Flag Counter

Flag Counter

Friday, October 14, 2022

نهاية النظام الرأسمالي بين الحقيقة و الوهم

في كتاب "الرأسمالية, الإشتراكية والديمقراطية" يصف الإقتصادي الأمريكي من أصول نمساوية جوزيف شومبيتر مصطلح التدمير الخلاق(Creative Destruction) بأنه أحد أهم صفات النظام الإقتصادي الرأسمالي التي تجعله قابلا للتكيف مع عالم متغيِّر بإستمرار. إنَّ طبيعة رأس المال الذي يبحث عن تحقيق الأرباح حيث هناك تختفي الأفكار وتظهر مكانها أفكار أخرى أكثر قدرة على المنافسة وتقديم بديل يضمن الإستمرارية والبقاء من خلال دوران رأس المال وتحقيق الأرباح. إنَّ تقديم الأمثلة يجعل من مصطلح التدمير الخلاق أكثر وضوحا. 

إنَّ ظهور شبكة الإنترنت وتطبيقاتها العملية كانت علامة فارقة في تاريخ الرأسمالية حيث أصبح تدفُّق وتبادل المعلومات أكثر سهولة ومرونة. التجارة الإلكترونية على سبيل المثال أصبحت منافسا للمتاجر التقليدية حيث يمكن طلب المنتجات والخدمات التي تصل الى العنوان الذي يختاره المشتري بسرعة قياسية. شركة كوداك أصبحت أحد ضحايا التدمير الخلاق حيث أدى ظهور تكنولوجيا التصوير الرقمية الى إختفاء تقنيات التصوير التقليدية من كاميرات وأفلام وثم تكنولوجيا الهواتف المحمولة التي أصبحت تتميز بكاميرات تصوير عالية الدقة وحلت محل كاميرات التصوير الرقمية. الأفلام أصبحت يتم تصويرها بواسطة كاميرا بمساحات تخزين رقمية متنوعة بدلا من الأفلام التقليدية ذات مساحة التخزين المحدودة.

النظام الرأسمالي يمكن تشبيهه بالأفعي التي تغيُّر جلدها سنويا أو الحيوانات التي تمارس تقنية التخفي عن مفرتسيها الطبيعيين من خلال تغيير لونها الى الوان البيئة المحيطة بها. ولكن المثير للإهتمام في نظرية جوزيف شومبيتر عن الرأسمالية والتدمير الخلاق هو أنَّ إنهيار الرأسمالية هو مسألة وقت وأن النظام الإشتراكي سوف يحل مكانها بديلا عنها. ولكن على الرغم من معارضة الكثيرين وجهة نظر شومبيتر, إلا أنه مع مرور الوقت فقد أصبح من الواضح دِقَّةُ توقعاته وصِحَّتها. الأزمات الإقتصادية هي الوسيلة التي من الممكن أن نختبر فيه صحة نظريات شومبيتر خصوصا التدمير الخلاق.

خلال أحداث الأزمة الإقتصادية التي عرفت بأزمة الكساد العظيم(١٩٢٩م-١٩٣٣م) والتي لم تنتهي إلا مع تدخل الحكومة الأمريكية من خلال خطَّة الرئيس فرانكلين روزفلت(The New Deal). أزمة الرهون العقارية منخفضة الجودة(٢٠٠٧م-٢٠٠٩م) والتي بدأت في الولايات المتحدة وتحولت الى أزمة عالمية حيث أصبح إنهيار الإقتصاد العالمي على وشك الإنهيار لولا حزم التحفيز الحكومية وبرامج التسهيل الكمي وتخفيض سعر الفائدة إلى ما يقارب الصفر مئوية. إنَّ عمليات التدخل الحكومي التي قدَّمت القروض الى البنوك والمؤسسات المالية التي كان تصنيفها من أنها "أكبر من أن تفشل" تتناقض مع طبيعة النظام الرأسمالي ونظرياته التي تتعارض مع التدخل الحكومي في الأسواق والتي تعتبر من سياسات الحكومات الشيوعية الشمولية. حكومة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قامت بتأميم شركات وبنوك استثمارية متعثرة من خلال شراء أسهمها أو سنداتها المالية وذلك أيضا يتعارض مع أبسط مبادئ الرأسمالية.

آدم سميث مؤلف كتاب "ثروة الأمم" وصف النظام الرأسمالي بأنه ضد الاحتكارات وأنه يتميز بمجموعة مبادئ أهمها "دعه يعمل, دعه يمر" و "اليد الخفية" والتي تعني بأنَّ القرارات التي يتخذها الفرد سوف تؤدي لاشعوريا الى تحقيق مصلحة الجماعة. ولكن التناقضات بين نظريات آدم سميث و الرأسمالية المعاصرة يجعل من الصعوبة التوفيق بينهما. النظام الاقتصادي الحالي لا يمكن وصفه بأنه رأسمالي ولكن جوزيف شومبيتر قد يكون على صواب وقد يكون الزمن أنصف ذلك الاقتصادي النمساوي وأثبت صحة نظرياته.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment