Flag Counter

Flag Counter

Saturday, November 5, 2022

النفط, الحرب والدولار

كانت الحرب العالمية الأولى نقطة تحول رئيسية في تاريخ النفط الذي كان قبل ذلك مجرَّدَ سلعة يستخرج منها بشكل رئيسي وقود الكيروسين المستخدم من أجل الإنارة ومنتجات ثانوية أخرى مثل وقود السيارات و زيوت تشحيم الآليات والمركبات. الإمبراطورية البريطانية التي كانت في تنافس مع ألمانيا القيصرية أدركت أهمية النفط خلال فترة بدأت في تحويل أسطولها البحري والحربي الى إستخدام الوقود بديلا عن الفحم.

إن أحد أهداف الحرب العالمية الأولى كان تقسيم ممتلكات الإمبراطورية العثمانية التي وصفت بأنها رجل أوروبا المريض حيث ضمَّت بريطانيا الى إمبراطوريتها الواسعة العراق الغني بحقول النفط خصوصا منطقة الموصل وعملت على تأسيس دولة كردستان الكبرى لولا ظهور مصطفى كمال أتاتورك في تركيا والذي أفسد ذلك. كما عملت بريطانيا على تحقيق وعد بلفور و تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين بهدف إيجاد وكيل لها في المنطقة ومنع ظهور تكتلات سياسية تستفيد من النفط في تحقيق استقلالها السياسي والاقتصادي بعيدا عن السيطرة الاستعمارية البريطانية.

وفي الوقت نفسه, فقد كانت الولايات المتحدة تراقب الوضع الجيوسياسي في المنطقة العربية وتنتظر الفرصة المناسبة من أجل الاستحواذ على حصتها من النفوذ والثروات الطبيعية وعلى رأسها النفط. إنَّه من الثابت تاريخيا ومن خلال الوثائق التي رفعت عنها السِّرية والأحداث التي ترافقت مع الحرب العالمية الأولى أن رؤوس الأموال الأمريكية التي تمثلها مصارف وول ستريت هي التي كانت من وراء الستار تحرِّك الأحداث وترسم خطوط الصراع العالمية.

إنَّ الحرب العالمية الثانية كانت هي الفرصة التي تنتظرها الولايات المتحدة التي دخلت الحرب متأخِّرة عن الدول الأخرى وبذلك ضمنت إستنزاف جميع الأطراف وتحقيق النصر بأقل التكاليف والخسائر البشرية. الإمبراطورية اليابانية التي كانت تفتقر الى الموارد الطبيعية خصوصا النفط تعرَّضَت خلال الفترة التي سبقت الحرب الى حصار أمريكي غير مباشر من خلال سيطرة رؤوس الأموال الأمريكية على شركات الشحن مما أثَّرَ على واردات اليابان من النفط التي وجدت نفسها مضطرة الى إعلان الحرب على الولايات المتحدة وكان الهجوم على بيرل هاربر هو البداية.

إنَّ تأثير النفط على مسار العمليات العسكرية في الحرب العالمية الثانية هو أمر أصبح واضحا للكثير من المؤرخين حيث لعب دورا رئيسيا في هزيمة القوات الألمانية في معارك الجبهة الشرقية وفي معركة الأردين ١٩٤٤م التي كانت تعتبر نقطة تحول حاسمة في مسار الحرب. فقد توقفت كتائب الدبابات الألمانية التي كان يعتمد عليها بشكل رئيسي في المعركة عن الحركة وذلك بسبب نقص الوقود. الولايات المتحدة نجحت في اتفاقية بريتون وودز ١٩٤٤م ومن خلال ما تمتلكه من نفوذ سياسي وقوة عسكرية في أن تفرض الدولار عملة احتياط عالمية. كما نجحت في أن تفرض على بريطانيا التخلي عن عدد من مستعمراتها من خلال منحها الإستقلال تمهيدا لأن تحل مكانها وفق نظرية الفراغ والتي طورتها لاحقا الى نظرية عرفت بإسم الفوضى الخلاقة.

الدول الأوروبية في ستينيات القرن العشرين بدأت تشعر بالقلق من زيادة كمية الدولارات التي تطبعها الولايات المتحدة وذلك بسبب حرب فيتنام و سياسات الرئيس ليندون جونسون الإقتصادية التي عرفت بخطة المسدس والزبدة(Guns&Butter). الدول الأوروبية بدأت في مبادلة الدولار مقابل الذهب مما أدى إلى إنخفاض حاد في إحتياطي الذهب لدى الحكومة الأمريكية وإعلان الرئيس ريتشارد نيكسون وقف مبادلة الدولار مقابل الذهب سنة ١٩٧١م.

ولكن الولايات المتحدة كانت في حاجة إلى بديل عن الذهب من أجل الحفاظ على قوة الدولار ومركزه بوصفه العملة الاحتياطية العالمية. ريتشارد نيكسون مستشار الأمن القومي الأمريكي نجح في سنة ١٩٧٥م أن يعقد اتفاقا مع المملكة العربية السعودية في أنها تبيع نفطها حصريا بالدولار الأمريكي مقابل قيام الولايات المتحدة بحماية العرش السعودي. السعودية بوصفها أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة أوبك كانت مؤثرة على سياسات المنظمة وفرضت ذلك على باقي الأعضاء.

الولايات المتحدة كانت تعاقب أي دولة تخالف ذلك وتبيع نفطها مقابل أي عملة أخرى كما حصل في العراق سنة ٢٠٠٣م حين أسقطت نظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين لأنه أعلن أنه سوف يبيع النفط مقابل الدينار العراقي واليورو بينما الرئيس الليبي معمر القذافي كان ينوي أن يمتنع عن بيع النفط الليبي إلا مقابل الدينار الذهبي الإفريقي. بل وأثار غضب الولايات المتحدة لأنه كان يحرِّضُ دولا إفريقية على بيع النفط والثروات الطبيعية الأخرى مقابل الدينار الذهبي الإفريقي الذي سوف يصبح عملة القارة الإفريقية في تعاملاتها الدولية.

الولايات المتحدة مستمرة في إفتعال الأزمات بهدف الحفاظ على هيمنتها على إقتصاد العالم بواسطة الدولار الأمريكي الذي مازال يعتبر عملة الإحتياط العالمي وتقدَّر نسبته من الكتلة النقدية في العالم ٦٠% تقريبا. في السابق, كانت وسيلتها المفضَّلة هي الحروب, الغزو العسكري المباشر. ولكن حاليا فإنَّ ذلك أمر صعب التحقيق لأنه يعني سقوط عدد كبير من الجنود قتلى مما يؤثر على الرأي العام. البدائل متوفرة من خلال حروب الجيل الرابع والخامس بإستخدام الإعلام, وسائل التواصل الإجتماعي, حقوق الإنسان والحريات وربما أهم اداة وهي الحرب على الإرهاب, تنظيمات غامضة تنفذ عمليات غامضة الأهداف وتتلقى تمويلها وأوامرها من أجهزة مخابرات غربية.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment