Flag Counter

Flag Counter

Sunday, February 26, 2017

مفهوم الحروب الإقتصادية, الأسباب والأهداف

قد يخطي الكثيرون حول مفهوم الحرب الإقتصادية فهدفها النهائي هو تحقيق النصر وليس مضاعفة الثروات أو الإستيلاء على الأصول أو الأسهم. أدواتها صناديق التحوط, صناديق الإستثمار السيادية والمشتقات المالية. الخطوات التي يتم بموجبها شن الحرب الإقتصادية لا تتم بطريقة تنافسية إنما بهدف إحداث أكبر ضرر ممكن بالخصم وبإستخدام أساليب ملتوية. تلك الأساليب قد تتضمن أوامر بيع وهمية لأسهم كبريات الشركات كأبل, جوجل وأي بي إم بهدف إحداث حالة من الذعر في الأسواق أشبه بتدحرج كرة الثلج على منحدر لتتسبب بإنهيار ثلجي كامل ومدمر.
في الماضي فإن تلك النوعية من الحروب الإقتصادية والتي تستهدف الإقتصاد الأمريكي وعلى رأسه الدولار لم تكن خيارا ممكنا بسبب الهيمنة الأمريكية خصوصا في أوروبا وعلى هامش الحرب الباردة حيث كانت كثير من الدول تعتمد على الولايات المتحدة لضمان امنها وحمايتها من المد الشيوعي. ولكن سنة 1971 كانت بداية التغيير حين تخلى الرئيس الأمريكي نيكسون عن إتفاقية بريتون-وودز وفك الإرتباط بين الذهب والدولار الأمريكي حيث ذكر في خطابه أن بعض الدول تحاول شن حرب إقتصادية على الولايات المتحدة. تلك الحرب الإقتصادية لم تكن إلا مطالبات لتلك الدول إستبدال الدولارات التي تراكمت لديها بسبب الفائض التجاري الإيجابي مع الولايات المتحدة بالذهب 35 دولارا لكل أونصة بموجب إتفاقية بريتون-وودز. الولايات المتحدة في تلك الفترة كانت قد قامت بطباعة كميات كبيرة من الدولارات لتغطية نفقات حرب فيتنام ومايعرف بخطة المسدس والزبدة(Gun And Butter) والتي بدأت في عهد الرئيس الأسبق(ليندون جونسون) مما أثار قلق الكثير من الدول حول إنخفاض قيمة إحتياطيها من النقد وخصوصا الدولار الأمريكي الذي كان يعتبر العملة الرئيسية في الإحتياطي النقدي لأغلب دول العالم في تلك الفترة.
المثير للإستغراب أن ألمانيا وهي دولة صناعية وتعد أكبر إقتصاد في القارة الأوروبية وقلبها النابض كانت إلى جانب الولايات المتحدة حيث أبلغتها أنها لن تقوم بالمطالبة بإستبدال الدولارات المتوفرة لديها بالذهب بموجب إتفاقية بريتون-وودز وهو ماكان سوف يؤدي إلى إنهيار قيمة الدولار بسبب مكانة ألمانيا السياسية والإقتصادية.
ولكن ماهو المثير للإستغراب في ذالك؟
ألمانيا وعلى الرغم من إنحيازها إلى جانب الولايات المتحدة في تلك الأزمة إلا أنها كانت أكثر المتضررين من السياسات التي إتبعتها كبريات شركات النفط والطاقة الأمريكية بشكل رئيسي في وقت لاحق والتي أدت إلى إرتفاع في أسعار النفط بنسبة 400% بل وأكثر من ذالك حين تعدى سعر برميل النفط حاجز 100 دولار حتى وقت ليس ببعيد. بالنسبة لدولة صناعية كألمانيا فإن ذالك كان يعد كارثة. وحاليا يتم إستهداف أوروبا وخصوصا ألمانيا من قبل تركيا بشكل رئيسي عبر موجة اللاجئين وتحت مسميات إنسانية حيث أن كامل فائض الميزانية الألمانية والذي بلغ 10 مليارات يورو سوف يتم تخصيصه للإنفاق على اللاجئين. ألمانيا تعارض منح عضوية كاملة لتركيا في الإتحاد الأوروبي وإنضمامها لمنطقة العملة الأوروبية الموحدة(اليورو).
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Sunday, February 19, 2017

عمليات محاكاة الحروب الإقتصادية, الإستعداد لما هو قادم

إن جميع الأطراف تستعد لما هو قادم ولكن ليس جميع الإستعدادت هي من طرف الحكومة الأمريكية أو يتم تحت إشرافها. في شهر سيبتمبر\2012 مملكة البحرين إستضافت مؤتمرا تم توجه الدعوات الحصرية فيه لعدد من معاهد الأبحاث, الصحفيين, مسؤولين أوروبيين وخبراء في الأسواق المالية والعمليات التجارية. هدف المؤتمر الذي إستمر لفترة ثلاثة أيام هو بحث سيناريو إنهيار الدولار الأمريكي وإحتمال صعود عملات كاليوان الصيني أو الروبل الروسي كبديل على الرغم من أن ذالك أمر مستبعد في الوقت الحالي.
بتاريخ أكتوبر\12\2012 فإن الإتحاد الفيدرالي للعلماء الأمريكيين قام بتبني عملية محاكاة لحرب غير تقليدية بين إيران وإسرائيل تشمل إستخدام أدوات مالية مختلفة ودراسة تأثير الحروب التقليدية في حال حصولها على الوضع الإقتصادي للبلدين. وبتاريخ أكتوبر\25\2012 فإن شركة بوينج قد قامت بعملية محاكاة لحرب إقتصادية في بريتون-وودز في ولاية نيوهامسفير في نفس الفندق الذي عقد فيه المؤتمر الأشهر سنة 1944.
قيادة منطقة المحيط الباسيفيكي في القوات المسلحة الأمريكية إنتهت بتاريخ 30\أكتوبر\2012 من عملية تجربة عبارة عن محاكاة لحرب إقتصادية إستمرت سنة كاملة وشارك فيها بنوك رئيسية وكبريات معاهد الأبحاث والتفكير.
حتى أن الجيش السويسري قد دخل في عملية محاكاة الحروب الإقتصادية تحت مسمى دوبلكس باربارا(Duplex Barbara) والتي إنطلقت في شهر أوغسطس\2013 بعملية غزو إفتراضية من قبل ميليشيات فرنسية ورجال عصابات لإستعادة أموال فرنسية تمت مصادرتها من قبل بنوك سويسرية.
في سنة 2013 فقد تم الإستيلاء على أحد حسابات تويتر التي تعود لأحد المعاونين الصحفيين في البيت الأبيض ونشر خبر كاذب عن تعرض مقر الرئاسة الأمريكية لهجوم إرهابي. النتيجة العاجلة لذالك الخبر هو هبوط مؤشر داو-جونز 140 نقطة وخسارة 136 مليار دولار من الثروات قبل تعافي المؤشر وتبيان عدم مصداقية الخبر. الهدف من تلك النوعية من الهجمات هو ليس تعطيل الأسواق المالية بل محاكاة عمليات بيع من قبل مؤسسات مالية أمريكية عريقة لأهداف إحتيالية.
وفي كثير من الأحيان فإن الفاعل يبقى مجهولا أو تحوم الشكوك حول الأسباب الحقيقية حيث أنه سنة 2012 تعرضت مؤسسة (Knight Capital services) لعطل في برنامج الكمبيوتر الخاص بها والذي يتحكم بعمليات شراء الأسهم مما أدى إلى مراكمتها ماقيمته 7 مليارات دولار من الأصول الغير مرغوبة مما كلفها خسارة 400 مليون دولار تقريبا لتتخلص منها. بحسب بعض المصادر فإن الفاعل عن غير قصد قد نسي نسخ أحد أوامر البرنامج إلى أحد سيرفرات الشركة مما أدى إلى تلك الفوضى. وفي شهر أوغسطس من نفس السنة فقد تعرضت بورصة ناسداك قد توقفت عن التداول لمدة ثلاثة ساعات ولم يتم تقديم أي مبررات أو إيضاح أسباب العطل.
المشكلة التي يشتكي منها عدد لا يستهان به من الخبراء الإقتصاديين في الولايات المتحدة هو نوع من اللامبالاة من قبل وزارة الخزانة وبنك الإحتياطي الفيدرالي بخصوص قدرة الخصم على إحداث ضرر لايستهان به في البنية التحتية للإقتصاد الأمريكي سوف يستغرق إصلاحها وقتا طويلا مما يمنح الخصم فرصة لا تعوض للإستفادة في تعزيز موقعه الإستراتيجي مقارنة بالولايات المنحدة بأحد بقاع العالم المتنازع عليها. الأسباب التي يسوقها المسؤولون الحكوميون هي أن تلك النوعية من الهجمات الإقتصادية سوف تؤدي إلى خسارة كبيرة للطرف الأخر. إن تلك النقطة للأسف يرفض عدد كبير من المسؤولين إستيعابها وهي أن تلك النوعية من الهجمات لا تستهدف تحقيق مكاسب إقتصادية بالمعنى الشائع بل إحداث أضرار إقتصادية للخصم وإضعافه للتفوق عليه خصوصا من الناحية العسكرية.
التعافي من تلك النوعية من الهجمات قد تأخذ عقودا فتخيلوا أن عدد كبيرا من الدول المتضررة من أزمة 2007\2008 لم تتعافي إلى الأن ولو جزئيا من تلك الأزمة ولايوجد بحوزتها أي إحتياطيات لمواجهة الأزمة المقبلة التي قد تتسبب بإفلاس عدد من الدول بالمعنى الحرفي للكلمة.
السيناريو الأكثر إحتمالية من وجهة نظر البعض هو هجمات إقتصادية خبيثة متبادلة بين الولايات المتحدة والصين بهدف إحداث أكبر ضرر إقتصادي ممكن مما قد يؤدي في النهاية إلى إضطرابات إقتصادية. الصدام العسكري المباشر مسألة سوف تكون مكلفة خصوصا للولايات المتحدة في الوقت الذي من الممكن للصين أن تمتص الضرر وتعيد بناء نفسها بصورة أسرع. الصين من ناحيتها تقوم بتحويل ثروتها من العملات الورقية إلى سبائك ذهبية إستعدادا لما هو قادم حيث تقوم بالإضافة إلى بلدان أخرى كروسيا بتكديس الذهب وبكميات كبيرة.
خسارة الصين في حال قيام أي حرب إقتصادية بينها وبين الولايات المتحدة سوف تكون مؤقتة ويتم تعويضها لاحقا بينما مكاسبها على أرض الواقع بخصوص تايوان وبحر الصين الشرقي فإنها سوف تشكل مكاسب دائمة وخطوة للامام بالنسبة للصين.
مشكلة المسؤولين في الولايات المتحدة إعتمادهم على نماذج ومعادلات لقياس حالة الأسواق المالية في الوضع الطبيعي والعادي ولكن كما هو معلوم فمتى إنتشرت حالة من الذعر بسبب حدث ما فإن موجة التدافع للبيع يمكن تشبيهها بإنهيار ثلجي بدأ بندفة حتى ينتهي بكارثة تجرف في طريقها كل شيئ.
إن الأزمات الإقتصادية التي كادت أن تودي بالأسواق المالية إلى الهاوية لم تبدأ بأزمة 2007\2008 وإن كانت تلك الأزمة أسوأها حتى تاريخه. في تاريخ سيبتمبر\1998 كادت أسواق المال والبورصة أن تنهار لولا حزمة إنقاذ بمبلغ 4 مليارات دولار لصندوق (Long Term Capital) . وفي سنة 2008 فإن وول ستريت كان على وشك الإنهيار الكامل وإعلان كبار البنوك والمؤسسات المالية إفلاسها لولا إقرار الكونجرس الأمريكي لحزمة إنقاذ بمبلغ مبدئية أطلق عليها إسم (TARP) وبلغت 700 مليار دولار أمريكي.
سيناريوهات الحروب الإقتصادية ليست دائما هجمات متبادلة يبدأ أحد الطرفين بشكل عمدي بل قد يكون سببها مشكلة برمجية او حتى بعض الأشخاص الغاضبين كما حصل مع  (Knight Capital services) وخلال إنهيار سنة 2010 حيث تعرضت أسواق المال في وول ستريت إلى خسائر بلغت تريليون دولار بسبب أحد صناديق التحوط ومايعرف بإسم (High Frequency Trader - HFT) حيث أدى بيع صندوق التحوط لمجموعة كبيرة من الأسهم دفعة واحدة مع إستنفاذ خياراته بخصوص مشترين محتملين إلى سلسلة عمليات بيع كان المستفيد منها مكاتب (HFT) والتي كان لها مصلحة في المزيد من تدهور الأسواق المالية لجني الأرباح.
الإنهيار القادم سوف تكون عواقبه وخيمة لأنه يشاع على نطاق واسع أنه سوف يتفوق على كل الإنهيارات التي سبقته من حيث حجم الخسائر وسوف يكون مصحوبا بقلاقل وأزمات إجتماعية وإضطرابات ومظاهرات. كما أن بنك الإحتياطي الفيدرالي قد إستنفذ خياراته سنة 2007\2008 بطباعة أكثر من 3 تريليون دولار لشراء أسهم وسندات وأصول تعتبر مسمومة أثقلت دفاتر حساباته وجعلته في وضع أشبه بالإفلاس وبالتالي لن يكون في وضع يمكنه من التدخل كما حصل في الأزمات السابقة.
الحل يكمن في السماح بتفكيك البنوك التي من المفترض أنها أكبر من أن تفشل(Too Big To Fail), إعادة العمل بقانون جلاس-ستيجال والذي تم إلغائه في عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون, السماح بإنشاء بورصات محلية في كل ولاية وإعادة الدور للذهب في المعاملات المالية والنظام المالي.
حلول بسيطة ولكن يتم تجاهلها ممن ليس لهم مصلحة في إعادة العمل بأي من تلك المقترحات التي سوف تقيد طريقة عملهم وتجعلهم عاجزين عن جني الأرباح كما في السابق وحتى المضاربة على زبائنهم أنفسهم.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Sunday, February 12, 2017

مفاهيم إقتصادية, التضخم والكساد

يعتبر التضخم بالنسبة للكثير من المختصين وسيلة خفية لسرقة الثروة حيث يبدأ تدريجيا وبصمت ثم يضرب بكل قوة فجأة وبدون سابق إنذار وقد يخرج عن السيطرة ليتحول إلى تضخم مفرط.
ردة الفعل المتأخرة التي تبديها المؤسسات المالية والإقتصادية خصوصا البنوك المركزية تعرف بإسم (Money Illusion) والتي تعني التوهم بأن هناك تحول ملموس من مجرد أوراق نقدية إلى قيمة حقيقية أو مايصطلح بتسميته بالثروة.
مدخرات البنوك, معاشات التقاعد ومستحقات التامين سواء التأمين على الحياة أو ضد الحوادث أو ضد خسارة العمل هي أمثلة على مصطلح(Money Illusion) بينما الثروة الملموسة هي بيد البنوك والمؤسسات المالية والمصرفية والشركات وفي الأغلب تكون على شكل سبائك ذهبية أو أراضي او مشاريع عقارية ضخمة. ذالك المصطلح ينطبق أيضا على الفترة الممتدة (1960-1980) حيث كان معدل التضخم في الولايات المتحدة 1.24% في بداية الستينيات حتى سنة 1965 وبدأ بالإرتفاع بشكل تدريجي حتى خرج عن السيطرة لمستوى 13.5% سنة 1980 ولم يعود لمستوى 1.9% إلا سنة 1986 وهو لمستواه في الفترة التي سبقت 1965.
هناك أمران مهمان يمكن ملاحظتهما بخصوص التضخم, الأول أن التضخم سوف يأخذا وقتا حتى يثير الإنتباه خصوصا على مستوى عامة الناس. بينما الأمر الثاني هو أن الأوضاع الإقتصادية سوف تأخذ وقتا أطول من الفترة التي رافقت التضخم حتى تعود الأمور إلى نصابها إن نجح المختصون في تعديل مسار دفة السفينة. الفترة الزمنية من بداية حرب فيتنام حتى أصبحت مشكلة التضخم موضع نقاش وجدل هي 9 سنين(1965-1974) بينما لم تعد الأمور إلى نصابها نوعا ما بعد 11 سنة(1975-1986).
بنك الإحتياطي الفيدرالي قام ومنذ سنة 2008 وفي محاولة لإبعاد شبح التضخم بطباعة مايقرب من 3 تريليون من الدولارات في محاولة منه لخلق مستوى تضخم يبلغ 2.5% وتلك كانت محاولة منه لإبعاد شبح الكساد الإقتصادي والتخفيف من قيمة ديون الولايات المتحدة. حاليا فإن وتيرة طباعة الدولارات بما يسمى التسهيل الكمي(QE) وزيادة سعر الفائدة قد بدأ في محاولة لكبح جماح تضخم مفرط بدأ يلوح في الأفق.
لم يختبر الأمريكيون المعنى الحقيقي للكساد الإقتصادي منذ أخرة فترة كساد (1927-1933) حتى سنة(2009-2013) وعلى الرغم من قيام بنك الإحتياطي الفيدرالي بطباعة كميات هائلة من الدولارات فإن أعراض الكساد بقيت ملازمة للإقتصاد الأمريكي حتى يومنا هاذا.
يتميز الكساد الإقتصادي بعدد من الخصائص التي لا تجعله مفضلا خصوصا لدى الحكومات, تلك الخصائص هي:
-         إنخفاض مداخيل الحكومات من الضرائب بسبب زيادة القوة الشرائية للنقود بدون زيادة الأسعار بل على العكس إنخفاضها. الزيادة سببها إنخفاض الأسعار وليس إرتفاع الرواتب وتلك لايمكن فرض الضرائب عليها.
-         الكساد يعني زيادة عبئ خدمة الدين السيادي وقد يصل في حال إستمراره لإعلان عجز الدولة عن الوفاء بإلتزاماتها وبالتالي الإفلاس حيث أنه يخفض من نسبة النمو الإسمي للناتج المحلي الإجمالي بينما في الوقت نفسه يزداد الدين بإزدياد عجز الميزانية ممايضع الولايات المتحدة في نفس الطريق الذي تسير عليه اليونان.
-         الكساد يزيد من قيمة الديون الخاصة مما ينتج عنه إطلاق موجة من عمليات إعلان الإفلاس والعجز عن الوفاء بالإلتزامات المالية للبنوك والمؤسسات المالية التي بدورها سوف تتأثر بما يشبه كارثة 2007\2008.
-         من الممكن التحكم بالتضخم حتى لو كان الثمن إتخاذ إجرائات إستثنائية بينما العكس صحيح بالنسبة للكساد حيث أنه حتى مؤسسة مالية بحجم بنك الإحتياطي الفيدرالي تعلم أنها سوف تعاني صعوبة في إنجاز تلك المهمة.
إن قدرة بنك الإحتياطي على طباعة الدولارات بموجب برناج التسهيل الكمي(QE) ليست بلا حدود وقد تتوقف عن قيم الأصول التي تم شرائها بموجب ذالك البرنامج 5 تريليون دولار كما أن هناك حدودا سياسية يتوجب مراعاتها خصوصا أن هناك دولا تمتلك كمية كبيرة من سندات وزارة الخزانة الأمريكية ولن تنظر بعين الرضا لتلك الخطوة.
القرار الذي قد يتخذه بنك الإحتياطي الفيدرالي في تلك الحالة هو القبول بحالة الكساد ظاهريا مع الإعتماد
على سياسات مالية لإبقاء على الإتجاه الإستهلاكي في محاولة إنقاذ مايمكن إنقاذه أو أن يظهر الكساد على الرغم من زيادة الكتلة النقدية بموجب برنامج التسهيل الكمي.
وكما أن التحكم بنسبة التضخم يتطلب قرارات إستثنائية فالأمر نفسه ينطبق على الكساد حيث من المتوقع في تلك الحالة صدور أمر رئاسي إستثنائي بموجب القانون الذي يمنح الرئيس الأمريكي حصريا الحق بإتخاذ قرار بتحديد سعر 7000 دولار لأونصة الذهب ومصادرة كافة إحتياطيات الذهب الأجنبية الموجودة داخل أراضي الولايات المتحدة وأغلبها في حوزة بنك الإحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية وتعويض مالكيها دولارات مطبوعة حديثا بموجب السعر الذي يحدده المرسوم الرئاسي.
الهدف هو تغطية كمية الكتلة المالية من الدولارات الموجودة في الأسواق والتمهيد للعوجة إلى معادلة ما تربط الذهب بقيمة الدولار الامريكي. ربما الجزء الثاني من معاهدة بريتون-وودز ولكنها سوف تكون معاهدة من طرف واحد وليست كمعاهدة 1944 والتي تم إتخاذ قرارها على هامش إجتماعات بمشاركة عدد كبير من الدول.
العالم الذي سوف نعيشه وسعر أونصة الذهب فيه 7000 دولار هو نفس العالم الذي سوف يكون سعر أونصة الفضة 100 دولار وسعر برميل النفط 400 دولار.
ولكن لماذا الإستغراب فهي ليست أول مرة سوف تقوم فيها الحكومة الأمريكية بتلك الخطوة ففي عهد الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ولمكافحة موجة الكساد التي حلت على الولايات المتحدة إثر أزمة إنهيار وول ستريت سنة 1929 والتي بلغت ذروتها في سنة 1933 التي تولى فيها رسميا منصبه, فقد قام بإصدار قانون الإستحواذ حيث منع أي مواطن أمريكي, مع إستثناء مع من تتطلب مهنتهم التعامل اليومي بالذهب كأطباء الأسنان ومحلات الصياغة, من الإحتفاظ بما يزيد على ماقيمته 100 دولار من الذهب أو أي شهادات إستثمار في شركات التنقيب عن الذهب وتسليم ماتبقى بحوزته للحكومة الأمريكية مقابل تعويضه 20 دولارا لكل أونصة من الذهب.
السبب الذي كان وراء إصدار قانون الإستحواذ هو أن عدد من العملات تخلت عن معيار التبادل الذهبي بموجب إتفاقية جنوه سنة 1922 وقامت بتعويم عملاتها مما أدى إلى تخفيض قيمتها ومنحها ميزة تنافسية على الولايات المتحدة في مجال الصادرات.
ولمواجهة ذالك فقد قام الرئيس الأمريكي برفع قيمة الأونصة الذهب من 20.67 حسب إتفاقية جنوه إلى 25 ثم إلى 30 ثم 35 دولار في مرحلة لاحقة حين إقرار إتفاقية بريتون-وودز سنة 1944. المشكلة التي واجهت الرئيس الأمريكي أن المواطنين الأمريكيين والشركات الخاصة ومستثمرين كانت تحوز على كميات كبيرة من الذهب وتمتنع عن بيعها لتوقعها إرتفاع أسعار الذهب مستقبلا فكان إصدار قانون الإستحواذ هو الحل حيث مع توفر كمية كبيرة من السيولة في حسابات المواطنين والتخوف من إنخفاض قيمة الدولار, فإنهم كانوا يسعون لإنفاقها وبأسرع وقت ممكن في شراء أصول ثابته كالمنازل أو إستثمارها في مشاريع مختلفة مما يؤدي إلى تنشيط الإقتصاد والتخلص من حالة الكساد.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Saturday, February 4, 2017

ماهي العواقب المحتملة لإنهيار قيمة الدولار وفقدان مركزه كعملة إحتياطية عالمية؟

زوال مركز الدولار الأمريكي كعملة إحتياطية عالمية هو أكثر من مجرد زوال عملة ورقية أو إنخفاض قيمتها بشكل كبير فيما يعرف بالسقوط الحر لأنه بزواله فسوف يزول معه النظام المالي العالمي كما نعرفه في وقتنا الحالي وسوف تتشكل ملامح نظام مالي جديد. إن ذالك كاد أن يحصل سنة 1978 حيث إنخفض مؤشر الدولار في بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى مستوى غير مسبوق حتى أن وزارة الخزينة إضطرت إلى إصدار سندات مقومة بالفرنك السويسري وليس بالدولار.
في الفترة الممتدة من سنة 1977 إلى 1981 فإن الدولار الأمريكي قد خسر أكثر من 50% من قيمته الشرائية مما أدى إلى زيادة التضخم بنفس النسبة في الولايات المتحدة. صندوق النقد الدولي وجد نفسه مضطرا لإصدار 12.1 مليار(SDR) وحدة من حقوق السحب الخاصة لتوفير السيولة للأسواق العالمية حيث خسر الدولار مركزه وفقد ثقة المستثمرين وحتى الأشخاص العاديين به. سعر الذهب إرتفع 500% في الفترة 1977-1980 وفك إرتباط الدولار بالذهب سنة 1971 الذي بدأ كعملية مدروسة بأثار جانبية محدودة قد تحول إلى فوضى.
ماهي العواقب المحتملة لإنهيار قيمة الدولار وفقدان مركزه كعملة إحتياطية عالمية؟
لن نذهب بعيدا في الإجابة على ذالك فأفلام هوليود التي قد يظن البعض أنها للتسلية ولا تحمل رسالة معينة أو خطة عمل مستقبلية ذكرت أن إنهيار قيمة الدولار سوف ينتج إنهيار البنوك, فوضى مالية وإضطرابات على المستوى العالمي.
إن ذالك ليس أمرا بعيدا عن الواقع فأغلب السندات والأسهم والأدوات الإستثمارية والسلع والخدمات مقومة بالدولار كما أن قيمة عملات الكثير من البلدان مرتبطة بسعر صرف الدولار وإنهيار الدولار يعني سقوط كل ماسبق ذكره من أدوات مالية مقومة بالدولار أو عملات مرتبطة به. المستثمرون سوف يصيبهم الذعر ويهرعون لبيع كل مابحوزتهم, البنوك سوف تشهد طوابير المودعين الراغبين في سحب أموالهم ومحطات الوقود وتجارة التجزئة سوف نشهد إزدحاما غير مسبوق. تخيلوا ماحصل في إنهيار وول ستريت سنة 1929-1933 مع الفرق أن الكارثة القادمة سوف تكون من حيث الحجم والمستوى تجعل كل ماسبقها كنقطة ماء في بحر.
وحتى نتعرف على التأثير المدوي لإعلان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون سنة 1971 فك إرتباط الدولار بالذهب فيكفي أن نعلم عن الإحراج الذي أصاب السياح الأمريكيين في الخارج خصوصا في أوروبا حيث بدأ الكثير من أصحاب الفنادق والمطاعم والأماكن السياحية برفضهم قبول الدولار الأمريكي لدفع الحساب والكثير منهم طالب السياح بالذهب بدلا من الدولار كوسيلة للدفع. هم كانوا جادين للغاية ولم يكونوا يمزحون.
محافظ بنك الإحتياطي الفيدرالي بول فولكر(Paul Volcker) والرئيس الأمريكي المنتخب حديثا رونالد ريجان بذلا جهودا ناجحة من أجل السيطرة على الموقف المنفلت والذي بدأ ينذر بكارثة على المستوى العالمي. بول فولكر قام برفع سعر الفائدة 18% سنة 1981 وذالك لتحقيق هدفين بضربة واحدة. الهدف الأول هو السيطرة على التضخم بإمتصاص السيولة من الأسواق المالية المحلية والعالمية أما الهدف الثاني فهو إستعادة الثقة بالدولار. الرئيس ريجان قام بإصدار تشريعات متعلقة بتخفيضات ضريبية مما جعل الولايات المتحدة بلدا جاذبا للإستثمارات مرة أخرى. الجهود المبذولة كانت أكثر من ناجحة حيث إرتفع مؤشر الدولار الأمريكي في بنك الإحتياطي الفيدرالي 50% بحلول مارس\1985 مقارنة بأكتوبر\1978, سعر الذهب شهد إنخفاضا بقيمة 60% من المستوى السعري لسنة 1980 كما أن الأهم هو أن مستوى التضخم قد إنخفض من 13.5% سنة 1980 إلى 1.9% سنة 1986.
ومنذ أن خيمت الأزمة المالية 2007-2008 بظلالها على الأسواق المالية في الولايات المتحدة والعالم وبحلول سنة 2011 فإن أعراض أزمة 1978 بدأت بالظهور مرة أخرى. مؤشر الدولار في بنك الإحتياطي الفيدرالي إنخفض إلى مستوى أعلى بنسبة 4% من مستواه سنة 1978. صندوق النقد الدولي(IMF) قام بإصدار 310 مليار وحدة من حقوق السحب الخاصة بتاريخ  2009 مما أدى إلى زيادة نسبتها 850% كما سعر الذهب قد إرتفع إلى 1900 دولار للأونصة وهو سعر أعلى بنسبة 200% من المستوى السعري سنة 2006. الحكومة الأمريكية قام بإقرار حزمة تحفيزية بمبلغ مبدئي 700 مليار دولار وذالك في محاولة لإنقاذ مايمكن إنقاذه ومنع مؤسسات مالية ومصرفية وشركات تأمين عريقة من الإنهيار حيث من الممكن أن يؤدي ذالك بداية أسوأ أزمة مالية عرفها العالم حتى عصرنا الحالي وهي التي يقال عنها أزمة الأزمات.
أحد أثار إرتفاع أو إنخفاض قيمة الدولار الأمريكي هو تأثيره على معدلات التضخم حتى على المستوى العالمي خصوصا للدول الفقيرة والتي سوف تعاني من إرتفاع فاتورة الطاقة الخاصة بها مما يؤدي إلى إرتفاع تكلفة كل سلعة وكل خدمة تقريبا. المعايير التي يتم بواسطتها قياس نسبة التضخم قد تختلف من بلد إلى أخر ولكن في الولايات المتحدة فإن أهمها وهو المعتمد رسميل يسمى مؤشر سعر المستهلك(Consumer Price Index) ولكنه لم يتزحزح من مكانه تقريبا منذ سنة 2008. ولكن لو ألقينا نظرة أكثر واقعية على طرق أخرى تستخدم لقياس نسبة التضخم خصوصا في الفترة التي سبقت سنة 1990 وقارنا المعلومات بالمؤشرات التي تستخدم حاليا لوجدنا أن نسبة التضخم السنوي ليست 2% بل 9%. إن تلك المعلومات ليست محصورة برجال المال والأعمال أو مدراء البنوك المركزية او وزراء المالية, أي فرد عادي سوف يحس بالفرق حين يقوم بشراء حليب لأطفاله أو دواء أو يدفع فاتورة الكهرباء أو الماء. كما أن أي مشرف حسابات أو مدير في أحد محلات التجزئة يستطيع إخبارك بإرتفاع أسعار السلع أو إنخفاضها في متجره.
يفضل الكثير من الإقتصاديين التضخم (Inflation) على الكساد (Deflation) لمجموعة أسباب أولها أن التضخم يرفع أسعار الأصول المالية والعكس بالنسبة للكساد. ثاني تلك الأسباب هو أن التضخم يزيد العائدات الضريبية بينما الكساد يزيد القوة الشرائية للفرد بدون أن تتمكن الحكومة من فرض ضرائب على ذالك حيث أن القوة الشرائية للفرد تختلف في حالة التضخم عما إذا كان الإقتصاد يعاني من الكساد. السبب الثالث له علاقة بمستوى الدين العام الذي يمكن دفعه بعملة متضخمة بطريقة أسرع من الطرق الإعتيادية.
إن السياسات الإقتصادية التي تفضل التضخم على حساب الدورة الإقتصادية الإعتيادية هي سياسات كارثية. المسؤولون في بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي محتارون في سبب تأخر التضخم خصوصا مع تضخم الكتلة المالية 400% بسبب برنامج التيسير الكمي(QE) وبرنامج شراء السندات منذ سنة 2008. هناك تفسيران لذالك أولهما أن الإقتصاد الأمريكي متداعي  بطريقة يتعذر إصلاحها أو الإقراض المنخفض الفائدة وضخ السيولة في الأسواق المالية بطرق مختلفة قد عجز عن إحداث التغيير المطلوب. أما التفسير الثاني هو أن التضخم قادم لا محالة ولكن الأسئلة المتعلقة بالتوقيت ومستوى ذالك التضخم, هل سوف يتحول إلى تضخم مفرط؟, تبقى بلا إجابة.
هناك حضارات قد إنهارت وهناك إمبراطوريات قد إنهارت حيث كان السبب الرئيسي للإنهيار التلاعب بقيمة العملة وفقدان ثقة الناس بها. الإمبراطورية الرومانية إنهارت تحت تأثير التلاعب بقيمة عملتها عن طريق تقليص وزن الذهب النظام المالي إنهار قبل ذالك في ثلاثة مناسبات رئيسية سنة 1914و 1939 و1971. وقد تكون كلمة الإنهيار بحد ذاتها كلمة لها دلالات كارثية ولكنها في الوقت نفسه كارثية. إنهيار عملة بلد ما هو ببساطة فقدان ثقة مواطني ذالك البلد بعملتهم ويكون ذالك عبر إنفاقها بشكل متسارع أو شراء أصول ثابته كالذهب أو المنازل أو أية ممتلكات أخرى. إن ذالك سوف يؤدي إما إلى الكساد أو إلى التضخم الذي قد يتحول إلى تضخم مفرط وتلك كارثة بكل المعايير يحاول الجميع تجنب الحديث عن إحتمالية حدوثها.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية