Flag Counter

Flag Counter

Monday, November 28, 2016

حياتي - فيديل كاسترو - طفولة القائد(The Childhood of a leader)


أجاب فيديل كاسترو حيث سئل عن ولادته كثوري أو أنه مر بفترة تحول وماهي العوامل التي تأثر بها فأجاب بأن البيئة التي ولد فيها كانت أحد هذه العوامل. في هذه الحلقة سوف نتعرف إلى تلك البيئة, مزرعة بيرين حيث ولد, والده, والدته, أشقائه وشقيقاته وظروف إنتقاله إلى مدينة سانتياجو لمتابعة دراسته بناء على توصية معلمته في المدرسة المحلية في بيرين حيث ولد.
بتاريخ 13 أوغسطس 1926 في منزل خشبي من طابقين حيث كان الطابق الثاني هو عبارة عن (Mirador) وهو مايطلق عليه في اللغة العامية في بلاد الشام (العُلِّية) أو السقيفة وهي اللفظة الأقرب للمعنى الإسباني, في الساعة الثانية صباحا في تلك السقيفة ولد فيديل كاسترو. منزل الأسرة حيث ولد فيديل كان يقع فيما يعرف بمزرعة بيران(Biran) شمالي مقاطعة أورينتا(Oriente) بالقرب من خليج نايبي(Nipe) حيث يقع أيضا مزارع قصب سكر تعرف بإسم ماركان(Marcane). كان المنزل يقع على طريق ترابي موحل وعلى مقربة منه مجموعة من أشجار البرتقال حيث تجري أحيانا رياضة مصارعة الديوك, وسيلة التسلية المحلية الوحيدة.
دون إنجيل كان إسم والد فيديل وهو من أصول إسبانية فلاحية(Campesino) فقيرة وكان والد فيديل شخصا عصاميا عاد إلى كوبا سنة 1899 حين حطت السفينة التي تقله مراسيها في ميناء العاصمة هافانا في شهر ديسمبر من تلك السنة وكان على دون إنجل أن يبدأ حياته بدون أي أموال وبدون أسرة وإنتهى المطاف به في مقاطعة أورينتا(Oriente) حيث بدأ دون إنجل حياته عاملا لمصلحة شركة الفواكه المتحدة ثم متعهد عمال مسؤولا عن حوالي 300 عامل بسبب قدراته التنظيمية حيث جنى أرباحا معقولة مكنته من البدء في شراء وإستئجار أراضي بمساحة 900 هكتار قام بشرائها و200 هكتار قام بإستئجارها بإجمالي مساحة لاتقل عن 1100 هكتار.
كان والد فيديل كاسترو بالإضافة إلى كونه عصاميا ويمتلك قدرات تنظيمية, سريع الغضب ويمتلك إرادة قوية وعزيمة صلبة مكنته من محو أميته وثقيف نفسه بنفسه حتى أصبح يعلم القرائة والكتابة كما كان يمتاز بكرمه وتواضعه وحبه لفعل الخير ومساعدة الأخرين.
والدة فيديل كاسترو تدعى لينا(Lina) تنتمي لأسرة فلاحية فقيرة وهي كوبية من محافظة بينار ديل ريو(Pinar Del Rio) في الجزء الغربي من كوبا ويعود أصل أسرتها لجزر الكناري. كانت لينا(Lina) صاحبة إرادة صلبة وقوية حيث تعلمت ذاتيا القرائة والكتابة حيث أنها كانت أمية كما أنها كانت تمتاز بالحنان, الصرامة, الدقة وقوة الذاكرة إلا أنها في الوقت نفسه قامت بتربية أبنائها السبعة تربية مثالية متابعة تلبية جميع طلباتهم وهم على التوالي أنجيليتا(1923-2011), رامون(1920-), راؤول(1931-), جوانيتا(1933-), إيما(1935-), أوغستينا(1938-) كما أن له أخا وأختا غير شقيقين وهما بيدرو إيميليو(1913-1992) و ليديا(1914-1991) من زوجة والد فيديل كاسترو الثانية ماريا أرجوتا رياز(Maria L Argota Reyes) التي تزوجها بعد وفاة والدة فيديل بتاريخ 6 أوغسطس 1963. ويشاع أن له إبنا يدعى مارتن والدته تدعى جينيروسا ميندوزا(Generosa Mendoza) إلا أن ذالك غير مؤكد من مصادر موثوقة أو مثبت بالسجلات.
بيران لم تكن أكثر مما يشبه ضيعة إقطاعية صغيرة فهي لم تكن بالتأكيد مدينة أو بلدة أو قرية, فهي لم تكن تتألف من بضعة بيوت متناثرة هناو هناك. كانت عبارة عن مكان لمبيت وحلب الأبقار حيث كانت في السابق تبيت تحت منزلنا والذي كان مرتفعا عن الأرض مسافة ستى أقدام, محل للحدادة, مكان لذبح المواشي(مسلخ). كما أنه على مسافة 40 ياردة(120 قدم) في الجهة الأخرى يقع المخبز ومدرسة حكومية إبتدائية يجاورها متجر صغير لبيع سلع متنوعة. وفي الجهة الأخرى من الشارع فقد كان هناك مكتب البريد وأخر لإرسال البرقيات. وعلى مقربة منه مجموعة بيوت(أكواخ) سقوفها من سعف النخيل والطرق بينها ترابية موحلة حيث يسكن تلك البيوت مجموعة من العمال من هاييتي ويعملون في المواسم الزراعية. كل ذالك كان مملوكا لوالد فيديل بإستثناء المدرسة ومكتب البريد.
تم إرسال فيديل كاسترو في سن السادسة إلى سانتياجو برفقة أحد المدرسات في المدرسة المحلية في بيرين وإسمها(Eufrasia Feliu) حيث أقام في منزلها بناء على توصية منها لوالديه بوصفه طفلا نابغة وقد كان برفقته أخته التي تكبره بثلاثة أعوام وأربعة أشهر حيث كان يسكن ذالك المنزل ثلاثة أخوات. الأولى هي معلمة فيديل والتي كانت مستمرة بالتدريس في بيرين وتقوم بالإقامة في المنزل في العطلات المدرسية, الأخت الثانية كانت مدرسة بيانو بينما الأخت الثالثة كانت طبيبة توفيت قبل فترة قصيرة من وصول فيديل للمنزل. بالإضافة إلى الأخوات الثلاثة فقد كان هناك والدهم, أخت فيديل, فيديل وشقيقه راؤول الذي كان في زيارة وأقنعه بالبقاء ولاحقا إنضم لسكان المنزل خادمة تدعى إزميريدا(Esmerida). يتذكر فيديل كيف كانوا يستخدمون مصابيح الزيت لإضائة المنزل لأنها أرخص من إستخدام الكهرباء على الرغم من توفرها.
كان إنتقال فيديل من بيران إلى سانتياجو في فترة ساد فيها جوع رهيب سائر الأراضي الكوبية أثناء فترة حكم جيراردو ماتشادو(Gerardo Machado) حيث بدأ حكمه متمتعا بالدعم الشعبي فقد قام ببناء المشاريع العامة والمصانع ولكنه كان مستبدا ولقي حكمه في مرحلة لاحقة معارضة خصوصا من قبل طلاب الجامعات الذين شكلوا مجلس إدارة كان من أبرز الشخصيات فيه مدرس جامعي في تخصص علم وظائف الأعضاء(Physiology) يدعى رامون مارتين(Ramon Grau San Martin) والذي ترشح وتم إنتخابه رئيسا لكوبا إثر إسقاط الرئيس السابق جيراردو ماتشادو(Gerardo Machado).
في فترة ثلاثة أسابيع التي تلت إسقاط الرئيس السابق وسبقت إنتخاب رامون مارتن رئيسا لكوبا فقد تم تعيين أنتونيو جويتاريس(Antonio Guiteras) سكرتيرا للدولة(Secretary Of State) ضمن لجنة من خمسة أشخاص تدير كوبا, وهو منصب يختلف في صلاحياته من دولة إلى دولة حيث أنه في الولايات المتحدة يعادل منصب وزير الخارجية ويتولاه حاليا جون كيري بينما في كوبا كان يعادل في تلك الفترة منصب وزير الداخلية حسبما ذكرت موسوعة الويكيبيديا التي ذكرت ذالك بالإضافة إلى أن أنتونيو جويتاريس كان إشتراكيا معاديا للرأسمالية وقام بعد إصلاحات إجتماعية وإقتصادية شملت تأميم مصالح أمريكية منها شركة الهاتف ومشروعية تأسيس النقابات العمالية وتحديد عدد ساعات العمل القصوى بثمانية ساعات يوميا.
تسلم رامون مارتن الحكم بعد ثلاثة أشهر من تولي اللجنة الخماسية مقاليد الأمور في كوبا وبعد أن قامت بتمرير العديد من القوانين الإشتراكية لمصلحة الشعب الكوبي ولكن بعض تلك القوانين لم يلقى شعبية منها قانون تأميم الأيدي العاملة(Nationalization Of Labour Acts) والذي أدى إلى إستغلال العمال من أصول هاييتية.
الولايات المتحدة والتي أزعجها تأميم اللجنة الخماسية لبعض الممتلكات الأمريكية والنهج الإشتراكي للرئيس الكوبي الجديد رامون مارتين بدأت تمد خيوط الود لقائد الجيش فولغينسيو باتيستا عن طريق سفيرها في كوبا Summer Wells حيث قام بقلب نظام الحكم سنة 1934 وتعيين رئيس صوري بينما تم ترقيته لرتبة جنرال وظل ممسكا فعليا بزمام الأمور في كوبا حتى سنة 1940.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بعنوان بروز المتمرد(The Forging Of a Rebel).
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Sunday, November 27, 2016

هل كان النظام الشيوعي سببا في تحول النساء الكوبيات لإمتهان البغاء؟

تابعت الردود على المواضيع التي نشرتها حول الرئيس الكوبي السابق المتوفى مؤخرا فيديل كاسترو وذالك تمهيدا لنشر ولأول مرة في العالم العربي سلسلة حلقات تلخص أهم اللحظات النضالية والثورية في حياة ذالك القائد ومن واقع كتاب (حياتي - فيديل كاسترو) للصحفي والكاتب والبروفيسور في الجامعات الفرنسية إغناسيو رامونيت(Ignacio Ramonet).
تنوعت الردود والتي تمحورت بشكل عام حول الإنتماء الشيوعي لفيديل كاسترو والديكتاتورية وكيف انه كان السبب في تحول نسبة كبيرة من بنات كوبا لإمتهان الدعارة حتى أصبحت تعرف بذالك ومقصدا لراغبي المتعة الحرام.
تخيلوا أنه حتى في الأنظمة الغربية التي من المفترض أن نظامها يشمل برلمان وإنتخابات وتدعى ديمقراطية فإن المواطنين الأوروبيين أنفسهم وصلوا لقناعة أن تلك الديمقراطية تخدعهم وأنها عبارة عن نظام تم تصميمه من أجل إستئثار الأقلية او النخبة بالحكم وصنع القرار. ولمن لايعرف فإن العملية الديمقراطية منذ أكثر من ثلاثة ألاف سنة في دول كاليونان لم تكن تتضمن ديمقراطية وإنتخابات وبرلمانات كما هو أصبح شائعا في عصرنا الحالي.
أنا مهتم جدا بالتهمة الثانية لأن الشعوب العربية هي نفسها مهتمة جدا بتلك النوعية من المواضيع خصوصا عند وفاة أي حاكم أو زعيم عربي أو حتى أجنبي حيث تمتلأ الأخبار والمجلات وأغلبها من نوعية الصحف الصفراء بأخبار الزيجات والعشيقات والعلاقات النسائية وكأن المواطنين العرب على رؤوسهم تاج العفة.
هل تذكرون النائب الكويتي الطبطبائي والذي كان يسترخي على شواطئ العراة في المكسيك وأنقذوه من الغرق في أحدها؟ النائب الملتحي كان يسافر إلى هناك بعد أن يقوم بالتحريض على سوريا قيادة وجيشا وشعبا ويرسل الإنتحاريين إلى سوريا بعد أن يعدهم في جنة الأخرة ليسافر هو إلى جنة الأرض في أحد المنتجعات المكسيكية.
هل تذكرون الفضائح الجنسية لكبار رموز الثورة الإسلامية في سوريا التي كان القائمون عليها يصرخون "قائدنا للأبد سيدنا محمد" وذالك أمام الكاميرات قبل أن يتم ضبطهم على سكايبي وفي فضائح أخرى مخجلة ومنهم قائد عصابات الفاروق عبد الرزاق طلاس وغيرهم من قادة التنسيقيات؟
وفي دول أوروبية كثيرة تعتبر الدعارة مرخصة وقانونية ومنها أستراليا حيث هناك بيوت دعارة تحتوي على أخصائيات إجتماعيات وحراس أمن ويتم تحصيل الضرائب. كما أن أشهر الدول التي تعتبر الدعارة قانونية هي هولندا حيث تنتشر عصابات الجريمة المنظمة التي تحمي مصالحها في تلك التجارة التي تدر مليارات الدولارات سنويا وتتاجر بالنساء سواء بالبيع أو الشراء أو المبادلة. كما أنه هناك دول أوروبية أخرى وإن كانت تعتبر الدعارة عملية لا تنظمها الدولة كأستراليا ولكنها في الوقت نفسه فإن تلك الدول لا تجرمها وذالك في أغلب الدول الأوروبية التي تنتشر في خدمة المرافقة وهي تلطيف لكلمة دعارة حيث تنشر المؤسسات والمكاتب التي تمتهن المرافقة إعلانات علنية في الصحف والجرائد ومايعرف بالصفحات الصفراء(Yellow Pages). تخيلوا أنه في دول غربية ديمقراطية يبدي بعض المسؤولين في الهجرة قلقهم على صناعة الترفيه في بلدانهم بسبب نقص راقصات التعري ويتعهدون ببرنامج للهجرة لإستقدامهن ومنحهم الإقامة الدائمة ومن ثم جواز السفر. وفي الدول الأوروبية يقوم من لايملك مالا وهم في اغلبهم من المهاجرين المسلمين الفقراء الذي يعيشون على اموال الرعاية الإجتماعية ويرفضون الإندماج في المجتمع بإغتصاب جماعي لمن يلقيها حظها العاثر بين أيديهم وتبرير ذالك بفتاوي أنها غير محجبة أو لحم مكشوف ورخيص أو بسبب ملابسها المثيرة.
كل تلك الدول هي ديمقراطية تحلل الدعارة وتشرعنها وتحميها بالقانون وتغض النظر عنها في أحسن الحالات وتعتبرها نوع من أنواع الحرية الشخصية حيث قد يكون موضوع الموسم في برلمان هذه الدولة أو تلك هو تعديلات على القوانين التي تنظم عمل بنات الليل.
في الدول العربية حدث ولا حرج ومثال بسيط لمن عاصر تلك الفترة أيام حكم رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري حيث ظهر إعلان عن السياحة في لبنان يبدأ بفتاة تحاول المرور عبر بوابة التفتيش في المطار لتخلع ملابسها قطعة قطعة حتى تظهر بالمايوه البكيني فيتوقف جهاز التفتيش عن إطلاق الإنذار كناية عن عدم حملها أي مواد ممنوعة. تلك النوعية من الإعلانات لن تسمح بها الدول الشيوعية ككوبا التي تحترم نفسها ومواطنيها ولا تتفاخر بشارع كامل يمارس فيه البغاء بشكل علني كشارع مونو في بيروت والذي يعد أحد أهم الإنجازات في ذالك العهد الزاهر, عهد الحريري الأب.
وأما بالنسبة لتاريخ العرب قبل الإسلام بل وبعده حتى عصرنا الحالي فقد فشت فيهم الدعارة التي كانت تتم تحت أكثر من مسمى خصوصا ما ملكت أيمانكم والسبايا والخطف من الشعوب المسيحية وهناك قبائل او أسر في الجاهلية إشتهرت بصاحبات الرايات. وفي عصرنا الحالي تتم ممارسة انواع من الزنا خصوصا زواج المسيار والزواج العرفي  وزواج الصيف أو السياحة حيث يتزوج أحدهم من فتاة خلال إجازته الصيفية ليطلقها حين تنتهي أيام إجازته ويتم ذالك بدون علم أهل الفتاة وفي بعض الأحيان بعلمهم وموافقتهم.
الدعارة إنتشرت في الكثير من الدول العربية خصوصا في مدن تحولت لوجهة لطالبي المتعة الحرام وحيث هناك شواطئ مخصصة للعراة في بعضها كما أن بعضها الأخر أصبح وجهة لسياحة المثليين جنسيا وكثيرا ماتعلن السلطات المختصة القبض على أجانب متورطين في تلك النوعية من القضايا ولكن سرعان مايتم الإفراج عنهم بعد ممارسة الضغط من قبل حكوماتهم في تناقض فاضح مع معاييرها التي تحرم وتجرم دعارة الأطفال ولكنها تسرع لنجدة مواطنيها وإعادتهم إلى بلدانهم بدون ان تتم محاسبتهم فيها. كل تلك الدول العربية التي تنتشر فيها الدعارة تحكمها إما حكومات تغلب عليها أحزاب الإسلام السياسي كالإخوان المسلمين أو أنظمة تزعم تطبيق الشريعة الإسلامية وفي كثير من الحالات يتم تشريع الدعارة خصوصا دعارة الأطفال بعقود زواج يتم شرعنتها وفق وجهة نظر يزعم بعضهم أنها إسلامية حيث تتحول الفتاة والتي قد لا تتجاوز عمر 12 عاما إلى مجرد سلعة تباع وتشترى.
الشيوعية والإشتراكية حاربت الدعارة والقمار ومحلات الديسكو والمراقص بإعتبارها أمورا غير مرغوبة ولها أثار إجتماعية مدمرة فكانت الدول الإشتراكية والتي تطبق النظام الشيوعي تتمتع بأقل نسبة جريمة منظمة مقارنة بالدول التي تطبق النظام الرأسمالي وتنخفض فيها الجرائم المتعلقة بتعاطي المخدرات وتقل فيها محلات السهر والمراقص الليلية ويسود نظام إجتماعي صارم يحرم المثلية الجنسية ويعاقب عليها بالقانون. الأنظمة الرأسمالية والتي قامت بالتحول من الإشتراكية إلى إقتصاد السوق إنتشرت فيها كل أنواع الدعارة والجرائم المتعلقة بالمخدرات وإزدادت نسبة المدمنين على الكحول والأطفال اللقطاء.
أنا تعمدت في هاذا الموضوع أن لا أذكر معلومات قد تسبب حساسية لبعضهم على الرغم من أنها أصبحت من حكم المعلوم بالضرورة ولا ينكرها إلا جاهل. كما أنني حاولت أن أتناول الموضوع من زاوية علمية محايدة حيث أوضحت كمية التناقض في الشخصية العربية عند حكمها على المسائل المعروضة امامها خصوصا التاريخية. وفي النهاية من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

الرئيس الكوبي والمناضل فيديل كاسترو, يا جبل مابيهزك الإعلام المأجور

أحد أهم التأثيرات التي أحدثتها مواقع التواصل الإجتماعي هي خلق فجوة بين الحياة الواقعية والإفتراضية حيث يكون التناقض في أغلب الأحيان هو السمة البارزة. كما أن تلك الفجوة قد تتسع أو تضيق متأثرة بالبيئة المحيطة بالشخص. مثال بسيط هو أن مواقع التواصل الإجتماعي ألغت الحواجز المفروضة على النساء في بلدان وضع المرأة فيه أكثر من سيئ حيث لايحتاج إنشاء حساب على فيسبوك أو  تبادل الرسائل بين الحسابات في بلدان مختلفة إلى إذن خاص.
المشكلة أن الفيسبوك وهو الأشهر بين مواقع التواصل الإجتماعي يليه تويتر وغيرها من المواقع أصبحت مرتعا خصبا لنشر الإشاعات والأخبار الكاذبة وأصبح إنشاء مجموعة فيسبوكية مهنة من لا مهنة له حيث يرضى غروره ويطلق على نفسه الألقاب. المشكلة أن أغلب المسؤولين عن تلك الصفحات يمارسون الإستحمار على عقول المتابعين في منشورات تافهة لا قيمة لها وتنقصهم المعرفة والثقافة خصوصا التي تتعلق بمحتوى ومنشورات الصفحة التي قاموا بتأسيسها.
ليس هناك أي مشكلة في أن يرغب أحدهم بأن يكون حمارا فتلك حرية شخصية بل ومقدسة وسوف أدافع عن كل من يرغب في أن يكون كذالك ولكن لايحق له أن يستحمر الأخرين ويضحك عليهم.
لم يكد يمضي يوم واحد على وفاة الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو حيث بدأت حرب المعلومات والإشاعات والتلفيقات أو لنقل بالأحرى حرب الإستحمار التي بدأت بإتهامات للرئيس الكوبي بالديكتاتورية والشيوعية وتحويل نساء كوبا للعمل بالدعارة بسبب الفاقة والفقر ولم تنتهي بإنتقاد الإقتصاد الكوبي ومتوسط الأجور. لم يكن فيديل كاسترو فاسدا ويعيش في قصور ويمتلك حسابات بنكية في ملاذات ضريبية وفي سويسرا ولم يكن يمتلك حتى المنزل الذي سكنه فهو ملك للدولة الكوبية وحتى المنزل الذي يسكنه الرئيس الحالي شقيقه راؤول كاسترو ملك للدولة الكوبية, ورغم كل ذالك لم ينجو من أفكار المستحمرين العرب وجهلهم.
الرئيس الكوبي منذ أن إنتصر على نظام العميل فولغينسيو باتيستا قام بعدد من الإصلاحات الفورية منها تخفيض إيجارات المنازل الى النصف تقريبا وإستكمال تطبيق قانون للإصلاح الزراعي الذي كان تطبيقه يتم في كل منطقة يستولي عليها الثوار من قوات باتيستا.
مشكلة من لايريدون أن يفهموا أن فيديل كاسترو لم يكن شيوعيا ولم يرغب إلا في عدم تدخل أمريكا في شؤونه الداخلية وعدم تحويل كوبا إلى ساحة خلفية للولايات المتحدة كما كانت قبل ذالك حيث تعتبر محطة إستراحة للقوات الأمريكية خصوصا القوات البحرية حيث تزدهر المقامرة والدعارة وليس كما يتهم البعض الرئيس الكوبي بأنه كان السبب في تحويل نساء كوبا لبنات ليل بسبب الفقر. أحد أهم إنجازات الرئيس الكوبي أنه قام بمكافحة المافيات والجريمة المنظمة وحظر نوادي القمار وإعتبار الدعارة نشاطا غير مرغوب فيه ومستهجن إجتماعيا.
إن إنجازات الرئيس الكوبي خصوصا في مجال الإصلاح الزراعي لم تعجب الإدارة الأمريكية خصوصا تأميمه الأراضي التي كانت تملكها شركة الفواكه المتحدة سيئة الصيت والسمعة والتي كانت الشركة تستملكها بدون زراعتها للحفاظ على مستوى سعري معين لمنتجاتها. وفي مرحلة لاحقة قام بتأميم جميع مصالح الشركة والشركات الأخرى التي كانت تمتلك بالتشارك مع حكومة النظام الباتيستي 75% من الأراضي في كوبا تاركة للمواطنين 25% من الأراضي.
الأزمة بين الطرفين وصلت لذروتها حين قامت مصافي النفط في كوبا والمملوكة لمصالح أمريكية برفض تكرير شحنة نفط قامت الحكومة الكوبية بشرائها بسعر تفضيلي من الإتحاد السوفياتي فكان رد فيديل كاسترو هو تأميم المصالح النفطية الأمريكية. الرد الأمريكية لم يتأخر وكان بالإعلان عن مقاطعة إقتصادية وبداية حصار كوبا ولكن ليس قبل أن يقوم الرئيس الأمريكي جون كينيدي بشراء عدد 1200 سيجار كوبي فاخر.
فيديل كاسترو تم دفعه دفعا لأحضان الإتحاد السوفياتي فهو لم يكن شيوعيا ولا حتى قريبا منها والدليل هو تقرير نائب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الذي رفعه للرئيس ليندون جونسون إثر لقاء نيكسون وكاسترو في نيويورك أثناء زيارة الأخير للمدينة لحضور إحدى إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. التقرير يذكر أن كاسترو " شخص بسيط وليس بالضرورة يميل للشيوعية ".
كل من ينتقد نظام الحكم في كوبا أو فنزويلا وغيرها من البلدان التي إنتهجت النظام الإشتراكي والشيوعي وأنها لم يحقق أي إنجازات سوف يكون في موقف لايحسد عليه في أي نقاش عام. سيئات الرأسمالية أكثر من إيجابياتها وإيجابيات الإشتراكية أكثر من سلبياتها وإذا رغبنا في أن نذكر الإيجابيات والسلبيات فذالك يحتاج لموضوع منفصل ولكن سوف أذكر بعض النقاط المتعلقة بكوبا التي تتمتع بأحد أفضل انظمة الرعاية الصحية في العالم. في فيلم المخرج الأمريكي مايكل مور سايكو(Sicko) يتحدث عن نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة والتي تعد قلعة الرأسمالية ومركزها الرئيسي ويقارن ذالك بنظام الرعاية الصحية في عدد من البلدان منها كوبا.
كوبا لديها معدل وفيات أطفال أقل من الولايات المتحدة ومتوسط معدل أعمار مواطنيها أعلى نظرائهم الأمريكيين. ولمن يهزأ من متوسط معدل الأجور في كوبا الذي يبلغ 20 دولارا أمريكي شهريا عليه أن يعلم أن سعر أحد أصناف الأدوية في كوبا 3.2 بيزوس كوبي(5 سينت أمريكي) بينما سعر نفس الدواء أو سعر دواء مماثل له قد يبلغ 120 دولار في الولايات المتحدة. وقد يكون متوسط الدخل في كوبا 20 دولارا أمريكيا شهريا وفي امريكا 2000 دولار شهريا ولكن ما لم تلتهمه الضرائب فسوف يصرف على تكاليف الرعاية الصحية المكلفة. في الولايات المتحدة قد تدخل غرفة الطوارئ ويطلب منك الدفع مقدما أو في أفضل الأحوال قد تلقى خارجا ولن يكملوا لك علاجك إن لم تدفع تكاليف قد تصل إلى 2000 دولار في اليوم إعتمادا على سبب لجوئك إليهم.
في دول مثل كندا تبلغ تكلفة زيارة الطبيب إن لم يكن تخصصيا إلى أكثر من 40 دولارا وفي الولايات المتحدة إلى مبلغ مماثل خصوصا إن لم تكن تمتلك تأمينا مع العلم أنه حتى التأمين الحكومي في بعض البلدان التي لديها نظام رعاية صحية عالمي(Universal Health Care) لا يغطي ذالك النظام ثمن الدواء إلا في حالات معينة ومحدودة. في كندا يتم بث إعلانات حكومية مدفوعة على المحطات التلفزيونية المختلفة تطالب بالتبرع لبنوك الطعام وتحذر من إزدياد أعداد المواطنين ممن لا يمكنهم تأمين ثلاثة وجبات يوميا وسقف يؤويهم في الوقت نفسه. في الولايات المتحدة حدث ولا حرج عن عدد المشردين في الشوارع ممن لا يملكون مسكنا وعدد البيوت الفارغة التي تكاد تقع بسبب بقائها فترة طويلة بدون صيانة معروضة للبيع أو الإيجار. في بعض الولايات الأمريكية تكاليف تأمين مسكن لكل متشرد أقل بكثير من تكاليف مكافحة التشرد خصوصا الحملات الأمنية ورعاية وإطعام المشردين في السجون وغير ذالك الكثير وعلى الرغم من ذالك ليس هناك أدنى نية لحل مشكلة التشرد والمشردين.
السي إن إن بالعربي وغيرها من المواقع نشرت تحقيقات عن عبودية أطفال الكاكاو وموقع الهافينجتون بوست العربي نشر تحقيقا عن ظروف العمل التي يعاني منها العاملون في تجميع الألعاب التي يتم وضعها داخل بيضة شوكولاتة كيندر حيث تم وصف ظروف العمل من قلة الأجور وساعات العمل الطويلة وعمالة الأطفال بالعبودية. ولست أحتاج للحديث عن تقرير صحيفة الإنديبندنت البريطانية بخصوص عمال شركة أمازون خصوصا قسم توصيل الطلبات الذين قد يضطرون لقضاء الحاجة في مركبات الشركة التي يقودونها لأن الشركة تلزمهم بحد 200 عملية توصيل يوميا فلا يكون عندهم وقت للذهاب للمرحاض. كما أنه هناك تقرير تم بثه على اليوتيوب يصف ظروف العمل في شركة أمازون بالعبودية والإستغلال حيث حذف حساب الفيديو بعد تبليغ شركة امازون بخصوصه.
لن أطيل عليكم فيما يتعلق بفيديل كاسترو خصوصا أنني سوف أبدأ غدا الإثنين بنشر حلقات من كتاب (حياتي - فيديل كاسترو) وهي سوف تتكفل بتفاصيل ودقائق تاريخية تنشر لأول مرة في الوطن العربي وعلى لسان الرئيس الكوبي نفسه في إجاباته على أسئلة الصحفي و الكاتب والبروفيسور في الجامعات الفرنسية إغناسيو رامونيت(Ignacio Ramonet) في مائة ساعة تقريبا من المقابلات والحوارات مع الرئيس الكوبي السابق.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية




Saturday, November 26, 2016

حياتي للقائد الثوري والمناضل فيديل كاسترو

اليوم بتاريخ 26\11\2016 فقدت الإنسانية والحركة الشيوعية العالمية أحد رموز النضال والتحرر حول العالم الرئيس الكوبي السابق والمناضل من المولد حتى الممات فيديل إليخاندرو(دون إينجل) كاسترو. توفي اليوم القائد والرئيس والمناضل وهو لا يملك رصيدا في البنوك ولم يورث أبنائه وبناته لا درهما ولا دينارا ولا دولارا ولا بيزو كوبي واحد ولا حتى المنزل الذي كان يقيم فيه فهو ملك للدولة الكوبية.
وقد كنت وضعت على الرف بشكل مؤقت أحد مشاريعي وهو أضخم مشروع كتابة عن حياة القائد الثوري العظيم فيديل كاسترو حتى يكتمل قبل أن أبدأ بنشره ولكن الظروف تلزمني بالبدء بالنشر حتى يتعرف العالم العربي على تفاصيل حياة أحد أعظم القادة في العالم الذي قارع الإستعمار الغربي والإمبريالية الغربية في طول العالم وعرضه بدون أن يتخلى عن مبادئه الثورية.
كتاب ( حياتي - فيديل كاسترو, My Life Fidel Castro ) للكاتب والصحفي والبروفيسور في الجامعات الفرنسية إغناسيو رامونيت(Ignacio Ramonet) ومترجم عن اللغة الفرنسية إلى الإنجليزية بواسطة المترجم أندرو هيرلي(Andrew Hurley). الكتاب كان له صدى إيجابي في كبريات الصحف العالمية كالجارديان البريطانية و فاينانشيال تايمز الأمريكية.
ولي الفخر أن أقدم من خلال مدونتي علوم وثقافة ومعرفة لأول مرة في العالم العربي وباللغة العربية ترجمة لأهم ماورد في في كل فصل من فصول الكتاب والذي هو عبارة عن تفريغ مائة ساعة من المقابلات التي أجراها الصحفي الفرنسي مع القائد الثوري والرئيس الكوبي السابق. وكم كنت أتمنى لو أن هناك من يتولى العبئ بترجمة أحد أهم كتب السيرة الذاتية الذي صدر وبلسان صاحبه إلى اللغة العربية حيث فكرت بالقيام بذالك ولكنه يتطلب إمكانيات للأسف تفوق إمكانياتي الحالية.
سوف أبدأ بنشر أول حلقات الكتاب يوم الإثنين من كل أسبوع في مدونة علوم وثقافة ومعرفة وفي كافة المنتديات والمواقع التي أقوم بالمشاركة فيها.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Friday, November 25, 2016

الجذور التاريخية للأزمة اليونانية وتأثيرها على الإتحاد الأوروبي(5)

هناك حدثان يعبران عن لحظات تاريخية هامة في حياة اليونانيين. الحدث الأول سنة 1974 بإنتهاء فترة الحكم العسكري والحدث الثاني كان سنة 1981 وهو تاريخ إنضمام اليونان للإتحاد الأوروبي. عصر جديد بدأ في تاريخ اليونان بإنضمامها للإتحاد الأوروبي ممايعني وصول الديمقراطية اليونانية لقمة النضج وعلامة على ذهاب زمن الأزمات السابقة إلى غير رجعة. وفي نفس السنة أصبح جورج باباندريو(George Papandreou) رئيس ومؤسس حزب باسوك(Pasok – Panhellenic Socialist Movement) المتشكل حديثا ذو التوجه الإشتراكي رئيسا لوزراء اليونان.
هناك ظاهرة مميزة للحياة السياسية في اليونان وهي توارث المناصب السياسية أو مايعرف بالأسر الحاكمة السياسية(Political Dynasties) وهي ظاهرة معروفة في الكثير من الدول حتى في الولايات المتحدة حيث هناك أسر مثل كينيدي, بوش وكلينتون تتوارث العمل السياسي لأجيال عديدة متتابعة. ولكن في الولايات المتحدة هناك إحتمال كبير أن يفوز شخص من خارج تلك العائلات بأرفع منصب في الولايات المتحدة وهو منصب الرئاسة. في اليونان فإن ظاهرة الأسر السياسية الحاكمة هي أكثر ظهورا وتجذرا في المجتمع. جورج باباندريو هو حفيد جورج باباندريو الجد(Senior) الذي كان رئيسا للوزراء 1944-1945 ولفترتين قصيرتين في الستينيات. كوستاس كارامانيليس(Kostas Karamanlis) رئيس وزراء اليونان في الفترة 2004-2009 والذي مازال رئيس حزب الديمقراطية الجديد(The New Democracy Party) هو حفيد كونستانتينوس كارامانليس(Konstantinos Karamanlis) مؤسس الحزب ورئيس وزراء اليونان لأربع مرات.
الحياة السياسية في اليونان وبسبب تلك الظاهرة فقد تميزت وإعتمدت بشكل رئيسي على قائد الحزب ذو الكاريزما أكثر من إعتمادها على التمايز الطبقي والنظريات السياسية. التوجه نحو الأحزاب الشعبية ذات العدد المتضخم من الأعضاء قد بقي محدودا.
شهدت اليونان في الفترة 1974-1990 إنخفاض سعر صرف العملة اليونانية(الدراخما) مرتين بشكل رئيسي وذالك تحت تأثير إنهيار إتفاقية بريتون وودز والصدمة النفطية سنة 1974. كما أن الدراخما لم تكن جزأ من ألية تبادل أسعار الصرف التي تم العمل بها كتمهيد للعملة الأوروبية الموحدة(اليورو) في الفترة 1979-1993 مما فاقم أزمة الدراخما التي شهدت تخفيضين رئيسيين في قيمتها سنة 1983 و1985 بقيمة 15.5% و 15% على التوالي. وفي بداية سنة 1990 فإن سياسة تقوية مركز الدراخما في أسواق الصرف برفع قيمتها تم تبنيها بدعم من كافة الأحزاب الرئيسية في اليونان كجزء من الجهود من أجل الإنضمام لمنطقة العملة الأوروبية الموحدة(اليورو).
ومع وجود رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو في منصبه في نفس التوقيت الذي إنضمت فيه اليونان للإتحاد الأوروبي فإن ذالك أتاح له الإستفادة من العديد من المميزات والمنح التي تخصص للدول الأضعف إقتصاديا أو الأفقر من غيرها في الإتحاد الأوروبي خصوصا الإعانات والمنح في المجال الزراعي وذالك لمكافأة الفئات الإجتماعية التي ساهمت بشكل فعال في مقاومة النازيين والفاشيين وكانت الأكثر تضررا من الإحتلال النازي, الحرب الأهلية وحكم الإنقلاب العسكري. في سنة 1981 فإن جورج باباندريو فاز في الإنتخابات إعتمادا على برنامج إنتخابي شعبي نجح في إزالة حالة من إحساس اليونانيين أنهم كانوا محكومين لفترات طويلة من قبل طبقة محافظة تتبع دولا أجنبية في خطها السياسي حيث نمت وترعرعت حول فئات معينة إحتكرت الإمتيازات والمنافع بسبب تفردها بالعمل السياسي. جورج باباندريو وحزبه باسوك(Pasok) كانا من أكبر المعارضين للإتحاد الأوروبي والناتو ولكنه تغير وإستدار في توجهه السياسي 180 درجة في الفترة التي تلت سنة 1981 مع إنضمام اليونان للإتحاد الأوروبي وبداية التوجه نحو إنضمامها لمنطقة اليورو سنة 1990.
منذ بداية سنة 1980 كان هناك توجه في اليونان نحو مايعرف بالسلام الإجتماعي(Buying Social Peace) وهو مبدأ قائم على الإمتيازات والمنح والإعفائات الضريبية لفئات معينة كالنقابات العمالية وصناديق التقاعد خصوصا عن طريق زيادة عدد الموظفين الحكوميين ورفع رواتبهم وكذالك المعاشات التقاعدية. ذالك التوجه قد تعزز في الفترة التي تلت سنة 2001 وهي السنة التي إنضمت فيها اليونان لمنطقة اليورو حيث سمح لها ذالك بالحصول على قروض من الأسواق المالية الدولية بأسعار فائدة منخفضة وبضمانات عضويتها في الإتحاد الأوروبي واليورو لأن ذالك يعني كلمة واحدة, الثقة.
الأمر برمته كان من الممكن أن يكون له تأثير إيجابي لو أن القسم الأكبر من تلك الأموال قد تم توظيفه في بناء قاعدة صناعية وزراعية وتعليمية للمستقبل بما يؤدي لخلق المزيد من الوظائف بشكل طبيعي بدون أن يتم منحها لفئات معينة بواسطة المعارف والصلات العائلية. كما أن ذالك سوف يؤدي إلى توظيف أمثل لرؤوس الأموال تلك بما يمكن اليونان من النهوض إقتصاديا ودفع تلك الديون. ولكن بدلا من كل ذالك فإن قسما كبيرا من تلك الأموال قد تم صرفه في شراء معدات عسكرية من شركات أوروبية تنتمي لدول أعضاء في الناتو من أجل التحضير لمواجهة عسكرية محتملة مع دولة أخرى عضو في الناتو هي تركيا تقوم بشراء السلاح من شركات تنتمي لنفس الدول التي تبيع السلاح لليونان.
القطاع العام في اليونان تضخم بشكل مرضي بزيادة عدد موظفيه وإنخفاض كفائتهم وأصبح تابعا للأحزاب والمنظمات والنقابات فيما يشبه المحاصصة بدلا من أن يكون تابعا للدولة ومع مرور الوقت تحول إلى عبئ كبير تتأكل بفضله ميزانية الدولة بإزدياد سنة بعد سنة وماكان يعطى كهبة أو منحة في البداية تحول مع مرور الوقت إلى حق وإمتياز يصعب التخلي عنه, أشبه مايكون بحالة من الإدمان إن صح التعبير.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الخامس والأخير


Sunday, November 20, 2016

الجذور التاريخية للأزمة اليونانية وتأثيرها على الإتحاد الأوروبي(4)

الصراع بين تركيا واليونان يعود تاريخه إلى زمن حصار اليونانيين لمدينة طروادة التي إكتشفت إنقاضها في تركيا. في عصرنا الحالي فإن هناك حساسية بسبب دعم الغرب لليونان حتى في حرب الإستقلال التركية والتي شاركت فيها اليونان إلى جانب قوات الحلفاء خصوصا بريطانيا وبسبب رفض طلب تركيا الإنضمام للإتحاد الأوروبي بينما تم قبول طلب اليونان بدون أن تواجه عقبات كبيرة.
الدولتين عضو في حلف الناتو وعلى الرغم من ذالك فهما تخوضان سباق تسلح ويشكل بحر إيجه خط الصراع الفاصل بينهما كما أن اليونان تقع بين منطقتين مضطربتين هما يوغسلافيا السابقة والشرق الأوسط.
تعد اليونان أكثر دولة في الإتحاد الأوروبي إنفاقا على التسلح مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.6% مقتربة من دول كالصين والولايات المتحدة حيث تحتل اليونان المرتبة 24 على لائحة أكثر الدول في الإنفاق العسكري. بينما دولة كتركيا تنفق 5.6% بينما دول كأرمينيا, مقدونيا والبوسنة يشكل الإنفاق العسكري نسبة لا بأس بها من الناتج المحلي الإجمالي. ليس كل الدول التي لديها إنفاق عسكري مرتفع معادية لليونان ولكن هناك واقع ملخصه الكثير من السلاح في مساحة جغرافية صغيرة ومضطربة.
المحادثات بين اليونان وفرنسا إستمرت سنة 2010 في عهد الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي محادثات بخصوص شراء 6 فرقاطات فرنسية بمبلغ 2.5 مليار يورو. تلك المحادثات بدأت سنة 2008 بزيارة ساركوزي لليونان حيث شملت المحادثات بالإضافة للغواصات على تحديث 20 طائرة ميراج فرنسية تمتلكها القوات الجوية اليونانية. الفرع الدولي لشركة رافال لصناعة الطائرات قام بإفتتاح مكتب له في العاصمة اليونانية سنة 2007 لتلبية الحاجات المتزايدة من قبل سلاح الجو اليوناني.
القوات البحرية والجوية لكل من اليونان وتركيا تستمران في التوسع خصوصا سلاح البحرية بينما في دول أخرى فإنه يتم تقليصها. اليونان تمتلك سلاح بحرية يعادل في حجم قواته وعدد السفن الحربية دول هولندا, الدانيمرك والنرويج مجتمعين. ألمانيا وهي ثالث دولة مصدرة للأسلحة بعد الولايات المتحدة وروسيا تعتمد على زبونين رئيسيين وهما تركيا 14% و اليونان 13% من مبيعات السلاح الألمانية. في سنة 2003 فقد أعلنت اليونان نيتها شراء 170 دبابة ليوبارد من ألمانيا.
ولعله كان من الأفضل لحلف الناتو أن يقوم بمحاولة التخفيف من حدة سباق التسلح بين أعضائه بدلا من تدخل الإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي في اليونان سنة 2010 لإنقاذ الإقتصاد المتداعي عن طريق منح المزيد من القروض من قبل بنوك فرنسية وألمانية على وجه الخصوص. مليارات ومليارات الدولارات ذهب لشراء الأسلحة والسلع من شركات فرنسية وألمانية على وجه الخصوص وكان لذالك أكبر الأثر في تضخم حجم الدين العام في اليونان.
الموقع الجغرافي لليونان يعد ملائما للتجارة وحركة النقل أكثر منه للصناعة والزراعة حيث رقعة الأراضي الصالحة للأنشطة الزراعية محدودة. ولكن ذالك لايمنع من إشتهار اليونان بمحاصيل معينة كالزيتون مما أدى في المجمل إلى سيطرة مجموعة عائلات على مجمل الثروة في اليونان.
هناك خلل في توزيع الثروة في اليونان وينطبق ذالك على الحياة السياسية حيث أن من يدخلونها هم يمتلكون رأس المال والنفوذ حيث ادى ذالك إلى تقسيم حاد للمجتمع اليوناني إلى يسار أو يمين, وبلغة أخرى عمال أو رأسماليين.
اليونان لم تعد تحتل نفس المكانة الإستراتيجية التي تمتعت بها في المرحلة التي سبقت سقوط حائط برلين وإنهيار الإتحاد السوفياتي حيث تغيرت نظرة الغرب لها بعد سقوط حائط برلين والإنتهاء من الصراع في يوغسلافيا. الحكومات اليونانية المتعاقبة حاولت العودة للإنمضمام لنادي النخبة فقامت بإستدانة عشرات المليارات من الدولارات لشراء الأسلحة من شركات غربية, إقامة الألعاب الأولمبية ومحاولة الإنضمام لمنطقة العملة الأوروبية الموحدة(اليورو) حتى لو كان ذالك بتقديم بيانات مضللة عن حالة اليونان الإقتصادية ومستوى دينها العام.
السؤال هو متى سوف تنسحب اليونان من الإتحاد الأوروبي أو بالأحرى طردها منه وليس عن حتمية حصول ذالك فهي بحسب رأي الكثيرين مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الرابع

Saturday, November 19, 2016

خواطر عن الحركات الدينية السلفية, الديمقراطية والإنتخابات

إن المشكلة التي يعاني منها أغلب رجال الدين الذي يوصفون بأنهم سلفيون أنهم هم أنفسهم إنقلبوا على فتاويهم بتحريم العملية الديمقراطية حين تلقوا وعودا أمريكية وأوروبية بتسليمهم وأحزاب الإسلام السياسي كراسي الحكم في عدد من بلدان الوطن العربي ممن تم إستهدافها بربيع الخراب فقاموا بتغيير جلودهم بدعوى المرونة وإبتكروا أنواعا من الفقه كفقه المستجدات وفقه الضرورة وإعتبروا أن الديمقراطية هي  سبيلهم للديكتاتورية الدينية وأن الغاية تبرر الوسيلة.
وعلى هامش الإنتخابات التي جرت في بلدان كتونس ومصر إثر أحداث ربيع الخراب فقد قام الإسلاميون بإستخدام الفضائيات الدينية لنشر دعايتهم الإنتخابية التي لم تكن تحتوي على أي نوع من البرامج التي تهتم بمشاكل الحياة اليومية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية بل ولم يبرز من مرشحيهم لأول إنتخابات برلمانية بعد سقوط حكم زين العابدين في تونس أو محمد حسني مبارك في مصر أي خبير إقتصادي على الرغم من أهمية الإقتصاد وإن كان أغلب المرشحين يحمل شهادات شرعية وتمحورت الدعاية الإنتخابية حول تطبيق الشريعة الإسلامية بدون تبيان الكيفية التي سوف يتم بها ذالك. ولعل أنه من المضحك المبكي أنه من أوائل القرارات التي تدل على الحماس للشريعة الإسلامية من جانب الرئيس المصري السابق محمد مرسي هو السماح للملاهي الليلية بالترخيص لمدة ثلاثة سنوات بدلا من سنة واحدة والتقدم بطلب قرض من صندوق النقد الدولي على الرغم من أن الفتاوي واضحة بخصوص تحريم الفائدة.
وفي تونس كما في مصر قام الإسلاميون أو أنصار أحزاب الإسلام السياسي بتسخير مقدرات الدولة والتي يعتبرونها فاسدة وفي أثناء فترة الحكم الإنتقالي التي كان لهم على حكوماتها نفوذ كبير حيث تم توزيع طرود غذائية على الأحياء والمناطق الفقيرة والمهمشة والقيام بتوزيع إعانات مالية ولذالك كان من الواضح التباين في نسبة التصويت لهم بين مناطق الحضر أو المدن حيث ينتشر التعليم وتقل نسبة الأمية والأرياف.
هناك الكثير من رجال الدين الذين يوصفون بأنهم سلفيون إبتعدوا عما يصفونه بأنه مهازل وإزدواجية معايير بل وقام بعضهم بتوجيه إنتقادات لاذعة لكل من شارك في الإنتخابات والبرلمانات التي إعتبروها بدعة وغير إسلامية. في مصر فإن محمد حسان وهو رجل دين سلفي وأحد نجوم الفضائيات قد تصدر الدعوى لإنشاء حزب سياسي ذي توجه سلفي حيث دعا إلى إغتنام ماوصفه بفرصة تاريخية. وفي تونس فقد تصدر راشد الغنوشي المشهد السياسي وأصبح رجل الدين المصري وجدي غنيم ضيفا دائما على المؤتمرات الدينية في تونس.
المشكلة أن أولويات رجال الدين السلفيين ممن إنقلبوا على مبادئهم وكذالك أنصار الإسلام السياسي هو ختان البنات وفرض الخمار والنقاب وغير ذالك من وسائل تحجيب المرأة. كما إستخدموا المساجد والمنابر خصوصا خطب الجمعة لبث الدعاية الإنتخابية وتوعدوا من يصوت لغير المرشحين الإسلاميين بعدم دخول الجنة وكانت النتيجة مأساوية حيث من يتابع أخبار البرلمانات المنتخبة في تلك الفترة يجد من همه إعلان الأذان داخل مبنى البرلمان والقيام بحركات غير أخلاقية(البعبوص) لخصومهم السياسيين كما تم إغتيال بعض خصومهم في تونس كشكري بلعيد المعارض اليساري المعروف والذي تم إغتياله امام منزله.
إن أحد أساليب الترويج للإنتخابات وأنها سوف تخلق دولة الديمقراطية والجنة الإلهية هي التغيير ولكن كما قال الكاتب الأمريكي الساخر مارك تواين " لو أن التصويت يقوم بالتغيير لما سمحوا لنا به ". مخرجات العملية التي يصفونها بالديمقراطية أصبحت واضحة. في السابق فقد كان الإتجاه هو عدم السماح للإسلاميين الوصول لكرسي الحكم خوفا من أجنداتهم العنفية المعادية للغرب والسامية ولكن ذالك تغير في وقت لاحق وأصبحت الأولوية توريط الإسلاميين في لعبة السياسة والإنتخابات وفضح عجزهم وجهلهم وعدم إمتلاكهم لأي برنامج حكم واضح المعالم وكل ذالك بهدف تغيير الصورة المثلى والفاضلة التي كان يحاولون الترويج لها في أوساط قواعدهم الشعبية تمهيدا لتدجينهم وتطويعهم.
الإسلاميون وقعوا في الفخ وأصبح الخروج من الحفرة مستحيلا حيث تم وصم الإسلام بأفعال بعض رجال الدين ممن قادهم طمعهم بكرسي الحكم مخالفة لحديث نبوي صريح يقول " إنا والله لا نولي هاذا العمل أحدا سأله ". وقبلهم بسنوات سقطت حركة حماس في فلسطين في الفخ ودخلت لعبة الإنتخابات التي وصفت بانها كانت ديمقراطية وشفافة ولكن العالم إنقلب عليها بوصفها حركة إرهابية ورفض تلك الإنتخابات ورفض الإعتراف بالحكومة الفلسطينية المنبثقة عنها. حركة حماس من ناحيتها سارعت لتأسيس ميليشيا موازية تسمى القوة التنفيذية وإستولت على ما تبقى من الحكم بالقوة منقلبة على نفس الشرعية الإنتخابية التي أوصلتها لكرسي الحكم عندما إستشعرت الخطر حيث تخطط لعدم التخلي عن الحكم حتى ولو إستخدمت القوة والقمع. أولويات حماس في الحكم كانت منع النساء من تدخين الأرجيلة في المقاهي وتأسيس ميليشيات دينية تعتدي على المواطنين بذرائع مختلفة.
إن كل الذي ذكرته لكم ليس بغريب على حركات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمين حيث أن تركيا والتي قام رئيسها أوردوغان بتشبيه الديمقراطية بسيارة التكسي التي تستخدم مرة واحدة لتقلك إلى وجهتك ثم تنزل منها قد قام بمسرحية إنقلاب عسكري عندما إستشعر الخطر الذي يتهدد نظام حكمه حيث كان ذالك الإنقلاب ذريعة لتصفية خصومه وفق قوائم معدة سلفا وتم الترويج لخطر منظمة عبدالله غولن وكيان الدولة الموازية.
الأحزاب السلفية ومعها أحزاب الإسلام السياسي وتفرعاتها تستعد لعصر جليدي يمتد أربعة سنين مع وصول رجال الأعمال الأمريكي دونالد ترامب لكرسي الحكم في البيت الأبيض وتصريحاته بأولوية محاربة تلك التنظيمات على إسقاط أنظمة الحكم في الوطن العربي.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية


Saturday, November 12, 2016

الجذور التاريخية للأزمة اليونانية وتأثيرها على الإتحاد الأوروبي(3)

إثر نهاية الحرب العالمية الثانية وبينما كان الإتحاد السوفياتي يزحف على دول أوروبا الشرقية ويضمها لمنطقة نفوذه ويؤسس لما أصبح يعرف بحلف وارسو, فقد إشتعلت حرب أهلية في اليونان بين طرفين حيث إنقسمت المقاومة اليونانية إلى يسارية ويمينية. الطرف الأول مدعوم من قبل الإتحاد السوفياتي والدول التي تدور في فلكه ويمثله جيش اليونان الديمقراطي(Democratic Army of Greece) والذي يعد فرعا من الحزب الشيوعي اليوناني(KKE) والذي خاض معارك ضد القوات الحكومية التي تمثل الإتجاه اليميني والتي تلقت الدعم من الدول الغربية خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا.
جبهة التحرير الوطنية(National Liberation Front) والتي كان يسيطر عليها الحزب الشيوعي اليوناني قد أسست حكومة محلية بنهاية سنة 1944 حيث كانت تتمتع بالشعبية لتقديمها خدمات رعاية إجتماعية ومعونات إقتصادية لقطاع واسع من المواطنين اليونانيين ولكنها في الوقت نفسه معادية للجيش اليوناني الوطني والشرطة الوطنية والمعارضين للحزب الشيوعي بشكل عام حيث إزدادت الإصطدامات بين الطرفين. كما أن جبهة التحرير الوطنية كانت معارضة بشكل عام للكنائس ورجال الدين المسيحي على الرغم من أن بعضهم كان يتعاطف معها ومع أهدافها.
إنتخابات سنة 1946 أنتجت حكومة من المحافظين الذين يمثلون الإتجاه اليميني كنتيجة مباشرة لمقاطعة الحزب الشيوعي وأنصاره لها حيث وضعت الحكومة الجديدة هدفا لها هو وضع حد نهائي لسيطرة الحزب الشيوعي وأنصاره على النقابات العمالية والإتحادات الزراعية.
المشكلة بالنسبة للشيوعيين اليونانيين فاقمها وجود عناصر في الجيش والشرطة كانت متعاطفة مع النازيين بل وتعاملت معهم في فترة الإحتلال الألماني لليونان ومع سيطرة الجيش اليوناني على المدن الرئيسية فقد تمكنوا من حصر أنصار الحزب الشيوعي في القرى والأرياف والحد من فاعلية عملياتهم العسكرية داخل المدن نتيجة المراقبة المكثفة لهم ولأنصارهم وإعتقال من يشتبه بتعاطفه مع الحزب الشيوعي أو الفكر اليساري بشكل عام. إن تلك العوامل قد وضعت الشيوعيين وأنصارهم في مأزق على الرغم من سمعتهم كمقاتلين وطنيين ضد الإحتلال النازي وتمتعهم بالشعبية خصوصا في الريف اليوناني إلا أن تلقيهم دعما محدودا من الزعيم اليوغسلافي تيتو وتخلي الإتحاد السوفياتي عن دعمهم نتيجة صفقة تم عقدها بين ستالين من جهة والحلفاء من جهة أخرى قد أضعف موقفهم من الناحية العسكرية والإقتصادية. الدعم الدولي الذي تلقته الحكومة اليونانية المحافظة وخصوصا من الولايات المتحدة التي كانت مهتمة بموقع اليونان الإستراتيجي فيما يتعلق بقناة السويس ومضيق البوسفور قد رجح كفتها على خصومها. الرئيس الأمريكي هاري ترومان الذي تعهد بتقديم يد العون لأي بلد مهدد بالمد الشيوعي قام بالحصول على موافقة الكونجرس لبرنامج معونات ضخمة للحكومة اليونانية مما مكنها من تحديث جيشها والمضي قدما في مشاريع بنية تحتية ضخمة.
الحكومة اليونانية عززت إنتصارها العسكري في الحرب الأهلية بإعلان حالة الطوارئ والذي حظرت بموجبه الحزب الشيوعي وإعتقلت أنصاره وحاكمتهم. في ذروة الحملة لمكافحة الشيوعية في اليونان كان هناك ثلاثة ألاف شخص من أنصار الحزب في السجون معرضون لأحكام قد تصل للإعدام كما أن العضو البارز في الحزب الشيوعي اليوناني(Nikos Ploumpidis) والذي بقي محظروا حتى سنة 1974 بموجب قانون الطوارئ والحكم العسكري قد تم إعدامه مع مجموعة من أنصاره سنة 1950 كما تم الحكم بسجن عدد كبير منهم حتى أن لجنة اللاجئين اليونانيين قد ذكرت في إحصائية نشرتها سنة 1980 أن 50 ألف لاجئ يوناني من أنصار الحزب الشيوعي قد غادروا اليونان خصوصا لدول في أوروبا الشرقية هربا من الإعتقال والمحاكمة حيث عاد بعضهم إثر إنتهاء الحكم العسكري وعودة الديمقراطية سنة 1974. الهجرة الخارجية في اليونان قابلتها هجرة داخلية حيث إنتقل أكثر 900 ألف مواطن يوناني من الريف إلى المدن الكبرى و600 ألف مواطن تركوا اليونان مهاجرين لدول أخرى وذالك في الفترة الممتدة بين (1955-1977).
اليونان من بين الدول الأوروبية قد عانت أكثر من غيرها نتيجة حرب عالمية أولى, حرب عالمية ثانية, حرب أهلية وحكم عسكري إثر إنقلاب نفذه الجيش(1967-1974) كان يخشى من عودة الشيوعية للسيطرة على الحكومة من خلال صناديق الإقتراع. اليونان لم تكن مثلا كإسبانيا والتي بقيت على الحياد خلال الحرب العالمية الثانية على الرغم من معاناتها من حرب أهلية طاحنة كما أن اليونان على الرغم من الدعم الأمريكي والبريطاني فإنها بقيت أقل حظا من جاراتها الأوروبيات التي تم شملها بخطة مارشال للنهوض بأوروبا في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية.
الحزب الشيوعي اليوناني بقي وعلى الرغم من كل الحملات التي تعرضت لها من سجن وقتل ونفي أعضائه يتمتع بإحترام لابأس به في أوروبا بسبب مقاومتهم الشرسة للإحتلال الألماني ولم يشاركهم تلك المكانة إلا الحزب الشيوعي الفرنسي بل وبقي يحصل على نسبة لا بأس بها من الأصوات الإنتخابية(7%-10%) في الإنتخابات التي تلت إنتهاء فترة حكم الإنقلاب العسكري سنة 1974.
اليونان بلد عاني من عدم إستقرار لفترة زمنية طويلة وحتى مع بداية حلول السلام سنة 1974 والتي أدت إلى عودة النشاط العلني للشيوعيين واليساريين ومع ذكريات لا تنسى لنسبة كبيرة من الشعب اليوناني خلال الفترة السابقة فقد أدى ذالك إلى تعزيز سيطرة الأحزاب الشيوعية واليسارية على النقابات العمالية حيث كونوا نقابات عمالية شبه عسكرية كانت تهدد بعودة الأوضاع إلى حالة عدم الإستقرار في حال سلبت منها إمتيازات ترى أنها حصلت عليها نتيجة كفاح إمتد عشرات السنين. لايمكن فهم سياسة السلام الإجتماعي والمحاباة والمحسوبية التي بدأها رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو(George Papandreou) بمعزل عن كل تلك العوامل.
المشكلة أن تلك الحالة خصوصا النقابات العملية الشبه عسكرية والتي أثارت حالة شغب واسعة مؤخرا نتيجة محاولة الحكومة تطبيق بعض الإصلاحات الإقتصادية, لم تكن خافية على أي من المؤيدين لإنضمام اليونان للإتحاد الأوروبي ولا تتوافق مع شروط الإنضمام للعملة الأوروبية الموحدة خصوصا الحد من حجم القطاع الحكومي, تحرير التجارة خصوصا عبر إزالة التعرفات الجمركية, خصخصة الشركات الحكومية الخاسرة وإعادة هيكلة ماتبقى منها ودور أكبر للقطاع الخاص في النهوض الإقتصادي.
تحرير التجارة على وجه الخصوص كان ضروريا في سبيل نجاح سياسة تعديل الأسعار ذاتيا من خلال سياسة السوق المفتوح والتجارة الحرة والتي تعمل في إطار مفهوم أكبر هو العولمة. اليونان لم تكن تستوفي تلك الشروط بل وكانت هناك حالة من العدائية في أوساط الشعب اليوناني لمجرد ذكرها في البيانات الحكومية.
اليونان عانت مثل الأرجنتين من حكم الديكتاتورية العسكرية من سنة 1967-1974 حيث بدأ سنة 1967 بإنقلاب عسكري سببه الرئيس الشكوك من قبل الجيش اليوناني حول نجاح رئيس الوزراء جورج باباندريو(George Papandreou) وحزبه النقابة المركزي(Centre Union) وهو من أحزاب يسار الوسط(Center-Left) بتشكيل حكومة بأغلبية برلمانية وإضطراره لعقد تحالف مع حزب الديمقراطيين الموحد(Union Democratic Left) والذي كان من وجهة نظر العسكريين ليس إلا غطاء للحزب الشيوعي المحظور.
هناك عاملين أساسيين سرعا في سقوط نظام الحكم العسكري وإقامة أول إنتخابات حرة سنة 1974 وهما تمرد بحارة أحد البواخر اليونانية وغزو جزيرة قبرص. ففي سنة 1973 قام بحارة السفينة الحربية اليونانية فيلوس(Velos) برفض العودة إلى اليونان بعد الإنتهاء من مشاركتهم في أحد تدريبات قوات الناتو. قائد السفينة الكابتن نيكولاس باباس(Nicholas Pappas) برر قراره بمبادئ الناتو الأساسية في الدفاع عن سيادة الديمقراطية والحريات. وفي سنة 1974 فقد قام قائد حكم الإنقلاب العسكري ديميتريوس لونايدس(Demetrios Loannides)  بمحاولة الإطاحة بالأسقف مكاريوس في جزيرة قبرص مما أدى إلى غزو تركي وتقسيم الجزيرة وتلك كانت أخر المغامرات التي قام بها النظام العسكري والذي سقط في نفس السنة.
الطبيعة المحافظة لنظام الإنقلاب العسكري حيث كان يمنع التنانير القصيرة ويلزم الكنائس بمسيرات دينية في يوم الأحد, إعتماده المتزايد على الإستثمارات الأجنبية والدعم خصوصا من قبل الولايات المتحدة وأساليب التعذيب الوحشية الذي إستخدمها ضد معارضيه الشيوعيين قد أدت إلى تزايد شعبية الحزب الشيوعي ونفوذ أنصاره في أوساط المجتمع اليوناني. في أول إنتخابات جرت سنة 1974 فإن الحزب الديمقراطي(Democratic Party) الذي تشكل حديثا ويعبر عن وجهات نظر إشتراكية قد فاز بأغلبية مطلقة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الثالث

Sunday, November 6, 2016

الجذور التاريخية للأزمة اليونانية وتأثيرها على الإتحاد الأوروبي(2)

اليونان لم تكن الدولة الوحيدة في الإتحاد الأوروبي التي عانت من الإحتلال حيث أن إسبانيا قد قامت بإحتلال هولندا حتى سنة 1581 وفي الحرب العالمية الثانية فإن فرنسا قد تم إحتلالها من قبل القوات الألمانية, الفرق بين اليونان وغيرها أن الإحتلال العثماني قد دام 300 سنة تقريبا.
هناك الكثير من العادات والتقاليد قد تأسست في تلك الفترة بسبب القوانين العثمانية التي كانت تفرض مايعرف بضريبة(الجزية) والتجنيد الإجباري لإبن واحد من بين كل خمسة أبناء للأسرة في قوات الإنكشارية حيث كان يتم إجباره على إعتناق الإسلام والخدمة في الجيوش العثمانية. وبسبب تلك القوانين فإن التهرب من دفع الضريبة وتقديم الرشى للمسؤولين العثمانيين لتجنب التجنيد في الإنكشارية كان يعد مفخرة وواجبا وطنيا حيث إستمرت تلك العادة حتى عصرنا الحالي.
التهرب الضريبي مشكلة موجودة في جميع الدول بلا إستثناء ومنذ قديم العصور ولكنه في عدد من جيران اليونان الأوروبيين فقد إرتبطت تلك المسألة بالإستقلال والدفاع عن سيادة الدولة. في بريطانيا فإن سنة 1798 قد شهدت أول قانون مؤقت بخصوص تنظيم مسألة فرض الضرائب والذي تحول إلى قانون دائم مع مرور الوقت خصوصا أثناء فترة الحرب العالمية الثانية.
في اليونان فإن من تولى إدارة البلاد هم أنفسهم من كانوا مسؤولين عن جمع الضريبة في السابق وهؤلاء كانوا ينظرون للدولة على أنها مصدر دخل وليس كحامية للحريات وحقوق الملكية خصوصا العقارية. حتى أن مسألة المحسوبية كانت مسألة متأصلة ومتجذرة في الثقافة اليونانية بحلول القرن التاسع عشر. في نهاية سنة 1880 وفي اليونان كان هناك 214 موظفا حكوميا لكل 10000 من السكان مقارنة بألمانيا 126 وبريطانيا 73 لنفس العدد من السكان. النظرة التقليدية في اليونان للدولة على أنها كانت تمتلك المال وبالتالي فيجب إغتنام الفرصة والحصول على عمل كموظف حكومي. ومنذ ذالك الحين وطوال 125 سنة لم يتغير الكثير بخصوص ذالك إلا أنها المسألة إزدادت مع إنضمام اليونان للإتحاد الأوروبي حيث زاد تدفق رؤوس الأموال والقروض المنخفضة الفائدة التي صاحبها تضخم البيروقراطية الحكومية عبر خلق وظائف غير ضرورية فيما يعرف بالبطالة المقنعة.
إن إستقلال اليونان عن الدولة العثمانية كان إسميا حيث إستمرت مجموعة دول خصوصا بريطانيا والولايات المتحدة بالتأثير على السياسة اليونانية خدمة لمصالحها في المنطقة. في مؤتمر لندن سنة 1832 فقد تقرر أن يكون نظام الحكم في اليونان ملكيا إثر إنتهاء الإحتلال العثماني وتم تعيين أمير بافاري يدعي (Otto أو Othon) كملك لليونان.
كلمة الديمقراطية هي بالتأكيد ذات أصل يوناني حيث اليونان أقدم دميقراطية ومارست الديمقراطية منذ العصور القديمة بإستثناء فترة الإحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية والحكم العسكري(1967-1974). ولكن الديمقراطية اليونانية مختلفة عن غيرها فاليونان منحت حق التصويت لأغلب الذكور من المواطنين اليونانيين سنة 1830 حيث كانت رائدة في ذالك مقارنة بجيرانها الأوروبيين خصوصا الدول التي تعتنق المذهب المسيحي البروتستانتي.
ولكن ماهي نقطة الإختلاف بين الديمقراطية اليونانية وغير من الديمقراطيات؟
اليونان إنتقلت لتلك المرحلة بطريقة مباشرة وبدون مرحلة الصراع الطبقي الذي تمر به الأمم خصوصا في الغرب في إنتقالها من نظام الحكم الإقطاعي إلى نظام الحكم الديمقراطي. اليونان إنتقلت لتلك المرحلة بدون نهضة صناعية حقيقة كالثورة الصناعية في أوروبا وبدون أن يتم تعزيز وجود طبقة الحكم البيروقراطية خصوصا الموظفين الحكوميين الذين كانوا ينظرون للدولة كمصدر للدخل مقابل الخدمات التي يقوم بها أولئك البيروقراطيون لصالحها. ولنقرب المسألة نستطيع تبني مبدأ الضريبة مقابل الخدمات حيث تقوم الحكومة المركزية والحكومات المحلية ومن يمثلها كالبلديات بفرض الضرائب على المواطنين مقابل الخدمات التي تؤديها الدولة لصالحهم كإنشاء البنية التحتية.
النموذج الغربي للدولة يقوم على تكتلات من المصالح التجارية التي تتلقى الدعم من طبقة المستثمرين والتجار والصناعيين والذي بدورهم يتلقون الدعم من خلال طبقة البيروقراطية الحكومية التي من المفترض أنها نزيهة لحد معين وتستمثر في الموارد البشرية والبنية التحتية والتي تعد ضرورية لإستمرار وبقاء الطبقتين السابقتين. إنتقال اليونان وبشكل فوري للنموذج الديمقراطي ومنح الحقوق الإنتخابية للذكور كمرحلة أولى لذالك النظام يضاف إليها سيادة النظام العائلي داخل المجتمع اليوناني قد أدى إلى أن تكون العلاقة مباشرة بين المواطنين وطبقة الموظفين الحكوميين الذين يمثلون الدولة. كلمة (Pelataikai) باللغة اليونانية أو الزبون(Customer) باللغة الإنجليزية هي أنسب كلمة لوصف تلك الحالة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الثاني