Flag Counter

Flag Counter

Wednesday, November 24, 2021

الحركة الإستعمارية وأمريكا اللاتينية, بين الماضي والحاضر

الصورة التقليدية أو النمطية عن أمريكا اللاتينية التي تنقلها وسائل إعلام غربية هي أنها موطن زراعة وتجارة المخدرات والشواطئ الساحرة والنساء الجميلات وبالتأكيد, كرة القدم. إذا الصورة ليست قاتمة تماما كما يعتقد البعض ولكن الحقيقة على أرض الواقع أمر مختلف تماما. إن تلك الصورة النمطية تعززها وسائل الإعلام خصوصا عبر الأفلام والمسلسلات مثل ناركوس(Narcos) بابلو إسكوبار على شبكة نتفلكس.

القارة اللاتينية هي موطن أكثر الغابات الساحرة وثاني أطول نهر في العالم وهو الأمازون. كما أنها تحتوي على ثروات طبيعية منها الذهب, الفضة, النفط ومعادن ثمينة أخرى. الأرجنتين كانت ومازالت تصدِّرُ اللحوم الى جميع أنحاء العالم وكذلك نبتة المتة العشبية التي تعتبر مشروبا مفضلا في أمريكا اللاتينية وحتى عدة بلدان عربية. كولومبيا تعتبر من أكبر مصدري القهوة, وتعتبر غابات الأمازون المطيرة موطن زراعة نبتة الكاكاو منذ أكثر من خمسة آلاف عام حيث كانت تعتبر أحد الأطعمة المعتاد تناولها من السكان المحليين. وعلينا أن لا ننسى زراعة الموز التي تشتهر بها عدة بلدان في أمريكا اللاتينية خصوصا غواتيمالا. 

إنَّ مصير القارة اللاتينية حدَّدَه كما حدَّدَ مصير غيره من البلدان الإستعمار الأجنبي الذي بدأ مع وصول المستكشف كريستوفر كولومبوس الى الجزر الكاريبية سنة 1492م خلال رحلته الأولى والى القارة الأمريكية الشمالية سنة 1498م خلال رحلته الثانية. الهدف الأساسي من تلك الرحلات كان إكتشاف طريق تجاري بديل عن طرق التجارة التقليدية التي كانت تمر عبر بلاد المسلمين فيما يسمى حركة الكشوفات الجغرافية. وقد يعتقد البعض أنَّ ذلك مبالغة ولكن الكثير من المحللين ربط بين بداية نهاية دولة المماليك وإكتشاف الطريق البحري عبر رأس الرجاء الصالح الذي أنهى إحتكار المماليك طرق التجارة التقليدية وأدى لاحقا الى إكتشاف القارة الأمريكية وبالتالي السيطرة على مناجم الذهب والفضة ومراكمة ثروا هائلة موَّلت النهضة الصناعية في دول أوروبية بداية من بريطانيا.

وهناك أمر آخر لايمكن أن نغفل عنه أدى الى إحداث تغيرات كبيرة في البنية الإقتصادية, الإجتماعية والسياسية في أمريكا اللاتينية وهو إستقدام ملايين العبيد من القارة الإفريقية من أجل العمل في مزارع الموز, قصب السكر والمطاط ومناجم الذهب والفضة. وكأنَّ القارة اللاتينية ينقصها المزيد من المآسي حتى تضاف الى إبادة السكان الأصليين إستيراد الأفارقة من أجل قيامهم بأعمال السخرة الشاقة حيث أصبحوا جزأً لا يتجزأ من ثقافة وحضارة تلك القارة المنكوبة.

إنَّ تأثير الحركة الإستعمارية التي أتبعت حركة الكشوفات الجغرافية في أمريكا اللاتينية مازال مستمرا حتى يومنا هذا. وقد يعتقد البعض أن حصول بلدان أمريكا اللاتينية على الإستقلال أنهى عهد الإستعمار ولكنه كان ومازال استقلالا اسميا. الشركات الأمريكية والشركات المتعددة الجنسيات مازالت تقبض على نواصي الإقتصاد في بلدان أمريكا اللاتينية حيث تتحكم بأسعار السلع والمواد الأولية وتقوم على تدبير الانقلابات العسكرية وتتدخل في شؤون دول أمريكا اللاتينية الداخلية. ولعل أشهر الأمثلة على ذلك هو العداء الأمريكي المستمر مع كوبا رغم سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي ورغم وفاة جميع ثوار كوبا الأوائل وعلى رأسهم تشي جيفارا وفيدل كاسترو وشقيقه راؤول. ومثال آخر هو الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة على المخدرات خلال عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان والتي تحوَّلت الى حرب على شعوب أمريكا اللاتينية وأحد أدوات التدخل في الشؤون الداخلية لدول القارَّة.

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment