Flag Counter

Flag Counter

Friday, July 22, 2022

قلم الرصاص, اليد الخفية والبنوك المركزية

في أحد التسجيلات المصورة, يتحدث عالم الإقتصاد الأمريكي ميلتون فريدمان عن نظام التسعير(تحديد الأسعار) ويعتبره أحد أهم مميزات النظام الرأسمالي. إنَّ الإستماع الى ذلك التسجيل يؤدي الى إستنتاج أن اليد الخفية هي البوصلة التي تقف وراء تحديد أسعار المواد الأولية الخام التي دخلت في صناعة منتج ما وبالتالي تحديد سعره النهائي. إن معرفة الأسعار أو التنبؤ بها هو أحد أهم الأركان التي يقوم عليها مبدأ اقتصاد السوق لأنَّ ذلك يجعل عملية التبادل ممكنة. ولكن المعرفة بالأسعار بحد ذاتها قائمة على التخمين وليس كما يظن البعض أنها تقوم على حسابات ومعادلات رياضية ثابتة. إنَّ أي نظام إقتصادي يسير وفق ألية معينة حتى لو كانت ثابتة ومتزنة, فإنه سوف يختل بمجرد تعرضه للضغوطات بفعل عوامل خارجية مهما كانت بسيطة.

إن البنوك المركزية تلعب دورا رئيسيا ومحوريا في التحكم بالأسعار صعودا أو هبوطا اعتمادا على المعطيات والبيانات الاقتصادية المتوفرة لديها بخصوص الحالة المستقبلية للاقتصاد المحلي والعالمي. إنَّ مدراء البنوك المركزية الذين يتولون مناصبهم عبر التعيين وليس الإنتخاب لا يعرفون حدودا في محاولتهم إخضاع الأسواق الى إرادتهم حتى لو كانوا يعلمون علم اليقين أن تأثير القرارات التي يتخذونها سلبيا وكارثية.

هناك مجموعة من المؤشرات الإقتصادية التي تراقبها البنوك المركزية بعناية في محاولة من أجل تطويع القرارات التي يتم اتخاذها بناء على تلك المؤشرات. إنخفاض نسبة البطالة وزيادة التضخم قد يدفعان البنوك المركزية إلى اتخاذ قرار برفع سعر الفائدة وبالتالي تجفيف الأسواق من السيولة, هذا من ناحية. أما من ناحية أخرى, فإن ارتفاع نسبة البطالة وانخفاض نسبة التضخم قد يدفعان البنوك المركزية إلى اتخاذ قرار بتخفيض سعر الفائدة وتقديم التسهيلات الإئتمانية وطباعة العملة فيما يعرف بالتيسير الكمي(Quantitative Easing). إنَّ نتائج تلك القرارات قد تعدُّ تعبيرا عن حالة مزيفة وليس عن الحالة الحقيقية للأسواق وينتج عنها فقاعات وأزمات اقتصادية. الحالة الأمريكية تعد نموذجا من الممكن دراسته خصوصا وأن تركيز الثروة عند المواطن الأمريكي العادي تكمن في مجالين: الأول هو العقارات, والثاني هو الأسهم. 

إن قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بإتباع سياسة صفر فائدة لفترة زمنية طويلة إثر أزمة الرهون العقارية ٢٠٠٧-٢٠٠٨ قد أدى إلى تعزيز قدرة المواطن الأمريكي على شراء منزل بتسهيلات ائتمانية ميسرة مما أدى إلى إرتفاع أسعار العقارات. كما ان توفر قروض بشروط إئتمانية متساهلة قد شجع المستثمرين على المغامرة في سوق الأسهم مما أدى إلى إرتفاع حاد في قيمة الأسهم ومؤشرات البورصة. وعلينا أن لا ننسى أن أي مستثمر في العالم يبحث عن عائد مجزي استثماراته والتي يحتاج إلى توجيهها إلى مصارف أخرى في حالة كان السياسة النقدية تفرض سعر الفائدة المئوية هي صفر, وبالتالي فإنه ومن المنطقي أن تتجه تلك الأموال بدلا من إيداعها في حسابات بنكية إلى استثمارها في سوق الأسهم والعقارات بما يؤدي إلى المزيد من الارتفاع في الأسعار وهو غير حقيقي ولايعبِّرُ عن الحالة الحقيقية للسوق.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment