Flag Counter

Flag Counter

Sunday, October 30, 2022

المرابون الدوليون وعبادة المال, قراءة تاريخية

المرابون الدوليون هو مصطلح يطلق على المصرفيين الذين يقترضون الأموال الى الأفراد والدول وذلك مقابل نسبة فائدة يتفق عليها. إن البشرية كانت منذ بداية الخليقة أمام خيارين, إما عبادة الله او عبادة المال حيث لا يمكن الجمع بين الأمرين. الإنجيل كان واضحا في تلك المسألة حيث أخبر يسوع المسيح تلاميذه في إحدى عظاته أن دخول الجمل في ثقب إبرة أسهل من دخول شخص ثري الى ملكوت الله[١]. كما أنه طالب تلاميذه وأتباعه بأن يتخلوا عن كنوزهم الأرضية(ثرواتهم) ويشتروا كنزا في السماء[٢].

الأديان جميعها حرَّمت الفائدة بما فيها اليهودية ولكن هناك التباس في أنَّ اليهودية لا تحرِّم على اليهودي إقراض شخص مقابل الفائدة لو كان غير يهودي أو من الأمم الخرى(الأغيار) و مصدر الالتباس هو نصوص وردت في سفرالتثنية[٣]. إن يسوع المسيح لم يؤسِّس أي ديانة مسيحية ولم يترك أي تعليمات الى أتباعه بتأسيس تلك الديانة. يسوع المسيح ولد وعاش ومات يهوديا كما ورد ذلك في نصوص الإنجيل. وقد كان غاضبا من ممارسات المرابين وجشع التجار حيث دخل عليهم في الهيكل وقلب طاولاتهم ووصفهم بأنهم لصوص[٤]. 

ولكن الذي سيطر على كتابة التاريخ في مرحلة لاحقة هو المرابون وأتباعهم ممن إختاروا منذ قديم الأزل عبادة المال و صنعوا العجل الذهبي وعبدوه من دون الله.اليهودية التلمودية هي التي كتبت التاريخ اليهودي  من خلال العهد القديم من الكتاب المقدس الذي قام بتأليفه وتجميع نصوصه الكاهن عزرا العائد مع مجموعة من اليهود من السبي البابلي. وهناك في المنفى كان اليهود يمارسون العمل المصرفي, الإقراض مقابل الفائدة, بسبب منعهم من ممارسة الأعمال الأخرى. 

اليهودية التلمودية نجحت في اختراق الكنيسة الكاثوليكية[٥] خلال القرن الحادي عشر حيث كان أولئك المرابون هم المحرضون على الحملات الصليبية التي باركتها كنيسة روما حيث سحر الشرق وكنوزه التي عادت بها تلك الحملات. وقد وصف بعض المؤرخين أن غنائم الحملات الصليبية من الذهب والفضة هي عملية التراكم الأولي في الرأسمالية وأنها قد فاقت ماتم نهبه من كنوز أمريكا اللاتينية التي حطَّ كريستوفر كولومبوس رحاله على شواطئها سنة ١٤٩٢م.

إنَّ عملية التراكم الأولي من ثروات الشرق والتي كانت السبب الرئيسي في الحملات الصليبية هي المرحلة الأولى في تأسيس النظام الرأسمالي عدة قرون قبل من أن يضع مبادئه عالم الإقتصاد الإسكتلندي آدم سميث في كتابه "ثروة الأمم," ومن ثم تم تأسيس المصارف الكاثوليكية في فلورنسا, جنوه والبندقية وهي تعتبر نواة البنوك المركزية المعاصرة.

المرحلة الثانية كانت من خلال إعطاء شرعية دينية للثروة و مراكمة رأس المال والذي قامت به الحركة الإصلاحية المسيحية أو حركة الانشقاق الكنسي التي قام بها مارتن لوثر في القرن السادس عشر. الكاهن كالفن وهو أحد أتباع مارتن لوثر اعتبر أن المسيحي المخلص إنما يخدم الله من خلال جمع الثروة وأنها ذلك هو الحالة الطبيعية على الرغم من تعارض ذلك مع نصوص الكتاب المقدس وأقوال يسوع المسيح كما ذكرت في فقرة سابقة.وفي ذلك الإطار تم تشريع الفائدة دينيا من خلالها اعتبارها وسيلة من وسائل الربح وجمع الثروة.

المرحلة الثالثة كانت ضرورية من أجل السيطرة على الوعي البشري من خلال إقناعه بأنَّ الرأسمالية هي الحالة الطبيعية للبشرية وأنَّ مبادئها الأساسية موجودة منذ بداية الخليقة وأنَّ هدف البشر كان دائما تبادل السلع مقابل تحقيق الربح. وخلال هذه المرحلة برز عالم الاقتصاد الاسكتلندي آدم سميث الذي قام بتأليف كتاب "ثروة الأمم" والذي شرح من خلاله مبادئ الرأسمالية الأساسية مثل "اليد الخفية" و "دعه يعمل, دعه, يمر" وأفكار أخرى مثل عدم التدخل الحكومي في السوق وحركة التجارة وأن النظام الرأسمالي قادرٌ دائما على البقاء في حالة توازن. 

المرحلة الرابعة هي المرحلة النهائية والتي نعيش أحداثها في عصرنا الحالي حيث تقوم البنوك التي تعتبر أنها أكبر من أن تفشل بالمضاربة في أسواق العملات والبورصات وتنقذها الحكومة من عواقب حماقاتها من أموال المودعين ودافعي الضرائب. البنوك المركزية تسارع الى إنقاذ النظام المصرفي وذلك هو دورها, مقرض الملاذ الأخير.

إنَّ بريطانيا لعبت دورا رئيسيا في تأسيس نظام المضاربات والرأسمالية المصرفية وذلك بسبب موقعها وقوتها البحرية التي سمحت لها بأن تحكم مايزيد عن ربع سكان العالم خلال تلك الفترة مما منحها لقب الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس والجنيه الإسترليني أصبح عملة الإحتياط العالمية. السوق العالمية الذي كانت بريطانيا تحكم يقدر عدد سكانه ٢٥٠ مليون شخص ومصدر لا ينضب للمواد الخام الرخيصة الثمن. إنَّ تلك المجموعة من العوامل قد أدَّت الى أن تكون بريطانيا منطلقا للثورة الصناعية مما سمح للرأسمال المالي بالتواجد جنبا الى جنب مع الرأسمال الصناعي وصولا الى المرحلة التي همَّشت الأخير وأصبحت رأسمالية المضاربات والمصارف هي المهيمنة على المشهد.

إن نظام الفائدة الذي عمل المرابون الدوليون على تأسيسه منذ عدة قرون يعتبر حاليا هو السبب في وجود الرأسمالية والنظام الرأسمالي حيث لايمكن لذلك النظام الإستمرار لأنه لايمكن له طباعة العملات بدون الإئتمان أو بدون ديون حتى يكون التعبير أكثر دقَّة, طباعة عملات جديدة = ديون جديدة.

هوامش:

[١] لوقا ٢٥:١٨

[٢] متى ٢١:١٩

[٣] تثنية ١٩:٢٣

[٤] متى ١٣:٢١

[٥] البابا غريغوري السابع

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة

الرجاء التكرم الضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة

النهاية


No comments:

Post a Comment