Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, August 30, 2022

هل من الممكن أن تنقذ الحمية الغذائية النباتية النظام البيئي من الإنهيار؟

كنت قد تحدَّثت في موضوع سابق "هكذا يصنع الإعلام الأزمات" عن التضليل وغسيل الأدمغة الذي تمارسه وسائل الإعلام الرئيسية على الجماهير في محاولة من أجل تمرير أجندات سياسية, إقتصادية وإجتماعية تخدم مصالح نخبة الأقلية من الأغنياء على حساب الأغلبية من فقراء العالم. هناك عدة تحذيرات صدرت على هامش العملية العسكرية الوقائية التي يقوم بها الجيش الروسي في أوكرانيا حول مسألة مهمة وهي مجاعات واسعة النطاق و موجة هجرة جديدة خصوصا من دول إفريقيا والشرق الأوسط. المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ماركل كانت تعبِّرُ عن قلقها من تفاقم مشكلة الغذاء العالمية لو نجحت دول مثل الهند أو الصين في إطعام جميع سكانها ثلاثة وجبات يوميا.

إنَّ جمعيات الدفاع عن البيئة والاشخاص الذين يدعون الى الحمية الغذائية النباتية والتخلي عن تناول اللحوم يقومون بالدعاية ضد شركات صناعة اللحوم ومزارع تربية الماشية والدجاج وذلك أنها مساهم رئيسي في التغير المناخي والإحتباس الحراري وحتى إزدياد الجوع في العالم. إنَّ مساحات شاسعة تستخدم في زراعة علف الحيوانات مثل الأبقار, الدجاج والخنازير يمكن أن تستخدم في إنتاج الغذاء لإطعام عدد سكان الأرض الذي يتزايد بإستمرار. كما أن الغابات المطيرة و الإستوائية يتم قطع أشجارها وتحويل الأرض إلى زراعة علف الماشية وذلك يساهم في ظاهرة تعرية التربة والتصحر وظواهر أخرى لها علاقة بالبيئة وصحة الإنسان.

هناك مجموعة نقاط في غاية الأهمية علينا أن نأخذها في اعتبارنا عند نقاش مشكلة انتشار الجوع وازدياد المجاعات في دول العالم المختلفة. وسائل التقاش التقليدية لن تقدِّمَ أي معلومات مفيدة ولكن مفهوم الإقتصاد السياسي يمنح مجموعة من الأسباب التي يمكن إستخدامها في النقاش. المثير للدهشة هو أنه في الوقت نفسه الذي يهاجم أنصار البيئة وجمعيات النباتيين وحقوق الحيوان مزارع الماشية والدجاج التي تستخدم أساليب الزراعة الصناعية المكثَّفة وأنها تساهم في زيادة الجوع بسبب زراعة مساحات شاسعة بمحاصيل تستخدم في إطعام الماشية, يدافعون عن إنتاج الوقود الحيوي من محاصيل مثل الذرة وقصب السكر. هناك مساحات شاسعة من الأراضي في دول مثل البرازيل وحتى الولايات المتحدة التي تستخدم في زراعة محصول الذرة الذي يتم تخصيصه من أجل إنتاج الوقود الحيوي. كما أنه هناك محاصيل يتم إلقاء الفائض منها في البحر من أجل المحافظة على سعر مرتفع.

إتفاقيات التجارة الحرَّة مع دول في إفريقيا تحظر على الحكومات تقديم الدعم الى المزارعين وفي الوقت نفسه تقوم الدول الأوروبية بتقديم الدعم الى مزارعيهم مما يزيد من قدرتهم في منافسة المزارعين المحليين. النتيجة هي التخلي عن الزراعة والهجرة إلى المدن من أجل البحث عن وظيفة بسبب انخفاض أسعار المحاصيل وعدم قدرتهم على المنافسة. السلفادور هي أحد دول أمريكا اللاتينية والتي تعتبر مصدِّرا رئيسيا للحوم الى الولايات المتحدة. في دولة السلفادور هناك ارتباط بين انخفاض عدد المزارع الصغيرة وزيادة الصادرات من اللحوم الى الولايات المتحدة حيث تستولي الشركات العابرة للقارات على مساحات الأراضي وتستخدمها في زراعة علف الماشية. كما أنه في دولة السلفادور وعلى الرغم من ذلك, تزداد نسبة وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية والجوع حيث تبلغ نسبة وصول المواليد الى عمر ٤ سنين ٥٠% فقط.

في الولايات المتحدة نفسها الإحصائيات صادمة للغاية. إنِّ نسبة محصول الذرة الذي يتم تخصيصه من أجل إطعام الماشية هي ٧٧% مقارنة مع ٢% للإستهلاك المحلي, نسبة الأراضي المخصَّصَة من أجل زراعة الخضراوات مقارنة مع علف الماشية هي ٧%, نسبة محاصيل الحبوب التي يتم تخصيصها من أجل إطعام الماشية ٧٠% والتي تكفي من أجل إطعام مليار ونصف شخص. كما أنه هناك ٤% من سكان العالم يعيشون في أراضي الولايات المتحدة ولكنهم يستهلكون ٢٣% من إنتاج اللحوم. 

هناك إحصائيات أخرى صادمة للغاية ولها علاقة مباشرة مع مشكلة المجاعة ونقص الغذاء على مستوى العالم. في مصر يتم إطعام ٣٦% من إنتاج مصر من الحبوب إلى الماشية حيث يتم استيراد ما يزيد عن ٨ ملايين طن سنويا, الأردن يستورد ٩١% من إحتياجاته من الحبوب خصوصا القمح بينما في السعودية تبلغ تلك النسبة ٥٠%. خلال تسعينيات القرن العشرين, كانت الصين تصدِّرُ محاصيل الحبوب الى دول مختلفة ولكن مع إقتراب نهاية الألفية, أصبحت الصين ثاني أكبر مستورد للحبوب في العالم حيث اليابان في المرتبة الأولى وحيث يتم تخصيص ٢٦% من إنتاج محاصيل الحبوب من أجل إطعام الماشية.

 الناشطون البيئيون لن يتحدثوا عن مساحات الأراضي الشاسعة في دول مثل كندا والتي أصبحت صالحة من أجل زراعة القمح بسبب ارتفاع درجات الحرارة. هناك نوع من التوازن الذي يفرضه كوكب الأرض والنظام البيئي الذي نعيش فيه, فيضانات في دول بينما تعاني دول أخرى من الجفاف هي أحد مظاهر فرض التوازن وليست كما يهوِّلُ البعض سببها الإحتباس الحراري. أثرياء العالم يستولون على المحاصيل من أجل إطعام الماشية وإنتاج الوقود الحيوي بينما فقراء العالم يعانون من الجوع وذلك هو أحد الأسباب الحقيقية التي تؤدي الى ازدياد نسبة الجوع وإنتشار المجاعات في أكثر من دولة.

إنَّ مشكلة الجوع في العالم سببها غياب التوازن وليس التغير المناخي والإحتباس الحراري والذي هو في الوقت نفسه سبب في تراجع الصحة الجسدية والعقلية. العادات الغذائية السليمة, عدم الإفراط في تناول اللحوم وممارسة الرياضة سوف تعطي نتائج إيجابية. الحقيقة هي أن الإمتناع عن تناول اللحوم والاستعاضة عن ذلك بالحمية النباتية له تأثير على البيئة بسبب الحاجة الى زيادة مساحات الأراضي المزروعة بالخضراوات والفواكه. هناك إفراط في استخدام محاصيل مثل القمح في إنتاج مواد غذائية كمالية للأثرياء فقط لأنهم يملكون المال من أجل دفع ثمنها بينما يتضور فقراء العالم جوعا.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment