خطف من أجل الفدية وعمليات إعدام بشعة خصوصا قطع الرؤوس, والحرق أحياء والإغراق وتجنيد الأطفال للقيام بأعمال قتالية.
إن السياسة الإعلامية الغربية والبروباغندا التي تمارسها وسائل الإعلام في الدول الغربية من محطات تلفزيونية وإذاعية وصحف ومواقع على الشبكة العنكبوتية لا تخرج عن نطاق دفاعها عن إرهاب التنظيمات الأصولية بإسم المعارضة المعتدلة خدمة لأهداف وتوجهات الدول الغربية وسياستها في المنطقة. ولعل الجميع تابع إعلاميا كيف تتصرف دول غربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مع أعمال العنف والشغب والتخريب التي ترافق المظاهرات التي يقوم بها المواطنون في تلك الدول. ففي الولايات المتحدة, قد تصل الأحكام بسجن من يشاركون في المظاهرات المرخصة أو الغير مرخصة على حد سواء إلى السجن المؤبد خصوصا إذا رافقتها أعمال تخريب الممتلكات العامة والخاصة أو مقاومة الإعتقال والإعتداء على رجال الشرطة. أما في بريطانيا, فقد تعاملت السلطات بحزم مع كل عمل تخريبي يترافق مع المظاهرات قد تكون أسبابها إقتصادية أو لها علاقة بالبيئة أو ضد العولمة. وكذلك في فرنسا والتي شهدت مظاهرات أصحاب القمصان الصفر احتجاجا على قرارات إقتصادية لحكومة الرئيس ماكرون لعل أهمها زيادة أسعار الوقود. أما إذا إنتقلت تلك الوسائل الإعلامية إلى دول مثل سوريا أو العراق, فسوف تنقلب الصورة إعلاميا ١٨٠ درجة وتتحول التنظيمات الإرهابية إلى معتدلة والمتظاهرين الذي يحملون الأسلحة إلى سلميين ولهم مطالب عادلة. الترويج لتنظيم الخوذ البيضاء الإرهابي هو مثال على تلك النوعية من السياسات الإعلامية المتحيزة حيث أنه ليس عبارة إلا عن  تنظيم مسلح يتبع جبهة النصرة يحمل أعضائه السلاح ويشاركون في تنفيذ عمليات قتالية في الليل بينما في النهار يعملون بدوام كامل لتصوير عمليات إنقاذ أو هجمات مفبركة بالأسلحة الكيميائية.
إن أهداف الدول الغربية من الدعم اللوجستي والإعلامي الذي يتم تقديمه للتنظيمات الإرهابية هو تلميعها وتقديمها للرأي العام العربي على أنها معتدلة وصالحة لتسلم الحكم وفق ديمقراطية يتم تفصيلها على مقاس الدول الغربية وخدمة لمصالحها في المنطقة. تلك المصالح ليس لها أي علاقة بالإنسانية وحقوق الإنسان بل تستخدمها كذريعة للتدخل في شؤون دول المنطقة وخلق خطوط صراع وتقسيم دول المنطقة على أسس مذهبية وعرقية. تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي في مصر تلقى دعما إعلاميا وماليا من دول غربية ودول عربية تدور في فلك الولايات المتحدة رغم أن له تاريخا حافلا بالعنف. المرشحة الرئاسية السابقة ووزيرة الخارجية الأمريكية خلال فترة حكم الرئيس باراك أوباما عملت عرابة للانتقال الديمقراطي والسلمي المزعوم للحكم في المنطقة والذي كان يهدف على وجه الخصوص إلى تسليم تنظيم الإخوان المسلمين في دول مثل تونس, مصر, ليبيا وأخيرا سوريا كرسي الحكم حيث سوف تصدر الفتاوي الدينية التي كانت سوف تفصل على مقاس المصالح الأمريكية والغربية. إن الحملة الممنهجة والمعتمدة في وسائل الإعلام الغربية لتشويه صورة الإسلام وتعميم كلمة الإرهاب الإسلامي في المنطقة يخدم كل ما سبق ذكره لتقديم تلك التنظيمات الإرهابية على أنها ممثلة للإسلام والمسلمين وأن أفعالها تعبر عن الإسلام وبالتالي تبرير الحرب على الإرهاب وتقديم الذرائع لاستمرار تلك الحرب وديمومتها. كما أن الأعمال الإرهابية التي تقوم بها تلك التنظيمات في دول أوروبية لا تخدم الإسلام بل تخدم سياسات تلك الدول في مصادرة حريات المواطنين والتجسس على اتصالاتهم الهاتفية ومراسلاتهم عبر الشبكة العنكبوتية بذريعة مكافحة الإرهاب.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Thursday, December 13, 2018

صناعة الكراهية وصراع الأديان

الأشخاص المرضى بالإسلاموفوبيا ورهاب الأجانب يرفضون الإعتراف بأن وجهة نظرهم حول تعميم صفة الإرهاب على المسلمين هي بكل بساطة فاشلة. إن الحرب على الإرهاب هي إنعكاس لخوف الغربيين على حضارتهم التي تعيش المراحل النهائية من التدمير الذاتي. إن الكثير من أولئك المصابين برهاب من كل ماهو إسلامي يرفضون الاعتراف بأن اختراعات و إنجازات العلماء المسلمين قد ساهمت في النهضة في دول الغرب التي كانت تعيش في الظلام في نفس الوقت الذي تزدهر فيه الحياة في مدن المسلمين في دمشق, بغداد وفي قرطبة التي كانت تتمتع بأرقى معايير الحياة العصرية من حيث الخدمات مثل الحمامات العامة, أنظمة الصرف الصحي وإنارة الشوارع ليلا. كما أنهم يناقشون المشكلة الديمغرافية في أوروبا بكل التحيز الذي يمكنهم وكأنه على المسلمين أن يقلقوا من إمتناع نساء الدانمرك أو السويد أو كندا أو إسبانيا عن إنجاب العدد الكافي من الأطفال من أجل ضمان إمداد سوق العمل بالأيدي العاملة الكافية لاستمرار نظام التقاعد الذي يصفه مارك بالرفاهية والتساهل في منح الإمتيازات.
إن التحيز الذي تمارسه وسائل الإعلام الغربية في نقدها للإسلام ليس بمستغرب فهم يقبضون مقابله المال كرواتب شهرية وأجور الدعاية والإعلان من الشركات المختلفة. كما أن معاهد الأبحاث التي تتبع اليمين المحافظ تجمع التبرعات والرسوم وهي بالتأكيد لن تعرض وجهة نظر محايدة. إن الإسلاموفوبيا بفضل الرأسمالية التي يمكن تلخيص مبادئها بأنه لكل شيئ ثمن قد تحولت إلى صناعة تدر على العاملين بها دخولا تتراوح بين مئات الألاف إلى مئات الملايين من مبيعات الكتب, المواضيع التي تنشرها الصحف واللقاءات على وسائل الإعلام المختلفة. وحتى أكون منصفا فإن التعصب الإسلامي يجني أيضا الكثير من المال من صناعة الكراهية الخاصة به, فهناك عدد كبير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة التي تعزف على وتر الكراهية لأتباع الديانات الأخرى وحتى أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى. ولنكن واضحين, كلا الطرفان يحتاج كل منهما للأخر, صناعة الكراهية عند المتطرفين من كلا الطرفين تغذي بعضها بعضا.
إن الدعاية السلبية ضد المسلمين والتي تعززها تصرفات بعض المسلمين أنفسهم وتصريحاتهم لا تعني بالضرورة تعميم تلك الدعاية على جميع المسلمين. كما أن أحداثا تاريخية مثل الحروب الصليبية أو محاكم التفتيش الكنسية ليست سببا لتفجير محطات قطار في لندن أو مهاجمة مطار في بلجيكا أو حوادث الطعن التي تجتاح أوروبا حيث تحولت السكين إلى الأداة المفضلة للذبح وبإسم الدين والله. ولكن طرفي الصراع الإسلامي-المسيحي يمارسون إزدواجية المعايير. الإسلام لم يكن له دور في الحروب الدينية الأوروبية ولم يكن طرفا في الحرب العالمية الأولى والثانية والتي أفنت سكان أوروبا وقضت على نسبة كبيرة منهم. العراق تم حصاره لسنوات بذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل حيث قتل أكثر من مليون طفل عراقي بسبب نقص الغذاء والدواء ومن ثم تم غزوه عسكريا وتدمير بنيته التحتية وتشريد سكانه وقتلهم وفتح معسكرات إعتقال تتم فيها ممارسات يندى لها جبين البشرية والإنسانية. ولم يتم إكتشاف أسلحة الدمار الشامل في العراق وتم تدمير ذلك البلد في حرب أعلنها جورج بوش الإبن صراحة أنها حرب صليبية. وماذا كانت نتيجة الحرب على العراق؟ كانت ظهور تنظيمات إرهابية أكثر دموية من سابقاتها حيث ظهر تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين الذي تفوق على تنظيم القاعدة في الإجرام والدموية ومن بعده ظهر تنظيم داعش والذي تفوق على جميع من سبقوه والأن يروج الإعلام الغربي لتنظيم خراسان المتطرف.
إن الإسلام أو المسيحية هي مجرد أديان لا تروج للسلام او للعنف بل ذالك يعتمد على معتنق الدين وعلى تصرفاته. فإذا كان الشخص بطبيعته محبا للسلام فسوف تنعكس طباعه وتصرفاته في ممارساته الدينية والعكس صحيح. كما أن هناك الكثير من النصوص في الديانة المسيحية واليهودية التي تحرض على العنف ضد أتباع الديانات الأخرى والتي يؤمن بها أتباع كل من الديانتين ويعملون على تطبيقها. ومن السخافة تبسيط الأمور أن مرتكبي أعمال العنف من أتباع الديانة المسيحية أو اليهودية لا يقتبسون نصوصا من الإنجيل أو يصورون فيديوهات يقتبسون فيها تلك النصوص قبل ارتكاب أعمالهم الإجرامية. إنهم يقرأون تلك النصوص ويؤمنون بها أو بصحتها, أليس كذالك؟ وعلى من يلقي باللائمة على الأديان وليس الأشخاص في إرتكاب الأعمال العنفية والإجرامية أن يفسر معدلات الجريمة المرتفعة خصوصا حالات الإغتصاب والسرقة والمخدرات في دول ومجتمعات تصف نفسها بالعلمانية وتتفاخر بفصل الدين عن الدولة, الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا ودول أخرى في الغرب. كيف يتم تفسير حادثة القتل الجماعي في لاس فيجاس سنة ٢٠١٧ حيث فتح مسلح النار من نافذة غرفته في أحد الفنادق على حفل موسيقي بالقرب من الفندق؟ وماهو التبرير لتعدد حوادث إطلاق النار المدارس والجامعات الأمريكية؟ وماذا عن حادثة القتل الجماعي في النرويج سنة ٢٠١١ حيث فتح يميني متطرف يدعى أندريس برينج النار على معسكر لمن وصفهم بأنهم من الشبيبة اليسارية المؤيدة للمسلمين وقضاياهم؟ كيف سوف يتم تبرير كل تلك الحوادث؟ وكيف سوف يتم تبرير انحياز وسائل الإعلام الغربية في وصفها للجرائم التي يرتكبها الأشخاص ذوي الخلفية البيضاء بأنها جرائم جنائية بينما يتم توصيفها نفس الجرائم الإرهابية إذا إرتكبها العرب أو المسلمون؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Tuesday, December 11, 2018

الحضارة الغربية, متلازمة الإرهاب والإسلاموفوبيا

قامت مجلة النيوزويك(The NewsWeek) الأمريكية في مايو\٢٠٠٥ بنشر تقرير صحفي من معتقل غوانتانامو في كوبا يزعم أن حراس السجن قاموا بتدنيس القرآن الكريم بإلقاء نسخة منه في أحد مراحيض السجن أثناء التحقيق مع أحد المعتقلين. النتيجة كانت مظاهرات عارمة في عدد من البلدان العربية والإسلامية ومحاولة الهجوم على السفارات, القنصليات والمصالح الأجنبية وحرق بعضها. كما أسفرت تلك المظاهرات عن مقتل ١٥ شخصا وجرح عدد من الأشخاص. مجلة النيوزويك نشرت توضيحا اعتذرت فيه عن التقرير الذي تبين أنه خطأ وأنه يخالف الإجرائات المعمول بها في المعتقل عند التعامل مع القرأن الكريم حيث يطلب من الحراس عدم لمسه باليد وارتداء قفازات عن القيام بذلك. اعتذرت النيوزويك عن التقرير ولكن هل يكفي الإعتذار؟ المجلة أوضحت أن مصدر التقرير هو مصدر موثوق من داخل الحكومة الأمريكية إعترف عن مراجعته من قبل مسؤولي المجلة أنه سرب إليهم المعلومات على الرغم من عدم موثوقيتها. أنا بالطبع لست مؤيدا لردات الفعل الهمجية التي قامت بها الغوغاء والرعاع ولست مؤيدا لإستخدام العنف للرد على مثل تلك المزاعم حتى قبل تثبت مصداقيتها من عدمه. كما أنني لست أفهم العلاقة بين مهاجمة مطعم كنتاكي أو حتى سفارة دولة غربية كردة فعل على إهانة القرآن الكريم في معتقل غوانتانامو أو بسبب الرسوم الكاريكاتورية المسيئة التي نشرتها مجلة دنماركية وبين الإصطفاف خلف أبواب تلك السفارات في طابور انتظار طويل من أجل تقديم طلب للهجرة أو لشراء وجبة من مطعم كنتاكي أو أحد مطاعم التوكيلات الأجنبية.
إن محاولات وسائل الإعلام الغربية, المؤلفين ومن يزعمون أنهم خبراء في الإسلام والإرهاب الإسلامي لتوجيه النقد السلبي للإسلام ومحاولة التشكيك بالدين الإسلامي وإلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين لن تتوقف. والسبب في ذلك أنها صناعة تدر دخلا ماليا كبيرا على العاملين بها وتخدم أهداف واضعي السياسات الغربية في أنها توفر لهم شماعة لتعليق أخطائهم عليها وتلميع صورتهم أمام الناخبين. إن تقرير النيوزويك يمكن أن يعتبر محاولة متعمدة لإهانة الإسلام يعقبها ردة فعل من المسلمين ثم يبدأ الإعلام الغربي بالعزف على وتر الإسلاموفوبيا والإرهاب الإسلامي وإثارة الفزع عند الرأي العام الغربي وخلق حالة من الصورة النمطية السلبية عن المسلمين. إن وسائل الإعلام في الوطن العربية مصابة بالشلل النصفي عند تعاملها إعلاميا مع مثل تلك التصرفات التي تصدر من أشخاص ليسوا معنيين بمكافحة الإرهاب او بسلامة المواطنين الغربيين بل بجمع التبرعات ومبيعات الكتب وحسابات بنكية متضخمة بإستمرار. بل وهي في أفضل الأحوال تنشر مواضيع خجولة وردود سطحية خوفا من غضب سفارات الدول الغربية التي قد تعتذر للرأي العام العربي نفاقا و تملقا وتصدر تصريحات مستنكرة زاعمة أن الحكومات الغربية لا تملك التأثير على الإعلام الذي يعتبر مستقلا وأن حرية الرأي والتعبير في الغرب من الأمور التي لا تستطيع الحكومات المساس بها.
إن ما يثير إهتمام وسائل الإعلام الغربية بكل ما يتعلق بالإسلام وليس بالديانات الأخرى كالديانة البوذية والهندوسية وحتى المسيحية هو أن الإسلام دين عالمي قابل للتوسع والانتشار بدون التقيد بحدود جغرافية معينة. كما أن الإسلام يعتبر أسرع الأديان إنتشارا في الغرب ويضم عددا متزايدا من الأتباع في وقت تعاني فيه المسيحية في الدول الغربية من الاندثار حيث الكنائس فارغة في أغلب الأوقات بل ويتم بيع بعضها لهيئات إسلامية تقوم بتحويلها إلى مساجد ومراكز إسلامية. إن تبني وسائل الإعلام الغربية, مراكز الأبحاث والناشطين الغربيين وجهات النظر التي تعادي الإسلام وتصف المسلمين بالإرهابيين يخدم مجموعة أهداف لعل أهمها: أولا, إن أي حضارة بدون مواجهة أي تحديات لفترة زمنية طويلة سوف تشيخ وتهرم وتتوقف عن التجديد والابتكار والأمثلة من التاريخ على صحة ذلك متعددة. الكنيسة الكاثوليكية كانت هي الممثل الوحيد للحضارة الغربية حتى تاريخ الانشقاق الكنسي في القرن السادس عشر وحتى قبل ذلك التاريخ عقدت المجامع المسكونية حيث إنقسمت المسيحية على نفسها وتم ارتكاب المذابح بحق المخالفين وحرق كتبهم. والسؤال هو عن الهيئة التي سوف تكون عليها الديانة المسيحية والحضارة الغربية لو بقيت الكنيسة الكاثوليكية في روما هي المهيمنة على المشهد الديني في الغرب؟ ثانيا, إن الحضارة الغربية لن تجد أفضل من الإسلام تتخذه عدوا فهو دين يتميز بأنه مقاوم لعوامل التآكل الزمنية ويتجدد باستمرار مع عدد كبير من الأتباع المخلصين بما يضمن حالة لا نهائية من الصراع. الحضارة الغربية والتي برزت الرأسمالية كرمز لها  بعد تحييد الدين عن الدولة خلال الفترة التي أعقبت الثورة الفرنسية وجدت عدوها في الشيوعية حيث بدأت الحرب الباردة مباشرة بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وانتهى ذلك الصراع سنة ١٩٨٩\١٩٩١بسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي. وقد تم إستخدام الإيديولوجيا الإسلامية لمواجهة الشيوعية وهي من المذاهب الإلحادية خلال مرحلة الحرب الأفغانية وصولا لمرحلة خروج القوات السوفياتية من أفغانستان ثم بدأت مرحلة الاصطدام مع تلك الأيدولوجيا نفسها بذريعة الحرب على الإرهاب.
إن الذي يوجهون إنتقاداتهم للدين الإسلامي بأنه إنتشر بالسيف وأن المسلمين أشخاص لديهم استعداد لارتكاب العنف بحق المخالفين يتجاهلون الحقائق التاريخية وحتى وقائع معاصرة تنفي تلك الإنتقادات التي تحولت لوصم المسلمين بالإرهاب وتعميم تلك التهمة عليهم. إن جميع الحضارات والأمم والامبراطوريات السابقة قد شنت الحروب ضد جيرانها وتوسعت جغرافيا على حسابهم رغم أن بدايتها متواضعة: الإمبراطورية الرومانية بدأت بقرية صغيرة وكذالك إمبراطورية الإسكندر الأكبر وإسبرطة وغيرها الكثير. الصراع بين الحضارة الإسلامية والمسيحية ليس بحالة استثنائية والمسيحية لم تنتشر إلا على حد سيوف جنود الإمبراطور الروماني قسطنطين الذي ذبح المخالفين بدون رحمة أو شفقة حيث إستمر مسلسل المجازر مع من خلفوه في الحكم وكان يتم إقامة مهرجانات دموية حيث يتم إلقاء المعارضين للوحوش المفترسة أو صلبهم. إن الإسلام الذي بدأ بعدد قليل من الأشخاص ويتم الإشارة لأتباع الإسلام الأوائل بالحفاة قد أسقطوا إمبراطوريات وقاموا بغزو دول وإرسال حملات عسكرية على جيرانهم من القبائل المعارضة ولكن ذلك لم يخرج عن السياق التاريخي للأحداث. فالمسلمون كانوا أكثر رحمة بأعدائهم من غيرهم من الأمم السابقة حيث كانوا يمنحونهم الخيار بين قبول الإسلام, دفع ضريبة تسمى الجزية أو القتال. وحتى في قتالهم, كانوا يتبعون أوامر عسكرية وأخلاقية صارمة بعدم الاعتداء على السكان المسالمين والمتعبدين في صوامعهم ومن يزرعون حقولهم وعدم قطع الشجر بينما كان جنود الإمبراطورية الرومانية يحرقون الأخضر واليابس ولا يرحمون الشعوب المهزومة, يستعبدون رجالها ويسترقون النساء ويستغلون الأطفال كعبيد أو يجبرونهم على التدريب العسكري والخدمة في الجيوش الرومانية. هناك دول لم ينتشر فيها الإسلام بواسطة السيف, أندونيسيا على سبيل المثال وهي أكبر دولة إسلامية من حيث تعداد السكان المسلمين فيها.
إن الجرائم التي يتم ارتكابها من قبل تنظيمات ترتدي عباءة الإسلام لا تبرر إتهام المسلمين بالعنف أو وصمهم بتهمة الإرهاب. الأعمال الإجرامية التي تقوم بها تلك التنظيمات تخدم أهدافها ومصالحها الضيقة سواء الإقتصادية أو السياسية وتخدم بالتأكيد أهداف السياسيين الغربيين الذين يشبهون الغريق الذي يتعلق بقشة ويبحث عن مخرج لتبرير قوانين من المفترض أنها تخدم مكافحة الإرهاب ولكنها على أرض الواقع مصممة لسلب المواطنين الغربيين حرياتهم والتضييق عليهم. إن وجهة النظر تلك تماثل وجهة النظر التي يتبناها مفكرون غربيون في سعيهم للتعمية على التاريخ الدموي للمسيحية خصوصا الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش التي لها دوافع دينية ومذهبية وليس لها أي علاقة برد فعل على غزوات المسلمين كما يزعمون. لا يوجد أي منطق عقلي يدعم العلاقة بين الهجمات الإرهابية في أوروبا وإستخدام طائرات بدون طيار لقصف أعراس المدنيين في أفغانستان أو خيام الرعاة في اليمن بذريعة الحرب على الإرهاب. العراق هي أحد الأمثلة التي مازالت حية في الذاكرة على التدخل الغربي في بلدان عربية تتحول إلى مفرخة للإرهابيين ووكر للإرهاب حيث لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل في العراق وفشلت محاولات لربط العراق بالإرهاب بذريعة العلاقة مع تنظيمات إسلامية متطرفة. الصومال هو مثال أخر على وقاحة التدخل الغربي في شؤون الأخرين في محاولة لفرض نظام سياسي أو إقتصادي معين عليهم. الصومال, ذلك البلد في أفريقيا ذي الموقع الحيوي على طرق الملاحة البحرية تم التدخل فيه من قبل القوى الغربية بدلا من أن يترك أهله وشأنهم في اختيار النظام السياسي الذي يناسبهم فتم استبدال تنظيم المحاكم الإسلامية والذي كان ذو طبيعة قبلية بتنظيم الشباب المتطرف الذي يعتبر نفسه مواليا لتنظيم القاعدة مما يسمح للدول الغربية بالتواجد فيه عسكريا بدعوى مكافحة التطرف والإرهاب. إن التنظيمات الإرهابية والمتطرفة لا تمثل الإسلام ولا المسلمين كما أن تنظيم كو كلوكس كلان أو جيش الرب لا يمثلون المسيحية ولا المسيحيين. الإرهاب أمر بشع ومدان وكذالك إزهاق الروح البشرية دون أن يكون الشخص قد ارتكب جريمة تستحق عقوبة القتل هو أيضا أمر بشع ومدان. الإسلام لا يحرض على العنف وإخراج النصوص الدينية من سياقها التاريخي سوف يؤدي إلى فهم مغلوط ليس للإسلام فقط بل للمسيحية او اليهودية والديانات الأخرى كذلك.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية