Flag Counter

Flag Counter

Friday, December 31, 2021

البيضة أولا أم الدجاجة, هل النفط هو سبب الاضطرابات السياسية في الدول المنتجة والمصدرة له؟

إن السياسة والنفط أمران لا يمكن أن نفصل بينهما. شركات التنقيب عن النفط ومعاهد الأبحاث نشرت دراسات تشير الى أنَّ منطقة بحر قزوين تحتوي على ثاني أكبر إحتياطي من النفط في العالم بعد منطقة الخليج العربي وبالتالي يمكن إعتبارها بديلا إستراتيجيا إستيراد النفط من تلك المنطقة المضطربة سياسيا. لكن المثير للاستغراب أن منطقة بحر قزوين هي نفسها أقرب الى برميل بارود ينتظر الانفجار في أي لحظة. هناك مجموعة أسباب لها تعود جذورها إلى فترة حكم الاتحاد السوفياتي السابق حيث تم تقسيم المنطقة جغرافيا والهدف كان إضعاف العرقيات والأقليات في المنطقة حتى تتصارع فيما بينها. منطقة ناغورني-كاراباخ ذات الأغلبية الأرمينية تم ضمها الى أذربيجان ذات الأغلبية المسلمة, مناطق ذات أغلبية سكانية طاجيكية تم الحاقها بدولة أوزبكستان ومناطق ذات غالبية سكانية أوزبكية تم توزيعها على طاجيكستان وقيرغيزستان.

هناك عدد من مشاريع خطوط أنابيب نقل النفط في منطقة بحر قزوين وجميعها تمر في مناطق تعتبر مضطربة سياسيا. إنَّ خطَّ الأنابيب الأقصر والأكثر جدوى إقتصاديا هو الذي يبدأ من أذربيجان وتركمانستان الى موانئ إيرانية تقع على الخليج العربي. ولكن ذلك الخط لا يمكن إقامته بسبب عقوبات إقتصادية تم فرضها على إيران منذ فترة حكم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون سنة ١٩٩٥. خط الأنابيب الثاني تم بناؤه خلال فترة حكم الاتحاد السوفياتي السابق يبدأ من أذربيجان وتركمانستان وينتهي في ميناء نوفوروسيسك على البحر الأسود ثم عبر المضائق في تركيا إلى البحر الأبيض المتوسط. إن ذلك الخط قيد الاستخدام حاليا ولكن يمر عبر عدة مناطق مضطربة هي الشيشان, داغستان و جمهورية أوسيتيا الجنوبية التي أعلنت الإنفصال في السابق عن جورجيا وحيث تتواجد قوات حفظ سلام تابعة للقوات المسلحة الروسية. ومن أجل محاولة تفادي تأثير النفوذ الروسي, هناك اقتراح مد خط أنابيب نقل النفط عبر جورجيا إلى ميناء (Supsa) على البحر الأسود ولكنه من المفترض أن يمر في منطقة ناغورني-كاراباخ التي تعتبر ساحة صراع بين أذربيجان و أرمينيا منذ عدة عقود. 

منطقة الخليج العربي وبحر قزوين ليست مناطق إنتاج النفط الوحيدة التي تعاني من الإضطرابات السياسية. أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا-لوس أنجيلوس مايكل روس(Michael L. Ross) حاول أن يشرح في كتاب "لعنة النفط" أسباب عدم الاستقرار في الدول المنتجة للنفط مقارنة مع غيرها. القارة الإفريقية فيها عدد من الدول المنتجة للنفط لعل أهمها هي نيجيريا بالإضافة الى إكتشاف النفط في عدة دول إفريقية أخرى منها نيجيريا, أنغولا, ليبيا وجنوب السودان. ولكن هناك دول أخرى غير منتجة للنفط تعاني من اضطرابات سياسية مثل جورجيا وهناك دول منتجة للنفط مثل النرويج وهي تعتبر ديمقراطية ومستقرة سياسيا. الجزائر عانت من الاضطرابات السياسية والمذابح الدموية فيما عرف بإسم العشرية السوداء. الحرب الأهلية في السودان كان سببها النفط حيث هناك عدة حقول منتجة في جنوب السودان و احتياطيات نفط بكميات تجارية. نيجيريا تعاني من اضطرابات دينية بين المسلمين والمسيحيين حيث تنشط جماعة بوكو حرام وإضطرابات عرقية بين مجموعات مختلفة تسكن شمال وجنوب نيجيريا. 

إن عدم استقرار الأوضاع في منطقة الخليج دفع الولايات المتحدة ودول غربية الى منطقة بحر قزوين من أجل التنقيب عن النفط ومن ثم أصبح احتياطيات النفط في القارة الإفريقية وهي متواضعة وتبلغ ١٢٥ مليار برميل وهي نصف احتياطيات المملكة العربية السعودية ٢٦٠ مليار برميل جاذبة للاستثمارات الأجنبية. فقد بلغت استثمارات شركات النفط الأمريكية ٥٠ مليار دولار حيث تعمل شركتين أمريكيتين بشكل رئيسي في نيجيريا وهما شيفرون وهيركوليس بالإضافة الى شركات أجنبية مثل شركة شل الهولندية. هناك نقطة مهمة وهي أن تلك المناطق سواء في الخليج العربي, بحر قزوين أو القارة الإفريقية تعاني من الإضطرابات الدموية والحروب العرقية والأهلية حتى خلال الفترة التي سبقت اكتشاف النفط ولكنَّ إكتشافه زاد من حدة تلك المشاكل ودمويتها وأعطاها بعدا عالميا. وعلينا أن لا نسقط من حساباتنا دولة الصين التي بدأت تدخل القارة الإفريقية بقوة استثماراتها والشركات الصينية التي تتلقى الدعم الكامل من الحكومة في العاصمة بكين. إن كتاب مايكل روس(Michael L. Ross) يشبه محاولة الإجابة على السؤال الشائع, البيضة أولا أم الدجاجة؟ هل النفط سبب الاضطرابات السياسية في دول مختلفة أم أنَّ هناك عوامل أخرى تساهم في الإبقاء على حالة عدم الإستقرار في تلك الدول؟

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment