Flag Counter

Flag Counter

Saturday, October 1, 2022

الحرب على الذهب والنظام العالمي الجديد - الجزء الثالث

في موضوعين سابقين بعنوان "الحرب على الذهب والنظام العالمي الجديد" الجزء الأول والثاني تحدَّثتُ عن بعض المحطات في الحرب على الذهب و وكيف أنَّ الولايات المتحدة سرقت مواطنيها سنة ١٩٣٣م حيث حظر الريس الأمريكي فرانكلين روزفلت على المواطنين الأمريكيين إمتلاك الذهب وأجبرهم على بيعه الى الحكومة الأمريكية مقابل سعر ٢٠.٦٦ دولار/أونصة. ولكن الولايات المتحدة لم تكتفي بذلك حيث أنها سنة ١٩٧١م سرقت العالم حين فيما يعرف بصدمة نيكسون الذي أعلن التوقف عن مبادلة الدولار مقابل الذهب وأعلن بذلك وفاة إتفاقية بريتون وودز ١٩٤٤م. في هذا الموضوع فصل آخر من فصول الحرب على الذهب والذي تجري أحداثه في دولة جنوب أفريقيا خلال فترة السبعينيات من القرن العشرين.

هناك الكثير من الأحداث المفصلية التي كانت دولة جنوب أفريقيا مسرحها الأساسي والتي بلا مبالغة غيَّرت التاريخ والحضارة الإنسانية كما نعرفها. الدول الإستعمارية على رأسها البرتغال وإسبانيا كانت تحاول إكتشاف طريق بحري يوصل الى الهند بديلا عن الطريق البري الذي كان تحت سيطرة المسلمين حيث إكتشف بارتولوميو دياز ١٤٨٧م طريق الإبحار حول رأس الرجاء الصالح وكانت تلك بداية النهاية لدولة المماليك التي كانت تحتكر التجارة خصوصا التوابل وتفرض عليها الضرائب المرتفعة. حرب البوير الأولى(١٨٨٠م-١٨٨١م) والثانية(١٨٩٩م -١٩٠٢م) بين الإمبراطورية البريطانية و المستوطنين الأوروبيين هي حدث أخر مفصلي حيث كان الهدف هو السيطرة على تلك الدولة الغنية بمناجم الذهب. 

دولة جنوب أفريقيا كانت حتى نهاية سبعينيات القرن العشرين أكبر منتج للذهب في العالم حيث بلغت كمية الذهب المستخرجة حوالي ١٠٠ الف طن, ثلثي الذهب الذي كان يتم تداوله عالميا مصدره جنوب أفريقيا. ولكن إنتاج تلك الدولة من الذهب يتراجع تدريجيا حيث احتلت الصين المركز الأول وخرجت جنوب أفريقيا من قائمة أكبر عشرة منتجين سنة ٢٠١٩م. إنَّ دولة جنوب أفريقيا كانت من المؤيدين لإستخدام المعيار الذهبي الكلاسيكي حيث العملة تكون مرتبطة بتغطية الذهب مما يؤدي الى زيادة الثقة بإقتصاد تلك الدولة حيث من الصعوبة على السياسيين التلاعب من خلال طباعة كميات ضخمة من العملة بدون تغطية كمية مناسبة من الذهب.

إنَّ الحرب الإعلامية ضد دولة جنوب أفريقيا كانت تستهدفها ولها علاقة بالحرب على الذهب والهدف هو خلق حاجز نفسي بين المستثمرين والذهب في محاولة من أجل إقناعهم بأفضلية نظام العملات الورقية. الولايات المتحدة التي كانت تقود تلك الحرب الإعلامية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي ولكن في الوقت نفسه تعمل على زيادة كمية الذهب الذي تمتلكها من خلال شرائها بدولارات مطبوعة تكاد قيمتها لا تزيد عن تكلفة الحبر والورق الذي تتطلبه عملية طباعة العملة.

دولة جنوب أفريقيا كانت تتعرض الى عملية شيطنة في الإعلام بوصفها دولة تمارس التمييز العنصري ضد مواطنيها من ذوي البشرة السوداء بالإضافة إلى حظر تصدير السلاح إليها بوصفها دولة تمتلك السلاح النووي. ولكن في الوقت نفسه, كانت الولايات المتحدة تقدِّمُ الدعم الى دولة الكيان الصهيوني التي تمارس العنصرية في أبشع صورها بالإضافة الى كونها دولة نووية. إنَّ وسائل الإعلام الأمريكية كانت تتجاهل محاولات الحكومة في جنوب أفريقيا من أجل القيام بإصلاحات تدريجية منها منح المواطنين من ذوي البشرة السوداء حق التصويت في الإنتخابات.

ولعلها قد تكون مفاجأة ولكن الولايات المتحدة كانت تدرس خططا عسكرية من أجل غزو دولة جنوب أفريقيا عسكريا بوصفها دولة متمردة على قرارات النظام العالمي الجديد الذي كان يهدف الى إلغاء الذهب من المعاملات المالية الدولية وفرض نظام العملات الورقية التي كانت تطبع من الهواء ولا تستند الى أي قيمة حقيقية سوى كلمة ثقة والتي في كثير من الأحيان كان يتم تهميشها لصالح بنوك وول ستريت وبنك إنجلترا الذي كانت مصالحهم مرتبطة مع نظام عملات ورقية يمكن التلاعب به بسهولة. الحرب الأهلية في أنغولا بين قوات الجبهة الوطنية لتحرير أنغولا التي كانت تتلقى الدعم من عدة دول على رأسها جنوب أفريقيا و قوات الحركة الشعبية لتحرير أنغولا التي كانت تتلقى الدعم بالسلاح والمستشارين العسكريين من الإتحاد السوفياتي والمقاتلين من كوبا حيث كانت أنغولا هي نقطة إنطلاق عملية الغزو مع دعم أمريكي غير مباشر فقد كانت عملية التضليل الإعلامي لأهداف الحرب الحقيقية في أنغولا بوصفها أنها تدخل في إطار الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي. الولايات المتحدة كانت تكتفي بدعم أنغولا نظريا ولكن رؤوس الأموال الغربية من مصارف وول ستريت كانت تتدفق على الإتحاد السوفياتي الذي كان سوقا مربحا للتكنولوجيا الغربية. 

عالم السياسة الدولية لا يعرف الرحمة ولا يعرف إلا لغة المصالح و المطلعون على بواطن ذلك العالم وخفاياه يعلمون ذلك علم اليقين ولكن وسائل الإعلام تتجاهل ذلك. الولايات المتحدة والتي كانت تتبنى النظام الإقتصادي الرأسمالي حيث من المفترض أنها في حالة صراع وجود مع الإتحاد السوفياتي الذي كان يدافع عن العقيدة الشيوعية, ولكن في الوقت نفسه, التكنولوجيا الغربية كانت تتدفق إلى الإتحاد السوفيتي بالإضافة إلى القروض التي كان مصدرها بنوك وول ستريت بشكل رئيسي وهي نفسها البنوك التي ساهمت في تمويل الحركة الشيوعية كما ذكر البروفيسور والإقتصادي الأمريكي من أصل بريطاني أنتوني ساتون في عدد من مؤلفاته وكتبه.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية



No comments:

Post a Comment