Flag Counter

Flag Counter

Friday, March 31, 2023

إنهيار الإمبراطورية الأمريكية والنظام العالمي الجديد

النظام العالمي الجديد من وجهة نظر الكاتب الأمريكي فريد زكريا التي شرحها بالتفصيل في كتابه "عالم مابعد أمريكا" هو عالم قائم على تعدد الأقطاب حيث تتقاسم الولايات المتحدة الهيمنة على الاقتصاد العالمي مع دول مثل الصين, الهند, روسيا والبرازيل. الحرب الروسية على أوكرانيا تعتبر أهم حدث في السياسة الدولية منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي حيث نهاية عصر وبداية حقبة جديدة وظهور تحالفات مثل البريكس ومحاولة التخلي عن الدولار في التعاملات المالية الدولية.

الإمبراطورية الرومانية كانت أحد أعظم الإمبراطوريات التي عرفها التاريخ ولكن النظام الإقتصادي الطفيلي الذي أقامته وإنهيار عملتها التي كان تعتمد على الذهب الذي كان مصدره المناجم في مستعمراتها الإفريقية على وجه الخصوص أدى في النهاية الى انهيارها. الولايات المتحدة أعلنت سنة ١٩٧ عن فك الارتباط بين الدولار والذهب وأصبحت تعاني بسبب ذلك من التضخم وتم الإعلان عن هزيمة قواتها في حرب فيتنام حيث بدأت قوتها العسكرية في الاضمحلال.

الولايات المتحدة شهدت تحولات جذرية خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية حيث فرضت هيمنتها على العالم من خلال إتفاقية بريتون وودز وعملتها الدولار الذي تم القبول به عملة الاحتياط العالمية. المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كانت الأدوات التي نجحت من خلالها في السيطرة على الاقتصاد العالمي والتحكم في الدول وقرارها السيادي. الولايات المتحدة تحولت الى إمبراطورية والتي لا يمكن أن تستمر الى مالا نهاية كما تثبت الأحداث التاريخية تؤكد على ذلك. 

الإتحاد السوفيتي رفض الانضمام الى اتفاقية بريتون وودز وكان ذلك أحد أسباب إعلان الحرب الباردة وترسيخ همينة الولايات المتحدة على العالم خلال الفترة التي أعقبت تفكُّكَ الإتحاد السوفيتي وإعلان نظام القطب الواحد. ولكن تلك السيطرة بدأت تشهد تراجعا ملحوظا حيث أعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بناء القوة الروسية وأعلن عن ذلك سنة ٢٠٠٨ من خلال العملية العسكرية الروسية ضد جورجيا وضم شبه جزيرة القرم سنة ٢٠١٤ والعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا سنة ٢٠٢٢ والتي تستمر لا غالب ولا مغلوب الى يومنا هذا.

الخطر القادم من الشرق وليس روسيا هو التحدي الحقيقي الذي تواجهه الولايات المتحدة والنظام العالمي الجديد الذي تسعى الى تأسيسه كما تعكس ذلك وجهة نظر محللين ومعاهد التفكير والأبحاث الأمريكية. الصين تسعى الى الدفاع عن مصالحها في مواجهة الهيمنة الأمريكية وتسعى الى بناء تحالفات جديدة حيث يمكنها أن تجعل ذلك ممكنا. الصين تراقب أحداث الأزمة الأوكرانية وتحاول الاستفادة منها في صراعها مع الولايات المتحدة والذي يتمحور حول أمرين رئيسيين, الأول هو السيطرة على بحر الصين الجنوبي الذي تعتمد عليه الصين في وارداتها من الطاقة بينما الثاني هو تايوان التي ترفض الصين الاعتراف باستقلالها وتعتبرها جزأً لا يتجزأ من أراضيها.

النظام العالمي الجديد هو مصطلح فضفاض مطاطي ليس له حدود ومعالم واضحة. الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون تحدث عنه و الرئيس ليندون جونسون ورونالد ريغان وجورج بوش الأب وكذلك جورج بوش الإبن جميعهم تحدثوا عنه من دون أن يحددوا معالم واضحة يمكن من خلالها الاستدلال عليه. مستشار الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر تحدث عن النظام العالمي الجديد من دون أن يضيف ذلك أي تفاصيل عن ملامحه. ولكن الكاتب فريد زكريا وصف النظام العالمي الجديد بأنه النظام الذي سوف تجد فيه الولايات المتحدة نفسها مضطرة الى تقاسم النفوذ وتحمُّل أعبائه مع دول أخرى مع الحفاظ في الوقت نفسه على تفوقها العسكري لأنه الوسيلة الوحيدة التي سوف يجعلها قادرة إستمرار تواجدها قوة مؤثرة على الساحة العالمية ومنع إنهيارها كما يتأمل بعض الحالمين البعيدين في تحليلاتهم عن واقع السياسة الدولية وتقلباتها.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


Wednesday, March 29, 2023

المحكمة الجنائية الدولية إزدواجية في المعايير

مجلس الأمن القومي الأمريكي يصرِّح بأن روسيا والصين تسعيان الى تعطيل النظام العالمي الجديد والمقصود هو تعطيل الهيمنة الأمريكية على العالم. وسائل الإعلام الأمريكية تستمر في حملتها الإعلامية ضد روسيا والسبب المعلن هو العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا وفي الوقت نفسه تستمر الولايات المتحدة في أفعالها الاستفزازية ضد الصين. المحكمة الجنائية الدولية وبتأثير نفوذ الولايات المتحدة أصدرت أمرا بإعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولكنها تجاهلت في الوقت نفسه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن و رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الذي صرَّح بأنه لايمكن المقارنة بين مواقف الولايات المتحدة وبريطانيا من العراق سنة ٢٠٠٣ و الأزمة الأوكرانية.

إذا من الواضح أن مواقف المحكمة الجنائية الدولية من الصراعات والأزمات في العالم تحكمها الازدواجية والنفاق السياسي. ولكن للإعلام رأي أخر. الولايات المتحدة وفي عدة مناسبات قدَّمت الدعم الى عصابات القتلة والمجرمين تحت مسمات مختلفة أحدها تنظيم القاعدة ومجموعات الكونترا في نيكاراغوا خلال ثمانينيات القرن العشرين وسط تجاهل المحكمة الجنائية الدولية وقضاتها المحترمين. مقاتلي الحرية هو الوصف الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان خلال الحرب الباردة على المقاتلين من التنظيمات الأفغانية ضد القوات السوفياتية ومن ثم إنقلب عليهم الإعلام الأمريكي ١٨٠ درجة وأصبحوا إرهابيين عندما حاولوا مقاومة الغزو الأمريكي في أفغانستان. مستشار الأمن القومي الأمريكي زيغينو بريجينسكي كان أحد المقربين من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ومن ثم تحول الأخير الى إرهابي دولي تسعى الولايات المتحدة الى القبض عليه أو قتله.

المحكمة الجنائية الدولية لم تلاحق رئيس تشيلي السابق أوغستو بينوشيه رغم أنه مسؤول عن إختفاء عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين وقادة النقابات الذي كانوا يتعرضون الى الاختطاف ثم تلقى جثثهم في الشوارع. وسائل الإعلام تجاهلت جرائم بينوشيه وغيره من القادة أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها ولكنها أعلنت الإستنفار بسبب تعرض رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات الى إعتداء نفَّذه مجهولون حيث أصيب بعدة رضوض وكسر فيها أحد أصابعه حيث تحول الإصبع المكسور الى رمز عالمي وعلى فرزات الى أيقونة إعلامية وبذكرني إصبع علي فرزات المكسور بفيلم "الواد محروس بتاع الوزير" من بطولة الممثل المصري عادل إمام.

المثير للسخرية أن الإدارة الأمريكية سنة ٢٠٢٠ فرضت عقوبات على كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية والغت التأشيرات التي تم منحها الى عدد من قضاة المحكمة منهم رئيسة المحكمة فاتو بنسودة لأنها قرَّرت فتح تحقيق في إحتمال إرتكاب القوات الأمريكية في أفغانستان جرائم حرب بينما ترتكب العصابات الصهيونية جميع أنواع الجرائم في فلسطين المحتلة بدون أن يتم إستدعاء مسؤول إسرائيلي واحد او توجيه أي إتهام. كما أنه من المثير للسخرية كيف يفرح الكثيرون من المغسول دماغهم والمغيَّبة عقولهم بسبب الدعاية الإعلامية الأمريكية بقرار القبض على الرئيس الروسي الذي أصدرته المحكمة ولكنهم يتجاهلون جرائم الولايات المتحدة وحلفائها ومنهم فرنسا التي إرتكب قواتها خصوصا الفيلق الأجنبي جرائم حرب في عدة دول إفريقية.

إنَّ جرائم الولايات المتحدة عبارة عن قائمة طويلة لا تنتهي بداية من إستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المدن اليابانية في هيروشيما و ناغازاكي خلال الحرب العالمية الثانية وليس نهاية بإستخدامها الأسلحة الكيميائية في فيتنام. القوات الأمريكية إستخدمت العنصر الأرجواني من أجل القضاء على الغابات وتسميم مصادر المياه في فيتنام وهو من أخطر العناصر الكيميائية وأكثرها سميَّةً. ولكن في الوقت نفسه فقد اتهمت العراق بأنه يمتلك أسلحة الدمار الشامل وهي الأسلحة التي لم تعثر لها فرق التفتيش على أثر حتى بعد أن قامت بالبحث عنها في قصور الرئيس العراقي صدام حسين وفي غرفة نومه.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


Sunday, March 26, 2023

النفط والسياسة الخارجية الأمريكية

كان النفط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا هو الأداة الرئيسية التي تتحكم في السياسة الخارجية الأمريكية ترسم ملامحها وتحدد مستقبل مشاريع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم بأكمله على وجه العموم. الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين أدركوا ذلك وعملوا عليه وبسببه خاضوا الحروب وقلبوا أنظمة حكم ودمروا الدول وقتلوا الملايين من الشعوب. المواطن الأمريكي الذي لا يبالي إلا بملئ خوان مركبته بالوقود الرخيص يعلم يقينا أنه إنما يملئها من دماء الشعوب في العراق وأفغانستان وسوريا ونيجيريا.

السعودية هي أكبر منتج للنفط في العالم وعضو رئيسي ومهم في منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك). العلاقات السعودية-الأمريكية مؤخرا ليست على مايرام بسبب اتهامات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ضد السعودية بزيادة أسعار النفط وأنها عضو في منظمة إحتكارية. مجلس النواب الأمريكي يبتز السعودية من خلال قانون جاستا ويستخدمه أداة ضغط سياسية و يحاول مؤخرا تمرير قانون آخر هو نوبك(NOPEC), السبب هو التعاون بين السعودية وروسيا من خلال منظمة أوبك+ تخفيض مستوى إنتاج النفط مما يؤدي الى زيادة الأسعار وليس العكس كما كانت ترغب الإدارة الأمريكية. 

ملك السعودية سعود بن عبد العزيز آل سعود تعرض الى عملية إغتيال شخصية من خلال وسائل الإعلام ومعارضين سعوديين يتبعون أجهزة مخابرات أجنبية و تمولهم دول مثل قطر. الملك سعود منح امتياز التنقيب عن النفط في القسم السعودي في المنطقة المحايدة مع الكويت الى تحالف شركات يابانية. كما أنه طالب شركات النفط معاملة السعودية على قدم المساواة مع دول مثل فنزويلا التي كانت تحصل على نسبة تزيد عن ٥٠% من عائدات عقد الإمتياز. الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود شقيق الملك سعود كان مسؤولا عن قرار أوبك حظر تصدير النفط الى الولايات المتحدة ودول مثل هولندا بسبب دعمها دولة الكيان الصهيوني خلال حرب ١٩٧٣. الملك فيصل تم اغتياله سنة ١٩٧٥ من أحد أمراء آل سعود فيصل بن مساعد الذي أمضى فترة من حياته في الولايات المتحدة الأمريكية حيث هناك من يشكِّك بأن خلفية الحادث ليست عائلية بل لها إمتدادت أخرى.

المخابرات الخارجية البريطانية (إم آي ٦) أسقطت رئيس وزراء إيران محمد مصدق سنة ١٩٥٣ بالتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية من خلال عملية سرية أطلق عليها الإسم "آجاكس" وذلك بسبب قيامة بتأميم صناعة النفط وأصول شركة النفط الأنجلو-إيرانية والتي تم تغيير اسمها لاحقا الى بريتش بتروليوم(BP). الولايات المتحدة التي كانت تسعى الى تصفية مستعمرات ومصالح الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس قبلت التعاون مع بريطانيا في العملية آجاكس ولكنها مقابل سيطرة تحالف من عدة شركات على ثروة النفط مع حصة الغالبية من نصيب الشركات الأمريكية. 

الشاه محمد رضا بهلوي عاد من المنفى في فرنسا وسعى بعد تثبيت سلطته وتصفية نفوذ رئيس الوزراء السابق محمد مصدق الى تطوير إيران وتحويلها الى قوة إقليمية ولاعب سياسي مؤثر في المنطقة وكان في أمس الحاجة الى المزيد من الأموال والتي كان مصدرها الوحيد عائدات النفط. شركات النفط الأمريكية التي كانت تملك نفوذا مؤثرا في إيران رفضت طلب الشاه زيادة حصة الحكومة الإيرانية من عائدات تصدير النفط وفق إتفاق المناصفة(٥٠/٥٠) وعندها وجدت الشاه الحل في منح امتياز للتنقيب الى شركات أخرى أحدها شركة النفط الحكومية الإيطالية "AGIP" التي كانت أحد شركات تحالف "ENI" الذي يضم مجموعة متنوعة من شركات النفط, الفنادق, العقارات, صناعة الصابون, محطات الوقود والشحن البحري. رئيس شركة "AGIP" كان في الوقت نفسه رئيس "ENI" وأحد الرموز الوطنية في إيطاليا رجل النفط إنريكو ماتي(Enrico Mattei) الذي كان عضوا فاعلا في المقاومة الوطنية الإيطالية ضد قوات الإحتلال الألمانية النازية في إيطاليا. 

إنَّ إنريكو ماتي كان يسعى الى تحقيق إستقلالية إيطاليا عن شركات النفط الأمريكية في مجال الطاقة قبل في سبيل ذلك عقد إتفاق ينص على قبول ٢٥% من العائدات مقابل ٧٥% للحكومة الإيرانية. الولايات المتحدة التي لديها تاريخ من التخلي عن حلفائها وأصدقائها تخلت عن الشاه محمد رضا بهلوي وتركته وحيدا في مواجهة ثورة شعبية يقودها رجال الدين الشيعة الغاضبين من جهوده في تطوير وتحديث إيران. إنريكو ماتي توفي بتاريخ ١٩٦٢ في حادث سقوط طائرة خاصة كان يركبها رفقة مجموعة من الصحفيين حيث حامت الشبهات حول الحادثة بسبب إكتشاف أثار متفجرات في حطام الطائرة.

الجزائر هي حد الدول الأعضاء في منظمة أوبك ومن المساهمين في الحظر النفطي خلال حرب رمضان أكتوبر/١٩٧٣ واجهت أحداث الحرب الأهلية المأساوية التي عرفت بإسم العشرية السوداء(١٩٩١-٢٠٠٢), ظاهرها إلغاء نتائج إنتخابات ١٩٩١ التي فازت فيها الجبهة الجزائرية للإنقاذ بأغلبية في البرلمان الجزائري ولكن ماخفي كان أعظم. العراق تعرضت الى عقوبات أمريكية وحصار اقتصادي خلال الفترة التي أعقبت حرب الخليج الأولى(١٩٩٠-١٩٩١) بسبب غزو الكويت وتم احتلالها سنة ٢٠٠٣ بعد حملة قصف جوية أعقبها تدخل بري عسكري من تحالف دولي ترأسه الولايات المتحدة. الرئيس العراقي صدام حسين أعلن أنه سوف يبيع النفط العراقي مقابل اليورو وهو الخطأ القاتل ذاته الذي ارتكبه الرئيس الليبي معمر القذافي مع فارق بسيط وهو النفط مقابل الذهب وليس اليورو حيث تم القبض عليه بعد غزو عسكري قاده تحالف الناتو خلال أحداث الربيع العربي(٢٠١٠-٢٠١١). السودان تعرض الى التقسيم بسبب النفط والتعاون مع شركات صينية ومنحها امتيازات التنقيب حيث توجد غالبية الحقول في جنوب السودان الذي تحول الى دولة مستقلة. سوريا مازالت تعاني منذ سنة ٢٠١٠ من عمليات التدخل الأمريكي تحت مسمى الربيع العربي حيث تتواجد قوات أمريكية في المناطق الشرقية وتقوم بمساعدة قوات تركية على سرقة النفط والغاز.

أحدث عمليات التدخل العسكري الأمريكي في شؤون الدول الأخرى هي الأزمة الأوكرانية وسببها أيضا النفط. حوض نهر الدونتس الذي يقع في شرق أوكرانيا ويضم منطقة لوغانسك ودونيتسك ويحتوي على احتياطيات ضخمة من النفط واستغلالها سوف يضعف نفوذ روسيا في القارة الأوروبية التي تحصل على النفط والغاز بشكل رئيسي من خلال خطوط أنابيب نورد ستريم ١ و٢ وبلو ستريم.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية

Friday, March 24, 2023

من الألف الى الياء, قصة تأسيس أوبك, منظمة الدول المصدرة للنفط

الحلقة الأولى

إن الحديث عن تاريخ النفط أمر ليس بالسهولة التي قد يتخيلها البعض, مجرد رواية أحد فصول التاريخ بسبب دور النفط المهم في الاقتصاد العالمي والتداخل بين النفط والسياسة والإقتصاد وجميع نواحي الحياة تقريبا. وقد تحدثت بالتفصيل في موضوع سابق عن تاريخ شركة النفط السعودية(آرامكو) وكيف نشأت الشركة والدور المهم الذي تلعبه في أسواق النفط والسياسة والإقتصاد وأهميتها بالنسبة الى المملكة العربية السعودية. أما في هذا الموضوع, سوف نتعرف الى منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك), كيف نشأت ومن هم المساهمون الرئيسيون في تأسيس تلك المنظمة التي تواجه حاليا عاصفة سياسية بسبب القرارات التي تتخذها حيث يحاول الكونغرس الأمريكي ملاحقتها بتهمة الإحتكار وتأسيس كارتل بهدف التحكم بأسعار النفط. ولكن حتى نفهم قصة أوبك, لابد أن أحكيها لكم منذ البداية.

هناك مصطلح من المهم أن نتعرف عليها في عالم النفط وهو الحقول العملاقة التي يطلقون عليها الفيل(The Elephant) وأحد الأمثلة عليها هو حقل الغوار في المملكة العربية السعودية. إكتشاف حقول النفط العملاقة والتي كان للشرق الأوسط نصيب الأسد منها أدى الى تغيير في القواعد التي تأسَّسَت عليها صناعة النفط. المشكلة التي أصبحت صناعة النفط في الشرق الأوسط تعاني منها هي ذاتها التي كانت تعاني منها صناعة النفط في الولايات المتحدة أنه وعلى الرغم من نمو الطلب إلا أنَّ الزيادة في الإنتاج كانت دائما تغطي على ذلك وتؤدي الى تناقص العائدات.

الإنتاج العالمي من النفط إزداد من ٨.٧ مليون برميل سنة ١٩٤٨ الى ٤٢ مليون برميل سنة ٩٧٢ ولكن ذلك تزامن مع انخفاض إنتاج الولايات المتحدة من ٦٤% من الإنتاج العالمي الى ٢٢%. إن أكبر زيادة في إنتاج النفط كان مصدرها منطقة الشرق الأوسط من ١.١ مليون برميل الى ١٨.٢ مليون برميل وهي زيادة تبلغ ١٥٠٠%. الاحتياطي العالمي من النفط ازداد خلال الفترة(١٩٤٨-١٩٧٢) من ٦٢ مليار برميل الى ٥٣٤ مليار برميل ولكن ذلك لا يشمل دول الكتلة الشيوعية(حلف وارسو). الاحتياطيات المؤكدة في الولايات المتحدة ازدادت من ٢١ مليار برميل الى ٣٨ مليار برميل خلال نفس الفترة ولكن في الوقت نفسه فقد انخفض نصيبها من احتياطي النفط العالمي من ٣٤% الى ٧%. أما بالنسبة الى منطقة الشرق الأوسط فقد أزدادت الإحتياطيات المؤكدة من النفط من ٢٨ مليار برميل سنة ١٩٤٨ الى ٣٦٧ مليار برميل سنة ١٩٧٢ حيث أنَّ كل ٧ من ١٠ براميل يتم إكتشافها يكون مصدرها الشرق الأوسط. سنة ١٩٥٠ كانت التقديرات تشير الى أنه مع معدلات الاستهلاك وكميات الإنتاج الحالية فإن الاحتياطيات المؤكدة سوف تكفي الى سنة ١٩٦٩ وتغير ذلك سنة ١٩٧٢ مع الاكتشافات الجديدة الى سنة ١٩٨٥.

إنَّ زيادة الإنتاج بمعدل يفوق الإستهلاك ودخول منتجين أخرن الى السوق بإستمرار قد أدى الى منافسة حادة كانت الاداة الرئيسية فيها تخفيض الأسعار وهي ادة كانت شركات النفط ترى أنه لابد منها. ولكن في الوقت نفسه فإن الدول المنتجة للنفط لم تكن تنظر بعين الرضا الى ذلك لأنه يؤدي الى انخفاض عائداتها من الضرائب وحقوق الملكية خصوصا أن تلك الفترة قد شهدت تصاعد المشاعر القومية في الوطن العربي وزيادة شعبية الرئيس المصري جمال عبد الناصر خصوصا بعد خروجه منتصرا من أزمة قناة السويس وعدوان ١٩٥٦.

إن عالم النفط خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية كان محكوما بطريقة عمل يحدد ملامحها أمران, الأول هو العلاقة بين شركات النفط التي تعمل في منطقة الشرق الأوسط, بينما الثاني هو العلاقة بين شركات النفط والحكومات. الأمر الاول حدَّدت ملامحه الإتفاقيات بين شركات النفط مثل إتفاقية الخط الأحمر(The Red Line) و اتفاقية الخط الأزرق(The Blue Line) وهي الإتفاقية التي كان تأسيس شركة أرامكو أحد نتائجها المباشرة. إن تلك الإتفاقيات أدَّت الى رؤية أوضح في إستثمار المزيد من رؤوس الأموال في تطوير حقول النفط والإحتياطيات في مناطق الإمتياز, الربط بين عمليات تكرير النفط ونظام تسويق يتوافق مع تزايد الإكتشافات الجديدة وتطوير سياسة من أجل العثور على أسواق جديدة مما يؤدي الى زيادة الطلب. أما الأمر الثاني وهو العلاقة بين شركات النفط وحكومات الدول التي تعمل تلك الشركات في أراضيها فقد كانت تحدد ملامحها إتفاقية المناصفة(٥٠/٥٠) حيث كان ذلك يحقق الاستقرار في أسواق النفط.

الحقيقة أنه وعلى الرغم من أن فنزويلا هي أول من بدأ في تغيير بنود إتفاقية المناصفة(٥٠/٥٠) غير أن ذلك التصرف بقي بمعزل عن التأثير على الدول الأخرى خصوصا في منطقة الشرق الأوسط بسبب التباعد الجغرافي بين المنطقتين, الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. ولكن شاه إيران محمد رضا بهلوي كان له رأي أخر حيث أنه سنة ١٩٥٥ وبعد إستقرار الأوضاع في إيران وتصفية نفوذ رئيس الوزراء السابق محمد مصدق الذي تم إسقاطه من خلال العملية (آجاكس) بسبب قيامه بتأميم صناعة النفط, بدأ الشاه في التفكير في تطوير إيران وتحويلها الى قوة إقليمية ولاعب مؤثر في عالم السياسة الدولية. ولكنه في سبيل تحقيق ذلك فإنه كان في أمس الحاجة الى المزيد من المال حيث النفط هو مصدر الدخل الرئيسي في إيران. المشكلة التي كان يواجهها الشاه في سبيل تحقيق أهدافه هي أن صناعة النفط في إيران قد تحولت خلال الفترة التي أعقبت إسقاط مصدق الى تحالف أو نوع من كارتل إحتكاري يتألف من شركات أمريكية, بريطانية وفرنسية وعدة شركات أخرى من التي توصف بأنها مستقلة وليست رئيسية(Majors). الشاه كان يحتاج الى لاعب آخر مستقل يفضل أن يكون أوروبيا وليس أمريكيا سواء كان من المستقلين أو من كبار المنتجين(Majors) وقد وجد الشخص الذي كان يبحث عنه من خلال رجل النفط الإيطالي إنريكو ماتي(Enrico Mattei) والذي من المهم للغاية أن نتعرف الى حكايته والتي تعتبر أحد أهم فصول قصة النفط وتأسيس تحالف الدول المصدِّرة للنفط(أوبك).

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

الحلقة الثانية

ولد إنريكي ماتي, سياسي ورجل أعمال إيطالي, في مدينة كالانغا سنة ١٩٠٦ و تخلى عن دراسته وهو في عمر ١٤ عاما حتى يعمل في مصنع للأثاث ومن ثم في بداية الثلاثينيات من عمره, كان يدير مصنع الكيماويات الخاص به في مدينة ميلان. وقد إنضم الى المقاومة الإيطالية ضد الإحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية وتولى بعد نهاية الحرب إدارة شركة النفط الإيطالية(AGIP-Azienda Generali Italiana Petroli) والتي كان لها حصة سوقية مؤثرة داخل السوق الإيطالي ولكن نقص السيولة قد أدى الى إعاقة خطط ماني في التوسع خارج الحدود الإيطالية. ولكن ذلك تغير مع إكتشاف الغاز بكميات تجارية في منطقة وادي بو(PO Valley) ونجح في تأسيس شركة (ENI-Ente Nazionale Idrocarburi) سنة ١٩٥٣ والتي كانت عبارة عن عملاق صناعي يضم 36 شركة فرعية تعمل في مجالات متعددة, النفط, السياحة, الفنادق, العقارات وغيرها حيث كانت شركة AGIP  وهي شركة حكومية تتم إدارتها تجاريا باستقلال ذاتي نوعا ما مقارنة مع المؤسسات الحكومية التقليدية عبارة عن أحد شركات ENI  الفرعية ومديرها هو نفسه مدير ENI إنريكي ماتي.

كانت شركات النفط من حيث حجم أعمالها من الصعب أن تعبر عن شخصية منفردة حتى لو كانت تلك الشخصية هي مدير الشركة نفسه ولكن شركة AGIP  كانت إستثناء نادر من تلك القاعدة حيث أنَّ إنريكي ماتي كان مصمما على بناء شركة نفط إيطالية والمنافسة مع اللاعبين الكبار وحتى أن تصبح شركة ENI نفسها أحد شركات النفط الرئيسية. إن ما قام به إنريكو ماتي والذي سوف أستكمل روايته قد كلفه حياته حيث توفي سنة ١٩٦٢ نتيجة سقوط طائرة كان يستقلها رفقة أشخاص آخرين منهم الصحفي تايم لايف ويليام مايكل وذلك خلال رحلة داخلية بين صقلية و ميلانو وعثر على آثار متفجرات في حطام الطائرة. السفارة الأمريكية في روما أرسلت تقريرا سنة ١٩٥٤ الى العاصمة واشنطن عن إنريكي ماتي وشركة ENI التي تعتبر الأكثر نفوذا وتمويلا في إيطاليا التي تعاني من ضعف السيولة وتنتظر مساعدات خطة مارشال من أجل إعادة الإعمار.

كان إنريكي ماتي يمتلك صفات شخصية جعلت منه بطلا قوميا في إيطاليا أهمها مهاراته في الخطابة ومرونته في التفاوض والتصميم على دخول إيطاليا في لعبة النفط حيث كان يعتبر رمزا للنهضة في بلد مازال يعاني آثار الحرب العالمية الثانية. إنَّ ماقام به إنريكي ماتي أدى الى تغيير في قواعد اللعبة في إيطاليا والعالم حيث قام بإفتتاح محطات وقود في إيطاليا خصوصا على الطرق السريعة مزودة بخدمات متعددة وحتى مطاعم وهي التجرية التي جرى إستنساخها في دول أخرى. كما أنه أول من وصف شركات نفط روكفلر بمصطلح إيطالي (Sette Sorrelle) ويعني الأخوات السبعة وهي: ستاندرد أوف جيرسي(إكسون), ستاندرد أوف كاليفورنيا(شيفرون), شركة نفط تكساكو, شركة نفط الخليج, رويال دتش/شل, بريتيش بتروليوم(شركة النفط البريطانية-الإيرانية سابقا). وقد كانت هناك شركة نفط أخرى وهي الفرنسية(CFP) ولكن ماتي أسقطها من مصطلح الأخوات لأنها لا تنتمي الى مجموعة الشركات الأنجلو-ساكسون واكتفى بإسم الأخوات السبعة.

إنريكي ماتي كان يبحث عن فرصة من أجل تحقيق حلمه دخول إيطاليا وشركة إيني(ENI) والتي جائته على طبق من ذهب سنة ١٩٥٦ خلال العدوان الثلاثي وأزمة قناة السويس حيث تراجع نفوذ بريطانيا وفرنسا في المنطقة والعالم. إنريكي بدأت مفاوضات جادة للغاية مع شاه إيران محمد رضا بهلوي ونجح في صيف ١٩٥٧ في توقيع صفقة تكون فيها نسبة العائدات التي تحصل عليها شركة إيني الإيطالية ٢٥% مقابل ٧٥% تذهب للحكومة الإيرانية والتي كانت تعتبر صاحبة منح حق الامتياز وتملك الأرض وبالتالي الإحتياطي النفطي في باطنها على عكس الدول الأخرى والتي كانت شركات الأخوات السبعة تمتلك الإحتياطي النفطي وليس مجرد شركة تستخرج النفط وتبيعه وتتقاسم العائدات مع الحكومات. حكومات دول غربية خصوصا بريطانيا وشركات النفط الأمريكية أصيب حالة من الجنون والهستيريا بسبب اتفاق ماتي مع الشاه الذي كسر قاعدة (٥٠/٥٠) المقدسة مما يعني أن شركات أو أشخاص أخرين سوف يسعون الى ذلك وأن حكومات دول أخرى سوف تطالب شركات النفط العاملة في أراضيها بحصة متزايدة من العائدات.

إنريكي ماتي حاول التفاوض مع شركات النفط بطريقة غير مباشرة من أجل إلغاء الإتفاق مع الحكومة الإيرانية مقابل منح شركة إيني حصة تبلغ ٥% في تحالف الشركات التي تستثمر في أراضي امتياز النفط في إيران و ١٠% حصة من شركة أرامكو. ولكن شركات النفط البريطانية والأمريكية رفضت والسبب أن ذلك قد يفتح الباب للأخرين مثل شركات نفط بلجيكية وألمانية وغيرهم من أجل المطالبة بحصة في كعكة النفط الشرق أوسطية. شركات النفط الرئيسية عملت مباشرة على محاربة الإتفاق الذي وقعه ماتي مع الشاه محمد رضا بهلوي فقد تحدث مندوبين عن تلك الشركات مع الشاه عن خطورة تغيير الوضع القائم وأن ذلك سوف يعرض الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط الى الخطر. كما أنَّ أمين عام وزارة الخارجية في إيطاليا والذي كان يكره إنريكو ماتي بسبب نفوذه المتزايد داخل إيطاليا والحكومة الإيطالية قد نصح البريطانيين والأمريكيين ومن خلال قنوات غير رسمية بأن يكون موقفهم من تصرفات إنريكي ماتي صلبا وعنيدا وغير قابل للمساومة. إنريكو ماتي دفع الثمن كما ذكرت في فقرة سابقة حياته حيث توفي سنة ١٩٦٢ خلال حادث تحطم طائرة خاصة بينما شاه إيران محمد رضا بهلوي تأخر حسابه الى سنة ١٩٧٩ فقد تخلى عنه حلفائه الأمريكيين وتركوه يسقط في مواجهة ثورة شعبية عارمة ولم يسمحوا له حتى بالإقامة في الولايات المتحدة من أجل العلاج من ظروف صحية كان يعاني منها.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

 

الحلقة الثالثة

إنَّ الصفقة التي عقدها إنريكو ماتي مع شاه إيران لم تحقق النتائج المتوقعة من حيث كميات النفط التي تم إكتشافها في مناطق الإمتياز ولكنها في الوقت نفسه حقَّقَت هدفا أخر كان ماتي يسعى اليه وهو تحدي نفوذ شركات النفطك الرئيسية خصوصا إتفاقية المناصفة(٥٠/٥٠). إنَّ أحد النتائج المباشرة لما قام به إنريكو ماتي هو محاولة دخول شركات أخرى الى اللعبة وتحدي نفوذ شركات الأخوات السبعة. اليابان كانت تعاني من المشكلة ذاتها التي تعاني منها إيطاليا وهي عدم وجود النفط ونقص السيولة ولكنها كانت مصممة على الحصول على مصدر مستقل للنفط بعيدا عن سيطرة شركات التنقيب الرئيسية. أزمة قناة السويس ١٩٥٦ أدَّت الى زيادة تصميم القيادة السياسية اليابانية على المضي قدما في ذلك حيث كانت التطور الصناعي في اليابان يعتمد على النفط الذي يتم إستيراده.

أزمة قناة السويس إنتهت سنة ١٩٥٧ وعادت الأمور الى طبيعتها و استئناف حركة الملاحة في القناة ومعها بدأت المفاوضات بين تحالف مجموعة شركات يابانية و المملكة العربية السعودية من أجل الحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت. وقد كانت تلك محاولة مباشرة من الشركة اليابانية التي دخلت في منافسة مباشرة مع شركات مثل شل, بريتش بتروليوم وشركة نفط نيوجيرسي وغيرها من شركات النفط التي أبدت اهتماما بالمنطقة المحايدة. مدير بنك التنمية الياباني التقى مصادفة مع أحد الأشخاص الذي أخبره بأنه يمكن الحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في الشرق الأوسط من خلال علاقاته واتصالاته في المنطقة. مدير البنك سارع الى إخبار والده Taro Yamashita أحد كبار رجال الأعمال في اليابان الذي قام بتأسيس تحالف من مجموعة شركات يابانية من أجل التفاوض مع الحكومة السعودية.

شركات الأخوات السبعة شعرت بالقلق البالغ من محاولات اليابانيين الحصول على امتياز من أجل التنقيب عن النفط في المنطقة ولكن السبب ليس قلة الخبرة أو نقص السيولة لدى الشركة اليابانية ولكن بسبب سعيهم المحموم في الحصول على الامتياز حيث قد يدفعهم ذلك تقديم تنازلات للحكومة السعودية لا تتوافق مع اتفاقية المناصفة(٥٠/٥٠) التي كان من ضمن شروطها تقديم دفعة مالية ضخمة مقدما من أجل توقيع إتفاقية الإمتياز. السعودية عرضت على اليابان تخفيض الدفعة المالية الأولية مقابل حصول الحكومة السعودية على حصة أكبر من العائدات. الاتفاقية بين السعودية واليابان تم توقيعها في تاريخ أكتوبر/١٩٥٧ والتي تضمنت بنودها خصوصا السعودية على نسبة ٥٦% بالإضافة الى ١٠% من أسهم شركة النفط العربية(Arabian Oil Company) التي تم تأسيسها من أجل إدارة حقوق الإمتياز والتي سوف يكون نسبتها ٤٤%. الملك سعود عبد العزيز آل سعود سارع الى إرسال برقية الى أمير الكويت في أوائل أكتوبر/١٩٥٧ حول توقيع الاتفاقية مع الشركة اليابانية وينقل إليه اقتراحا حول توقيع الكويت اتفاقية مماثلة وذلك ماكان ولكن مع فرق بسيط هو أن الكويت حصلت على ٥٧% وليس ٥٦% كما في إتفاقية الإمتياز التي تم توقيعها مع السعودية. الشركة اليابانية بدأت في التنقيب سنة ١٩٥٧ وتم تحقيق إكتشاف أول حقل نفط في يناير/١٩٦٠ حيث يتم إرسال النفط الى مصافي التكرير اليابانية التي نجحت في توفير ١٥% من الطلب على النفط في اليابان نتيجة تلك الخطوة التي كانت بدايتها لقاء جمع صدفة بين شخصين.

كان هناك الكثير من الشركات التي ترغب في الحصول على حصة من نفط الشرق الأوسط منها شركات أمريكية, أحدها شركة نفط إنديانا القياسية وهي أحد شركات النفط الأمريكية التي تفرعت من شركة ستاندرد أويل التي أسسها جون روكفلر ولكنها ليست من ضمن مجموعة شركات الأخوات السبعة. الشركة نجحت سنة ١٩٥٨ في توقيع إتفاق مبادئ مماثل لاتفاق الذي قام إنريكي ماتي بتوقيعه نيابة عن شركة إيني الإيطالية, ٢٥% حصة شركة نفط إنديانا مقابل ٧٥% حصة الحكومة السعودية من العائدات, ولكن مع استثناء وهو أن شركة نفط إنديانا كان عليها أن تدفع مبلغا ماليا كبيرا مقدم توقيع العقد. شاه إيران محمد رضا بهلوي والذي كان مؤخرا قد قام بتطليق زوجته لأنها فشلت في أن تنجب له الوريث الذكر كان سعيدا جدا بذلك الإتفاق لأن شركة نفط إنديانا تعتبر شركة أمريكية لها تاريخ عريق ومكانة مهمة في صناعة النفط في الولايات المتحدة والعالم. شركة نفط إنديانا من ناحيتها وجدت الوضع في إيران يعتبر فرصة ثمينة من أجل توقيع عقد امتياز في الشاه بهلوي واستغلال الحالة النفسية التي يمر بها بسبب طلاقه مما أدى الى انغماسه أكثر و أكثر بالعمل خصوصا وأن الشركة كانت سنة ١٩٣٢ في خضم أزمة الكساد العظيم قد قامت ببيع حصتها في امتياز النفط الذي حصلت عليه في فنزويلا الى شركة نفط نيوجيرسي القياسية.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

 

الحلقة الرابعة

شاه إيران محمد رضا بهلوي لم يكن هو الشخص الوحيد في المنطقة الذي تتعارض مبادئ أو مصالحه حتى أكون أكثر دقة مع شركات الاحتكارات النفطية خصوصا الأخوات السبعة. الزعيم المصري جمال عبد الناصر خرج منتصرا من أزمة قناة السويس ١٩٥٦ ولديه رصيد سياسي بدون حدود في المنطقة حيث شعبيته تتزايد بإستمرار. كما أنه إستغل التكنولوجيا في الدعاية خصوصا الراديو الذي كان وسيلة تسلية رخيصة الثمن في ذلك الوقت وأسَّسَ إذاعة صوت العرب التي كان من خلالها أحمد سعيد يبث الخطب الحماسية والأفكار القومية والناصرية. أزمة قناة السويس إنتهت سنة ١٩٥٧ وأعيد فتح القناة أمام حركة الملاحة ولكن جمال عبد الناصر حقَّقَ نصرا سياسيا أخر سنة ١٩٥٨ حيث حصل على موافقة الإتحاد السوفياتي على تمويل بناء مشروع السد العالي في قرب مدينة أسوان. كما أنَّ سنة ١٩٥٨ قد شهدت حدثا أخرا على نفس الدرجة من الأهمية حيث تم الإعلان عن الوحدة بين مصر و سوريا وهو حدث أدى الى نتيجة مفادها أن الوحدة العربية الشاملة هي أمر أقرب الى الحقيقة منها الى الخيال. الوحدة بين مصر وسوريا, قناة السويس, نفط السعودية والعراق وخطوط الأنابيب التي تمر في سوريا سوف تؤدي الى تدعيم مركز العرب وأهميتهم ضد الدول الغربية وزيادة نفوذهم السياسي والإقتصادي.

بريطانيا والتي كانت في السابق الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس شعرت بالقلق البالغ من قدرة جمال عبد الناصر ولو نظريا على التحكم في إمدادات النفط القادمة من منطقة الشرق الأوسط من خلال قناة السويس وخطوط الأنابيب التي تمر من سوريا وتم تقديم اقتراح بريطاني من أجل بناء خط أنابيب بديل يمر في الأراضي العراقية مع بناء ميناء تصدير في مدينة الفاو العراقية التي تقع في منطقة شط العرب في الخليج العربي ولكن ذلك الاقتراح لم يعد من الممكن تنفيذه لأن الموقف في العراق بتأثير الناصرية والدعاية القومية في إذاعة صوت العرب تغيَّرَ ١٨٠ درجة حيث أنه في شهر ١٩٥٨/٦ فقد قام شيوعي وهو عبد الكريم قاسم بتنفيذ إنقلاب دموي حيث قتل أفراد الأسرة الهاشمية الحاكمة في مجزرة قصر الرحاب وتم التمثيل بجثثهم. كما أنه تم القبض على رئيس الوزراء نوري السعيد وسحله في الشوارع ومن ثم قتله وتشويه جثته من خلال مرور أحد المركبات عليها ذهابا وإيابا حتى اختفت ملامحها ولم يمكن التعرف عليها. الحكومة الجديدة في العراق سارعت الى مراجعة جميع عقود النفط وأصبح من الواضح أمام جميع الدول الأجنبية نفوذ الناصرية وجمال عبد الناصر ومركزه المهم في المنطقة.

كانت فترة الخمسينيات من القرن العشرين قد شهدت إجتماعات عربية متعدِّدة محورها الرئيسي كان النفط وفرض حصار إقتصادي ضد دولة الكيان الصهيوني التي تم الإعلان عن تأسيسها سنة ١٩٤٨. أحد البنود التي تم اقتراحها هو فرض عقوبات ضد شركات النفط التي تتعامل مع الكيان الصهيوني أو مضايقتها ومصادرة أصولها حيث تشعبت أجندة تلك الإجتماعات وتوسعت الى مجالات وقضايا أخرى. إن تلك الاجتماعات والتي عقد أغلبها في مصر وضعت في يد الرئيس المصري جمال عبد الناصر أداة أخرى من الممكن استغلالها في زيادة نفوذه وضد خصومه من دول الغرب وحتى دول عربية وذلك على الرغم من أن مصر ليست دولة منتجة للنفط. مصر قدَّمت إقتراحا خلال أحد تلك الإجتماعات في ربيع سنة ١٩٥٧ حول بناء وتأسيس صناعة النفط في الوطن العربي مثل بناء مصافي تكرير النفط, زيادة القدرات والإمكانيات الفنية, امتلاك الخبرات وتكنولوجيا النفط, بناء خط أنابيب نفط عربي وموانئ تصدير النفط على البحر الأبيض المتوسط وحتى امتلاك أسطول من ناقلات النفط. كما أنه وخلال ذلك الإجتماع فقد تم مناقشة تأسيس منظمة عربية يتم من خلالها توحيد إمكانيات الدول العربية في مجال النفط والقدرة على المنافسة وضبط كميات الإنتاج.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

 

الحلقة الخامسة

إن جميع الأفكار العظيمة تبدأ دائما من شخصين إثنين لأن يدا واحد لا تصفق ومن ثم تبدأ تلك الفكرة باجتذاب أشخاص أخرين وقد بدأت فكرة الامتياز النفطي الياباني في المنطقة المحايدة من شخصين إثنين ليس لديهما أدنى خبرة أو معرفة في مجال التنقيب عن النفط ولكن الأمر في تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك) كان مختلفا قليلا لأن بذور الفكر كانت موجودة لدى شخصين إثنين هما وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي(الشيخ الأحمر) و خوان بابلو ألفونزو (Juan Pablo Pérez Alfonzo) وزير التعدين والطاقة في فنزويلا جمعت بينهما صحفية في مجال النفط التشيكوسلوفاكية واندا جابلونسكي (Wanda Jablonski) والتي كانت تعمل مراسلة في صحيفة (Petroleum Week). إذا فإنه لدينا ثلاثة أشخاص محوريين في تأسيس منظمة أوبك ولابد من رواية قصتهم وكيف أدت جهودهم وأفكارهم الى تأسيس ماتصفه الدول الغربية بأنه أحد أكبر كارتلات النفط الاحتكارية في العالم حيث يثور حوله جدل سياسي بين فترة وأخرى.

كانت سنة ١٩٤٨ مهمة في تاريخ فنزويلا حيث تم إسقاط الحكومة المنتخبة ديمقراطيا وذلك في إنقلاب عسكري كان يقوده الجنرال (Marcos Pérez Jiménez). الحكومة التي تم إسقاطها كانت هي المسؤولة عن أول قانون مناصفة(٥٠/٥٠) في مجال صناعة استخراج وتكرير النفط وبسبب ذلك تحوم شبهات حول تورط كل من الولايات المتحدة وبريطانيا في تدبير الانقلاب. صناعة النفط شهدت طفرة الى الأمام حيث تضاعف كميات النفط التي يتم استخراجها مع حلول سنة ١٩٥٧. ولكن شعبية النظام شهدت خلال تلك الفترة تراجعا كبيرا حتى سقط سنة ١٩٥٨ وعاد الى فنزويلا نظام الحكم الديمقراطي حيث الشخصيات الرئيسية التي كانت تدير المشهد السياسي والإقتصادي أغلبها من أعضاء الحكومة الديمقراطية في الأربعينيات وممن كانوا معتقلين سياسيين خلال فترة حكم الجنرال Marcos Jiménez.

الرئيس الجديد (Romulo Betancourt) كان هو نفسه عضوا في اللجان الثورية سنة ١٩٤٥ وكان خلال سنوات المنفى معارضا ضد نظام حكم الجنرال Marcos Jiménez وسيطرة وهيمنة شركات النفط الرئيسية التي حولت فنزويلا الى مجرد مناطق امتياز من أجل إستخراج النفط بدون الإهتمام بأي تقدم إقتصادي أو تنمية حقيقية. الحكومة الجديدة تعلمت من دروس التاريخ ورغم الانتقادات التي تعرضت لها وحتى تمرد عسكري من تنظيمات شيوعية ولكنها استمرت في سياستها التي كانت تركز على التحالفات السياسية والتوفيق بين آراء مختلف الأحزاب وعدم تجاهلها أو تهميشها. ريتشارد نيكسون نائب الرئيس الأمريكي ليندون جونسون تعرض الى محاولة إغتيال خلال زيارته الى فنزويلا سنة ١٩٥٨ وحتى الرئيس رومولو بيتانكور تعرض الى محاولة إغتيال سنة ١٩٦٠ أصيب على أثرها بحروق. المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في فنزويلا كانت قوية للغاية وكان على الحكومة الديمقراطية الجديدة أن تسلك طريق الإصلاحات بحذر بالغ.

الرئيس الفنزويلي رومولو بيتانكور(Romulo Betancourt) كان وعلى الرغم من انتقاداته ضد شركات النفط إلا أنه كان يعلم أنه في حاجة إليها. ولكنه في الوقت نفسه, كان هو و زملائه في الفريق الحكومي براغماتيين و عمليين ولديهم قابلية للتكيف. الشخص الذي تم اختياره من أجل التعامل مع ملف النفط الشائك في فنزويلا كان خوان بابلو بيريز ألفونسو الذي ولد في العاصمة كاراكاس سنة ١٩٠٣ من أسرة ثرية وكان لديه عشرة إخوة وأخوات. سنة ١٩٤٨ وبعد الإطاحة بحكومة الرئيس رومولو غاليغوس المنتخبة ديمقراطيا حيث كان يشغل منصب وزير التنمية وقضاء تسعة شهور في السجن, سُمِحَ له بالسفر الى المنفى في الولايات المتحدة ثم إنتقل الى المكسيك وذلك لأسباب مادية. ولكن خلال وجوده في الولايات المتحدة, قضى وقتا طويلا في دراسة تاريخ مفوضية سكة حديد تكساس والدور المهم الذي لعبته في تنظيم عمليات إنتاج, تكرير وتوزيع النفط في تكساس والولايات المتحدة خلال فترة زمنية شهدت زيادة الإنتاج وهبوط الاسعار الى مستويات قياسية, مما أدى الى ولادة فكرة تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك).

كان خوان ألفونسو شخصا زاهدا في السلطة هدفه هو خدمة مصالح بلاده والشعب الفنزويلي والإستفادة من ثرواتهم الطبيعية خصوصا النفط. كما أنه أقسم على أن لا تفسده السلطة والامتيازات التي ترافقها. انخفاض سعر النفط كما كان خوان ألفونسو يرى من وجهة نظره يشجع على الاستهلاك المتزايد والغير مسؤول واستنزاف الثروة النفطية وتراجع الاستثمارات في ذلك القطاع الحيوي مما يضر بالمستهلكين. كان خوان ألفونسو يعتقد أن دول الشرق الأوسط حيث انخفاض تكاليف إنتاج النفط, ٢٠ سنت/برميل, مقارنة مع فنزويلا, ٨٠ سنت/برميل, مصدر تهديد على الرغم من أنها إرتباطها مع عدة دول في المنطقة بعلاقات صداقة ومصالح مشتركة. وقد وجد أن الحل وذلك من خلال خبرته وفهمه العميق في قطاع النفط وآليات عمله في تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط تكون مهمتها تنظيم عملية الإنتاج والتسويق بين الدول الأعضاء بعيدا عن سلطة وسيطرة شركات النفط الرئيسية. 

أحد الأسباب الرئيسية التي أدت الى تفكير خوان ألفونسو في في تأسيس منظمة أوبك كان القرار الذي إتَّخذه الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور سنة ١٩٥٩ في تخفيض نسبة صادرات الولايات المتحدة من النفط وذلك من أجل حماية شركات النفط الأمريكية مما أدى الى الحاق أضرار بالغة بقطاع النفط الفنزويلي حيث يتم تصدير ٤٠% من إنتاج النفط. إن القرار الذي إتخذه الرئيس الأمريكي قد إستثنى كندا والمكسيك وذلك لأسباب ترى الولايات المتحدة أنها تتعلق بالأمن القومي حيث أن طرق الشحن البرية أكثر أمانا من نظيرتها البحرية التي تعرضت الى أضرار بالغة خلال الحرب العالمية الثانية بسبب الغواصات الألمانية التي كانت تغرق ناقلات النفط الأمريكية في المحيط الأطلنطي مما أثَّرَ على جهود دول الحلفاء الحربية خصوصا بريطانيا. وكما يرى خوان ألفونزو من وجهة نظره أن تلك معاملة غير عادلة لأن المكسيك وليس فنزويلا هي التي قامت بتأميم شركات النفط الأمريكية خلال الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية.

"الأمير الأحمر" كان لقب أول وزير نفط في المملكة العربية السعودية قام الملك سعود عبد العزيز آل سعود بتعيينه. "نفط العرب للعرب" تنسب الى الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان يستخدمها في خطاباته رغم أن مصر دولة غير منتجة للنفط ولكنها في الحقيقة مقولة إشتهر بها عبدالله الطريقي وتعني زيادة حجم التجارة البينية واستغلال اليد العاملة في الدول العربية. إن تعيين عبدالله الطريقي في منصب مدير مؤسسة النفط والتعدين رغم آرائه المؤيدة مبادئ الناصرية والقومية العربية كان نتيجة صراع داخلي في المملكة العربية السعودية بين اثنين من الأشقاء من أولاد عبد العزيز آل سعود يحمل كل منهما وجهة نظر مختلفة تماما عن الأخر, الملك سعود وشقيقه الأمير فيصل, الأول كان يؤيد القومية العربية ومقرب من الزعيم جمال عبد الناصر, بينما كان الثاني أقرب الى الولايات المتحدة. عبدالله الطريقي أنهى دراسته في الكويت ومصر و تخصصه الجامعي في الجيولوجيا والكيمياء من جامعة تكساس الأمريكية حيث كان أول مواطن سعودي يتخرج من جامعة أمريكية.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

 

الحلقة السادسة

الملك سعود آل سعود هو نفسه أول من بدأ في تحدي شركات النفط الكبرى في المملكة العربية السعودية ومطالبتهم بالمزيد من عوائد النفط الذي تستخرجه تلك الشركات من أراضي المملكة. وسائل الإعلام المختلفة ومؤلفون وصحفيون ينشرون القصص عن مجون الملك سعود وعن شربه الخمر وحكمه الدموي وحتى عن شذوذه الجنسي كما نشر معارضون سعوديون ولكن هناك إحتمال أو الرأي الأكثر ترجيحا أنها قصص ملفَّقة ومزورة من أجل تشويه تاريخ الملك الذي أيقظ شركات النفط الأمريكية من أحلامها. عبدالله الطريقي الذي قام الملك سعود بتعيينه لأنه الرجل المناسب من أجل أن يدير الصراع مع شركات النفط كان لديه أفكار حول تأسيس شركة نفط سعودية وطنية وحتى تأميم شركة ارامكو. ولكنه في بداية سنة ١٩٥٩ وبسبب إنخفاض أسعار النفط الى مستويات غير مسبوقة فقد أصبحت الأولوية بالنسبة الى عبدالله الطريقي هي السيطرة على عملية الإنتاج والأسعار.

شركات النفط كان تبيع النفط مقابل تخفيض أقل من السعر الرسمي خلال فترة الخمسينيات وذلك بسبب سعي الدول المنتجة الى زيادة مداخيلها من النفط من خلال زيادة الإنتاج بدلا من زيادة السعر والحفاظ على حصتها السوقية أو الإستحواذ على أسواق جديدة مما أدى الى نمو العرض أكثر من الطلب. شركات النفط وفي مساعيها من أجل تحقيق ذلك كانت تبيع النفط بسعر مخفَّض عن السعر الرسمي الذي تدفع بموجبه الى الحكومات حقوق الملكية والضرائب مما أدى الى إنخفاض أرباحها تدريجيا وصولا الى تحقيقها خسائر مالية بسبب الفرق بين السعر الرسمي والسعر المخفَّض. مشكلة إنخفاض الأسعار بدأت تتحول الى أزمة حادة بداية من عام ١٩٥٨ خصوصا مع إغلاق السوق الأمريكية تقريبا أمام النفط المستورد من الخارج وتحديد حصص الاستيراد لكل دولة مع إستثناء المكسيك وكندا. الشركات كانت هي التي تتحمل خسائر فرق السعر بينما الحكومات مازالت تحصل على حصتها كاملة وفق السعر الرسمي واتفاقية المناصفة (٥٠/٥٠).

إن دخول الإتحاد السوفياتي نادي الدول المصدرة للنفط بداية العام ١٩٥٥ بعد أن كان يتم استهلاكه داخليا في دول المعسكر الإشتراكي قد أدى الى آثار سلبية على سعر النفط في الأسواق الدولية. إنتاج الإتحاد السوفياتي من النفط قد تضاعف خلال الفترة (١٩٥٠-١٩٦٠) وأصبح يعادل ٦٠% من إنتاج النفط في الشرق الأوسط وثاني أكبر دولة منتجة للنفط بعد الولايات المتحدة وهو المركز الذي كانت تشغله فنزويلا سابقا. رئيس المخابرات الأمريكية ألن دالاس صرَّحَ خلال إجتماع حكومي سنة ١٩٥٨ أنه يشعر بالقلق من قدرة الإتحاد السوفياتي على إثارة الإضطرابات في الاسواق. شركات النفط بدأت وفي ردة فعل على تحول الإتحاد السوفياتي الى دولة مصدِّرة للنفط, بدأت في التفكير في تخفيض السعر الرسمي وبذلك تشترك الدول والحكومات مع الشركات في تحمل فرق التكلفة بين السعر الرسمي والسعر المخفَّض. إنَّ أول شركة قامت بذلك هي بريتيش بتروليوم(BP) أو شركة النفط الأنجلو-إيرانية سابقا والتي خفَّضت في السعر المعلن ١٠% مما أثار موجة من السخط لدى الدول المصدرة للنفط والتي بدأت فورا في التفكير في ردها على ماقامت به شركة النفط(BP) والتي تبعها لاحقا شركات أخرى في تلك الخطوة.

الرئيس المصري جمال عبد الناصر دعا في إبريل/١٩٥٩ الى عقد مؤتمر يضم الدول العربية ومنها الدول المنتجة للنفط في القاهرة وذلك في محاولة منه إستغلال النفط وسيلة من أجل زيادة نفوذه السياسي في المنطقة. المؤتمر حضره ٤٠٠ شخص منهم وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي و كذلك وزير المعادن والطاقة الفنزويلي خوان بابلو ألفونزو الذي حضر بصفة مراقب. ولكن الجميع لاحظوا غياب العراق وهي دولة منتجة للنفط عن المؤتمر بسبب الخلاف السياسي مع مصر. العراق أعلن على المستوى الرسمي مقاطعته للمؤتمر حيث كانت هناك مخاوف لدى القيادة السياسية من سيطرة مصر وهي دولة غير منتجة للنفط على قرارات المؤتمر الذي سوف لن يكون إلا وسيلة من أجل تعزيز نفوذها في المنطقة. 

إنَّ جلسات المؤتمر الذي كان من المفترض أن يتم مناقشة مسائل تقنية بحتة تحولت الى مؤتمر سياسي بسبب قرار شركة بي بي(BP) مساء اليوم الذي انعقدت فيه أولى جلسات المؤتمر تخفيض سعر النفط المعلن ١٠%. شركات النفط التي كانت تخشى من إتخاذ المجتمعين القرار بتأميم شركات النفط أرسلت مندوبين عنها من أجل حضور الجلسات والذين أرسلوا تقارير إيجابية الى مدرائهم بأن أجواء إنعقاد المؤتمر كانت إيجابية حيث أجرى ممثلو شركات النفط مناقشات غير رسمية مع نظرائهم ممن ممثلي الدول التي حضرت المؤتمر وأنه هناك الكثير من المكاسب المستقبلية التي يمكن أن تحققها شركات النفط في منطقة الشرق الأوسط. مايكل هوبارد ممثل شركة بريتش بتروليوم أرسل تقريرا الى مديره المباشر أنه تمكن من خلال مندوبة مجلة Petroleum Week الصحفية واندا جابلونسكي من عقد لقاء مع وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي حيث يمكن مناقشة مسائل إقتصادية مع الوزير السعودية كما أخبرته جابلونسكي. ولكن بدلا من ذلك, فقد تلقى مايكل هوبارد تقريعا حادا من الوزير الطريقي بسبب التباين في إنتاج النفط من المنطقة المحايدة في الكويت مقارنة مع السعودية رغم فارق التعداد السكاني بين البلدين حيث إزدادت الهوة إتَّساعا بين الجانبين بدلا من الوصول الى تفاهم مشترك حول النقاط الخلافية بينهما.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

الحلقة السابعة

واندا جابلونسكي التي تخرجت من جامعة كورنيل العريقة في الولايات المتحدة وعملت في مجلة Petroleum Week قبل أن تصبح رئيسة تحرير مجلة Petroleum Intelligence Weekly, كانت ناشطة في كواليس المؤتمر ولديها القدرة على الحصول على المعلومات التي تمنحها السبق الصحفي مقارنة مع غيرها من الصحفيين والمراسلين. ولكنها في الوقت نفسه وليس كما كان يعتقد البعض, كانت واندا جابلونسكي تنظر بإيجابية الى شركات النفط وقطاع الطاقة بشكل عام وتعمل باستمرار على تعزيز العلاقات بين الشركات والدول المنتجة للنفط من خلال تمثيلها قناة اتصال خلفية بين جميع الأطراف بعيدا عن أعين الفضوليين. وقد التقت واندا جابلونسكي الملك سعود آل سعود بالإضافة الى وزير النفط عبد الله الطريقي سنة ١٩٥٦ خلال رحلة عمل في ١٢ بلدا عربيا حيث أمضت في قصر الملك السعودي أياما في قصر الملك سعود وأقامت في جناح الحريم وشربت الشاي بماء الورد ونقلت صورة أكثر واقعية من تلك التي نقلها صحفيون آخرون كانوا متأثرين بروايات ألف ليلة وليلة. 

جابلونسكي وخلال لقاء أخر جمعها مع الوزير الطريقي, نقلت إليه معلومة مهمة وهي أنه هناك شخص آخر ربما يشاركه وجهة نظر مماثلة حول شركات النفط التي تعمل في السعودية وأنه سوف تعمل على الجمع بينهما خلال أول فرصة ممكنة والتي لم تكن سوى مؤتمر القاهرة ١٩٥٩. وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي الذي اجتمع مع وزير المعادن والطاقة الفنزويلي خوان بابلو ألفونزو على هامش جلسات المؤتمر حيث اتفق الوزيران على عقد جلسات سرية بعيدا عن عدسات الصحفيين مع مسؤولين آخرين في الدول المصدرة للنفط في أحد النوادي في منطقة المعادي والذي كان خاليا من الزبائن بسبب توقف الموسم السياحي حيث يمكن أن لا يلفت المجتمعون الأنظار. الإجتماع كان سريا للغاية حضره الوزير الطريقي,  وزير المعادن والطاقة الفنزويلي خوان بابلو ألفونزو وممثلون عن الكويت, إيران والعراق الذي حضر بصفته ممثل العراق في جامعة الدول العربية حيث تم توقيع اتفاق شرفي(Gentlemen’s Agreement) يتضمن توصيات حتى يتم رفعها الى الجهات المعنية في بلدانهم. الوزير الإيراني والذي كان مصرا على أن حضوره بصفته الشخصية كان يخشى من التوقيع حتى أنه إختفى من الإجتماع فجأة واضطر المجتمعون الى طلب المساعدة من الشرطة المصرية من أجل العثور عليه وإمضاء توقيعه على الاتفاق.

القرارات التي تضمنتها بنود الإتفاق كانت تتمحور حول اقتراحات الوزير الفنزويلي, تأسيس هيئة استشارية للنفط من أجل الحفاظ على ثبات واستقرار الأسعار وتحقيق مصالح الدول المصدرة للنفط, وتأسيس شركات نفط وطنية. الاتفاق تضمن أيضا توصية تم رفعها الى الحكومات بتعديل اتفاق المناصفة(٥٠/٥٠) الى ( الحكومات٦٠/ شركات النفط٤٠) والعمل على بناء صناعة تكرير النفط من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي وحماية العائدات الحكومية وبالتالي الاقتصاد المحلي. واندا جابلونسكي لعبت دورا محوريا و رئيسيا في ذلك الإجتماع وكانت مسؤولة عن جمع الأطراف مع بعضها البعض في ذلك التحالف الذي سوف يتحول لاحقا الى منظمة الدول المصدر للبترول(أوبك).

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

 

الحلقة الثامنة

إن رواية قصة تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك) ليست سوى أحد فصول تاريخ النفط ولعبة الطاقة الجيوسياسية حيث تداخل السياسة مع الاقتصاد, الإعلام, البنوك والأهم شركات السلاح والخدمات الأمنية. ولن تكتمل رواية قصة التأسيس من دون أن نكمل فصولها والأحداث التي أعقبت تأسيس أوبك لا تقل أهمية عن الأحداث التي سبقتها.

الإتحاد السوفياتي قام بالإنضمام الى لعبة النفط الجيوسياسية سنة ١٩٥٦ من خلال دخوله نادي الدول المصدرة للنفط بعد أن كان إستهلاك النفط داخليا يلتهم كامل الإنتاج. دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة كانت تشعر و شركات النفط بقلق بالغ حيث كانت الحرب الباردة في ذروتها والإتحاد السوفياتي كان في أمس الحاجة الى العملة الصعبة من أجل شراء الأدوات والمعدات والمنتجات الزراعية وكان على إستعداد لأن يعقد صفقات مبادلة أو يبيع النفط بسعر منخفض للغاية. دول الغرب على رأسها الولايات المتحدة كانت تعتقد ان الإتحاد السوفياتي يغرق الأسواق بالنفط متعمدا هبوط الأسعار وأن ذلك إحدى وسائل الحرب الاقتصادية التي يستخدمها.

تأسيس منظمة أوبك لم يكن له تأثير على أسعار النفط خصوصا في بدايتها حيث استمرت في الهبوط بسبب زيادة الإنتاج والمنافسة بين شركات النفط الرئيسية والنفط السوفياتي الرخيص والأهم عدد كبير من المنتجين المستقلين الذين لم يكونوا يهتمون بأي قواعد أو قوانين بل بأن يملؤوا جيوبهم بالمال. شركة بريتش بتروليوم وشركات أخرى استمرت في إعلان تخفيض أسعار النفط عن السعر الرسمي المعلن في عقودها مع حكومات الدول المنتجة للنفط مما أدى الى مزيد من الشعور بالغضب لدى المسؤولين في تلك الدول. شركات النفط بدأت تخشى من تأثير المنافسة على حصتها السوقية خصوصا في أوروبا الغربية والتي تعتبر المستورد الرئيسي للنفط الذي يتم تصديره من دول الشرق الأوسط خصوصا أنها إكتشفت أن إنريكو ماتي كان المشتري الرئيسي للنفط السوفياتي وأنه كان يمكن شراء النفط مباشرة من موانئ التصدير السوفياتية في البحر الأسود بنصف السعر الرسمي المعلن وشحنه مباشرة الى وجهته. النفط السوفياتي الرخيص كان يغرق الأسواق الأوروبية من خلال إيطاليا مما أدى الى هبوط حاد في الأسعار.

إنَّ المقولة الشائعة أن الأزمات تؤدي الى ظهور معادن الرجال الحقيقية تنطبق على رئيس مجلس إدارة شركة نفط نيوجرسي(Standard Oil of New Jersey) مونرو راتهاوس الذي كان لقبه بين موظفي الشركة تي المربع(T-Square). مونرو راتهاوس لم يكن غريبا عن عالم صناعة النفط حيث والده وعمه كانوا يمتلكون واحدة من أكبر شركات تكرير النفط في فيرجينيا الغربية وهو نفسه عمل خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وتخرجه من الجامعة في تخصص الهندسة الكيميائية في مصفاة النفط التي تمتلكها شركة نفط نيوجرسي في بلدة باتون روج في ولاية لويزيانا والتي أصبح مديرها في عمر الواحد والثلاثين ولاحقا رئيس مجلس إدارة شركة نفط نيوجيرسي.

كان مونرو راتهاوس مصمما على التوسع في أسواق جديدة والحفاظ على حصة الشركة في أسواقها القائمة وذلك خلال فترة زمنية حرجة حيث تخمة المعروض وانخفاض الطلب. ولكن كانت هناك عدة عقبات أمام تحقيق ذلك وأحدها هو أنَّ البناء الإداري في شركة نفط نيوجيرسي كان قائما على لجان متعددة حيث يتم دراسة كل قرار بتمحيص وعناية من عدد من تلك اللجان قبل الموافقة عليه. القرار الذي كان على مونرو راتهاوس أن يتخذه يتلخص في المزيد من تخفيض أسعار النفط(الرسمية) في تعاقدات الشركة مع الدول مالكة حق الإمتياز لكنه واجه معارضة من أعضاء في مجلس الإدارة واللجان الفرعية أحدهم هوارد بيج (Howard Page) الذي يعتبر أحد أكثر مفاوضي الشركة خبرة في الشرق الأوسط وهو المسؤول عن تأسيس تحالف شركات النفط التي أدارت قطاع النفط في إيران خلال الفترة التي أعقبت إسقاط رئيس الوزراء محمد مصدق سنة 1953 في العملية السرية التي أطلق عليها الإسم "آجاكس". هوارد بيج (Howard Page)  كان مفاوضا وخبيرا دوليا محنكا في شؤون النفط يطلق عليه في الشركة لقب (Slide Rule), بينما كانت خبرة مونرو راتهاوس محلية وليس على دراية كاملة بعواقب قراره. هوارد بيج كان يخشى من قرارات التأميم ويعلم يقينا تأثير ذلك على الشحن العاطفي في الشرق الأوسط وتأثير سيكولوجيا الجماهير على تلك النوعية من القرارات خصوصا بعد مؤتمر القاهرة ١٩٥٩.

هوارد بيج وفي مساعيه من أجل دعم وجهة نظره في مواجهة رئيس مجلس الإدارة مونرو راتهاوس قام بعقد إجتماع بحضور الصحفية واندا جابلونسكي والتي لم يمضي أيام قليلة على عودتها من جولتها في منطقة الشرق الأوسط والتي تحدثت الى أعضاء مجلس الإدارة حول المناخ العدائي ضد شركات النفط التي تستنزف ثروات الدول المصدرة للنفط وشعبية الرئيس المصري جمال عبد الناصر مما يزيد من حالة الإحتقان. كما تحدثت جابلونسكي خلال الإجتماع عن مستقبل شركة نفط العراق(Iraq Petroleum Company) وشركة أرامكو وأن من المستحيل في المستقبل القريب بقاء الوضع على ماهو عليه وأن اتخاذ قرار مثل تخفيض في سعر النفط الرسمي, سوف يؤدي الى ردة فعل سلبية وعنيفة من الحكومات بتأثير الضغط الشعبي. كما عقدت جابلونسكي اجتماعا على إنفراد مع مونرو راتهاوس الذي أخبرها بعدم دقة وجهة نظرها وأنه كان في زيارة الى الشرق الأوسط وأن الأمور سوف تكون على مايرام.

مونرو راتهاوس تجاهل نصائح جابلونسكي و هوارد بيج الذي كان يرى من وجهة نظره أنه بأفضل الأحوال لا يمكن إتِّخاذ ذلك القرار من دون مشاورات مع حكومات الدول المعنية ولكن القرار النهائي كان من إختصاص رئيس مجلس الإدارة  حيث إتخذت شركة نفط نيوجيرسي بتاريخ ٩/أغسطس/١٩٦٠ قرارا مفاجئا تخفيض سعر برميل النفط ٧% من السعر الرسمي بما يعادل ١٤ سنت/برميل. شركات النفط الأخرى وعلى الرغم من تحفظها فإنها قامت باتخاذ قرار مماثل وهو ما سوف تندم عليه لاحقا. الدول المصدرة للنفط والتي وجدت نفسها في موقف محرج أمام مواطنيها حيث خسرت ٧% من دخلها القومي والأهم كبريائها وسيادتها وشعبيتها. أحد أعضاء مجلس الإدارة الذي كان معارضا للقرار والذي كان متواجدا في بغداد أخبر أعضاء أخرين أنه سعيد للغاية بعودته حيا الى الولايات المتحدة بسبب الغضب الرسمي والشعبي من القرار.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

الحلقة التاسعة

الدول المصدرة للنفط كانت غاضبة للغاية من قرار شركة ستاندرد أويل أو نيوجيرسي  والرد كان سريعا وخلال ساعات. فقد تبادل وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي عدة برقيات مع نظيره الفنزويلي خوان بابلو ألفونزو وسافر الى العاصمة اللبنانية بيروت في زيارة كان من المفترض أن تستغرق ٢٤ ساعة. الهدف كان ترتيب اجتماع بين مندوبي الدول التي وقعت على وثيقة الإتفاق الشرفي في القاهرة سنة ١٩٥٩. الحكومة العراقية والرئيس عبد الكريم قاسم كانوا في على علاقة عدائية مع مصر والرئيس جمال عبد الناصر وكان إعلان شركة ستاندرد أويل أوف نيو جيرسي تخفيض سعر البرميل الرسمي فرصة مناسبة لهم حتى يبعدوا مصر عن لعبة النفط وذلك من خلال تأسيس منظمة تظم الدول (العربية)المصدرة للنفط دولتين أجنبيتين هما (إيران و فنزويلا). الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم كان يهدف من خلال الدعوة الى عقد اجتماع في بغداد حرمان جمال عبد الناصر من فرصة استغلال المناسبة سياسيا ومساعدته(عبد الكريم قاسم) في صراعه مع شركة نفط العراق(Iraq Petroleum Company). وزير النفط الفنزويلي كان سعيدا للغاية عندما وصلته برقية الحكومة العراقية الدعوة الى الاجتماع في بغداد حيث رفعها عاليا وصاح بالإنجليزية:"We’ve achieved it!" وترجمتها الحرفية "لقد حققنا ذلك!" أو "فعلناها."

شركات النفط الرئيسية أدركت عواقب القرار الذي تم اتخاذه تخفيض سعر النفط الرسمي حيث سارعت شركة شل على سبيل المثال الى أن تمد يدها بغصن الزيتون وأعلنت بتاريخ ٨/سبتمبر/١٩٦٠ الى زيادة سعر برميل النفط(الرسمي) بين ٢ سنت الى ٤ سنت ولكن تلك المبادرة جاءت متأخرة. السعودية, فنزويلا, العراق, إيران, الكويت حضروا بالإضافة الى قطر بصفة مراقب الى بغداد بتاريخ ١٠/سبتمبر/١٩٦٠ وبعد أربعة أيام من الاجتماعات في أجواء مشحونة بالتوتر بسبب محاولة إنقلاب فاشلة في بغداد, أعلن بتاريخ ١٤/سبتمبر/١٩٦٠ عن منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك). شركات النفط وحكومات دول غربية تعاملت مع تأسيس منظمة أوبك بلا مبالاة رغم اعتذارها الى الدول المصدرة للنفط عن قرار تخفيض سعر البرميل(الرسمي). تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية(سي آي إيه) السري عن الشرق الأوسط والذي صدر في ٤٣ صفحة بتاريخ نوفمبر/١٩٦٠, بعد شهرين من الإعلان عن تأسيس أوبك ولكنه لم يخصص لذلك سوى أربعة أسطر.

إنَّ تأسيس منظمة أوبك رافقه الكثير من الضجة الإعلامية ولكن خلال العقد الأول من عمرها, كان تأثير المنظمة على سوق النفط العالمي محدودا للغاية وذلك يعود الى عدة أسباب. أحد تلك الأسباب هو أن التخمة النفطية التي أصابت الأسواق بسبب زيادة الإنتاج وعدم رغبة الدول المصدر للنفط تخريب العلاقة مع شركات النفط الرئيسية لأن الدول الأعضاء في منظمة أوبك كانوا في الوقت نفسه مهتمين بالحفاظ على حصصهم التصديرية وبالتالي على العائدات من منافسة الدول الأخرى في المنظمة. سبب آخر لا يقل أهمية هو أنه في جميع الدول الأعضاء المؤسسين في منظمة أوبك بإستثناء إيران, الاحتياطيات النفطية(oil reserves) في باطن الأرض تملكها شركات النفط وفق إتفاقية الإمتياز وليس الحكومة مما جعل من قدرة تلك الدول على المناورة محدودة للغاية. ولكن في الوقت نفسه, هناك أمران إثنان كان من الممكن للمنظمة القيام بهما, الأول هو عدم قيام شركات النفط تخفيض السعر(الرسمي) بدون التشاور مع حكومات الدول الأعضاء في المنظمة, بينما الثاني عدم إتخاذ أي قرار بدون التفاوض والتشاور مع حكومات الدول الأعضاء في أوبك.

حقبة الستينيات شهدت عدة تغييرات جيوسياسية كبرى في الوطن العربي والعالم وكانت الدول الأعضاء في أوبك ضمن دائرة تأثيرها المباشر مما أضعف تأثير المنظمة على مجريات الأحداث وأسعار النفط. شركات النفط الرئيسية سعت خلال تلك الفترة الى إمساك العصا من المنتصف في علاقتها مع الحكومات حيث قامت بزيادة الإنتاج من أجل زيادة العائدات المالية وهو هدف مشترك كانت تسعى الى تحقيقه الدول الأعضاء في المنظمة. الخلافات السياسية بين الدول الأعضاء رغم أهدافها المشتركة التي تسعى الى تحقيقها من خلال عضويتها في المنظمة أدت في مجملها الى إضعاف المنظمة, الكويت وهي أحد الأعضاء المؤسسين حصلت على استقلالها من بريطانيا سنة ١٩٦١ ولكن العراق اعترض على ذلك وطالب بضم الكويت باعتبارها محافظة عراقية سابقا خلال فترة الحكم العثماني وبدأ في التهديد بإستخدام القوة ضدها. العراق جمَّدَ عضويته في المنظمة مؤقتا إحتجاجا على إستقلال الكويت وعدم قبول ضمها الى العراق. هناك أيضا الخلاف بين السعودية وإيران وهما دولتان من الدول المؤسسة للمنظمة وفي الوقت نفسها بينهما قواسم مشتركة مثل نظام الحكم الملكي الوراثي وصعود شعبية الرئيس المصري جمال عبد الناصر والقومية العربية وعدائه ضد أنظمة الحكم الملكية مما يعني تهديدا مباشرا لهما. السعودية كانت تمر بتغييرات سياسية جذرية حيث أصبح من الواضح أنَّ الملك فيصل تمكَّنَ من إحكام قبضته على الحكم بعد عزل شقيقه الملك سعود. الملك فيصل كان يميل الى الولايات المتحدة والغرب على عكس الملك السابق الذي كان على علاقة وثيقة مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي كان يدعم الملك سعود في مواجهة أخيه فيصل مما ادى لاحقا الى استبداله بالمحامي الشاب أحمد زكي اليماني. كما أنَّ الملك فيصل خاض مواجهة مباشرة مع جمال عبد الناصر في اليمن حيث كانت السعودية تدعم نظام الحكم الملكي بقيادة الإمام محمد البدر حميد الدين بينما مصر تدعم النظام الجمهوري بقيادة عبدالله السلال.

أما بالنسبة الى دولة فنزويلا والتي هي أحد الدول الأعضاء المؤسسين في أوبك فقد كانت تسعى الى التقرب من الولايات المتحدة وإصلاح علاقتها معها وذلك خلال فترة حكم الرئيس جون كينيدي ولاحقا نائبه ليندون جونسون. وزير المعادن والنفط الفنزويلي خوان بابلو ألفونزو أصابه اليأس والإرهاق من العمل والسفر المستمر ومن عالم السياسة و منظمة أوبك نفسها حيث إصطدم بالواقع المرير وقدَّم إستقالته سنة ١٩٦٣ وتقاعد في فيلته الخاصة وتحول من وزير للنفط والمعادن الى ناشط بيئي. وقد أطلق خوان ألفونزو خلال بضعة أسابيع من إستقالته تصريحات علنية حادَّة ضد منظمة أوبك التي ساهم هو في تأسيسها بسبب عجزها عن تقديم أي فوائد حقيقية على أرض الواقع لدولة فنزويلا.

شركات النفط الرئيسية تجنَّبت خلال فترة الستينيات أي مبادرة مفاوضات مع منظمة أوبك وكانت من وجهة نظرها تملك حق الإمتياز في دول تتفاوض مع حكوماتها مباشرة. الدور الذي لعبته منظمة أوبك خلال فترة الستينيات كان ثانويا و هامشيا حيث كان الواقع في عالم النفط يختلف عن أحلام وتمنيات خوان ألفونزو وعبدالله الطريقي حين عملوا على تأسيس منظمة أوبك. المنافسة, صادرات النفط الروسية وحصص التصدير الإلزامية الى الولايات المتحدة كانت هي الواقع.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


Monday, March 13, 2023

ماهو تأثير إعلان إفلاس بنك سيليكون فالي على الاقتصاد العالمي؟

أثار إعلان إفلاس بنك سيليكون فالي(SVB) في الولايات المتحدة مخاوف من انتشار الأزمة وتحولها الى أزمة عالمية مع إعلان الحكومة البريطانية أنها تراقب الموقف وتدرس التدخل خصوصا مع وجود فرع للبنك في بريطانيا. هيئة ضمان الودائع الفيدرالية(FDIC) أعلنت عن إغلاق بنك سيليكون فالي في محاولة من الحكومة الأمريكية من أجل دراسة أفضل الطرق لإنقاذ البنك ومنع تدحرج كرة الثلج التي سوف تؤدي الى انهيار الاقتصاد الأمريكي والعالمي(Economic Meltdown). كما أنَّ الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة سارعت الى إعلان إغلاق بنك سيجنتشر(Signature Bank) الذي يقع مقره الرئيسي في مدينة نيويورك والذي يعتبر متخصصا في الإقراض في مجال الاستثمار في العملات الرقمية في محاولة من أجل منع امتداد الأزمة حيث تم الإعلان أن البنك يعاني من مشاكل تنظيمية.

هناك تناقضات في التصريحات بين المسؤولين الأمريكيين مما يؤدي الى زيادة المخاوف من أزمة مالية عالمية مشابهة لأزمة الرهون العقارية منخفضة الجودة سنة ٢٠٠٨. الرئيس الأمريكي جو بايدن تعهد بمحاسبة المسؤولين عن إفلاس بنك سيليكون فالي وبنك سيجنتشر وطمئن المودعين على ودائعهم في الوقت نفسه الذي أعلن أنَّ وزيرة الخزانة جانيت يلين ومسؤولين أمريكيين يدرسون أفضل الوسائل من أجل التعامل مع أزمة البنكين. ولكن في الوقت نفسه فقد صرَّحت جانيت يلين التي كانت تشغل سابقا منصب رئيس مجلس بنك الإحتياطي الفيدرالي عن عدم وجود خطة من أجل إنقاذ بنك سيليكون فالي مما يعيد الى الذاكرة إنهيار بنك ليمان برثرز بتاريخ ١٥/سبتمبر/٢٠٠٨ وكيف أدى ذلك الى أكبر أزمة مالية عالمية حتى تاريخه. قناة فوكس نيوز الإخبارية سارعت الى التذكير بأزمة ١٩٢٩ والمقارنة بينها وبين إعلان إفلاس بنك سيليكون فالي.

ولكن ماهي أسباب الأزمة المالية الحالية وإعلان إفلاس بنك سيليكون فالي والمشاكل التي يواجهها بنك سيجنتشر؟ ما هي نقطة البداية من أجل فهم أفضل للأسباب التي أدت الى ذلك؟

البداية هي قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة من أجل مواجهة ازدياد نسبة التضخم الذي أعقب أزمة فيروس كورونا حيث قامت الحكومة الأمريكية بإصدار سندات بقيمة ٢ تريليون دولار وضخها في الإقتصاد على هيئة مساعدات للأفراد والشركات. إنَّ إزدياد كمية أي سلعة في الأسواق سوف تؤدي الى إنخفاض قيمتها ولو إفترضنا أن الدولار الأمريكي هو سلعة, فإن قيام الحكومة الأمريكية بضخ ٢ تريليون دولار في الأسواق سوف يؤدي الى انخفاض في قيمته وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات في محاولة من أجل التعويض عن ذلك.

إن ترتيب بنك سيليكون فالي بين البنوك الأمريكية هو ١٦ من حيث حجم الاستثمارات والأصول وكمية السيولة حيث تبلغ أصول البنك ٢٠٠ مليار دولار و تقديرات أخرى تشير الى ٢١٠ مليار دولار. البنك كان مستثمرا في سندات الخزانة الأمريكية ورفع سعر الفائدة أدى الى إنخفاض قيمة تلك السندات وخسارة مبالغ تقدر قيمتها ٢ مليار دولار هي الفرق بين سعر الفائدة على الودائع وسعر الفائدة على سندات وزارة الخزانة. البنك وفي محاولة منه من أجل تعويض خسائره قام بطرح جزء من أسهمه قيمتها ٢ مليار و٢٥٠ مليون(٢,٢٥ مليار) ولكن الإقبال الضعيف عليها أدى الى موجة ذعر حيث تدافع المودعون من أجل سحب ودائعهم حيث وصلت المبالغ التي حاول المودعون سحبها الى ٤٢ مليار دولار مما أدى الى إعلان إفلاس البنك وإغلاقه بعد وضع الحكومة الأمريكية يدها عليه. المشكلة التي واجهها بنك سيليكون فالي وأدت الى عدم الإقبال على شراء الأسهم التي طرحها هي أن أسعار الأسهم انخفضت تزامنا مع أسعار السندات بينما من المفترض أن العلاقة عكسية, إنخفاض أسعار السندات يؤدي الى زيادة أسعار الأسهم حيث تتجه الاستثمارات من السندات الى الأسهم والعكس في حالة إنخفاض أسعار الأسهم.

إنَّ دراسة مدى الأحداث الحالية في الولايات المتحدة وتأثيرها على الإقتصاد العالمي هو أمر قد يكون من السابق لأوانه إصدار الأحكام حيث قد تبقى أزمة إفلاس بنك سيليكون فالي أزمة إقليمية لايتجاوز تأثيرها الولايات المتحدة أو أن الحكومة الأمريكية سوف تفشل في التعامل معها وسوف تتحول الى أزمة مالية وإقتصادية عالمية.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


Saturday, March 11, 2023

من البداية الى النهاية, تأميم قناة السويس وأزمة العدوان الثلاثي ١٩٥٦

قناة السويس هي ممر مائي حيوي ضيق يبلغ طوله ١٠٠ ميل ويربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. القناة هي من بنات أفكار الفرنسي فرديناند ديليسبس وهو دبلوماسي ورجل أعمال وليس مهندسا بالمهنة. إن فكرة حفر قناة تربط البحرين الأحمر والأبيض المتوسط كانت تعتبر فكرة مستحيلة حتى قيام ديليسبس بإنشاء شركة قناة السويس وحصل على موافقة الحكومة المصرية وبدأ أعمال الحفر سنة ١٨٥٩ واستغرق العمل بها ١٠ سنين وتم افتتاحها سنة ١٨٦٩.

المعلومات التي يعرفها الجميع عن قناة السويس مصدرها وسائل الإعلام التي تحرص على عدم عرض المشهد كاملا. هناك أزمة العدوان الثلاثي ١٩٥٦ و حرب ١٩٦٧ كان السبب الرئيسي قناة السويس وحاليا هناك مشكلة تثيرها وسائل إعلام تنظيم الإخوان المسلمين حول بيع قناة السويس بسبب ضغط من صندوق النقد الدولي الذي تقدمت إليه مصر بطلب قرض مالي. الإخوان المسلمون ينشرون الإشاعات مثل الذباب الذي ينشر المرض ولكن المسألة التي تثيرها وسائل الإعلام ليست جديدة بل هناك سابقة تاريخية لها.

سنة ١٨٦٩ تم إفتتاح قناة السويس في حفل أسطوري كلف الخزينة المصرية المثقلة بالديون مبالغ مالية طائلة. بريطانيا كانت تشعر بعدم الرضا بسبب عدم امتلاكها حصة في قناة السويس الطريق الحيوي إلى مستعمرتها  في الهند التي كان لقبها "درة التاج البريطاني." القناة كانت تختصر الوقت الذي يستغرقه السفر الى الهند الى النصف. ولكنه بسبب الضغوط المالية وشروط الدائنين الدوليين فقد عرضت الحكومة المصرية حصتها في قناة السويس البالغة ٤٤% للبيع. رئيس الوزراء البريطاني بينجامين دزرائيلي سارع بمعونة فرع بنك روتشيلد في إنجلترا إلى ترتيب عملية الاستحواذ على حصة الحكومة المصرية في القناة وبذلك أصبحت القناة أنجلو-فرنسية.

الحكومة البريطانية كانت تعتبر الدفاع عن القناة مسألة أمن قومي حيث كانت هناك قوات بريطانية في مصر ومعسكرات مهمة في منطقة القناة. ولعل الجميع يذكر كيف سارعت بريطانيا إلى إرسال التعزيزات والقوات من أجل صد هجوم القوات الألمانية بقيادة ثعلب الصحراء رومل في معركتي العلمين الأولى والثانية وإبعادها عن القناة وعن مصر نهائيا. هناك أمر آخر مهم لابد من ان أذكره وهو أن أول مسجد للإخوان المسلمين في مصر تم بناؤه في مدينة الإسماعيلية وليس القاهرة وتم تمويله من شركة قناة السويس التي قدمت منحة مالية بلغت ٥٠٠ جنيه مصري وهو مبلغ ضخم بمعايير تلك الأيام.

إنَّ دوام الحال من المحال حيث أنه سنة ١٩٤٨ نالت الهند إستقلالها وتم تفكيك الإمبراطورية الإستعمارية البريطانية وفقدت القناة أهميتها بالنسبة الى بريطانيا. ولكن على الرغم من ذلك فقد ظهر دور حيوي آخر للقناة لا يقل أهمية وهو أنها تختصر طريق ناقلات النفط من موانئ الخليج العربي حول رأس الرجاء الصالح وصولا الى أوروبا والبالغ ١١ الف ميل الى ٦٥٠٠ ميل وحيث إنه سنة ١٩٥٥, كان ناقلات النفط تعتبر ثلثي السفن التي تعبر القناة وبالتالي فإن ثلثي النفط الذي تستورده أوروبا من دول الخليج العربي يعبر من خلال قناة السويس. إن زيادة اعتماد دول أوروبا على النفط ودوره في الإقتصاد العالمي  ومرور خطوط نقل النفط, التابلاين(Tapline) والأي بي سي(IPC)  قد أدى إلى ازدياد أهمية قناة السويس.

المشهد السياسي في مصر سنة ١٩٥٢ كان يشهد تغيرات جذرية فقد استولت مجموعة من ضباط الجيش(الضباط الأحرار) بقيادة محمد نجيب على الحكم ولكن جمال عبد الناصر, أحد أفراد المجموعة, إنقلب على محمد نجيب سنة ١٩٥٤ وأعلن سنة ١٩٥٦ تأميم قناة السويس وذلك ردا على قرار الولايات المتحدة سحب عرضها تمويل مشروع السد العالي بالإشتراك مع صندوق النقد الدولي. الولايات المتحدة التي كانت تتعاطف مع جمال عبد الناصر في البداية وذلك في إطار الحرب الباردة وعدم رغبتها في استمالة مصر إلى محور دول المعسكر الإشتراكي وحلف وارسو, كانت تضغط على بريطانيا من أجل الانسحاب من مصر حيث كانت هناك قاعدة تموين رئيسية ومعسكر للقوات البريطانية في منطقة القناة وفق بنود معاهدة ١٩٣٦ . ولكنها بدأت في الشعور بالقلق من محاولات جمال عبد الناصر ضم السودان الى مصر وبلغ القلق ذروته سنة ١٩٥٥ حين قامت مصر بشراء أسلحة من دول المعسكر الإشتراكي وعلى رأسها الإتحاد السوفياتي.

امتياز قناة السويس كان سوف ينتهي سنة ١٩٦٨ . كما أن وزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن قام بزيارة مصر سنة ١٩٥٤ وأعلن أن إنسحاب القوات البريطانية من منطقة القناة سوف يكون خلال عشرين عاما سنة ١٩٧٤ . الولايات المتحدة وبريطانيا كانوا يدرسون احتمال نشوب نزاع مع مصر وإغلاق قناة السويس في وجه حركة الملاحة الدولية أو حركة ناقلات النفط على الأقل. شركة نفط نيوجيرسي القياسية قامت بإجراء دراسة سنة ١٩٥٦ حول تلك الاحتمالية وآثارها. الرئيس المصري جمال عبد الناصر أجاب وزير خارجية بريطانيا جون لويد أثناء زيارته إلى مصر والنقاش الذي دار حول أهمية قناة السويس بالنسبة إلى صناعة النفط العالمية أن الدول المصدرة للنفط تحصل على ٥٠% من العائدات وأن مصر لا تحصل على ٥٠% من عائدات قناة السويس.

سنة ١٩٥٥, كانت الولايات المتحدة بالتعاون مع بريطانيا تدرس الوسائل الممكنة من أجل مساعدة مصر إقتصاديا وتدعيم الاقتصاد المصري من أجل المساهمة في عدم انضمامها إلى دول المعسكر الإشتراكي.  القرار الذي تم اتخاذه هو تقديم قرض الى مصر من أجل مشروع بناء السد العالي بالإشتراك مع البنك الدولي. ولكن كانت هناك معارضة للمشروع داخل الولايات المتحدة خصوصا من نواب الكونغرس من ولايات الجنوب التي كانت تخشى من ازدياد المساحات المزروعة بالقطن في مصر وبالتالي منافستهم على الأسواق. كما أن دولة الكيان الصهيوني كانت تنظر بعدم الرضا إلى منح عدوها اللدود قرضا والمساهمة في نهوض الاقتصاد المصري. الكونجرس الأمريكي وضع أمام وزير الخارجية جون فوستر دالاس خيار تقديم الدعم إلى دولة محايدة من إحدى الدولتين, مصر عبد الناصر أو يوغسلافيا تيتو واختار وزير الخارجية الأمريكي يوغسلافيا وأعلن بتاريخ ١٩/٧/١٩٥٦ رسميا سحب عرض تمويل السد العالي وحذرت بريطانيا حذوه وتفاجأ البنك الدولي من القرار.

 الرئيس المصري جمال عبد الناصر أعلن بتاريخ ٢٦/٧/١٩٥٦ تأميم قناة السويس خلال خطاب ألقاه في مدينة الإسكندرية وكانت كلمة السر التي تحرك على أثرها الجيش وسيطرة على مباني ومنشآت شركة قناة السويس هي ديليسبس. المثير للدهشة التقارير التي أشارت الى أن جمال عبد الناصر بعد الخطبة وإعلان قرار التأميم تسلل خفية الى أحد قاعات السينما من أجل حضور فيلم (Meet Me in Las Vegas) للمثل الأمريكي Cyd Charisse وذلك في محاولة للإسترخاء من الإرهاق الجسدي والنفسي الذي تسبَّبت به الخطبة والتحضيرات التي سبقتها. جهود دبلوماسية استمرت ثلاثة شهور أعقبت قرار التأميم في محاولة من أجل التوصل الى إتفاق ولكنها جميعها باءت بالفشل.

شركة قناة السويس وفي محاولة من أجل الضغط على الحكومة المصرية أصدرت أوامرها إلى موجهي السفن(Pilots) بالتوقف عن العمل. وكما هو معلوم فغن توجيه السفن من خلال مجرى القناة الضيق يتطلب مهارة عالية ومعرفة بمناخ المنطقة وطبيعة القناة وتضاريسها خصوصا الرياح القادمة من صحراء سيناء التي قد تتسبَّبُ في جنوح السفن وإغلاق القناة أمام حركة الملاحة. الحكومة المصرية كانت تستعد لذلك منذ عدة سنين من خلال الإصرار على الشركة تدريب موجي سفن مصريين كما أنها تلقت مساعدة فورية من دول المعسكر الإشتراكي التي سارعت إلى إرسال عدد من أمهر المختصين من الموجهين والملاحين من أجل مساعدة الحكومة المصرية واستمر العمل في القناة.

الموقف الأمريكي من الأزمة لم يكن واضحا للحكومة البريطانية أو الفرنسية أو حتى بالنسبة الى المسؤولين الأمريكيين أنفسهم.بريطانيا التي لعبت دورا رئيسيا بينما بقي الدور الفرنسي ثانويا كان المسؤول المباشر عن إدارة الأزمة هو وزير الخارجية السابق الذي تولى منصب رئيس الوزراء أنتوني إيدن بينما على الجانب الأمريكي وزير الخارجية جون فوستر دالاس الذي كان شقيقه ألين فوستر دالاس يشغل منصب رئيس وكالة المخابرات المركزية(السي آي إي). الاختلاف في الموقف من الأزمة والناجم عن اختلاف في طبيعة أيدن ودالاس وكذلك وجهات نظرهم المختلفة والمتناقضة أثار حيرة المتابعين. جون فوستر دالاس وأنطوني إيدن تصادما حول الموقف من أزمة الصين-الفرنسية(فيتنام) حيث كان الجانب الأمريكي يتبنى الحل العسكري بينما يؤيد أيدن الحل الدبلوماسي والمفاوضات. أما الموقف من أزمة قناة السويس فقد كان على العكس تماما. أنتوني إيدن كما كان واضحا من البرقيات المتبادلة بين المسؤولين الأمريكيين متصلبا في مواقفه أو سلبيا وغير مبالٍ, بينما جون دالاس في البرقيات البريطانية كان ثرثارا يتكلم بدون أي مراعاة في ترتيب جملة وألفاظه بحيث يبدو مشوشا وعاجزا عن شرح وجهة نظره إلى الطرف الآخر.

إنَّ سوء الفهم من جهة بريطانيا كان ناتجا عن عدم إدراك المسؤولين البريطانيين أن السياسة الخارجية الأمريكية يحدد معالمها الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور وليس وزير الخارجية والذي كان موقفه واضحا للغاية يرفض الخيار العسكري وذلك يعود الى مجموعة أسباب. أحد تلك الأسباب هو أن بريطانيا وفرنسا كانتا عاجزين عن تكوين حكومة بديلة متماسكة في مصر وأن نتيجة التدخل العسكري سوف تكون الفوضى وقيادة سياسية أكثر تشددا سوف تقود مصر إلى الوقوع في حضن الإتحاد السوفياتي وانخفاض شعبية الولايات المتحدة والدول الغربية حيث كانت الشعوب سوف تنظر بعدائية شديدة الى أي تدخل عسكري في مصر. الرئيس المصري جمال عبد الناصر كان من وجهة نظر دوايت أيزنهاور يستمد شعبيته من الدراما السياسية التي سوف يؤدي إليها العمل العسكري وأنه من الأفضل أن يدعوا الأزمة تمر بهدوء وإختيار الحل الدبلوماسي بديلا وحرمان الرئيس المصري من أي فرصة من أجل زيادة علاقته وارتباطه مع الإتحاد السوفياتي. الأزمة من وجهة نظر الرئيس الأمريكي كانت سوف تؤدي إلى إثارة الاضطرابات في أسواق النفط وهو ما كان يُشعِرُ الإدارة الأمريكي بالقلق.

هناك سبب أخر لا يقل أهمية عن سابقه وهو إقتراب موعد الإنتخابات الأمريكية حيث كان دوايت أيزنهاور يخوض معركة إعادة انتخابه. بينما كان قد تخلَّصَ من أزمة الحرب الكورية بداية فترته الرئاسية الأولى, كان أخر ما يريد أن يشعر بالقلق حوله هو أزمة أخرى أو حرب في منطقة الشرق الأوسط سوف تؤدي إلى زيادة أسعار النفط بشكل جنوني والتأثير بالتالي على الناخبين الأمريكيين. البريطانيون كانوا غير مهتمين بقضية الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبينما استمرت الجهود الدبلوماسية العلنية, فقد كانت الدولتان تستعدان من أجل عملية التدخل العسكري والتي كانت تواجه عدة عقبات لوجستية. البريطانيون وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الاستعانة بشركات السفن التجارية خلال ذروة موسم السياحة منها شركة Pickford Removals  التي تمت الإستعانة بها من أجل نقل كتائب دبابات بريطانية تمهيدا للعملية العسكرية المحتملة.

الهدف كان إحتلال منطقة قناة السويس وإسقاط نظام الرئيس المصري جمال عبد الناصر. ضباط ودبلوماسيون فرنسيون وبريطانيون اجتمعوا ليلة ٢٤/أكتوبر/١٩٥٦ في فيلا تقع في منطقة سيفرس(Sèvres) خارج العاصمة الفرنسية باريس مع ضباط كبار من دولة الكيان الصهيوني منهم ديفيد بن غوريون, شيمون بيريز وموشي ديان بهدف تنسيق عملية احتلال قناة السويس. القوات الصهيونية سوف تتقدم وتغزو الأراضي المصرية بينما بريطانيا وفرنسا سوف تصدران بيانا مشتركا حول أمن الملاحة في قناة السويس وأنه لو استمرت العمليات العسكرية, سوف يقومان بالتدخل. العلاقات بين فرنسا ودولة الكيان الصهيوني كانت أكثر من جيدة بينما على العكس, كان الكثير من المسؤولين البريطانيين بينهم أنتوني أيدن وكذلك وزير خارجيته يزدرون اليهود و يكرهونهم. الفرنسيون هم الذين لعبوا دورا رئيسيا في إجتماع سيفرس وفي غزو قناة السويس ١٩٥٦ فقد كانت هناك مخاوف فرنسية من إشتباك بريطاني-صهيوني من أجل السيطرة على الأردن أو أن تحاول قوات الإحتلال الصهيوني السيطرة على الأردن مستغلة انشغال بريطانيا في قناة السويس.

العملة بدأت ليلة ٢٩/١٠/١٩٥٦ حيث تقدمت القوات الصهيونية في الأراضي المصرية في صحراء شبه جزيرة سيناء حيث تخلى الجيش المصري عن مواقعه منسحبا وسط فوضى عارمة. بريطانيا وفرنسا أصدروا إنذارا حول نوايا الدولتين إحتلال منطقة قناة السويس وقامت قوات جوية بريطانية وفرنسية بقصف المطارات العسكرية المصرية. الرئيس الأمريكي وصلته أنباء عن العدوان الثلاثي أثناء جولة انتخابية في ولايات الجنوب الأمريكي وشعر بالحنق والغضب وأن رئيس الوزراء البريطاني قد خدعه. دوايت أيزنهاور كان يشعر بالقلق من العملية العسكرية الثلاثية ضد مصر لأنها من الممكن أن تؤدي إلى تدخل الإتحاد السوفياتي ومواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. العملية العسكرية الثلاثية ضد مصر وهي حليفة للاتحاد السوفياتي من الممكن أن تؤدي إلى إستفزاز الإتحاد السوفياتي وهو ما حصل فعلا حيث لوح الإتحاد السوفياتي بإستخدام السلاح النووي والقى الرئيس السوفيتي بريجينيف خطابا غاضبا في الأمم المتحدة حيث ضرب حذائه على المنضدة.

المشهد السياسي ليلة العدوان الثلاثي كان يمتلئ بالمفاجئات, رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن كان مريضا للغاية بسبب خطأ طبي أثناء عملية جراحية ويتلقى عددا من الأدوية التي تؤثر على قدراته الذهنية وتبقيه في حالة من إنعدام التوازن, الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور تعرض الى جلطة قلبية سنة ١٩٥٥ وأخرى سنة ١٩٥٦ وكان مشغولا في حملته الإنتخابية بينما وزير خارجيته جون فوستر دالاس قد أجرى عملية جراحية معقدة في المعدة. الرئيس المصري جمال عبد الناصر كان مستعدا وردة فعله كانت سريعة حيث سارع الى إغراق عدد من السفن فى مجرى قناة السويس مما أدى إلى تعطيل الملاحة في القناة. كما أنه أصدر أوامره الى مهندسين سوريين بتخريب أنابيب نقل النفط ومنشآته التي تمر في سوريا مما أدى الى أزمة حادة في أسواق النفط ونقص في الوقود عانت منه بريطانيا وفرنسا مما أدى إلى تأخير تدخلهم عدة أيام عن الموعد المحدد في اتفاق سيفرس(Sèvres). الرئيس الأمريكي رفض التدخل وتفعيل خطة الطوارئ التي يتم إستخدامها في مثل تلك الأزمات وأخبر مساعديه أنه على البريطانيين والفرنسيين أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم وأنهم هم من بدأوا العملية العسكرية دون التشاور مع الولايات المتحدة مما يهدد مصالحها في المنطقة. الرئيس الأمريكي لم يكتف برفض التدخل ولكنه بدأ في التفكير في فرض عقوبات على بريطانيا وفرنسا.

تاريخ ١٩٥٦/٦/١١, وافقت بريطانيا وفرنسا على وقف إطلاق النار ولكن الرئيس الأمريكي الذي فاز في الإنتخابات في اليوم نفسه أعلن بكل وضوح أن وقف إطلاق النار ليس كافيا وأنه لابد من انسحاب قوات الدول الثلاثة من المواقع التي سيطرت عليها. الرئيس الأمريكي أخبر مساعديه أنه سوف يفرض عقوبات على دولة الكيان الصهيوني إذا لم توافق قواتها على الإنسحاب. كما أنَّ أيزنهاور بدأ يفكر في فرض عقوبات في مجال النفط على الدول الأوروبية خصوصا فرنسا وبريطانيا مما كان سوف يؤدي الى أزمة كبيرة خصوصا أن الشتاء كان يقترب والمخزونات لا تكفي إلا عدة أسابيع. إن فرض عقوبات على بريطانيا وفرنسا في مجال النفط وعلى أي دول تقوم بتصدير النفط اليهم كان تأثيره مضاعفا بسبب حظر السعودية تصدير النفط الى دول العدوان, بريطانيا وفرنسا, وقيام المهندسين في سوريا وعمال شركات النفط في الكويت بتخريب خطوط نقل النفط. الحكومة البريطانية أعلنت عن ترشيد في إستهلاك الطاقة ١٠% وبدات في التفكير في لإصدار كوبونات الوقود للمواطنين البريطانيين.

الصعوبات التي كانت تواجهها بريطانيا لم تقتصر على تناقص إمداداتها امن النفط وتفكير الرئيس الأمريكي أيزنهاور في فرض عقوبات عليها بل مشاكل إقتصادية فاقمتها مضاربات على الجنيه الإسترليني وهبوط حاد في قيمته منذ بداية اليوم الأول للعدوان الثلاثي على مصر. إنَّ مسؤولين بريطانيين كانوا يعتقدون أن جهات أمريكية ربما الرئيس الأمريكي نفسه هم من يقف خلف ذلك. كما أنَّ صندوق النقد الدولي الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة رفض أيضا مساعدة بريطانيا بأي قروض من أجل وقف تدهور قيمة عملتها. دول العدوان الثلاثي أعلنت في نهاية شهر نوفمبر إستسلامها وسحبت قواتها من الأراضي المصرية حيث بدأت قوات السلام الدولية بالوصول الى شبه جزيرة سيناء منذ منتصف نوفمبر/١٩٥٦. جمال عبد الناصر كان هو المنتصر الوحيد في هذه الأزمة بينما تعرضت دول العدوان الثلاثي الى الإذلال العلني وأضرار إقتصادية.

أزمة العدوان الثلاثي قد أدَّت الى عدة نتائج وآثار مترتبة عليها حيث أنَّ العالم قبل الأزمة ليس هو العالم نفسه بعدها. أحد أهم تلك النتائج هو تعزيز مكانة الولايات المتحدة دوليا وإزدياد نفوذها بسبب تحكمها بمصادر الطاقة خصوصا في الشرق الأوسط, مصدر أكثر من ٧٠% من النفط الذي كانت تستورده أوروبا. الولايات المتحدة كانت تعمل على تصفية بقايا الإمبراطوريات السابقة البريطانية والفرنسية حيث لم ترغب في وجود أي قوة تقف في وجه مصالحها. إنَّ إنسحاب بريطانيا من منطقة الخليج العربي سنة ١٩٧٠ كان تحت تأثير أزمة العدوان الثلاثي والضغوطات الأمريكية. كما أنَّ أحداث الثورة الجزائرية التي كانت تدعمها مصر بقوة قد بدأت أحداثها في التأثُّر بنتاج العدوان الثلاثي حيث إنسحبت القوات الفرنسية من مستعمرتها في الجزائر ومستعمراتها الأخرى في المغرب, موريتانيا وتونس. 

هناك أمر أخر مهم لا يمكن إغفاله وهو أنَّ النفط قد تحول الى سلاح يمكن إستخدامه بطريقة مباشرة وغير مباشرة من أجل التأثير على نتائج الأزمات والحروب وذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. خطوط نقل النفط التي تعرضت الى التخريب وإغلاق جمال عبد الناصر قناة السويس من خلال إغراق عدد من السفن المحملة بالأسمنت والرمل فيها أدى الى البحث عن طرق بديلة من أجل تأمين الإمدادت النفطية بعيدا عن تأثير الأزمات والحروب. الحل كان من خلال ناقلات النفط التي كان عليها أن تسلك طرقا بحرية بديلة وأحدها هو الطريق حول رأس الرجاء الصالح. إنَّ ذلك أدى الى ظهور ناقلات النفط العملاقة والتي تنقل كمية ضخمة من النفط مما يجعل المسافة الطويلة التي تقطعها عملية ذات جدوى إقتصادية. اليابان كانت أول من نجح في تخطي الصعوبات التقنية التي تحول دون بناء مثل تلك الناقلات التي أطلق عليها الناقلات الفائقة القدرة(Supertankers).

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية