Flag Counter

Flag Counter

Sunday, November 20, 2022

الصين, الولايات المتحدة وصراع الهيمنة على العالم

إن موقف الصين من الأزمة بين روسيا وأوكرانيا يذكرني بموقف ستالين خلال الحرب العالمية الثانية من المعارك في مسرح العمليات الأوروبي, كان يقف متفرجا بينما يتصارع خصومه الأيدولوجيون فيما بينهم. الصين دبلوماسيا وقفت الى جانب موسكو في مجلس الأمن والمحافل الدولية ولكنها في الوقت نفسه, أصدرت تصريحا موجها الى جميع أطراف النزاع يحذِّرُ من عواقب إستخدام أسلحة نووية. الصين تحاول أن تبقى على الحياد وعينها على تايوان وتنتظر الفرصة المناسبة من أجل ضمِّها رسميا الى الصين ودوائر صنع القرار الأمريكية تعلم ذلك وتشعر بالقلق من ذلك.

إن العلاقات بين روسيا والصين تعود الى ظهور الشيوعية وبروز الإتحاد السوفياتي طرفا رئيسيا في الحرب الباردة وصراع القطبين. الولايات المتحدة وفق مبدأ فرِّق تَسُد إستغلت الخلافات بين البلدين الشيوعين وحاولت إستمالة الصين الى صفها من أجل إضعاف الإتحاد السوفياتي. جذور ذلك الخلاف بين البلدين يمكن تلخيصه في إختلاف الأيديولوجيا الشيوعية التي تبنتها الصين والتي كانت تعتبر مجتمعا زراعيا, اشتراكية الفلاحين, بينما الإتحاد السوفياتي تبنى اشتراكية العمال حيث كان شعار كارل ماركس:"يا عمال العالم إتَّحِدوا."

هناك الكثير من التحريض على الصين في وسائل الإعلام الغربية وأن الصين تسرق الوظائف من الأمريكيين والأوروبيين, وأنَّ البضائع الصينية الرخيصة تغرق الأسواق في الدول الغربية, وأن الحكومة الصينية مسؤولة عن سرقة الإختراعات من الغرب, وأن البضائع الصينية المقلّدّة تؤدي الى خسارة الشركات الغربية مليارات الدولارات وأن الصين تسعى الى الهيمنة على العالم وغير ذلك الكثير.

إن تلك الاتهامات يمكن تفنيدها بسهولة ولكن للحديث على الصين بقية. البضائع الصينية الرخيصة ليست إلا بضائع الشركات الأمريكية والأوروبية التي إختارت نقل مصانعها الى الصين توفيرا للتكاليف خصوصا العمالة وتحرُّراً من القوانين البيئية المشتدِّدَة. مشكلة فقدان الوظائف هي مشكلة الرأسمالية بشكل عام حيث السعي باستمرار إلى إستخدام الروبوت والحاسب الآلي في عمليات التصنيع وقطاع الخدمات وبالتالي الاستغناء عن العمالة توفيرا للتكاليف. الشركات وحتى الحكومات الغربية لديها أقسام كاملة مسؤولة عن التجسس الصناعي والتجاري والنهضة الصناعية والعسكرية الأمريكية مصدرها العلماء الذين فروا من ألمانيا أو قبضت عليهم القوات الأمريكية بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية.

هناك نقطة مهمة للغاية يتم تجاهل الحديث عنها في وسائل الإعلام والنخب من كتاب ومثقفين في الدول الغربية وهي أنَّ الولايات المتحدة وليس الصين مسؤولة عن جميع الأزمات الإقتصادية العالمية بداية من أزمة الكساد العظيم(١٩٢٩-١٩٣٣) و أزمة الرهون العقارية منخفضة الجودة(٢٠٠٧-٢٠٠٩) والأزمة القادمة التي يتوقع المحللون والمختصون أنها سوف تكون أزمة ديون سيادية سوف تكون الولايات المتحدة مساهما رئيسيا فيها.

الكاتب والمحلل الإقتصادي الأمريكي جايمس ريكاردز في كتابه حروب العملات(Currency Wars)يصف مشاركته في مشروع سيناريو حرب إفتراضية قام البنتاغون(وزارة الدفاع الأمريكية) بإدارته حيث تقوم الصين وروسيا من خلال المشتقات(Derivatives) بإدارة حرب اقتصادية غير تقليدية ضد الولايات المتحدة. ولكن الكاتب في الوقت نفسه يتجاهل أن تلك الأدوات المالية مثل التزامات الدين المكفول وعقود المستقبليات هي من إختراع إقتصادي وول ستريت وليس الصين.

إنَّ الصين تسعى الى الهيمنة الإقتصادية على العالم ولكن في الوقت نفسه بدون تحمل مسؤوليات تحولها الى قوة عظمى وطرفا رئيسيا في صراع الأقطاب العالمي. ولكن ذلك أمر غير ممكن في المنظور البعيد أو القريب وفق أكثر التقديرات تفائلاً. الصين تعاني من عدة مشاكل رئيسية ربما أحدها المشكلة الديمغرافية وسياسة الطفل الواحد التي تخلَّت عنها الحكومة الصينية مؤخرا بعدما أدركت عواقبها الوخيمة على مستقبل الصين الإقتصادي والعسكري. الدولار وليس اليوان لا يزال يعتبر عملة الاحتياط العالمي في التعاملات الدولية وتسعير السلع والخدمات خصوصا النفط. القوة العسكرية الأمريكية مازالت تهيمن على المحيطات والبحار والمضايق وحركة الملاحة البحرية من خلال الأساطيل البحرية حاملات الطائرات القادرة على نقل القوات والمعدات الى أي منطقة من مناطق النزاع في العالم وفي زمن قياسي.

إنَّ الولايات المتحدة تسعى الى إستمرار بسط هيمنتها على العالم من خلال سيطرتها على الإقتصاد وتحكمها في حركة التجارة العالمية. ولكن هناك عقبتين رئيسيتين تحولان دون ذلك, أحدهما الصين والأخرى روسيا حيث تسعى دوائر صنع القرار والنخب الأمريكية إلى تفكيك الدولتين أو إضعافهما من خلال إثارة النزاعات الاقتصادية والجيوسياسية حيث يتم إستخدام دول مثل أوكرانيا وتايوان, بيادق يتم التضحية بها على رقعة الشطرنج, بينما تبقى الولايات المتحدة بعيدة عن التأثير المباشر لتلك النزاعات والمستفيد الأول منها.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment