Flag Counter

Flag Counter

Monday, November 15, 2021

البوسنة والهرسك, بوادر حرب دموية جديدة في القارة الأوروبية

هناك أزمة جديدة تلوح في الأفق ولكن مسرحها لن يكون الشرق الأوسط الذي أصبح مثل قطعة الثياب المهلهلة التي تمتلئ ثقوبا ولا يوجد مكان ثقب جديد. مسرح الأزمة القادمة ربما يكون في البلقان وتحديدا دولة البوسنة والهرسك. والحقيقة أن منطقة البلقان كانت على الدوام مسرحا للأزمات منذ بدايات القرن العشرين حيث عانت المنطقة من الإحتلال العثماني ٤٠٠ عام تقريبا, حرب البلقان الأولى والثانية(١٩١٢-١٩١٣), الحرب العالمية الأولى(١٩١٤-١٩١٨) والحرب العالمية الثانية(١٩٣٩-١٩٤٥). ولم تستقر الأوضاع في يوغسلافيا إلا تحت حكم الرئيس جوزيف بروز تيتو حيث كانت تعتبر تجربة شيوعية ناجحة في قلب أوروبا. الرئيس تيتو تميّضز بقبضته الحديدية ومحافظته خلال فترة الحرب الباردة على وحدة أراضي يوغسلافيا التي تحتوي على عدة أعراق وأديان وقوميات.

الوضع في يوغسلافيا بدأ في التَّضَعضُع بعد وفاة الرئيس جوزيف تيتو (٤/مايو/١٩٨٠) والذي حافظ على وحدة الأراضي اليوغسلافية وعلى علاقات دولية جيدة مع الدول الغربية. ولكن السؤال هو عن جذور الأزمة والسبب أو الصاعق الذي أدى إلى انفجار برميل بارود عبارة عن دوله إسمها يوغسلافيا. هناك بالتأكيد أسباب تاريخية تعود الى فترة سيطرة الدولة العثمانية على منطقة البلقان والثورات التي قامت ضدها وتقاسم السيطرة بين صربيا والإمبراطورية النمساوية-الهنغارية. ولكن المهم هو الفترة التي أعقبت سنة ١٩٨٠ وصولا إلى اتفاق دايتون للسلام سنة ٢٠٠٥ وهو محور هذا الموضوع.

السردية المشهورة التي ترددها وسائل الإعلام المختلفة أن مشاعر القومية الصربية قد أدت الى تلك الأحداث المؤسفة والدموية. وهناك رواية أخرى أن حرب تقسيم يوغسلافيا أو مايمكن أن نطلق عليه حرب البلقان الثالثة عبار ة عن إمتداد للحرب الباردة أو يمكن القول أنها تصفية حسابات مع حلفاء سابقين للإتحاد السوفياتي, سقوط جدار برلين وانهيار عقد المنظومة الاشتراكية وبالتالي يعقب ذلك تغيرات جيوسياسية في تلك الدول. ولكن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من المؤسسات لعبت دورا رئيسيا في إشعال فتيل الأزمة. 

هناك تقارير تشير الى أنَّ تدابير تقشفية فرضها صندوق النقد الدولي هي السبب وراء إشعال فتيل أحد أكثر الأزمات دموية في تاريخ أوروبا. إن تلك التدابير قد بدأ فرضها بالتدريج منذ سنة ١٩٨٠ والتي يمكن تلخيصها برفع الدعم عن السلع المدعومة والخدمات مثل التعليم والصحة, تعويم العملة الوطنية في أسواق الصرف الدولية و خصخصة المؤسسات الحكومية. إن تلك التدابير أدت إلى انهيار الاقتصاد الوطني وانتهاء عهد دولة الرفاهية تحت مسمى برامج سداد الديون. 

البداية سنة ١٩٧١ حيث أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون انتهاء العمل باتفاقية بريتون-وودز  وتعويم سعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى. سنة ١٩٧٣ شهدت أحداث حرب رمضان بين مصر وسوريا من جهة ودولة الكيان الصهيوني من جهة أخرى. الولايات المتحدة قدمت الدعم العسكري وجسر جوي الى حليفتها إسرائيل وهو ما أدى الى الحظر النفطي الذي فرضته أوبك واستمر الى مارس/١٩٧٤ وأدى الى إرتفاع أسعار النفط ٤٠٠%. سنة ١٩٧٥ عانت الولايات المتحدة من الإقتصاد التضخمي, ركود وإرتفاع أسعار في الوقت نفسه. الحل كان لدى بول فولكر الذي تم تعيينه رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سنة ١٩٧٩ حيث قام على الفور برفع سعر الفائدة إلى ٢٠% من أجل كبح جماح التضخم. يوغسلافيا كانت إحدى الدول التي عانت من تبعات ذلك القرار حيث أصبحت مضطرة زاد أعباء خدمة الدين واضطرت الى تغطية التزاماتها عبر قروض جديدة بسعر فائدة مرتفع والخضوع إلى شروط صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى.

إن حرب البلقان الثالثة هي نتيجة حتمية لانهيار الاقتصاد في يوغسلافيا الذي أصبح مثقلا بمديونية تزيد عن ٢٠ مليار دولار وعملة منهارة ونسبة بطالة تتزايد بإستمرار. كل دولة من دول الإتحاد اليوغسلافي أصبحت تحاول أن تنجو بنفسها مما أدى الى زيادة التوتر بين العرقيات والقوميات في يوغسلافيا. سلوفينيا وكرواتيا والتي تعتبر أقوى اقتصادات في الإتحاد اليوغسلافي بدأت في التذمر بسبب مساهمة الأعضاء الآخرين في النمو الإقتصادي والتي تعتبر ضئيلة جدا. إن تلك الظروف أدَّت الى إزدهار الحركات القومية في كل من سلوفينيا, كرواتيا وصربيا بالإضافة الى التواجد الإسلامي الذي يعتبر أغلبية كل من كوسوفو التي كانت تتمتع بالحكم الذاتي والبوسنة والهرسك. سلوفينيا كانت أول الدول التي تنسحب من الإتحاد إثر استفتاء بتاريخ ٢٥/يونيو/١٩٩١ وتبعتها كرواتيا بعد حرب دامت خمسة سنوات(١٩٩١-١٩٩٥)  و البوسنة والهرسك(١٩٩٢-١٩٩٥) حيث إنتهت حرب تقسيم يوغسلافيا سنة ١٩٩٥ بالتوقيع رسميا على اتفاق دايتون للسلام.

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment