Flag Counter

Flag Counter

Wednesday, August 17, 2022

اليونان, الديون, مستقبل اليورو والاتحاد الأوروبي

إن الفترة التي تلت أزمة الديون السيادية اليونانية ٢٠١١/٢٠١٠ وتدخل البنك المركزي الأوروبي مدفوعا بدعم ألماني لا محدود في سبيل إنقاذ الإتحاد الأوروبي من عملية إنهيار محتملة, قد شهدت تحسنا ملحوظا في إقتصاديات دول الأزمة مثل اليونان وإسبانيا. ففي اليونان, انتعشت البورصة بفضل استثمارات بقيمة ١٣٧ مليون يورو منذ سنة ٢٠١٣/٢٠١٢ حيث اعتبر ذلك انعكاس الثقة بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة اليونانية للحد من الإنفاق وتقنين الهدر المالي وتقليص حجم الجهاز الحكومي. السياحة في اليونان والتي تعتبر ١٧% من الناتج الإجمالي المحلي في اليونان قد شهدت تحسنا ملحوظا حيث ازدادت أعداد السياح القادمين الى اليونان. إن جهود الحكومة الإسبانية من أجل خفض مستوى الأجور بالإضافة الى تعديلات قامت بها الحكومة الإسبانية على قانون العمل قد أدت في النهاية الى تحقيق انتعاش اقتصادي ملحوظ في دولة تبلغ ديونها مئات المليارات من اليوروهات.

ولكن مازال هناك الكثير ليتم إنجازه سواء في اليونان أو في البرتغال أو في إسبانيا وإيرلندا. النقابات العمالية مازالت قوية وترفض تقديم أي تنازل لخفض الأجور أو تخفيض سقفها التفاوضي حول البنود في عقود العمل. مثال بسيط هو ما قامت به الحكومة اليونانية خلال سنة ٢٠١٠ حيث باعت ٥٠% من ميناء بيريوس(Piraeus) الى شركة صينية(Cosco) وبقي ٥٠% من الميناء تحت إدارة الحكومة اليونانية. والنتيجة يمكن ملاحظتها سنة ٢٠١٢: إزدياد حجم مناولة الحاويات في القسم الصيني من الميناء بمقدار الضعف الى ١.٠٥ مليون حاوية بينما بقي الحال في القسم الذي بقي خاضعا للحكومة اليونانية والنقابات العمالية على حاله حيث ضعف الإدارة وارتفاع الأجور أعاق عمليات التطوير فيه. القسم الصيني من الميناء, يعمل فيه ٤ عمال على كل رافعة على تحميل وتنزيل الحاويات بينما تتطلب قوانين نقابة عمال الميناء اليونانية ٩ أشخاص للعمل على كل رافعة حاويات مما يرفع التكلفة إلى أكثر من الضعف.

منطقة العملة الأوروبية الموحدة سوف تبقى معرضة الى اختلالات هيكلية لأنه بدون سياسة اقتصادية مشتركة تجمع بين الدول الأعضاء, لا يمكن الحفاظ على ثبات عملة اليورو. الإصلاحات الداخلية التي تقوم بها دول الإتحاد الأوروبي لا تكفي لمواجهة آثار الأزمات الاقتصادية ومشكلة الديون السيادية بل يجب القيام بإصلاحات واسعة على مستوى الإتحاد الأوروبي. أحد تلك الإصلاحات يتعلق بالتخفيض الإلزامي في نسبة العجز في الموازنة الى أقل من ٣% عندما تكون نسبة العجز الى الناتج الإجمالي المحلي ٦٠% أو أقل حيث يلزم الإتفاق تخفيض نسبة العجز التي تزيد عن نسبة ٦٠% بمقدار ٥% سنويا. كما أنه تتم دراسة إقتراح متعلق بإنشاء صندوق إنقاذ يتبع الإتحاد الأوروبي لمساعدة البنوك الأوروبية التي تتعرض الى ضغوطات مالية حيث يبلغ رأسماله ٦٠ مليار يورو.

إن ألمانيا لا تمتلك أدوات سياسية للسيطرة على كامل الإتحاد الأوروبي, إلا أنها تعتبر أعظم قوة إقتصادية فيه بلا منازع. سندات الخزانة التي يصدرها البنك المركزي الأوروبي سوف تعتبر أكبر منافس إن لم تتفوق في معايير الأمان وثقة المستثمرين على سندات وزارة الخزانة الأمريكية حيث سوف تعتبر أداة استثمارية جاذبة لرؤوس الأموال. كما أن دول الإتحاد الأوروبي سوف تكون قادرة على دعم عملتها الموحدة عبر إحتياطي ذهبي يزيد عن عشرة آلاف طن متري, يزيد عن إحتياطي الحكومة الأمريكية المعلن من الذهب بمقدار ٢٥%. وتشير التقديرات الى أن اليورو سوف يزيح الدولار من عرش عملة الاحتياطي العالمي سنة ٢٠٢٥ بفضل احتياطات الذهب الضخمة, السيولة النقدية التي يمكن توفيرها عبر إصدار سندات البنك المركزي الأوروبي وتماسك اليورو والثقة الممنوحة للعملة الأوروبية الموحدة في أسواق الصرف الدولية.

إن الإتحاد الأوروبي يعتبر أكبر قوة إقتصادية على وجه الكرة الأرضية, أكبر من الولايات المتحدة أو الصين واليابان مجتمعتين. خلال العقد القادم, سوف يتمكن الإتحاد الأوروبي من التحول الى قوة عظمى معادلة للولايات المتحدة إن لم تكن متفوقة عليها. ألمانيا هي قلب تلك القوة العظمى النابض. وأنا أعلم أن الكثيرين سوف يعترضون ولكننا ربما نشهد ولادة الرايخ الألماني الرابع وريث الرايخ الثالث في العظمة والتفوق العلمي والتكنولوجي.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment