Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, June 4, 2024

ماذا بعد طوفان الأقصى؟

كانت انتفاضة أطفال الحجارة ١٩٨٧ علامة فارقة ومميزة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي بوصفها حراكا شعبيا إنطلق من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بدون أن يكون لأي فصيل سياسي فلسطيني أي دور فيه. الشرارة التي أطلقت الإنتفاضة كانت عبارة عن مواجهات في مخيم جباليا بسبب حادثة دهس متعمدة قام بها مستوطن صهيوني ضد عدد من العمال الفلسطينيين وامتدت لاحقا المواجهات الى جميع الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع والداخل(عرب ١٩٤٨). كان السلاح الوحيد لأبطال الانتفاضة خصوصا الأطفال هو الحجارة وكانت هناك دائما دعوات للإضراب وكانت قوات الإحتلال الصهيوني تجبر أصحاب الدكاكين على فتحها بالقوة وتكسر لهم أقفالها وأبوابها.

إنَّ أحد أهم إنجازات إنتفاضة ١٩٨٧ كانت أن العالم شاهد عرضا حيَّاً للوحشية الإسرائيلية التي كانت تطلق الرصاص على المعتقلين المكبلين من المسافة صفر وتضربهم ضربا مبرحا على الأيدي والأرجل أمام عدسات الكاميرات وتكسر لهم عظامهم. الإضرابات أدت الى خسائر اقتصادية فادحة في دولة الإحتلال الصهيوني بالإضافة الى الاستنزاف الاقتصادي بسبب استدعاء قوات الاحتياط فترات زمنية طويلة حتى أن بعضهم أصيب بالجنون وأمراض نفسية أخرى وبعضهم الأخر تمرد على أوامر قادته وتخلى عن الخدمة العسكرية مفضلا أن يحولوه الى محكمة عسكرية. إنجازات انتفاضة ١٩٨٧ حصلت بدون سلاح وبدون إطلاق رصاصة واحدة.

العالم بأكمله شاهد دبابة الميركافا تواجه حجر الطفل الشهيد فارس عودة  وتطلق عليه الرصاص وقنوات الأخبار نقلت خبر الناشطة والمناضلة الأمريكية راشيل كوري التي وقفت في وجه الجرافة الإسرائيلية التي كانت تهدم بيوت الفلسطينيين. الصراع مع العدو الصهيوني يحتاج الى ذكاء أكثر من حاجته الى عضلات ورصاص وقوة بدنية, يحتاج الى إستخدام العقل. المهاتما غاندي طرد الإحتلال البريطاني من الهند بدون أن يطلق أتباعه رصاصة واحدة وبسبب ذلك مازال الإعلام الإستعماري والمنحاز يعمل على تشويه صورته من خلال رواية الأكاذيب التي يرددها للأسف المتصهينون العرب بدون أدنى تفكير. الإمبراطورية البريطانية كانت لا تغيب عنها الشمس وأقوى من دولة الإحتلال الصهيوني بمراحل ولكنه رحلت من الهند غير مأسوف عليها.

إذا هناك وسائل أخرى غير إستخدام السلاح من الممكن أن تحقق إنجازات ولو على مراحل وببطء ولكن في النهاية فإن المحصلة النهائية تحقق المطلوب وربما أكثر من ذلك. إنَّ إنتفاضة ١٩٨٧  تقودني الى قطع مراحل زمنية الى الربيع العربي المشؤوم وكيف أن وسائل الإعلام إستغلت حادثة إنتحار بائع خضار تونسي متجول محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه أمام مبنى بلدية مدينة سيدي بوزيد في تونس. دولة الإحتلال الصهيوني كانت تعاني من مجموعة مشاكل مزمنة خلال الفترة التي سبقت سنة ١٩٨٧ لعل أهمها التعامل مع كتلة سكانية معادية وكان ذلك مرهقا من كافة النواحي الإقتصادية, السياسية والإجتماعية. وكان لابد من تمهيد الطريق لحل سياسي مؤقت ومرحلي يلقي بأعباء تلك الكتلة السكانية على جهة فلسطينية ما. ولكن من أجل تحقيق ذلك فقد كان لابد من مناسبة أو حادثة تشعل غضبا شعبيا وحتى تعطي أطرافا فلسطينية شيكاً على بياض من أجل أن تعقد إتفاقية حكم إداري وسيطرة أمنية محدودة بدون أن يكون ذلك نواة دولة فلسطينية مستقلة. حادثة الدهس في مخيم جباليا سنة ١٩٨٧ والذي كان متعمدا وربما مرتكبه تلقى أوامره من جهة ما حيث أدى ذلك الى إشعال انتفاضة ١٩٨٧ وبداية تفكير جهات فلسطينية في استثمار ذلك سياسيا.

أنا لست قديسا وآرائي قد تصيب أو تخطئ ولكن عملية طوفان الأقصى ٧/أكتوبر تتشابه في ظروفها مع انتفاضة ١٩٨٧ حيث أن الفصائل الفلسطينية المسلحة هي التي تقود الصراع وليس الشعب الفلسطيني وهناك فارق كبير. الفصائل الفلسطينية تخضع الى إعتبارات سياسية, اقتصادية ودولية لا يقبلها ولا يخضع لها الشعب الفلسطيني. كما استغلت فصائل فلسطينية انتفاضة ١٩٨٧, تسعى حركة حماس وغيرها من الفصائل الى استغلال عملية طوفان الأقصى بطريقة سوف تؤدي الى نتائج عكسية بسبب تدخلات دولية وإقليمية وكل جهة تبحث عن مصالحها ولو على حساب مصلحة الشعب الفلسطيني. تسليح الثورة الفلسطينية أو تسليح النضال الفلسطيني أدى الى نتائج عكسية والشعب الفلسطيني الآن  يباد على الجملة وبيوته تهدم وقطاع غزة أصبح منطقة غير صالحة للحياة والمجتمع الدولي يتحدث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لأن الفصائل الفلسطينية تمتلك الصواريخ والأسلحة وتتفاخر بأنه لديها أسلحة مضادة للطيران وليس حجارة يرميها أطفال قد لا تتعدى أعمارهم ١٥ سنة.

المثير للدهشة أن بعض وسائل الإعلام في الوطن العربي تتحدث أن عملية طوفان الأقصى هي بداية التحرير ثم يخرج آخرون بنبوئات دينية ويبدأ الدجل وبيع الوهم والشعوذة الإعلامية وغسيل دماغ المشاهدين ودغدغة عواطفهم. إن أحد أهم مشاكل المفكر والإعلامي العربي هو البعد عن الواقعية و مجاراة التيار حتى لو كان عكسيا. أحد البهلوانيات التي يمارسها إعلاميون عرب أن دولة الكيان الصهيوني كانت غائبة عن تخطيط حماس عملية طوفان الأقصى التي لم يكونوا يعلمون عنها شيئا. إن ذلك عبارة عن ترها سياسية لاتشتري علبة حليب أطفال أو دواء لأحد مواطني قطاع غزة المنكوبين دائما وأبدا. عملية طوفان الأقصى خدمت أهداف دولة الكيان الصهيوني من عدة نواحي مثل إستخدام الأسلحة والذخائر القديمة والتخلص منها فوق رؤوس سكان قطاع غزة, تجربة أسلحة حديثة خصوصا الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي حصلت على ساحة تدريب مجانية, تعاطف سياسي دولي وترديد بكائية المظلومية اليهودية, أموال وتبرعات ومساعدات بمليارات الدولارات وتعويم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي كان على وشك السقوط سياسيا ومواجهة المحكمة بتهم فساد واستغلال منصبه لأغراض شخصية.

حركة حماس والفصائل الفلسطينية ليس لديها فكرة عن ماذا بعد طوفان الأقصى. هناك الكثير من الالتزامات مثل إعادة الإعمار, البنية التحتية, المدارس والمستشفيات والحياة التي توقفت تماما في قطاع غزة. والأهم من هذا هو ماهي الضمانات بأن جيش الإحتلال الصهيوني لن يقوم بهدمها مرة أخرى. هناك أيضا مشكلة الرأي العام الدولي المتعاطف مع دولة الكيان الصهيوني والذي يعطيهم شيك على بياض حتى يفعلوا ما يريدونه. أما بالنسبة الى مظاهرات الجامعات أو إعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطينية مستقلة فإن ذلك لا يقدم ولا يؤخر في الصراع ولو قيد أنملة.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment