النفط والنظام العالمي الجديد

هناك أسلحة غير تقليدية تستخدمها الدول والحكومات ضد شعوبها أو شعوب دول أخرى تعارضها وتهدد مصالحها. النفط هو أحد تلك الأسلحة الغير تقليدية حيث يعتبر أهم أداة من أدوات الهندسة الإجتماعية والتي يستخدمها النظام العالمي الجديد من أجل تطويع البشرية.

ترويج النظرية العضوية للنفط في الكتب والمناهج التعليمية هو أحد أكبر عمليات التضليل التي مارستها شركات النفط ونوادي النخب الحاكمة مثل نادي روما وهو غير نادي كرة القدم الإيطالي المعروف. لقد أصبح من مسلمات الأمور أن النفط أصله غير عضوي وأن نظرية الأصل العضوي للنفط مصدره متحجرات الديناصورات ورواسب النباتات هي مجرَّد خرافة. 

مفهوم أو مصطلح الندرة يتم الترويج له بإستمرار خصوصا في مجال النفط وهو واجهة أو ذريعة من أجل التلاعب بأسعار النفط وكميات الإنتاج. شركات النفط لها مصلحة في ترويج نظرية الندرة لأنَّ ذلك يسمح لها برفع أسعاره وتحقيق أرباح هائلة. النفط مادة متجدِّدَة وذلك وفق نظرية الأصل الغير عضوي للنفط(النظرية الأبيونية). نادي روما قام بإعلان عدَّة مواعيد من أجل نضوب النفط ولكنها جميعها أكاذيب وقحة. كما أن شركات النفط تبنَّت وجهة نظر عالم جيولوجيا أمريكي هو ماريون كينغ هوبورت والذي رسم جرس المنحنى الذي شرح فيه نظرية ذروة الإنتاج ونضوب النفط. هوبرت نفسه إعترف في إحدى المقابلات أنه نظريته لا تستند إلى أي أساس علمي.

إرتفاع أسعار النفط يعني ارتفاع أسعار منتجات الطاقة خصوصا وقود السيارات مثل البنزين والديزل. إنَّ ذلك يعني إرتفاع تكلفة الإنتاج والنقل حيث يتضاعف سعر المنتج النهائي. ولعله من المثير للدهشة أنَّ هناك دولا من كبار منتجي النفط ولكنهم يبيعون الوقود الى مواطنيهم وفق السعر العالمي وذلك يعني أن الحكومة لا تقدِّمُ أي دعم الى منتجات الطاقة بينما شركات النفط التي تحقِّقُ أرباحا خيالية, تقدِّم لها الحكومات الإعفائات الضريبية والإمتيازات المختلفة. إن إرتفاع أسعار النفط سوف يؤدي إلى إرتفاع الأسعار وزيادة تكاليف الحياة والنتائج المباشرة هي تناقص عدد المواليد وعزوف الشباب عن الزواج وبالتالي تغيير التركيبة السكانية.

النفط هو سبب رئيسي في الحروب والصراعات المسلحة التي في ظاهرها قد تكون أسباب دينية, عرقية أو إثنية ولكنها في جوهرها صراع على مناطق إنتاج النفط والغاز وخطوط نقل الطاقة. الصراع بين الولايات المتحدة والصين على منطقة بحر الصين الجنوبي سببه الرئيسي هو النفط حيث تمر ناقلات النفط من خلال تلك المنطقة الحيوية في طريقها الى الصين.

النفط هو سبب في إطلاق العملية آجاكس سنة ١٩٥٣م والإنقلاب على رئيس وزراء إيران محمد مصدق. الحرب العراقية-الإيرانية(١٩٨٠م - ١٩٨٩م) أو حرب الخليج الأولى سببها النفط وحرب الخليج الثانية(١٩٩٠م-١٩٩١م) سببها زيادة الكويت والسعودية إنتاج النفط مما أدى إلى إنخفاض أسعاره الى مستويات غير مسبوقة والتأثير على الاقتصاد العراقي. النفط هو سبب حرب الخليج الثالثة ٢٠٠٣م حيث كان الرئيس العراقي السابق صدام حسين قد بدأ في بيع النفط العراقي مقابل اليورو وليس الدولار. الرئيس الليبي معمر القذافي قد أعلن عن نوايا من أجل بيع النفط الليبي مقابل الذهب وبدأ يحرِّضُ دولا في إفريقيا على ذلك مما أدى الى إغتياله على هامش أحداث الربيع العربي (٢٠١٠م - ٢٠١١م) في ليبيا. 

القائمة طويلة للغاية ولكن آخر تلك الصراعات هو الحرب الروسية-الأوكرانية والتي سببها الذي لا يفصح عنه الإعلام هو النفط الذي في منطقة حوض نهر الدونيتس والذي يقع ضمن المنطقة الشرقية في أوكرانيا التي تنوي روسيا السيطرة عليها بشكل دائم وضمها إليها. شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها القوات الروسية سنة ٢٠١٤م تحتوي على موانئ رئيسية وتقع على مقربة من أهم الموانئ الروسية في البحر الأسود حيث تصدير النفط من روسيا. إن مشلكة البحر الأسود مماثلة للمشكلة بين الصين والولايات المتحدة على بحر الصين الجنوبي.

ولكن الأزمة بين الروسية-الأوكرانية لم تؤثر فقط على دول أوروبا والتي يبدو أنها سوف تمر بشتاء سيئ للغاية وبدون الغاز والنفط من روسيا, الولايات المتحدة هي أيضا تعاني بسبب إرتفاع أسعار وقود السيارات والتضخم مما يؤدي إلى فقدان الديمقراطيين غالبيتهم في الكونغرس حيث تقترب انتخابات التجديد النصفي. ولكن هناك أطراف مستفيدو من تلك الأزمة ولديها الاستعداد أن تستفيد من كل أزمة يمر بها العالم. شركات النفط والغاز الأمريكية تحقِّقُ أرباحا من كل شحنة غاز الى أوروبا تعادل ٢٠٠ مليون دولار تقريبا. كما أنَّ شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة تعتبر تكاليف إستخراجه مرتفعة وبذلك تحقِّق تلك الشركات أرباحا ضخمة.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية