Flag Counter

Flag Counter

Saturday, January 1, 2022

حروب الذهب الأزرق

إنَّ الذهب هو معيار القيمة في أي معاملات او حتى القاب تطلق على سلع ثمينة نتعامل بها. على سبيل المثال, يطلق لقب الذهب الأصفر على ذلك المعدن الثمين الذي يستخرج من باطن الأرض ويعتبر مخزنا للقيمة. كما يطلق على النفط لقب الذهب الأسود بسبب أهميته حيث يقال أنه لا حضارة كما نعيشها اليوم ولا رأسمالية بدون النفط. أما الماء(المياه), تلك قصة أخرى لأنه يطلق عليها لقب الذهب الأزرق. ليس هناك سر في أنَّ الإنسان يمكن أن يعيش بدون نفط  وبدون ذهب ولكن ليس بدون مياه. في القرآن الآية ٣٠ من سورة الأنبياء:"وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ." وفي السنة النبوية قصة بغي بني إسرائيل التي غفر الله لها لأنها سقت كلبا عطشاً في الصحراء وقصة سيدنا عثمان رضي الله عنه وبئر رومة ومعركة بدر وسيطرة المسلمين على آبار المياه قبل المعركة وأنَّ ذلك كان أحد أسباب نصرهم ومعركة حطين التي إستخدم فيها صلاح الدين الأيوبي نفس الخدعة ومنع المياه عن جيوش الصليبيين.

إنَّ أحد أهم أسباب الحضارة في منطقة ما هو توفُّر المياه مما يعني زراعة الأرض وتوفرُّر كمية الغذاء الكافية(سعرات حرارية) من أجل دعم عدد معيَّن من الأفراد سوف يؤسسون بنيان تلك الحضارة. حضارة المايا التي لم يكن يعلم أحد سر اختفائها حتى وقت قريب عندما أجرى العلماء بعض الأبحاث التي أدت الى اكتشاف السبب وهو عقود متواصلة من الجفاف. الحضارة الفرعونية وهي من أعظم الحضارات في العالم والتي مازالت آثارها شاهدة عليها يعود سبب ازدهارها إلى نهر النيل. مصر نفسها يطلق عليها هِبَةُ النيل. حضارة بلاد الرافدين وحضارة أوغاريت وكل تلك الحضارات قد كان توفر المياه سببا رئيسيا في وجودها. سوريا والعراق حاليا تعانيان من مشكلة المياه بسبب قيام تركيا ببناء السدود على نهر الفرات وعدم احترامها الاتفاقيات المائية الموقعة بين البلدين. مرتفعات الجولان السورية التي تحتلها دولة الكيان الصهيوني تحتوي على مخزون ضخم من المياه الجوفية بالإضافة إلى مياه بحيرة طبرية. أحد أسباب حرب ١٩٦٧ الرئيسية إن لم يكن أهمها هو قيام الطيران الإسرائيلي بضرب مشروع تحويل مياه نهر الأردن في سوريا في إبريل/١٩٦٧.

دولة الكيان الصهيوني مستمرة في مساعيها من أجل محاصرة مصر مائيا. مشروع قناة جونقلي بين مدينتي بور وملكال في جنوب السودان والذي يبلغ طولها ٣٦٠ كم كانت سوف تؤدي الى توفير كميات ضخمة من المياه المهدورة وزراعة نصف مليون فدان من مساحات المستنقعات التي سوف يتم تجفيفها. القناة التي كان من المقرر أن تبدأ من قرية جونقلي ويبلغ طولها ٣٦٠ كم قد توقف العمل فيها سنة ١٩٨٣ بعد أن تم حفر ٢٦٠ كم بسبب نشوب الحرب الأهلية في السودان ولم يتم العمل على استكمالها بعد ذلك. جنوب السودان من أخصب الأراضي الزراعية وقد وضعت الشركات الأمريكية عليها بأبخس الأثمان بعد إنفصال جنوب السودان سنة ٢٠١١. ولكن العلاقة بين السودان ومصر حول توزيع حصص مياه النيل ليست دائما على مايرام ولكن وفق المثل القائل:"عدو عدوي هو صديقي." مشروع بناء سد النهضة الأثيوبي يهدد البلدين معا فيما يتعلق بالحصص المائية من مياه نهر النيل واحتمال انهياره يعني كارثة محققة للبلدين الذي سوف تغرق مناطق واسعة منهما في مياه السد. مشروع قناة نهر الكونغو الذي تربط النهر الذي ينبع من جنوب جمهورية الكونغو الديمقراطية(زائير) مع أحد روافد نهر النيل هو مشروع مشترك بين مصر, السودان والكونغو ويعود إلى ما قبل انفصال جنوب السودان.

لقد أصبح من الواضح أن أحد أهم أسباب انفصال جنوب السودان هو محاصرة مصر فيما يتعلق بمواردها المائية حيث توقف العمل على عدد من المشاريع المائية المهمة منها قناة جونقلي ومشروع نهر الكونغو وهناك مشكلة سد النهضة الأثيوبي التي لم يتم حلها الى الآن. ولكن تلك ليس الحرب المائية الوحيدة في المنطقة. الحرب بين مصر وليبيا, حرب الأربعة أيام, أحد أسبابها الرئيسية إن لم يكن هو السبب الرئيسي المياه. الرئيس المصري أنور السادات كان يعتبر أنه ليس من حق ليبيا التصرف في مخزون مياه الكفرة الجوفية لأنها تمتمد الى مصر والسودان وحتى تشاد حين قرَّرَ الرئيس الليبي معمر القذافي بناء مشروع النهر الصناعي العظيم. وفي العراق وخلال فترة حكم الرئيس صدام حسين فقد تم حفر نهر صدام بين نهري دجلة والفرات. الهدف المعلن كان إستصلاح الأراضي الملوثة في المنطقة عبر غمرها بالمياه ولكن الهدف الغير معلن هو بداية تجفيف المستنقعات بين العمارة والبصرة وبذلك القضاء على آخر ملاذ آمن تستخدمه المعارضة العراقية. دول الخليج العربي غنية بالنفط ولكنها فقيرة في المياه حيث موارد المياه الجوفية محدودة والأمطار قليلة والاعتماد على مياه محطات تحلية البحر. ولكن حرب الخليج الأولى (١٩٨٠-١٩٨٩) وحرب الخليج الثانية (١٩٩٠-١٩٩١) وحرب الخليج الثالثة (٢٠٠٣) أثبتت أنَّ الحفاظ على سلامة وأمن تلك المحطات هو أمر بالغ الصعوبة ويستنزف الكثير من الموارد. 

المياه هي أحد الأسباب الرئيسية للحروب التي تنشب في العالم وأحد الأسلحة التي يتم إستخدامها من أجل تحقيق أهداف جيوسياسية. ظواهر التغير المناخي والاحتباس الحراري تؤدي إلى إرتفاع درجة حرارة الأرض وبالتالي تفاقم مشكلة الجفاف ونقص المياه في عدة مناطق حول العالم مما يعتبر أحد أسباب مشكلة اللجوء خصوصا موجات اللجوء من بلدان إفريقية تعاني من الحروب الأهلية والجفاف. وفي الختام بعض الأرقام من كتاب:"حرب الذهب الأزرق " حروب المياه القادمة ... صراع العالم على المياه " من تأليف طاهر شلبى وهي التالي: طباعة صفحة من كتاب ورقي ١٣ لتر, قميص قطني واحد ٢٧٠٠ لتر, بنطال جينز واحد ٨٠٠٠ لتر, صناعة الأصبغة ٥ تريليون لتر/سنويا, سندويش الهمبرغر ٢٤٠٠ لتر, فنجان قهوة ١٢٥ ملم ١٤٠ لتر, هكتار واحد من الموز ٢٥٩٢٢ لتر, كوب من عصير البرتقال ٥٠ لتر, كوب من عصير التفاح ٧٠ لتر, فدان الأرز ٦٠٠٠-٧٠٠٠ متر مكعب/سنويا, فدان قصب السكر ٩٠٠٠ متر مكعب/سنويا. 

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment