Flag Counter

Flag Counter

Sunday, May 26, 2024

الحروب الصليبية, أسبابها ونتائجها

كانت أوروبا خلال الفترة التي سبقت بداية الحروب الصليبية(١٠٩٥م)  تعيش أوضاعا أقل ماتوصف بأنها مزرية حيث الفقر,الجهل وسيطرة الكنيسة على جميع مناحي الحياة حتى في تفاصيلها الدقيقة. التركيبة السكانية وتفاصيل الحالة الإجتماعية في أوروبا كانت تمر بمرحلة من التغيير حيث تحولت قبائل عديدة الى المسيحية منها الفايكنغ والسلاف وجميع من يسأل عن مصير الفايكنغ وعن سبب اختفائهم المفاجئ فقد تم تنصيرهم.  البابا أوربان الثاني  في إجتماع رجال الدين في مدينة كليرمونت الفرنسية دعا الى تحرير القدس وكنيسة القيامة من المسلمين(الهراطقة) وأعلن عن منح صك غفران من الذنوب يحصل عليه كل من يشارك في الجيوش المسيحية التي سوف تتوجه الى فلسطين.

أسباب الحروب الصليبية في جذورها اقتصادية رغم تغليفها بغلاف ديني عاطفي حيث استمرت خلال (١٠٩٦م-١٢٩١م) وحتى حروب الاسترداد(٧١٨م-١٤٩٢م)  في الأندلس وصفتها الكنيسة بأنها حروب صليبية والهدف مرة أخرى تحريض العاطفة الدينية وإستخدامها من أجل تحقيق أهداف وغايات سياسية. أوروبا المسيحية تعرضت الى صدمة حضارية بسبب العلوم والمعرفة التي كان الشرق متقدما فيها على أوروبا التي كانت تعيش خلال تلك الفترة فترة ظلامية من تاريخها وهي العصور الوسطى(المظلمة). المسلمون كانوا متقدمين في كافة المجالات العلمية, الأدبية, الثقافية والإقتصادية حيث كانوا يسيطرون على طرق التجارة ويتحكمون بالمضائق الحيوية والمهمة مثل مضيق جبل طارق, باب المندب و هرمز ويحققون أرباحاً ضخمة من الضرائب التي كانوا يفرضونها على القوافل التجارية الأوروبية خصوصا تجارة التوابل.

هناك أبواب متعددة للتغير فتحتها أوروبا بسبب الإحتكاك بثقافة الشرق المتقدمة على عصور التخلف الأوروبي والقائمة طويلة ولكن بعضها على سبيل المثال الجامعات التي كان هناك العديد منها في الشرق في مصر والمغرب ولكنها لم تكن معروفة في أوروبا. اختراع البارود الذي إنتقل من الصينيين الى العرب ثم الأوروبيين الذين نجحوا في تطويره بفاعلية وإستخدامه في الحروب. ولكن المسلمين كانوا في قمة التطور منذ منذ أكثر من مائتي سنة حيث أنه في بدايات القرن التاسع ميلادي, عاد الوفد الذي أرسله ملك الإمبراطورية الرومانية المقدسة شارلمان الى فرنسا مع هدية ثمينة هي ساعة مائية كانت هدية من خليفة المسلمين هارون الرشيد. شارلمان الذي أثارت تلك الساعة وطريقة عملها دهشته أمر بتحطيمها بالفؤوس بعد أن أشار عليه القساوسة والمستشارون بأنها مسكونة بالشياطين وأن الهدف من ارسالها هو سلبه المُلك. ولكن عندما حطموها فقد ندم شارلمان واستدعى المهندسين والخبراء ولكنهم لم يتمكنوا من إصلاحها.

كانت أحد أهم نتائج الحروب الصليبية هي حصول أوروبا على ثروات الشرق والتي يُعَرِّف عنها المؤرخون بأنها عملية التراكم الأولي ثم تطور ذلك تدريجيا الى حركة الكشوفات الجغرافية لأن إحتكاك الأوروبيين مع الشرق أدى الى تغيير كثير من المفاهيم وتبديد الخرافات والأوهام التي كانت تمنع خروجهم من معاقلهم وإستكشاف أراضي ماوراء المحيط. إنَّ إكتشاف الأراضي الجديدة والإحتكاك مع الشعوب الأخرى التي كانت بالتأكيد أكثر تقدما وتطورا من الأوروبيين  وإستغلال الطرق التجارية التي تم إكتشافها حديثا خصوصا الطريق حول رأس الرجاء الصالح قد أدى في مجمل نتائجه الى عصر النهضة(Renaissance) والمزيد من تراكم الثروات وبروز طبقة جديدة برجوازية من التجار وأصحاب رؤوس الأموال وظهور المدرسة الإقتصادية الميركانتيلية ومبادئها التي تعتمد الذهب والفضة أساس المعاملات التجارية. إنَّ تلك الطبقة البرجوازية هي التي قادت عملية التغيير القادمة ضد الطبقة الإقطاعية التي كانت تحكم بشكل رئيسي من خلال نظام سياسي ملكي يتبعه إقطاعيات يترأسها اللوردات أو النبلاء.

إن الثورات البرجوازية التي يعتمد المؤرخون أن بدايتها كانت مع الثورة الفرنسية(١٧٨٩م-١٧٩٩م) ولكن في الحقيقة فإن أول ثورة برجوازية كانت في إنجلترا(١٦٨٨) الثورة المجيدة التي أسس لها أوليفر كرومويل(١٥٩٩م-١٦٥٨م) حيث تم إعدام ملك إنجلترا تشارلز الأول سنة ١٦٤٩م وقطع رأسه أمام المبنى الذي سوف يصبح لاحقا مقر بنك إنجلترا المركزي والذي أعلن عنه سنة ١٦٩٤م بعد بضعة سنين من الثورة المجيدة(١٦٨٨م). الثورات البرجوازية هي ثورات مصالح مالية وليست المشكلة هي أن تُحكَمَ إنجلترا أو فرنسا من خلال ملكية أو ملكية دستورية أو نظام جمهوري ولكن المشكلة أن مجموعة من الأشخاص اتفقوا على عملية تغيير شاملة هدفها حماية مصالحهم المالية والاقتصادية التي من خلالها يمارسون نفوذهم السياسي.

إنَّ الثورة المجيدة في إنجلترا كان ضرورة لايمكن التخلي عنها حتى يمكن أن تبدأ إنجلترا في الإنتقال الى المرحلة التالية وهي الثورة الصناعية وإختيارها لذلك يعود الى مجموعة عوامل.  العامل الأول كان الموقع الجغرافي حيث أن إنجلترا عبارة عن جزيرة كبيرة  يسهل الدفاع عنها بدون الحاجة الى قوات برية كبيرة. العامل الثاني هو الأسطول البريطاني الذي كان في تلك المرحلة أقوى سلاح بحرية نجح في هزيمة جميع خصومه وقادر على حماية السفن التجارية الإنجليزية والسيطرة على المضائق البحرية المهمة. العامل الثالث هو مساحة الأراضي الإنجليزية الشاسعة والكثير منها تعتبر مشاع حيث تمت مصادرتها وتحويلها الى مراعي تنتج الأصواف الإنجليزية ذات الجودة المرتفعة والتي تقوم عليها صناعة الغزل والنسيج الأساس الذي قامت عليه الثورة الصناعية في إنجلترا.

الحروب الصليبية ليست كما يتعامل معها بعض المؤرخين حوادث معزولة وعندما يتحدثون عن تاريخ العالم الحديث فإنهم يبدأون من سنة  ١٧٨٩م تاريخ بداية الثورة الفرنسية. الحروب الصليبية كما شرحت بالتفصيل في الموضوع لها ما لها وعليها ما عليها والعالم قبل تلك الحروب ليس هو العالم بعدها ويمكن أن نعتبرها بداية صعود قوة العالم المسيحي الغربي وأفول قوة ونفوذ العالم الإسلامي خصوصا الشرق أوسطي.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment