Flag Counter

Flag Counter

Friday, September 9, 2022

الصين وعالم مابعد أمريكا

في كتاب "العالم مابعد أمريكا," يخبرنا الإعلامي والكاتب الأمريكي فريد زكريا عن وجهة نظره عن التغيرات السياسية, الإقتصادية والإجتماعية التي سوف تفرض نفسها على العالم خلال الفترة القادمة. الكاتب يقدِّمُ وجهة نظره بأن العالم سوف يكون على قدر من الإتساع حتى على دولة مثل الولايات المتحدة من أن تكون قادرة على السيطرة عليه بمفردها. الولايات المتحدة سوف تبقى هي المهيمنة عسكريا ولكنَّ نفوذها في الساحة العالمية سوف يصاب بالضعف وتجد نفسها مصطرة الى تقاسمه مع دول أخرى مثل الصين والهند.

الصين هي الدولة الأكثر تعدادا للسكان في العالم. كما أنها دولة شاسعة المساحة تحتوي على تضاريس جغرافية متنوعة. هناك عدد من الصور النمطية التي تتناقلها وسائل الإعلام عن الصين ولكنَّ أكثرها شهرة هي أن الصين مصدر للعمالة الرخيصة وجنَّة للشركات التي تبحث عن قوانين عمالة وبيئة مرنة. ولكن تلك الصورة بدأت في التغير مؤخرا حيث أن الصين تمر بمرحلة من التغيير تفرضه الظروف الجيوسياسية في منطقة آسيا والعالم خصوصا الصراع على تايوان وبحر الصين الجنوبي حيث تعتبر الولايات المتحدة خصما رئيسيا.

إنَّ أحد أكثر المشكلات تعقيدا والتي تواجه الشركات الأجنبية العاملة في الصين هي نقص العمالة المؤهلة وذلك قد يثير إستغراب الكثيرين. الإستثمارات الأجنبية الضخمة في الإقتصاد الصيني قد زادت من الطلب على الخبرات والعمالة المدَرَّبة مما أدى الى إرتفاع الأجور بسبب زيادة الطلب وإنخفاض المعروض. سياسة الطفل الواحد في الصين قد أدت الى تعميق المشكلة التي أدركتها القيادة الصينية مؤخرا والتي سمحت لكل أسرة في الصين بإنجاب طفلين. الشباب الصيني كان يقبل بفرصة عمل ثابتة حتى لو كان الأجر منخفضا وظروف العمل صعبة, ولكن وجهة نظر الشباب الصيني للمستقبل تغيرت مؤخرا خصوصا مع تصاعد مكانة الصين وتأثيرها في الساحة السياسية الدولية.

إذا, هناك مجموعة متغيرات اجتماعية,سياسية, اقتصادية تمر بها الصين وسوف تؤدي الى أحداث رئيسية على مستوى العالم. الصين دولة ضخمة في المساحة, عدد السكان وفي الثروة وأي عمل تقوم به الصين سوف يترك أصدائه ويتجاوز في التأثير المستوى المحلي والإقليمي. التحولات في الاقتصاد الصيني نجحت في إحداث نقلة نوعية في حياة أكثر من ٤٠٠ مليون شخص وهو ما أشادت به المؤسسات والمنظمات الدولية. وبالطبع فإن كل تلك الإنجازات لم تحصل بدون إرتكاب الأخطاء أو أنَّ نموذج التنمية الإقتصادية في الصين بدون عيوب أو نواقص بل هناك أمراض مزمنة يعاني منها الإقتصاد الصيني تظهر أعراضها من وقت لأخر.

نمو الطبقة الوسطى في الصين والتي تقدَّرُ ٤٠٠ مليون شخص وزيادة دخلها والنتيجة تحولها من صناعة المنتجات الى إستهلاكها هو أحد أهم تلك المتغيرات. إنَّ تأثير ذلك يتجاوز الإقتصاد في الصين حيث سوف يمتد الى الإقتصاد العالمي وعلى الدول الأخرى الإستعداد من أجل ذلك. أحد أهم النتائج على ماسبق ذكره هو زيادة الطلب على المواد الأولية والطاقة مثل النفط والغاز مما سوف يؤثر على سلاسل الإمداد العالمية. إن ذلك سوف يؤدي الى زيادة التوترات العسكرية حول مصادر الطاقة, منابع النفط و خطوط النقل البحري خصوصا المضائق البحرية وحيث أنه من الممكن اعتمادا على ذلك أن نفهم سبب الحساسية التي تبديها القيادة الصينية المتعلقة بمشكلة بحر الصين الجنوبي.

هناك أمر آخر لا يقل أهمية وهو أن إرتفاع الأجور ونمو الطبقة الوسطى في الصين سوف يؤديان على سبيل المثال إلى إرتفاع أسعار المنتجات والعقارات عالميا والى خلل في النمط الاستهلاكي الذي يعتبر أساس النظام الرأسمالي خصوصا في الولايات المتحدة. الصين تعتبر ثاني أكبر سوق مبيعات شركة نايكي التي تصنع الأحذية والملابس الرياضية بقيمة تزيد عن ٢ مليار دولار. سنة ٢٠١٠ هي السنة التي أصبحت فيها الصين أكبر سوق مبيعات السيارات في العالم حيث بيعت ١٧ مليون مركبة. على سبيل المثال هناك فترة إنتظار في الصين تبلغ ٦ أشهر من أجل الحصول على سيارة بورش الفاخرة. شركة Yum! والتي تمتلك علامة مطاعم الوجبات السريعه كينتاكي تحقق مقدار ٤٠% من مبيعاتها عالميا في الصين. كما أنَّ طوابير الإنتظار التي قد تمتد ساعة كاملة من أجل الحصول على وجبة من مطعم بيتزا هت هي أمر إعتيادي في المولات والمراكز التجارية في الصين. المستهلك الصيني هو ثاني أكبر مشتري للسلع والبضائع الفاخرة بقيمة تزيد عن ١٥ مليار دولار سنويا. شركات مثل ماكدونالدز و وول مارت تعتبر الصين سوقا رئيسية وتشغل حيزا مهما في خطط التوسع المستقبلية. 

إنَّ الخلاصة ومايمكن أن نستنتجه من المعلومات التي ورد ذكرها عن الصين وفي إطار مفهوم الإقتصاد العالمي الذي لم يخرج من أزمة الركود التي أعقبت أزمة الرهون العقارية منخفضة الجودة ٢٠٠٨ هو أن الصدام العسكري بين الصين والولايات المتحدة هو مجرد مسألة وقت وأن الخلاف بين الدولتين لا يمكن أن يُحَلَّ سلميا من خلال المفاوضات. الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل بول كروغمان يرى من وجهة نظره أن الصين تتلاعب بسعر صرف عملتها وتبقيه منخفضا وأنها بذلك تسرق الوظائف من السوق الأمريكية وهي وجهة النظر التي يتبناها الرئيس الأمريكي السابق وقطب العقارات دونالد ترامب الذي يطالب بفرض ضريبة على واردات الصين إلى السوق الأمريكية مقدارها ٢٥%. إنَّ نتائج تلك العدائية ضد الصين سوف تؤدي الى خسارة الولايات المتحدة إستثمارات صينية تقدَّرُ بمبلغ ٢ تريليون دولار حيث سوف تبحث الشركات الصينية عن أسواق بديلة أكثر ترحيبا في آسيا, إفريقيا, الشرق الأوسط., أمريكا اللاتينية وأوروبا وأنَّ ذلك سوف يكون نهاية النظام العالمي والهيمنة الأمريكية على العالم.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية






 







 


No comments:

Post a Comment