Flag Counter

Flag Counter

Sunday, May 26, 2024

خفايا عمليات التدخل الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وأهدافها

عندما نفكر أو نتحدث عن  أمرا ما في الجيوبوليتكس الدولي خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية فإنَّ الولايات المتحدة دائما حاضرة وبقوة. كان العالم خلال الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى عالماً متعدد الأقطاب حيث هناك قوى أوروبية تحولت الى إمبراطوريات وسيطرت على مناطق تبعد عنها آلاف الكيلومترات. ولكن مع اقتراب القرن التاسع عشر من نهايته فقد نجحت بريطانيا في أن تكون القوة المهيمنة على المشهد السياسي والاقتصادي العالمي من خلال البحرية الملكية البريطانية التي كانت تعتبر الأقوى في المنطقة ونجحت في الإنتصار على جميع خصومها ولكن من دون أن تكون لديها القدرة على القضاء عليهم تماما حيث لم يكن ذلك ممكنا من دون تواجد قوات برية على أراضي تلك الدول.

الثورة الصناعية كانت عاملا مهما في تقدم بريطانيا على غيرها حيث أن البريطانيين إهتموا بالصناعة وتوجهت رؤوس الأموال الى بريطانيا بسبب عدة عوامل ليس هناك متَّسَعٌ لأن أذكرها في هذا الموضوع. دول أوروبية فرنسا وإسبانيا على سبيل المثال إستولت على مستعمرات في العالم الجديد وحقَّقَت ثروات هائلة من مناجم الذهب والفضة وتجارة التوابل ولكنها فضَّلت إنفاق ذلك المال على الترف وحياة الرفاهية والسلع الفاخرة وخسرت بذلك الكثير حيث أن ثرواتها توجهت نحو بريطانيا التي كانت مركزا صناعيا نابضا في قلب القارة الأوروبية. ولكن حيث يوجد المال والنفوذ هناك يتواجد المنافسين والألمان قرروا أن لا يقفوا متفرجين على حركة الكشوفات الجغرافية والحركة الاستعمارية بدون أن يكون لهم حصة في كعكة المستعمرات والثروات الهائلة التي تحتويها ونجحوا في منافسة بريطانيا في أمر مهم وحيوي وهو سلاح البحرية. فقد طوَّرَ الألمان سفنهم حتى تعمل على الوقود السائل الذي مصدره النفط وأرسلوا طرادا حربيا(الفهد-The Panther) سنة ١٩١١م في زيارة الى ميناء أغادير المغربي وكان متقدما على السفن الحربية البريطانية التي مازالت تعمل بواسطة الفحم. إن نتيجة تلك الزيارة كانت نقاش واسع داخل دوائر صنع القرار في بريطانيا خصوصا وينستون تشرشل الذي تم تعيينه أول أدميرال(وزير أو قائد عام) في تاريخ البحرية البريطانية الذي كان معارضا عملية تحويل سفن البحرية البريطانية حتى تعمل على الوقود السائل بديلا عن الفحم ولكن رأيه إنقلب ١٨٠ درجة بعد زيارة الطراد الألماني الى ميناء أغادير المغربي.

والحقيقة أن هناك الكثير من صفحات التاريخ التي يزورها المؤرخون أو في أفضل الأحوال يخفونها بهدف التضليل ورواية التاريخ من وجهة نظر معينة. الإنتصار الذي تحقق ضد نابليون بونابرت في معركة واترلو كان بسبب قوة الجيش البروسي وتقدم صناعته العسكرية ولكن البريطانيين نسبوا النصر لأنفسهم كما فعلت الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية على الرغم من أن النصر كان غير ممكن بدون مشاركة الجيش الأحمر(الإتحاد السوفيتي) والانتصار في معارك الجبهة الشرقية. بريطانيا التي كانت في تحالف الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى والثانية ولكنها بدأت في خسارة نفوذها ومستعمراتها تدريجيا في صالح الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت في زيادة نفوذها وقوتها بعد نهاية الحرب الأهلية وتوحيد جبهتنا الداخلية. بريطانيا ودول أوروبية أخرى بالطبع كانت مدينة للولايات المتحدة إذا أنه لولا الدعم الأمريكي بالسلاح والدعم اللوجستي والتدخل العسكري المباشر في مرحلة لاحقة, لم يكن من الممكن تحقيق الإنتصار في الحربين العالميتين الأولى والثانية وكانت ألمانيا حسمت الموقف في صالحها منذ صيف عام ١٩١٨م واستولت على القارة الأوروبية وربما لاحقا على بريطانيا. ولكن ذلك الدعم اللوجستي لم يكن مجاناً ولكنه كان مقابل قروض يتم تقديمها بشروط أهمها تخلي بريطاني التدريجي عن مستعمراتها حيث كانت الولايات المتحدة جاهزة من أجل أن تملأ الفراغ الناتج عن الإنسحاب البريطاني. الولايات المتحدة هيمنت على العالم عسكريا من خلال سلاح البحرية وحاملات الطائرات واقتصاديا من خلال إتفاقية بريتون وودز والدولار الأمريكي الذي فُرِض على العالم عملة احتياطي عالمي مدعوما بالقوة العسكرية الأمريكية.

وعندما نتعمق في قراءة ودراسة التاريخ سوف نكتشف أن رؤوس الأموال البريطانية التي توجهت نحو الولايات المتحدة بحثا عن فرص وأسواق جديدة بعد أن بلغت ذروتها في بريطانيا وأن هناك أشخاصا لعبوا أدواراً رئيسية في صقل وتثبيت القوة الأمريكية على رأسهم جي بي مورغان والذي كان من أحد أعرق الأسر المصرفية في بريطانيا مواطنا بريطانيا هاجر الى الولايات المتحدة وكان وكيل وشريك ومثل آل روتشيلد في الأراضي الأمريكية. هناك شخصية أخرى لعبت دورا رئيسيا في تاريخ الولايات المتحدة وهي جون.د.روكفلر  والذي لا يمكن الحديث عن تاريخ النفط في العالم بدون الحديث عنه والذي ساهم في تكريس السيطرة النفطية الأمريكية وهيمنتها في ذلك المجال الحيوي والمهم. الصراع الأمريكي-البريطاني على مناطق النفوذ والسيطرة في منطقة الشرق الأوسط لك يكن سوى صراعا على النفط بعد أن أدركت دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى أهميته وتعزز ذلك خلال الحرب العالمية الثانية حيث كان أحد أهم الأسباب التي أدت الى هزيمة قوات ألمانيا النازية في معارك الجبهة الشرقية وأوروبا.

ولعل هناك أمرا مهما لابد من أن أذكره في بداية الحديث عن تاريخ المؤامرات الأمريكية في الشرق الأوسط وأهدافها وهي أن النفط كان محورا رئيسيا فيها منذ بداية القرن العشرين. إنَّ عزل السلطان العثماني عبد الحميد الثاني كان سببه النفط وليس قضية فلسطين وأنه رفض التنازل عن فلسطين وترهات تاريخية يرددها أيتام الخلافة العثمانية يؤيدهم وسائل إعلام غربية تسعى الى إخفاء الحقائق وتزوير التاريخ. خط سكة حديد برلين-بغداد ولاحقا برلين-بغداد-الكويت قد أدى الى القلق بين السياسيين البريطانيين لسببين رئيسيين: الأول هو التهديد الألماني المحتمل للهند التي كانت تلقب درة التاج البريطاني, والثاني أن تصميم مسار الخط كان يمر على مقربة من مناطق تواجد النفط خصوصا في العراق-الموصل والكويت وأن عبد الحميد الثاني كان على إطلاع بذلك ومنح ألمانيا القيصرية إمتياز التنقيب على الثروات الطبيعية عشرين كيلومترا على جاني خط السكة الحديدي.

الولايات المتحدة كانت تراقب كل ذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وليس كما يعتقد البعض أنها كانت تقف متفرجة ثم يستشهدون بمبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون(ودروو ويلسون) الأربعة عشر ومنها حق تقرير المصير والتي خُدِعَ بها العرب واعتقدوا أن الولايات المتحدة طرف محايد ونزيه وسوف ينصفهم من ظلم البريطانيين والقوى الإستعمارية الاخرى ويمنحهم الإستقلال. الرئيس الأمريكي ودروو ويلسون الذي كان يصافح العرب باليمين ويمسك الخنجر حتى يطعنهم في الشمال والحقيقة أنه كان يفعل ذلك حتى مع حلفائه وشركائه الأوروبيين حيث أنه لم يكن سوى صنيعة أثرياء الولايات المتحدة جون.د.روكفلر و مصر في وول ستريت خصوصا جي بي مورغان. وودرو ويلسون هو من رسم خريطة العالم التي فُرِضَ على حلفائه الأوروبيين القبول بها وإلا فإن الولايات المتحدة لن تقدم لهم دولار واحد أو طلقة بندقية ليتدبروا أمورهم مع الجيش الألماني الذي كان على أبواب العاصمة الفرنسية باريس. وعد بلفور(١٩١٧) ليس سوى أحد نتائج الاجتماع بين الرئيس وودرو ويلسون ومستشاره العسكري الجنرال إدوارد هاوس بتاريخ ٥/يناير/١٩١٧ وهو الإجتماع الذي بدأ الساعة التاسعة صباحا وانتهى الحادية عشرة ونصف وتم خلال ذلك الاجتماع إعادة رسم خريطة العالم التي فرضتها الولايات المتحدة على حلفائها.

الولايات المتحدة كانت مؤيدة للخطوات البريطانية في تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين وكذلك الإتحاد السوفياتي ولكل من تلك الدول دوافعه الظاهرة التي يعلم عنها العامة ولكن ما بين السطور لا يقرأه إلا القليلون. في كتاب "أحجار على رقعة الشطرنج" يتحدث المؤلف وليام جاي كار عن ثروات معدنية في المنطقة المحيطة بالبحر الميت(فلسطين والأردن) بلغت تقديراتها خلال الفترة التي سبقت سنة ١٩١٨م ٥(تريليون) دولار وأنه لم يتم السماح بتسريب تلك الأخبار إلا سنة ١٩٤٨م بعد إنتهاء الإنتداب البريطاني وتأسيس دولة إسرائيل على أراضي فلسطين المحتلة. الجيولوجي غريغ كننغهام الذي عمل مع الحكومة البريطانية سنة ١٩١٨م تم استدعائه من كندا سنة ١٩٣٩م وقام بدراسات جديدة وتوفي بعد الانتهاء من مهمته في ظروف غامضة. إذا فإن الولايات المتحدة ساهمت في انتصار الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى وإسقاط الدولة العثمانية بوصف ذلك مشروعا إقتصاديا ودعمت فكرة تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين بوصف ذلك أيضا مشروعا إقتصاديا.

الولايات المتحدة عملت على تصفية النفوذ الفرنسي والبريطاني في منطقة الشرق الأوسط من خلال تخلي الدولتين عن المستعمرات في مصر, الجزائر, تونس, المغرب, سوريا, لبنان وغيرها من الدول. التدخل الأمريكي في حرب قناة السويس ١٩٥٦ وإيقاف الحرب سببه تهديد بريطانيا وفرنسا بالديون الأمريكية على البلدين نتيجة الدعم الذي تم تقديمه إليهما خلال الحرب العالمية الثانية. الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور و سياسيين أمريكيين شعروا بأن حرب ١٩٥٦ سوف تؤدي الى تغلغل الشيوعيين في المنطقة من خلال دعم مصر واقترابهم من السيطرة على منطقة قناة السويس الحيوية للملاحة البحرية وحركة النقل العالمي. مصر أيضا تحتوي على ثروات هائلة خصوصا في سيناء حيث كانت دولة الكيان الصهيوني تنتج مايعادل مليار دولار شهريا من النفط من أراضي سيناء المحتلة. العامل الاقتصادي دائما كان حاضرا في حروب الولايات المتحدة وتدخلها في منطقة الشرق الأوسط.

سوريا ضحية المخططات الأمريكية منذ استقلالها عن فرنسا سنة ١٩٤٦م وهناك مجموعة أسباب الكثير منها عبارة عن ساتر دخاني أو تضليل حتى لاتتمكن الشعوب من معرفة الحقيقة مثل إستخدام أساطير دينية عن عودة المسيح في دمشق آخر الزمان وأخبار معارك الملاحم في مرج دابق التي تقع في ريف مدينة حلب وغير ذلك الكثير. ولكن الحقيقة أنَّ سوريا مركز رئيسي للطاقة في المنطقة بسبب مشاريع خطوط أنابيب نقل النفط من قطر وحقول آسيا الوسطى الى الموانئ التركية خصوصا ميناء جيهان حيث يتم إختصار الوقت والتكاليف وضمان إستقرار الإمدادات. كما أنه هناك حقول نفط وغاز تجارية في الرقة ودير الزور وحقول نفط وغاز بحرية في منطقة الساحل السوري وعلى أعماق قليلة تجعل من عملية استغلالها تجاريا أمرا مربحا. روسيا حصلت منذ وقت طويل على موطئ قدم في البحر الأبيض المتوسط في مينائي طرطوس و اللاذقية حيث لديها قواعد بحرية وهو أمر لا تنظر له الولايات المتحدة بعين الرضا والقبول. الحديث عن سوريا يطول ولكن نموذج الدولة السوري أمر كان تشعر الولايات المتحدة منه بالانزعاج وتسعى الى تحطيمه, اكتفاء غذائي خصوصا من القمح مع قدرات تصديرية وثروات معدنية ونفطية و قدرات صناعية تعتبر متقدمة عند المقارنة مع دول أخرى تمتلك أضعاف مضاعفة مما تمتلكه سوريا وكتلة سكانية في العموم تعتبر معادية للمشاريع الأمريكية في المنطقة.

إن دول مثل مصر, سوريا, ليبيا, تونس واليمن ضحية مشتركة لمخططات التدخل الأمريكية في إطار ثورات الربيع العربي والأسباب إقتصادية أولاً ثم أسباب ثانوية لها علاقة بالسياسة. الرئيس محمد حسني مبارك رفض إقامة قواعد عسكرية أمريكية في مصر رغم الإغراءات التي تم تقديمها له مثل شطب ديون مصر الخارجية كاملة وبدأ في مد خطوط اتصال مع إيران وتعزيز التواصل مع روسيا والصين. كما أن قناة السويس مهمة في الملاحة البحرية وحركة النقل العالمية خصوصا ناقلات النفط وهي خارج السيطرة المباشرة للكارتيلات المالية التي تتبع بنوك وول ستريت وذلك سبب رئيسي في إسقاط الرئيس مبارك من خلال إنقلاب أبيض نفذه الجيش المصري حيث كان وزير الدفاع المشير الطنطاوي في زيارة البيت الأبيض قبل بضعة أيام على بداية أحداث ٢٥ يناير. الرئيس الليبي معمر القذافي قام ببناء مشروع النهر الصناعي العظيم والذي كان تخريب منشآته من أولويات العصابات الثورية الأمريكية في ليبيا حيث كانت ليبيا قبل ذلك تستورد كميات هائلة من المياه من دول أوروبية. كما أن معمر القذافي بدأ في إقناع الدول الإفريقية التمرد على هيمنة الدولار الأمريكي وبيع ثرواتها خصوصا النفط مقابل اليورو أو حتى الدينار الذهبي الأفريقي الذي بدأ في صكه بالفعل وبكميات ضخمة. اليمن دولة لديها حدود طويلة وممتدة مع المملكة العربية السعودية التي تعتبر المنتج الأول للنفط وحليف للولايات المتحدة أو هكذا يعتقد بعضهم. ولكن السعودية بدأت في شق عصا الطاعة الأمريكية من خلال توسيع العلاقات مع الصين ومحاولة الوصول الى توافق مع إيران وزيادة مستوى التعاون مع روسيا خصوصا في الجانب العسكري وكان لابدَّ من إسقاطها في مستنقع فيتنام خاص بها وكان الخيار الأفضل والأقرب هو اليمن حيث تولت توكل كرمان وتنظيم الإخوان المسلمين مسؤولية إسقاط اليمن في فخ الربيع العربي. أما تونس فهي قضية غير واضحة المعالم بالنسبة الى الكثيرين الذين يسألون عن سبب إختيار أحد أقرب حلفاء الولايات المتحدة في إفريقيا أول ضحية لما يسمى ثورات الربيع العربي. صهر الرئيس التونسي يدعى صخر الماجري كان يسعى الى بناء مشروع مالي مصرفي ضخم في تونس وفق أو أقرب ما يكون في الشبه الى جزيرة مانهاتن في مدينة نيويورك الأمريكية ولكنه يعتمد الصيرفة الإسلامية وذلك كان سوف يسحب البساط ولو تدريجيا وببطئ من تحت أقدام النظام المصرفي التقليدي الذي يعتمد نظام القروض الربوي الذي يلعب فيه أثرياء ومصارف وول ستريت دورا رئيسيا ومهما.

وفي ختام الموضوع أعتقد أن الصورة قد أصبحت واضحة حول الأسباب والأهداف الحقيقية لعمليات التدخل الأمريكية في الشرق الأوسط وذلك على الرغم من الإطالة والتي تكون ضرورية في مسائل معينة حيث لا ينفع الاختصار وقد يؤدي الى التشويش على الصورة الكلية أو وجهة النظر التي يسعى الكاتب الى توضيحها.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment