Flag Counter

Flag Counter

Thursday, August 26, 2021

سوريا منارة الشرق الأوسط وأم الحضارة

الأزمة السورية مستمرة لعامها الحادي عشر على التوالي والحديث عن سوريا مازال مستمرا. والحقيقة أنَّ وضع سوريا من الناحية الجيوسياسية والتاريخية في المنطقة إستثنائي. وحتى لو رجعنا الى الأساطير التوراتية في الكتاب المقدس, سوف نجد أن إسم سوريا يتكرَّرُ عدة مرات.  إعادة ترتيب خارطة المنطقة وفق متطلبات الديمقراطية الأمريكية ورؤية برنارد لويس لابد أن يمر طريقها من دمشق. في سوريا هناك مشروعان متنافسان: الأول هو مشروع الدولة الوطنية السورية, بينما الثاني هو مشروع دولة الإسلام السياسي. الفرق بين المشروعين هو الفرق بين الحضارة والهمجية. مشروع الفوضى الخلاقة والربيع العربي توقف في سوريا ولولا ذلك لكان قطار الموت مستمر في إبتلاع البلدان العربية واحدا تلو الآخر. الدول العربية تدين باستمرارها ووجودها الى تضحيات السوريين شعبا وجيشا في مواجهة حملة إعلامية وعسكرية لا ترحم ولا يرتكب القائمون عليها الأخطاء.

الولايات المتحدة دولة تتبع المذهب الاقتصادي النيوليبرالي وتشرف المسيحية الصهيونية اليمينية المحافظة على توجيهها العقائدي. وفي ظل تلك الأجواء المضطربة والمشحونة إعلاميا, يتم توجيه حملة صليبية ضد سوريا. ولكن تلك الحملة يقودها مرتزقة لا يقلِّون شراسة ودموية عن أجدادهم الصليبيين حيث يؤمن الطرفان بمجموعة من الأساطير الدينية التي تضع كل منهما في موقع قيادة العالم وبالتالي تشتدُّ المنافسة بين طرفي نقيض يقف كل منهما على ضِفَّة النهر المقابلة أو هكذا يتحدثون في وسائل الإعلام. ولكن على أرض الواقع, المصالح المشتركة تجمع بين طرفي النقيض في تدمير كل حضارة إنسانية ومحو ذاكرة الشعوب حيث يجهل ذلك من السهل إخضاعها.

إن الإسلام والمسيحية في سوريا هما ضحية مشتركة في مسعى دول غربية الى تفكيك النسيج الاجتماعي السوري حيث دفن نبي الله يوحنا المعمدان الذي قدِّمَت رأسه على طبق من ذهب الى عاهرة يهودية وحيث ضريحه الذي تختلط فيه الصلوات المسيحية بنداء الله أكبر. أحفاد الصليبيين وأحفاد المسيحية اليمينية ممن قتلوا المشرقيين المسيحيين في القدس ودمشق هم أنفسهم الذي تسوِّقُهم وسائل إعلام غربية على أنهم المنقذون وحملة مشعل الحضارة في تناقض واضح لايمكن فهمه, التحالف بين الهمجية والحضارة ضد سوريا أم الحضارات. المسيحية في سوريا ليست مستوردة ومسيحيو الشرق هي عبارة توحي بأن المسيحية هي حالة طارئة في سوريا, مشرقيون مسيحيون وليس مسيحيي المشرق. الصراع بين تلاميذ المسيح وأتباع يهوذا الإسخريوطي يمكنه تشخيص حالة الصراع في سوريا.

الأساطير الدينية التي تصف شعب إسرائيل بأنهم شعب الله المختار هي نفس الأساطير التي منحت تلك الدولة حدودها التوراتية وإيمان دولة الكيان الصهيوني (أرضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل) وهي نفسها حدود دولة سوريا الكبرى وبسبب ذلك يثير مجرد ذكر إسم دمشق غيظ وحقد وغضب مراكز القرار في عواصم غربية وعربية.

"لكل إنسان متحضر وطنان, وطنه الأم وسوريا," كما ذكر مدير الآثار في متحف اللوفر الفرنسي أندرو بارو(1968-1972). سوريا بلد من أقدم بلدان العالم وأكثرها حضارة فهي موطن إختراع الكتابة حيث ظهرت أحد أوائل الأبجديات في الشرق الأدنى القديم وهي الأبجدية الأوغاريتية. في سوريا, ظهرت أول المدونات الموسيقية التي تم إكتشافها في حفريات موقع أوغاريت والتي تعود الى 3400 سنة قبل الميلاد. وفي سوريا ظهرت أولى القرى الزراعية وأولى المدن حيث تنافست دمشق وحلب على لقب أقدم مدن العالم. الأديان التوحيدية الثلاثة ظهرت في سوريا حيث تقع مئذنة النبي عيسى في دمشق وحيث يسمع السوريون أجراس الكنائس وتكبيرات الصلاة في مشهد تجمعه فسيفسائية نادرة من تجانس شعبها والذي يعتقد المستعمر أنهم مجموعة قابلة للتقسيم. إن ذلك هو المستعمر نفسه الذي سعى الى تحطيم هوية تاريخية استمرت آلاف السنين.

إن سوريا ليست من نتاج مخططات الإستعمار الأوروبي وليست من بقايا إتفاقيات سايكس-بيكو بل هي تعتبر نواة حضارية صلبة أفلتت من مخططات التقسيم الغربية. سوريا الكبرى خسرت أراضيها في فلسطين التي حولتها الاتفاقيات الاستعمارية الى وطن قومي لليهود, إمارة شرق الأردن التي تحولت الى مملكة إسلامية ولبنان الذي تحوَّلَ الى دولة مسيحية مما يثير حنين السوريين وشجونهم. حتى لواء الإسكندرون تم منحه على طبق من ذهب الى مصطفى كمال أتاتورك من أجل أن ينضم الى المعسكر الغربي ولا يتحالف مع النازية. سوريا خسرت 40% من أراضيها التاريخية ولكن بقيت تلك النواة ومركزها دمشق, نواة تسعى دول استعمارية الى تحطيمها.

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment