Flag Counter

Flag Counter

Monday, June 10, 2024

صفحات من تاريخ الدولة العثمانية(٢)

أحد أكثر الصفحات سوداوية في تاريخ الدولة العثمانية هو مصادرة أراضي الفلسطينيين وبيعها الى عائلات لبنانية و سورية ثرية والتي كانت تنقل ملكيتها تدريجيا الى الوكالة اليهودية. وعلى الرغم من الأدلة التاريخية والوثائق التي تثبت عملية البيع التي كانت من خلالها تنتقل ملكية الأراضي من الفلسطينيين الى الدولة العثمانية الى الوسطاء ثم الوكالة اليهودية , مازال هناك من يحاول تبييض صفحة الدولة العثمانية من تلك الجريمة وتحصين تاريخ العثمانيين من الانتقادات. السلطان العثماني عبد العزيز الأول أصدر سنة ١٨٦٩م فرمان تملك الأجانب مما جعل من السهولة على اليهود التسلل الى الفلسطين متسلحين بجنسياتهم الأجنبية وشراء الأراضي وإقامة المستعمرات. 

إن ترويج صنائع وأيتام الدولة العثمانية من مؤرخين ومفكرين ورجال دين تحصين تاريخها من الإنتقادات من خلال طريقتين: الأولى تحصينها دينيا والثانية تحصينها تاريخيا وهما متداخلان في قضية فلسطين تحديدا بسبب وجود المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين. كما أن موقع فلسطين مهم جغرافيا وفيها ثروات ضخمة من معادن ونفط تقدر قيمتها ٥ تريليون دولار كما ذكر وليام غاي كار في كتاب "أحجار على رقعة الشطرنج." إذا فإنه هناك مصلحة دينية,تاريخية واقتصادية من تواجد العثمانيين في فلسطين والحفاظ عليها من باب المصلحة وليس من باب الواجب الديني.

كان السلطان عبد الحميد الثاني شخصا صارما حازما شديد الذكاء وعلى إطلاع بالأحداث التي تجري في فلسطين بسبب ربط متصرفية القدس مباشرة مع العاصمة التركية في الأستانة. سنة ١٨٧٢م خلال حكم السلطان العثماني عبد العزيز الأول صادرت الدولة العثمانية أراضي مرج بني عامر والتي تبلغ مساحتها ٣٦٤ كم مربع من الفلاحين الفلسطينيين وباعتها الى عائلة سرسق اللبنانية المسيحية مقابل ٢٠ ألف جنيه إسترليني وذلك بسبب تراكم ديون الدولة العثمانية التي اقترضت مبالغ مالية كبيرة من العائلة. سنة ١٨٩١م أثناء فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني نجحت الوكالة اليهودية تحت سمع وبصر الحكومة العثمانية بشراء ٣١٥٠٠ دونم من الأراضي من عائلة سرسق التي لم تكن إلا وكيلا عقاريا يعمل مع الوكالة اليهودية في شراء الأراضي والعقارات.

إن قضية شراء أراضي مرج بني عامر عبارة عن مثال واضح على تساهل الدولة العثمانية مع الاستيطان اليهودي في فلسطين حيث سمح لهم عبد الحميد الثاني بدخول فلسطين والإقامة فيها ولكن ليس جماعات بل أفراد. كما أن قرارات حظر هجرة اليهود الى فلسطين لم تشمل يهود فرنسا وإنجلترا ودول أوروبية أخرى بسبب معاهدة الامتيازات الأجنبية التي وقعها السلطان سليمان القانوني. هناك تأسيس عدد من المستعمرات الزراعية خلال فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني حيث ازداد عدد اليهود ثلاثة أضعاف سنة ١٩٠٨ الى ثمانين ألفا مقارنة مع عددهم سنة ١٨٨٢.

أحد وسائل تحصين الدولة العثمانية والسلطان عبد الحميد الثاني دينيا هي رسالة أرسلها الأخير الى الشيخ محمود ابو الشامات شيخ الطريقة الشاذلية في دمشق وأن السلطان عبد الحميد الثاني كان معارضا بيع أراضي فلسطين الى اليهود وهجرتهم إليها. هناك عدة أسباب تدعو الى التشكيك في صحة تلك الوثيقة ودقتها تاريخيا. الرسالة ليست مذكورة في أرشيف الدولة العثمانية ولم تظهر إلا سنة ١٩٧٢م رغم وفاة عبد الحميد الثاني سنة ١٩١٨ ومحمود أبو الشامات سنة ١٩٢٣ ولكن الأخير لم يتحدث عن تلك الرسالة ولم يدافع عن سمعة أحد كبار أتباعه ومريديه. لغة الرسالة تثير الاستغراب بسبب عبارة "تفضلوا بقبول احترامي" وهي صيغة معاصرة لم تكن مستخدمة خلال تلك الفترة. كما أن الرسالة ممهورة بتاريخ ٢٢/أيلول/١٣٢٩, شهر ميلادي وسنة هجرية وكان من المفترض أن يكون الشهر وفق التقويم الهجري.

إن السبب المباشر في إسقاط عبد الحميد الثاني ليس له علاقة بقضية فلسطين وأنه رفض التنازل عنها الى الحركة الصهيونية واستيطان اليهود فيها ولكن خط سكة حديد برلين-بغداد-الكويت الذي كان تهديدا مباشرا للهند, درة التاج البريطاني بالإضافة الى امتيازات التنقيب عن النفط ٢٠ كم على جانبي الخط التي منحها السلطان عبد الحميد الثاني الى ألمانيا القيصرية. إن من أهم شروط اتفاقية فرساي التي وافقت عليها ألمانيا القيصرية هي نقل ملكية أسهم  سكة حديد برلين-بغداد والتنقيب عن النفط الى شركة بريطانية تمتلك الحكومة حصة من أسهمها.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment