Flag Counter

Flag Counter

Saturday, September 24, 2022

الحرب على الذهب والنظام العالمي الجديد - الجزء الثاني

كنت قد تحدَّثتً في الموضوع السابق عن أربعة محطات في الحرب على الذهب وأن المسرح الإقتصادي الدولي أصبح جاهزا من أجل كافة عمليات التلاعب بالبورصات, الأسهم, السندات و العملات. والآن في هذا الموضوع سوف أقوم باستكمال الأفكار حول الحرب على الذهب وعلاقة ذلك بالنظام العالمي الجديد. 

لبنان هو أحد بلدان الشرق الأوسط الذي خرج من رحم تقسيم تركة الرجل العثماني المريض واتفاقية سايكس بيكو. إنَّ لبنان هو بلد مصطنع, وجد من العدم وليس له وجود تاريخي بحدوده الجغرافية المعروفة حاليا وذلك قبل نهايات القرن الثامن عشر حيث قامت فرنسا بذريعة حماية المسيحية بتأسيس متصرفية جبل لبنان وتلك كانت بداية ظهور لبنان على خارطة السياسة العالمية. ربما بسبب ذلك أو ربما بسبب تركيبته الجغرافية العقَّدة للغاية فإنَّ لبنان يعاني من عدة أزمات ومشاكل مثل الحرب الأهلية(١٩٧٥-١٩٩٠) وأزمات اقتصادية آخرها انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار وإعلان إفلاس لبنان حيث سارعت الحكومة اللبنانية و مصرف لبنان المركزي إلى نفي ذلك.  لبنان على أرض الواقع ليس مفلسا ولعل الكثيرين قد يتفاجئون أن لبنان لديها ثاني أكبر احتياطي من الذهب في الشرق الأوسط ٢٨٦.٨ طن بينما تشغل المملكة العربية السعودية المركز الأول.

الذهب هو المعدن الأصفر الأكثر أهمية في الاقتصاد الدولي ولكن وعلى مراحل خسر تلك المكانة بسبب وإنتشرت مجموعة من الإنتقادات حول الذهب تم الترويج لها عبر وسائل الإعلام الرئيسية, الصحفيين والاقتصاديين. ولكن قبل أن أتحدَّث عن تلك الإشاعات هناك أمر سوف أذكره سريعا وهو أنَّ أسعار الذهب سجَّلت إرتفاعا جنونيا مؤخرا بعد قرار بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع سعر الفائدة ٧٥ نقطة أساس(٣%-٣.٢٥%). العلاقة بين الذهب والنفط وأسعار الفائدة سوف تكون محور الحديث في جزء آخر من الموضوع إن شاء الله. 

أول تلك الإنتقادات هي أنَّ الذهب "barbarous relic" كما ذكر الإقتصادي البريطاني ومؤسس المدرسة الكينزية في الإقتصاد جون مينارد كينز. ثاني تلك الإنتقادات هو أنَّه ليس هناك كمية كافية من الذهب من أجل دعم الإقتصاد وحركة التجارة العالمية. ثالث تلك الإنتقادات هو إنتاج الذهب لا ينمو بوتير متزامنة مع نمو الإقتصاد العالمي. الإنتقاد الرابع هو أنَ الذهب كان السبب في أزمة الكساد العظيم سنة ١٩٣٣م. الإنتقاد الخامس هو أنَّ الذهب ليس له ناتج أو ربح مثل الذي كون من خلال عمليات البيع والشراء. الإنتقاد السادس هو أن الذهب لا يحتوي على أي قيمة طبيعية(intrinsic value). 

إنَّ مقولة أن الذهب هو "barbarous relic" مقولة تنسب خطأً الى جون مينارد كينز وهي للأسف من أكثر المقولات أو المفاهيم الشائعة الخاطئة التي تنسب اليه. في كتاب "Monetary Reform" الذي نشره سنة ١٩٢٤م, ذكر بالنص كما يلي:"In truth, the gold standard is already a barbarous relic," حيث كان يناقش المعيار الذهبي وليس الذهب وهناك فرق شاسع بين المفهومين.

" ليس هناك كمية كافية من الذهب من أجل دعم الاقتصاد وحركة التجارة العالمية" هي أكثر مقولة منتشرة بين أنصار العملات الورقية وضد اعتماد المعيار الذهبي أو إعادة استخدامه. إنَّ ذلك خاطئ تماما حيث أنه هناك دائما كمية من الذهب كافية من أجل دعم حركة التجارة العالمية ولكن وفق السعر المناسب للأونصة, طريقة حساب الكتلة النقدية, الدول التي سوف تقبل العودة الى المعيار الذهبي والسياسة النقدية لكل دولة. هناك تقريبا ١٧٠ الف طن متري من الذهب هي إجمالي الكمية على مستوى العالم منها ٣٥ ألف طن متري هي حيازة البنوك المركزية, وزارات المالية وصناديق التحوط. المملكة المتحدة(بريطانيا) طبقت بنجاح المعيار الذهبي خلال الفترة (١٨١٥م-١٩١٤م) حيث كانت نسبة إحتياطي الذهب إلى الكتلة النقدية هي ٢٠%.  أما بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي فقد اعتمد المعيار الذهبي خلال الفترة الزمنية (١٩١٣م-١٩٦٥م) وفق نسبة ٤٠% إحتياطي الذهب مقارنة مع الكتلة النقدية. القانون الغير مكتوب هو أنه كلما زادت ثقة المتعاملين بالبنوك و سياسة حكوماتهم النقدية, كلما صار إنخفاض نسبة الذهب الى الكتلة النقدية أمرا أكثر قبولا.

أحد الانتقادات التي يتم توجيهها إلى الذهب أنه ليس هناك نمو في المعروض يوازي النمو في حجم التجارة العالمية. إن ذلك يدل على قصر النظر حيث أنه أنصار ذلك الإنتقاد لا يميزون بين احتياطات الذهب الرسمية التي في حيازة الحكومات وبنوكها المركزية وبين المجموع الكلي لتلك الاحتياطيات. السبب الذي يتعذَّرُ به المنتقدون هو أنَّ التعدين هو المصدر الوحيد لزيادة الإحتياطي الذهبي الحكومي ولكن ذلك غير صحيح. الحكومات قادرة دائما على طباعة العملة وشراء الذهب من الأسواق الدولية وحتى من مواطنيها ومن الشركات والبنوك التي لديها حيازات خاصة. ولعل ذلك قد يكون أفضل وسيلة للإستفادة من أجل امتصاص التضخم الناتج عن طباعة كميات ضخمة من العملة وذلك بدون رفع سعر الفائدة أو المخاطرة بكابوس التضخم المفرط حيث من الطبيعي أن كميات الذهب المتوفرة لن تكون قادرة على دعم عملة تعاني من ذلك.

هناك بعض الإنتقادات التي يمكن أن ينطبق عليها وصف الأكاذيب الوقحة أو معلومات مضلِّلِة. الذهب هو السبب في الكساد العظيم(١٩٢٩-١٩٣٣) هي أحد تلك الإنتقادات التي ينطبق عليها ذلك الوصف. السبب الحقيقي في أزمة الكساد العظيم هي سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي النقدية خلال الفترة (١٩٢٧م-١٩٣١م).  عالم الإقتصاد الأمريكي من أصول كندية جون كينيث جالبريث تحدَّث عن أزمة ١٩٢٩ بالتفصيل في كتابه "الإنهيار الكبير ١٩٢٩" ولم يذكر الذهب أنه أحد أسباب الأزمة بل المضاربات العقارية خصوصا في ولاية فلوريدا والتي شاركت فيها بشكل رئيسي الصناديق الإئتمانية التي كان يشوب عملياتها ثغرات قانونية ومالية هي السبب في الأزمة.

الإنتقاد الخامس أن الذهب ليس له عائدات هو صحيح تماما ولكنه في صالح الذهب وأنصار نظرية المعيار الذهبي. الذهب باعتباره مخزنا للقيمة, وسيط للتبادل و تسوية الحسابات ليس من المفترض أن تكون له عائدات أو أرباح. الذهب هو ماينطبق عليه تعريف النقود وهي آمنة وليست معرضة للمخاطر التي تتعرض لها العملات الورقية.

الإنتقاد السادس والأخير هو أن الذهب ليس له أي قيمة حقيقية. إنَّ أصل النظرية يعود الى عالم الإقتصاد الكلاسيكي البريطاني ديفيد ريكاردو ونظرية قيمة العمل(The Labor Theory of Value) والتي تبناها وطوَّرها كارل ماركس في مؤلف البيان الشيوعي وكتاب رأس المال. النظرية تذكر أن قيمة أي سلعة تعتمد حصريا على كمية العمل ورأس المال المبذول في إنتاجها. إنَّ نظرية قيمة العمل التي تستند اليها القيمة الحقيقة للسلع لم يتم تناولها أو تبنيها منذ سنة ١٨٧١م حيث برزت نظرية أخرى منافسة هي نظرية القيمة الذاتية(The Subjective theory of value) التي تبنتها المدرسة النمساوية للاقتصاد والتي أصبحت أحد أكثر أهم المدارس الإقتصادية.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment