Flag Counter

Flag Counter

Sunday, October 23, 2022

لماذا رفض ستالين الانضمام الى اتفاقية بريتون وودز؟

كان هاري وايت رئيس الوفد الأمريكي إلى مؤتمر بريتون وودز ١٩٤٤م أحد الأشخاص المؤثرين الذين رسموا ملامح النظام الاقتصادي العالمي خلال الفترة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد لعب هاري وايت دورا مهما في جلسات مؤتمر بريتون وودز فقد كانت الجلسة الأولى التي ناقشت تأسيس صندوق النقد الدولي برئاسته. ولكن أرشيف مكتب التحقيقات الفيدرالي و ملفات مكتب المخابرات السوفياتية(كي جي بي) التي رفعت عنها السِرَّية وصفت هاري وايت بأنه كانت لديه أفكار موالية للشيوعية وقد تم التحقيق معه عدة مرات تلك التهمة وتوفي في ظروف غامضة سنة ١٩٤٨م بعد أن كان إستقال من منصبة في السنة التي سبقتها. هناك إعتقاد بأن رفض ستالين الانضمام إلى اتفاقية بريتون وودز وبالتالي الإفلات من مصيدة الدولار الأمريكي كان سببه معلومات سرية سربها هاري وايت إلى المخابرات السوفياتية. كما أنني أرغب في إضافة رأي شخصي أن وفاة ستالين سنة ١٩٥٣م في ظروف غامضة حيث هناك شبهة التَسَمُّم ربما سببها يعود رفضه إنضمام الإتحاد السوفياتي الى تلك الإتفاقية.

إنَّ إتفاقية بريتون وودز لم تظهر هكذا الى العلن سنة ١٩٤٤م بل تم التمهيد لها منذ القرن التاسع عشر حيث مرَّت بعدَّة مراحل في إنتظار فرصة مناسبة للإعلان عن النظام المالي العالمي الذي سوف يحكم العالم عدة عقود قادمة. البداية في عام ١٨٦٧م في مؤتمر باريس الدولي حيث تم الإعلان رسميا عن اعتماد المعيار الذهبي في التعاملات التجارية الدولية وبين الحكومات والبنوك المركزية. المرحلة الثانية تم الإعلان عنها في سنة ١٩٢٢م في مؤتمر جنوه الاقتصادي الدولي الذي اعتمد سبيكة الذهب معيارا ماليا عالميا. المرحلة الثانية في تأسيس المنظومة النقدية المالية المعاصرة هي إتفاقية بريتون وودز ١٩٤٤م حيث تم فرض الدولار الأمريكي وسيلة عالمية للمعاملات والاحتفاظ بالاحتياطات حيث يمكن مبادلة الدولار مقابل الذهب في أي وقت وفق معادلة سعرية ٣٥ دولار/أونصة. المرحلة الرابعة هي اتفاقية جامايكا سنة ١٩٧٦م حيث تم التخلي عن تثبيت سعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى وتم الإعلان عن تعويم أسعار الصرف.

إن القرن التاسع عشر عبارة عن محاولات مستمرة من آل روتشيلد من أجل السيطرة على احتياطيات الذهب العالمية وذلك على مستوى الدول. وقد نجحت تلك المحاولات تزامنا مع حروب نابليون الأوروبية التي قدَّم من خلالها آل روتشيلد القروض الى جميع أطراف النزاع حيث تدفق الذهب الى خزائنهم مقابل تلك القروض التي كانت تستخدم في دفع نفقات الحرب. الحرب العالمية الأولى كانت فرصة ذهبية من أجل أن يقوم آل روتشيلد بإفراغ ماتبقى من ذهب في خزائن الدول الأخرى فقد قاموا بتقديم القروض المكفولة مقابل الذهب الى جميع الدول المتحاربة. كما أن أسرة مورغان المصرفية كانت تمثِّل أعمال آل روتشيلد في الولايات المتحدة وقد نجحوا من خلال جي بي مورغان الإبن في أن يصبحوا وكلاء تجاريين رسميين لصالح بريطانيا وفرنسا فقد كانوا يقومون بتزويد تلك الدول بالأسلحة والذخائر ومستلزمات الحرب مقابل الذهب حصرا مما أدى الى حصول آل مورغان وبالتالي آل روتشيلد عمولات ضخمة وزيادة مافي حوزتهم من الذهب.

ولكن الإعلان عن إتفقية بريتون وودز لم يكن ممكنا بدون الإستيلاء على ماتبقى من ذهب والذي كان النسبة الأكبر منه في حيازات خاصَّة في الولايات المتحدة تحديدا. سنة ١٩٣٣م وفي مساعي الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت من أجل القضاء على حالة الكساد(١٩٢٩-١٩٣٣) والتي ترافقت مع إنهيار أسواق البورصة في وول ستريت, فقد أصدر مرسوما يعاقب بالسجن عشرة سنوات أو بغرامة تصل الى عشرة آلاف دولار أو العقوبتين معا كل مواطن أمريكي يحتفظ بكمية من الذهب أو المشغولات الذهبية يزيد إجمال وزنها عن ١٠٠ أونصة حيث كان سعر الذهب ٢٢ دولار/أونصة. ولم يستثني قرار الرئيس الأمريكي إلا عدد من الأشخاص الذين يعملون في مهن تتطلب منهم الإحتفاظ بكميات من الذهب تزيد عن ١٠٠ أونصة مثل أطباء الأسنان ومن يعملون في صياغة المشغولات الذهبية وذلك وفق شروط مشَدَّدَة للغاية. إنَّ كميات الذهب التي تم جمعها وتحويها الى سبائك قد ضاقت بها خزائن قلعة فورت نوكس التي تحتفظ فيها الحكومة الأمريكية بإحتياطها من الذهب وخزائن بنك الإحتياطي الفيدرالي في مدينة نيويورك.

إنَّ الهدف من إتفاقية بريتون وودز كان تحويل البلدان التي تقبل الإنضمام الى مستعمرات إقتصادية تابعة للولايات المتحدة, سوق للصادرات الأمريكية والحصول على الخامات والسلع الأولية بأثمان منخفضة. إن نمو اقتصاد أي دولة خلال الفترة التي أعقبت اتفاقية بريتون وودز كان يتطلب نموا في كتلتها النقدية والتي كان من المفروض أن تكون سابقا مكفولة بما يعادلها بالذهب ثم في مرحلة لاحقة الدولار الأمريكي. إنَّ مقارنة بسيطة بين إقتصاد الإتحاد السوفياتي خلال القترة التي سبقت إنهيار جدار برلين(١٩٨٩-١٩٩١) ومن ثم انضمام دولة روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي الى صندوق النقد الدولي خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون يكشف الفارق في الأداء وحجم إحتياطي الذهب والعملات الصعبة و الناتج المحلي الإجمالي. إنَّ ستالين كان على صواب في رفضه الإنضمام الى تلك الإتفاقية المشؤومة والتي رأي فيها تهديدا وجوديا للإتحاد السوفياتي وربما قد دفع حياته ثمنا لموقفه وهو الثمن الذي سوف يدفعه كل من يتصدى للطغمة المالية العالمية وأطماعها في السيطرة على العالم.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment