Flag Counter

Flag Counter

Wednesday, December 26, 2018

لمحات من تاريخ التدخل الغربي في الوطن العربي والعالم

تاريخ التدخل الغربي في الوطن العربي, أسيا, أفريقيا هو تاريخ حافل بالمخازي والتناقضات التي لا يمكن إنكارها لأي عاقل يقرأ التاريخ بنزاهة وحيادية. ذلك الأسلوب الذي يعتمد على القوة والعنف كأفضل وسيلة للقيام بالمهمة المقدسة في تحضير وتمدين شعوب دول العالم الثالث هو أسلوب خاطئ وغير منطقي ولا يمكن القبول به من الناحية الأخلاقية. المشكلة أن ذلك هو الأسلوب الذي يجد رواجا لدى السياسيين, معاهد الأبحاث والمفكرين في دول الغرب. غزو العراق, معتقل بوكا وسجن أبو غريب, تقنيات الاستجواب المفرطة في القسوة والغير قانونية هي أمثلة واضحة على منطق القوة وأسلوب العنف المستخدم والذي يجد رواجا لدى النخب السياسية الغربية خصوصا الأمريكية عند أي نقاش حول كيفية التعامل مع الأزمات في الوطن العربي. تلك الأزمات ناتجة أو يتم تعريفها لدى تلك النخب بانها رفض إطاعة الأوامر و الإملاءات الأمريكية والغربية, فعندها يتم تصنيف هذا البلد أو ذاك بأنه دولة عاصية ويتم التدخل فيه بذرائع مختلفة منها حقوق الإنسان, إمتلاك أسلحة الدمار الشامل أو مكافحة الإرهاب والقائمة تطول.
إن تاريخ الولايات المتحدة حافل بالتدخل في شؤون الدول الأخرى منذ إعلان الاستقلال عن بريطانيا وذلك بطريقة مباشرة مثل العمل العسكري أو بطريقة غير مباشرة عبر دعم جماعات سياسية أو مسلحة معارضة. الولايات المتحدة تدخلت في فيتنام وتم إرتكاب جرائم حرب خصوصا قصف المدنيين بالنابالم وتدمير قرى كاملة وتهجير أهلها وتعريضهم لكافة أنواع المعاملة السيئة منها إغتصاب النساء. كما أن الولايات المتحدة قد استخدمت أسلحة الدمار الشامل في فيتنام خصوصا ما يعرف بالعامل الأرجواني(Orange Agent) وتسميم مصادر المياه. ومن سخرية الأقدار أن القوات الأمريكية التي إستخدمت أسلحة الدمار الشامل في فيتنام وقبل ذلك ضد اليابان خلال الحرب العالمية الثانية, قد قامت بغزو العراق بذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل واستخدمت خلال الغزو أسلحة يتم إدخال اليورانيوم المنضب في تصنيعها وهو ما ثبت أضراره القصيرة والطويلة المدى ضد المدنيين, ألاف الولادات المشوهة في العراق بسبب تأثير اليورانيوم المنضب. كما أنه تم إستخدام سلاح الإغتصاب ضد النساء والرجال على السواء وذلك على نطاق واسع ومنهجي مما يجعل تبرير حدوث ذلك على أنه أعمال فردية غير منطقي وغير مقبول.
الإدارة الأمريكية التي استخدمت الأسلحة المحرمة دوليا منذ الحرب العالمية الثانية وفي العراق قامت بتوجيه الإتهام للجيش السوري باستخدام تلك الأسلحة ضد السكان المدنيين ورسمت خطوطا حمراء مرفقة بالتهديد باستخدام القوة في حال حدوث ذلك. المعضلة التي تواجهها الإدارة الأمريكية في سوريا هو أن الحكومة السورية قد قامت طواعية بتسليم مخزونها من الأسلحة الكيميائية وتم التخلص منها بمعرفة جهات دولية. كما ان الجيش العربي السوري لم يثبت بالدليل القاطع إستخدامه تلك الأسلحة ضد المدنيين أو ضد الجماعات المسلحة المعارضة والتي تنتمي للمنهج التكفيري وتوالي تنظيم القاعدة حين كانت تسيطر على مساحات من الأراضي السورية وتهاجم القوات الحكومية.
إن تاريخ فرنسا الذي تختصره المناهج الدراسية بالثورة الفرنسية التي يزعمون أنها غيرت التاريخ بفكرة فصل الدين عن الدولة. إن تلك الثورة بشعاراتها عن الحرية والإخاء والمساواة لم تكن إلا صراع من أجل السلطة وكرسي الحكم قتل فيه الثوار بعضهم بعضا قبل أن يستولي نابليون بونابرت على الحكم. فرنسا بدأت تاريخها الاستعماري بعد الثورة الفرنسية مباشرة حيث حاول نابليون غزو مصر. حتى أن الفرنسيين كانوا في فيتنام وخرجوا منها مدحورين مذمومين بفضل مقاومة الشعب الفيتنامي البطل. فماذا كان يفعل الفرنسيون هناك في أدغال فيتنام؟ هل كان هناك معسكرات لتنظيم القاعدة؟ الفرنسيين استعمروا سوريا, لبنان, الجزائر, المغرب وتونس ودول أخرى في أفريقيا ولم يرحموا شعوب تلك الدول ولم يساهموا في نهضتها ولم يحدثوا تغييرا إيجابيا واحدا لمصلحة شعوبها. وعندما غادروها, بذروا فيها الشقاق والطائفية والتفرقة على يد صنائعهم من أذناب الإستعمار و أيتامه. ثم جاء الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي حاول تبييض صفحة السياسة الخارجية الفرنسية بمعارضته لغزو العراق فهاج وماج الإعلام الأمريكي المتصهين وطالبوا بتغيير إسم البطاطس المقلية(French Fries) وعقاب فرنسا على محاولتها التمرد وذلك ماكان. فقد تم محاصرة جاك شيراك بالفضائح ونبش ملفاته ومحاولة جرجرته أمام المحاكم كالمجرمين. إن أشخاصا حكموا فرنسا مثل نيكولاي ساركوزي وفرانسوا هولاند والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الذي لم يسمع به أحد قبل أن يصبح رئيسا لفرنسا, جميعهم قاموا بالإستمرار في السياسة الاستعمارية والتوسعية في أفريقيا خصوصا جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وفي ليبيا وسوريا.
حتى بريطانيا توصف بأنها دولة ديمقراطية على الرغم من أنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وعلى الرغم من أن ربع سكان العالم كانوا تحت حكم التاج البريطاني وبالقوة المسلحة نهبت البلدان التي احتلتها. تلك الدولة الأوروبية أقرت قانونا لتحرير العبيد ولكنها في الوقت نفسه قامت باستعباد 400 مليون إنسان وكانت تتصرف بعقلية إستعمارية ومازالت. بريطانيا هي المسؤول الأول عن كارثة فلسطين وساهمت في غزو العراق بعد حصار وتجويع سكانه وتدمير بنيته التحتية. توني بلير الذي كان رئيسا لوزراء بريطانيا  اعتذر بوقاحة وصفاقة عن قتل أكثر من مليون طفل عراقي وإعترف بأنه تم تضليله رغم أن ذلك الاعتراف هو تحصيل حاصل. رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لم يتحمل بضعة متظاهرين قام بعضهم بالتخريب وتوعد من يهدد الأمن القومي لبريطانيا ويثير الشغب في شوارع المدن البريطانية. كما أن الحكومة البريطانية تصادر حريات المواطنين وتتجسس عليهم بواسطة كاميرات الشوارع وتتنصت على اتصالاتهم الهاتفية ومراسلاتهم عبر البريد الإلكتروني وبدون أذون قضائية وهو الأمر الذي قامت به دول مثل الولايات المتحدة ومازالت.
إن تاريخ الدول الغربية الإستعماري في العالم وفي الوطن العربي حافل بالتناقضات ومن يظن أن العقلية الإستعمارية لتلك الدول قد ذهبت بغير رجعة فهو مخطئ. وحتى ضد شعوبهم في دول تقدم النصائح للأخرين حول الديمقراطية والحرية هم متناقضون والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى. ففي فرنسا, قتل مؤخرا تسعة متظاهرين وجرح عدد كبير من الفرنسيين خلال مظاهرات للاحتجاج على قانون رفع أسعار الوقود بذريعة المحافظة على البيئة ومكافحة الاحتباس الحراري. كما تم إعتقال المئات من المتظاهرين السلميين وإهانتهم وضربهم وسجن عدد منهم بذريعة إحداث شغب ومقاومة السلطات. وسائل الإعلام الفرنسية والبريطانية والأمريكية كانت تنقل إحتجاجات ومظاهرات سوريا وتقدم النصائح حول الديمقراطية للرئيس السوري وتصف من يقتحمون المؤسسات والمنشآت الحكومية والخاصة ويحرقونها بالمتظاهرين السلميين وتم توجيه الاتهام للحكومة السورية بإستخدام العنف والقمع. كما كانت حكومات تلك الدول تتدخل في الشأن الداخلي السوري وتطالب الرئيس السوري بمغادرة السلطة وتمهله أياما معدودة لتلبية تلك المطالب السخيفة. فهل سوف يرحل الرئيس الفرنسي لأن شرطته قتلت 9 متظاهرين سلميين؟ وهل غادر رئيس وزراء بريطانيا منصبه بسبب القمع ضد مواطنيه الذين تظاهروا ضد سياسات حكومته وتم قمعهم بقسوة؟ وهل سوف يترك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كرسيه بعد تظاهر قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي ضده وضد سياساته؟ الإجابة هي لا فإنهم لن يغادروا.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment