المفكر العربي فراس السواح يخبرنا في كتاب "ألغاز الإنجيل" أن يسوع المسيح لم يترك أثرا مكتوبا ولكن تعاليم شفوية وصلت الينا من أتباعه وتلاميذه والأشخاص الذي عاصروه. وقد برزت الحاجة الى تدوين تلك الأقوال وتفاصيل حياة يسوع المسيح و رحلته التبشيرية عند وفاة جميع أفراد الجيل الأول خصوصا الحواريين الإثني عشر وتلاميذهم المباشرين.
يتألف العهد الجديد من ٢٧ كتابا هي على التوالي: الأناجيل الأربعة(متى, مرقس, لوقا, يوحنا), سفر أعمال الرسل, رسائل بولس(رومية, كورنثوس الأولى, كورنثوس الثانية, غلاطية, أفسس, فيلبي, كولوسي, تسالونيكي الأولى, تسالونيكي الثانية, تيموثاوس الأولى, تيموثاوس الثانية, تيطس, فيلمون, العبرانيين), رسالة يعقوب الرسول, رسالة بطرس الأولى, رسالة بطرس الثانية, رسالة يوحنا الأولى, رسالة يوحنا الثانية, رسالة يوحنا الثالثة, رسالة يهوذا, سفر رؤيا يوحنا.)
إن الهوية الحقيقية للأشخاص الذين قاموا بتأليف الأناجيل مجهولة ولكنها في التقليد الكنسي تنسب أربعة قديسين هم متى, مرقس, لوقا و يوحنا والأخير لديه أيضا ثلاثة رسائل في العهد الجديد منسوبة إليه بينما ينسب سفر أعمال الرسل الى لوقا. النصوص الأصلية للأناجيل مفقود وحتى تلك التي نسخت مباشرة منها(الطبعة الأولى) أيضا مفقودة وما حصلنا عليه أجزاء من مخطوطات وأقدم المخطوطات الكاملة هي السينائية والفاتيكانية التي تعود الى القرن الرابع ميلادي. ولكن قبل سنة ١٤٠م, لم يكن هناك أي شهادة تثبت بأن الناس كانوا يعرفون مجموعة من النصوص المكتوبة المنسوبة الى أسماء مؤلفي الأناجيل الأربعة. إن أول من ذكر مجموعة من الكتب التي ألفها الرسل كان أحد آباء الكنيسة الأوائل جستن الشهيد سنة ١٦٥م ولكنه لم يذكر الأناجيل الأربعة صراحة. أول قائمة قانونية للكتب المؤلفة العهد الجديد لم تظهر إلا (١٧٠م-١٨٠م) رداً على بدعة مرقيون ولكنها لم تصبح معتمدة كما وصلت إلينا إلا في القرن الرابع ميلادي وتعرف بقائمة القديس أثناسيوس سنة ٣٦٧م وهي التي تضم كتب العهد القديم والجديد.
إن المشكلة التي تواجه المدافعين عن مصداقية الأناجيل وصحة نسبتها تاريخيا الى مؤلفيها يصطدمون بالحقيقة المرة حول جهل وأمية الحواريين وتلاميذ المسيح. فقد كانت الأمية منتشرة بين نسبة كبيرة من السكان خلال تلك الفترة وكان التعليم مقصورا على الأثرياء وبعض عبيدهم وخدمهم. كما أن الأناجيل التي بين أيدينا مكتوبة باللغة اليونانية القديمة وبأسلوب أدبي رفيع بينما أشخاص مثل القديس يوحنا وبطرس كانوا صيادي أسماك ومتى جابي ضرائب ولغتهم الأم كانت الآرامية. هناك الكثير من الإشاعات عن إكتشاف نسخة من إنجيل متى باللغة الآرامية أو العبرية. يوسابيوس القيصري في كتاب "تاريخ الكنيسة" ذكر أن القديس متى كتب إنجيله باللغة العبرية والموسوعة البريطانية نقلا عن بابياس, أحد آباء الكنيسة المتوفى سنة ١٣٠م ذكرت أن القديس متى كتب إنجيله باللغة العبرية.
هناك آثار أو بقايا الآرامية والعبرية في الأناجيل مثل عبارة (" إيلي إيلي لما شبقتني ؟! أي إلهي إلهي لماذا تركتني ؟!)(مت ٤٩:٢٧), (" وأمسك بيد الصبية وقال لها : " طليثا ، قومي ! " الذي تفسيره : يا صبية ، لك أقول : قومي !)(مر ٤١:٥), (" قال لها يسوع : " يا مريم " فالتفتت تلك وقالت له : " رَبُّونِي " ، الذي تفسيره : يا معلم ")(يو ١٧:٢٠). هناك أيضا المحاورة بين يسوع المسيح ونيقوديموس حيث كان الأخير رئيس لليهود وربما رئيس فرقة وعلى الرغم من ذلك لم يفهم حديث المسيح رغم أن لغة الحوار المفترضة كانت العبرية أو الآرامية. جون شلبي كبير قساوسة الكنيسة الأسقفية في نيوارك, الولايات المتحدة قام بتأليف كتاب عن إنجيل القديس يوحنا ذكر فيه خمسة نقاط مهمة لعل أهمها أن هناك ثلاثة أشخاص كتبوا الإنجيل الرابع خلال ٢٥-٣٠ سنة و أنه ليس هناك دليل تاريخي على أن القديس يوحنا هو كاتب الإنجيل.
هناك الكثير من الأخبار المتداولة عن إكتشاف إنجيل هنا أو إنجيل هناك مكتوب باللغة العبرية أو إكتشاف إنجيل متى باللغة العبرية في تركيا أو إنجيل برنابا وأن الكنيسة سارعت الى إخفاء أو العمل على إخفاء تلك النسخ من الأناجيل لأنها تفضح حقيقة تحريف الكتاب المقدس. إنَّ ذلك يذكرني بإكتشاف مخطوطات صنعاء والتي يتم إستغلالها في محاولة إضفاء مصداقية على مزاعم تحريف القرآن نقلا عن مستشرقين لا يتحدث بعضهم العربية إلا بصعوبة وكثير من الأشخاص يرددون مزاعم يقرأون عنها هناك او هناك وحتى في صحف عالمية من المفترض أن لديها مصداقية ولكنهم ينسخون اقوال تلك الصحف والمواقع بدون تدقيق أو إطلاع على المخطوطات والنصوص الأصلية مع إفتراض أن لديهم المعرفة الكافية باللغة الآرامية واليونانية القديمة والعبرية وغيرها من لغات العالم القديم. إنجيل برنابا السري أو إنجيل القديس متى المكتوب باللغة العبرية هي أساطير لم يشاهدها أو يطلع عليها أحد وليس مسموحا للعامة الإطلاع عليها مع الافتراض أنها موجودة وأن أخبار إكتشافها صحيحة وغير ملفقة بهدف ملء مساحات صحفية فارغة.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment