Flag Counter

Flag Counter

Sunday, October 20, 2019

وزير النفط السعودي علي النعيمي يدمر أحلام وآمال شركات النفط الغربية

إن مات سيمون، مصرفي ورئيس مجلس إدارة شركة تدير استثمارات في عدة دول في مجال النفط يعتبر شخصية أمريكية بارزة مقربة من ديك تشيني وكانت على علاقة وثيقة ومباشرة بالقرارات التي يتم اتخاذها حول الاستراتيجية الأمريكية في مجال الطاقة. وقد كان سيمون مؤيدا تقليديا للحزب الجمهوري حيث قدم تبرعا الى حملة جورج بوش الابن الانتخابية بلغ 100 ألف دولار من ماله الخاص. مات سيمون كان مؤيدا لمفهوم الذروة النفطية وعضوا في مجلس العلاقات الخارجية التابع الى ديفيد روكفيلر والمجلس القومي الأمريكي للنفط، أحد أقوى لوبيات المصالح النفطية في الولايات المتحدة. كما كان سيمون يشغل منصب مدير المجلس الأطلنطي، أحد لوبيات المصالح التي تمثل حلف الناتو والذي كان يضم في عضويته بالإضافة الى ديك تشيني أشخاصا مثل كولن بأول، هنري كيسنجر، كونداليزا رايس و زلماي خليل زاده. سنة 2000، نشر سيمون مقالا مطولا حول صحة التوقعات التي قام بها نادي روما ونشرها في تقريره المشهور "حدود النمو." إن جميع الاحتياطيات النفطية المعروفة قد تم اكتشافها ولن تكون هناك أي اكتشافات مستقبلية جديدة وأن ذروة الإنتاج النفطي (Peak Oil) قد أصبحت حقيقة على أرض الواقع.
حقل نفط جواهر في المملكة العربية السعودية الذي كشفت عنه شركة أرامكو-روكفيلر سنة 1948 يعتبر أكبر حقل للنفط الخام في العالم تبلغ مساحته 280*30 كم. وبحلول سنة 2010، بلغ إنتاج الحقل من النفط حوالي 65 مليار برميل. إن ما معدله 65% من إنتاج السعودية من النفط خلال الفترة 1948-2000 كان مصدره حقل جواهر النفطي في المنطقة الشرقية. الولايات المتحدة كانت قلقة من أن يتكرر سيناريو الحظر النفطي بسبب حرب 1973 ولذلك قامت بالتخطيط على المدى الطويل حتى لا يتكرر ذلك عبر معادلة النفط مقابل الحماية، الولايات المتحدة تتعهد بحماية نظام الحكم في المملكة العربية السعودية والموافقة على بيعها أحدث الأسلحة مقابل الموافقة على بيع النفط السعودي حصريا مقابل الدولار الأمريكية وليس أي عملة أخرى وفرض ذلك على منظمة الأوبك باعتبار السعودية أكبر منتج للنفط في المنظمة. مات سيمون كان يعمل جاهدا في الترويج لوجهة نظره حول ذروة الإنتاج ذكر أن المملكة العربية السعودية قد تجاوزت ذروة الإنتاج منذ فترة زمنية طويلة وأن الإنتاج العالمي بالتالي قد وصل الى تلك المرحلة. سيمون قام بزيارة المملكة للتأكد من تلك المعلومات حيث ادعى أنه حصل على وثائق مصنفة سرية جدا حول مستوى الإنتاج في حقل جواهر وأنه آخذ في التناقص. إن سيمون لم يقدم أي دليل حول صحة مزاعمه وكيفية حصوله على تلك المعلومات الحساسة خصوصا أن مستويات الإنتاج الفعلية واحتياطيات النفط في السعودية تعتبر من المعلومات السرية والحساسة التي لم تعلن عنها الحكومة السعودية منذ إعادة شراء شركة أرامكو خلال فترة الثمانينيات من القرن العشرين.
إن ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة التي تلت غزو العراق سنة 2003 تم الترويج لها من دوائر الإعلام الغربية على أنها برهان على صحة نظرية ذروة الإنتاج النفطي بينما الحقيقة على أرض الواقع مختلفة تماما. إن مات سيمون وكولين كامبيل أعضاء في مؤسسة (Association for the Study of Peak Oil and Gas – ASPO) والتي خرجت للعلن في توقيت متزامن مع الترويج إعلاميا وبدعم من كبريات شركات النفط نظرية ذروة الإنتاج النفطي وأن احتياطيات النفط قد تم اكتشافها ولم يبق أي احتياطيات جديدة غير مكتشفة. شركة بريتيش بتروليوم انضمت الى جوقة حملات البروباغندا وغير اسمها من (BP-British Petroleum) الى (BP-Beyond Petroleum) وقامت بتقديم تمويل سخي الى أبحاث صناعة الوقود الحيوي من المحاصيل الزراعية خصوصا الذرة وقصب السكر. غولدمان ساكس، أحد المستفيدين من ارتفاع أسعار النفط قد بدأت بتمويل حملات إعلامية مدفوعة الأجر خصوصا مقالات ومواضيع في صحف وجرائد تقتبس من أبحاث كولن كامبيل والأرقام التي كان يذكرها في دراساته. أسعار النفط ارتفعت من 18 دولار/برميل سنة 2000 الى أكثر من 140 دولار خلال الفترة التي سبقت الأزمة المالية 2007/2008.
المثير للاستغراب أنه وخلال كل تلك الأحداث التي عصفت بالمنطقة والحملات الإعلامية التي كانت تحاول إقناع الرأي العام أن إنتاج العالم من النفط قد تخطى منذ فترة زمنية طويلة مرحلة ذروة الإنتاج وأنه بدأ في الانخفاض بشكل حاد مع زيادة الطلب واكتشاف 90% من الاحتياطيات النفطية في العالم, أعلن وزير النفط السعودي علي النعيمي خلال اجتماع في العاصمة الأمريكية واشنطن بتاريخ 29/أبريل/2004 أن تقديرات احتياطي النفط في حقول المملكة قد ارتفعت من 260 مليار برميل الى 1200 مليار برميل. الوزير النعيمي أضاف وسط دهشة الحضور أن تلك التقديرات هي متحفظة نوعا ما وأنه متفائل بالاكتشافات المستقبلية وتطور تكنولوجيا التنقيب عن النفط. ولكن ذلك لم يوقف سعي الولايات المتحدة للسيطرة على منابع النفط العالمية والترويج لنظرية ذروة الإنتاج ومحدودية الموارد النفطية، الحرب على الإرهاب تحولت الى حرب عالمية هدفها التحكم بمصادر الطاقة وأماكن إنتاجها ومسارات نقلها عبر بلدان العالم.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

شركات ولوبيات المصالح النفطية تنتقد النظرية اللاأحيائية حول النفط

إن شركات التنقيب عن النفط والمصالح المرتبطة بها لم تتأخر في الرد على علماء أوكرانيا والاتحاد السوفياتي الذي قدموا الأدلة والقرائن خلال مؤتمر علمي عقد مدينة سانتا-في في ولاية نيومكسيكو في الولايات المتحدة سنة 1994 على أن النفط مادة تتشكل باستمرار في باطن الأرض وتتسرب الى طبقات الأرض العليا مما ينفي عنها صفة الندرة وبالتالي ارتفاع سعرها بسبب ذلك. إن تلك النظرية تتعرض مع نظرية الأصل العضوي للنفط التي تتبناها الدوائر العلمية الغربية وتسمح لها بأن تتلاعب بمصادر الطاقة العالمية تحت مسمى النُّدرَة. عالم جيولوجيا النفط الأيرلندي كولين كامبيل (Colin Campbell) والعالم الجيولوجي الفرنسي جين لوهيير (Jean Laherrere)، الأول كان يعمل لصالح شركة نفط تكساكو(Texaco) والثاني لصالح عملاق النفط الفرنسي توتال(Total)، نشرا مقالة في أحد أكثر المجلات العلمية شعبية في الولايات المتحدة (Scientific America) في مارس 1998 بعنوان "The End of Cheap Oil."
إن ذلك المقال لم يكن سوى البداية في تلك الحملة التي مولتها شركات النفط دفاعا عن مصالحها. المقال يمكن تلخيصه بأن الأزمة النفطية القادمة لن تكون قابلة للحل لأنه خلال العقد القادم، معدل الاكتشافات النفطية الجديدة لن تكون قادرة على تلبية الطلب العالمي المتزايد. إن البيانات التي استخدمها العالمان مصدرها شركة استشارات نفطية خاصة مقرها الرئيسي في جنيف-سويسرا تدعى (Petroconsultant). إن تلك البيانات تضمنها تقرير تم شرائه من شركات التنقيب عن النفط مقابل 32 ألف دولار للنسخة الواحدة وليس متاحة للعامة وليست خاضعة الى تقييم علمي مستقل ومحايد. العالمان، كولن كامبيل وجين لوهيير لم يقدما برهانا على ما تضمنه مقالهما بأن كمية النفط الموجودة في باطن الأرض محدودة وأنه تم اكتشاف 90% منها.
وفي سبيل إضفاء مصداقية علمية على وجهة نظرهما، قام كولن كامبيل وجين لوهيير بالترويج لنسخة معدلة من نظرية "الذروة النفطية" التي كانت أقرب للخيال العلمي منها للعلم والتي أعترف مؤسسها ماريون هوبرت بأنه لم يعتمد على أي دليل علمي في نظريته أو بيانات علمية في رسمه منحنى الجرس الذي اعتمد عليه في إثبات مصداقية نظريته. حقول النفط في بحر الشمال، ألاسكا، نيومكسيكو وغيرها من المناطق التي تشتهر بحقولها النفطية سوف تعاني من تناقص في كميات الإنتاج بحلول عام 2002 وأن تعويض الفاقد سوف يعتمد على مجموعة دول في منطقة الشرق الأوسط خصوصا المملكة العربية السعودية، الكويت والعراق. إنتاج النفط العالمي سوف يصل الى ذروته ويبدأ بالتناقص بحلول سنة 2010. كما أن الطلب على النفط سوف يزداد ليصل الى 60% بحلول عام 2020 مما سوف يؤدي الى ارتفاع في الأسعار واضطرابات سياسية.
إن كل ما ذكره العالمان لا يستند الى أي أساس علمي ولا يمكن المصادقة عليه من جهة علمية مستقلة. كولن كامبيل توقع عدة مرات إن إنتاج النفط العالمي سوف يبدأ بالتناقص سنة 1989, 1990, 1998,2005 و2010. وخلال محاضرة القاها في إحدى الجامعات الألمانية سنة 2002, صرَّح بأن إنتاج النفط العالمي سوف يصل الى مرحلة الذروة سنة 2005. إن توقعات كامبيل التي كان البعض يدافع عن صحتها ودقتها قد بدت أقرب للتحقق حين غزت الولايات المتحدة العراق سنة 2003 لإسقاط ما تصفه بأنه حكم ديكتاتوري بينما كانت تروج أن للأمر علاقة بالسيطرة على منابع الطاقة العالمية. ولكن على أرض الواقع، غزو العراق سنة 2003 كان له علاقة بتصفية حسابات جيو-سياسية من أيام الحرب الباردة وتأكيد الهيمنة الأمريكية في مواجهة دول صاعدة مثل روسيا والصين.
خلال مؤتمر ضم مدراء وممثلين عن شركات التنقيب عن النفط عقد في العاصمة البريطانية لندن سنة 1999، تحدث ديك تشيني الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة هاليبيرتون, أكبر شركة خدمات نفطية في العالم, عن مجموعة من المسائل الحيوية المتعلقة بمصادر الطاقة العالمية خصوصا النفط والغاز. أولا، النفط هو مادة حيوية لا تتمتع بصفة الاستمرار والديمومة. الطلب على النفط سوف يزيد 2% سنويا في الوقت نفسه، إنتاج النفط سوف يتناقص بمعدل 3% وأنه بحلول سنة 2010, سوف يحتاج الاقتصاد العالمي الى 50 مليون برميل إضافية من النفط. ثانيا، النفط سلعة استراتيجية وحيوية للاقتصاد العالمي واستمرار حركة التجارة الدولية وأن حرب الخليج كانت مجرد انعكاس لذلك. ثالثا، شركات النفط الوطنية والحكومات تسيطر على ما مجموعه 90% من احتياطيات النفط المتلقية وأن قسما كبيرا من مصادر الطاقة يقع في دول إسلامية أو يدين قسم كبير من سكانها بالإسلام. وسيلة ديك تشيني المفضلة في سبيل انتزاع السيطرة على حقول النفط من الحكومات والشركات الوطنية كان شن الحروب ضد تلك الدول وهي السياسة التي بقيت مهيمنة على الاستراتيجية العسكرية الأمريكية خلال عهد ما بعد ديك تشيني وجورج بوش الابن.
سنة 1997، أي قبل سنتين من مؤتمر لندن، قام ديك تشيني بتأسيس مركز للأبحاث مع أحد السياسيين المقربين منه، دونالد رامسفيلد. ولقد كان أول عمل قام به المركز المعروف (the Project for the New American Century-PNAC) هو نشر رسالة مفتوحة الى الرئيس بيل كلينتون سنة 1998 تحرِّض على استخدام القوة العسكرية في سبيل تغيير النظام العراقي. الهدف المباشرة لم يكن بسبب الحاجة الى نفط العراق لسد فجوة في استهلاك الولايات المتحدة من تلك السلعة، السوق كان يعاني من تخمة في الإنتاج. بل كان الهدف التحكم بمن يشتري النفط العراقي وذلك لأهداف سياسية وخدمة لمصالح الولايات المتحدة. الحكومة العراقية خلال الفترة التي سبقت سنة 2003 قامت بالوقيع مع شركات تنقيب من روسيا، الصين، فرنسا ومنعت شركات النفط الأمريكية والبريطانية من الاستفادة من ثاني أكبر احتياطي نفط في العالم حيث لم تكن دوائر صنع القرار ولوبيات شركات النفط المقربة من تشيني-رامسفيلد مسرورة بذلك. وسائل الإعلام الغربية بالكاد ذكرت أن شركات النفط الأمريكية والبريطانية طردت من العراق خلال الفترة التي سبقت سنة 2003.
الإدارة الأمريكية بحثت عن أي ذريعة لغزو العراق سنة 2003. أحد تلك الذرائع كانت تقديم العراق الدعم لتنظيمات أصولية ومحاولة الربط بين ذلك وأحداث 11 سبتمبر. الذريعة الأخرى كانت أن العراق يقوم على تطوير أسلحة دمار شامل، لم يتم تقديم دليل واحد على ذلك الادعاء ولم يتم اكتشاف أي أسلحة دمار شامل في العراق. إن أول قرار أصدره الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن فور مباشرته رسميا مهام منصبه كان بإنشاء فريق عمل تحت مسمى (called The National Energy Policy Development Group-NEPD) برئاسة نائب الرئيس ديك تشيني حيث كانت المهمة الأساسية المكلف بها هي التخطيط من أجل استراتيجية وطنية للطاقة في الولايات المتحدة. ديك تشيني وفريق عمله كانوا على اتصال دائم مع كبريات شركات النفط مثل إكسون موبيل، بريتيش بتروليوم، شيل، شيفرون، إنرون ومعهد الدراسات البترولية في الولايات المتحدة. ديك تشيني طلب وبشكل فوري خارطة مفصلة بكافة مواقع آبار النفط واحتياطيات العراق النفطية. وفي تقرير صدر عن فريق العمل (NEPD) كان ملخصه إن 55% من استهلاك الولايات المتحدة من النفط كان موزعا على الشكل التالي: كندا 15%، السعودية وفنزويلا 14% لكل منهما، المكسيك 12%. وبحلول سنة 2020, النفط المستخرج من منطقة الخليج العربي والتي تشمل إيران والعراق سوف تكون نسبته 54%-67% من الإنتاج العالمي. الولايات المتحدة لم تكن بحاجة كل ذلك النفط بل كان الهدف من استراتيجية الطاقة الأمريكية التحكم بحاجة الدول الأخرى الى النفط.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

ماهو تأثير إعلان الحرب الباردة على السياسة السوفياتية في مجال الطاقة؟

إن أحد أهم نتائج نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة هي أن رئيس الإتحاد السوفياتي جوزيف ستالين بدأ بمحاولة التخطيط لسياسة مستقلة في مجال الطاقة تلغي اعتماد الإتحاد السوفياتي على النفط المستورد من دول غربية. وقد أصدر مدفوعا بعدة عوامل أوامره للعلماء السوفيات بإجراء دراسة شاملة لكل الجوانب المتعلقة بمصادر الطاقة خصوصا النفط والغاز. تلك العوامل كانت على سبيل المثال الإعلان عن تأسيس تحالف عسكري للدول الغربية تحت مسمى الناتو, قيام قوات تابعة للدول الغربية بالانتشار في دول مثل تركيا حيث يمكن توجيه ضربة عسكرية الى الإتحاد السوفياتي, خطبة الجدار الحديدي التي ألقاها رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في مدينة فولتون في ولاية ميزوري الأمريكية, الحرب الكورية وبداية الحرب الباردة.
كبار العلماء من الإتحاد السوفياتي بدأوا العمل سنة 1950 على دراسة مفصلة عن النفط والطاقة بشكل عام. سنة 1951البروفيسور(Nikolai Kudryavtsev), أحد أبرز أعضاء الفريق العلمي السوفياتي نشر ورقة بحثية باللغة الروسية وتم تداولها حصريا في أوساط العلماء السوفيات حيث أحيطت بالسرية وكان موضوعها متعلقا بنظرية الأصل العضوي للنفط. الورقة البحثية كانت تنتقد النظرة التقليدية حول الأصل العضوي للنفط. ولقد تعرضت تلك الورقة البحثية للتدقيق والأبحاث المكثفة في الدوائر العلمية السوفياتية حتى سنة 1965 حيث عقدت عدة مؤتمرات تم نقاش تلك الورقة البحثية خلالها.
وحتى نكون أكثر دقة حول نظرية الأصل العضوي للنفط, فإنها تعود الى عام 1757 حيث تحدث العالم الروسي ميخائيل لوموسونوف أمام نظرائه في أكاديمية سانت بطرسبرغ للعلوم بأنها النفط يتشكل في طبقات صخرية نتيجة تعرض بقايا الحيوانات والنباتات الى ظروف من الضغط العالي والحرارة المرتفعة. تلك النظرية التي تم اعتمادها من قبل الجامعات والأكاديميات العلمية لم تتعرض للفحص والتمحيص بشكل جدي حتى سنة 1950 حيث بدأت الأبحاث السوفياتية حول أصل النفط وطريقة تكوينه. العلماء السوفيات إكتشفوا أن حجم الضغط الذي يؤدي الى تشكل النفط من الجزيئات الهيدروكربونية لايمكن أن يكون إلا في باطن الأرض على أعماق تبدأ من 35كم حيث لا توجد مكامن تقليدية أو مخزونات للنفط. كما أن النظرية الإحيائية(العضوية) بقيت قاصرة عن تفسير الاحتياطيات النفطية الضخمة في مناطق مثل حقل جواهر في المملكة العربية السعودية. النظرية الإحيائية المتعلقة بالأصل العضوي للنفط ليست إلا أحد أكبر عمليات الغش والخداع العلمي في التاريخ.
أحد أهم نتائج الاكتشافات والأبحاث التي يرجع تاريخها الى فترة حكم جوزيف ستالين الإتحاد السوفياتي والتي تثبت صحة النظرية اللاأحيائية أن هناك حقول نفطية تم إغلاقها جزئيا أو كليا تم إعادة ضخ النفط منها وبكميات تجارية. حقل روماشينكو في تتارستان هو أحد تلك الحقول التي تم إغلاقها جزئيا سنة 1991 بعد أن أصبح يضخ 99% ماء بدلا من النفط والغاز. ولكن تم إعادة إفتتاح بعض الأبار سنة 2007 حيث تم ضخ كميات من النفط الخام أثبتت التحاليل أنها تكونت على عمق يصل الى 15 كم من سطح الكرة الأرضية. إن ذلك يعني أنه يمكن إستغلال أبار النفط الى الأبد بحساب معدل إعادة إمتلاء البئر إستخراج النفط, ذلك كان ثورة علمية بكل المعايير والمقاييس. البروفيسور الروسي فيكتور كوتشيروف من جامعة النفط والغاز الحكومية والمعهد الملكي السويدي للتكنولوجيا تحدث عن السبب في الإنفجار في منصة التنقيب البحري في خليج المكسيك في الولايات المتحدة والتي كانت تتبع شركة بريتيش بتروليوم سنة 2010 كان ربما أن منصات الحفر قد وصلت الى أحد الشقوق الرئيسية(Migration Channels). وفي سنة 2012, حقق تحالف شركات نفطية بريطانية وبرازيلية أهم إكتشاف نفطي في تاريخ البشرية, حقل نفط تايبر(Tiber) على مسافة 50كم من موقع كارثة منصة الحفر البحرية التابعة لشركة بريتيش بتروليوم. إن هناك عددا من الأمثلة على حقول نفطية تم إغلاقها ثم عادت للإنتاج وبوفرة وذلك في الشيشان وحتى في الولايات المتحدة. أحد أشهر الأمثلة هي حقل (Pennzoil’s Eugene Island Block 330) في منطقة خليج المكسيك حيث انخفض إنتاجه الى 4000 برميل في أوائل الثمانينيات وتم إغلاقه مؤقتا بضعة سنين حتى تم إعادة الضخ منه بمعدل 13 ألف برميل وزيادة إحتياطي النفط في الحقل من 60 مليون برميل الى 400 مليون برميل.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

هل تعتبر نظرية الأصل اللاأحيائي للنفط قابلة للتصديق؟

خلال مؤتمر علمي عقد سنة 1994 في مدينة سانتا-في في ولاية نيومكسيكو الأمريكية، أحدث علماء روس وأوكرانيين مفاجأة بسبب اكتشاف النفط بكميات تجارية في حوض دنبير-دونيتس بالقرب من الحدود الروسية-الأوكرانية على الرغم من أن خبراء من دول غربية قد أعلنوا قبل ذلك عدم عثورهم على النفط في تلك المنطقة. البروفيسور V.A. Krayushkin رئيس قسم التنقيب عن النفط في معهد العلوم الجيولوجية  في أكاديمية كييف للعلوم والمسؤول عن التنقيب في منطقة حوض دنبير-دونيتس قد شرح وجهة نظره للحضور الذين يمثلون أكثر من 57 جمعية ومؤسسة علمية معتمدا على النظرية الأبيونية(Abiotic Theory). وجهة النظر التقليدية بأن منطقة حوض دنبير-دونيتس لا تحتوي على طبقة الصخور الأساسية(Basic Rocks) التي تدل على وجود النفط في المنطقة, ولكن البروفيسور Krayushkin أعلن إكتشاف كميات من النفط في طبقة صخرية عميقة تدعى (Crystalline Basement)  وهي التي يستحيل بحسب نظرية الأصل العضوي للنفط تواجد مخزونات نفطية فيها. العلماء الحاضرون في المؤتمر لم يكونوا مسرورين بسماع تلك الأخبار.
في الحقيقة, ليس بمستغرب أن يثير ذلك الإكتشاف الجيولوجي الدهشة لدى الحاضرين لأن إعلان البروفيسور Krayushkin كان يتحدي النظرية التقليدية(الإحيائية) للنفط حيث لن يكون ذلك موضع ترحيب. النظرية الأبيونية تتحدى النظرة التقليدية لنشأة النفط قرب الطبقات السطحية للأرض نتيجة تراكم مواد عضوية, عبارة عن بقايا أشجار وحيوانات, ولكن النفط يتبلور على عمق قد يصل الى 200 كم حيث يتسرب عبر شقوق في الطبقات الصخرية الى السطح. ولكن ما زاد في دهشة الحاضرين هو أنه تم حفر 61 خلال فترة الدراسة التي استغرقت خمس سنين, تم حفر 61 بئر, على عمق يصل الى 4 كم, 13000 قدم,  37 بئرا منها أنتجت النفط بكميات تجارية, معدل نجاح يزيد عن 60% مقارنة بإستخدام الطرق التقليدية حيث قد لا يزيد معدل نجاح عمليات التنقيب 30%. إن بعض تلك الآبار كان ينتج متوسط 2.600 برميل في اليوم بقيمة ثلاثة ملايين دولار مما يعني أن إنتاج البئر الواحد سنويا يعادل مليار دولار بينما أعمق نقطة في حقل Prudhoe Bay في آلاسكا, أكبر حقل نفط في أمريكا الشمالية, بلغت 9000 قدم.
النظرية التقليدية حول أصل النفط العضوي تواجده تحديات علمية وضعت مصداقيتها ومصداقية العلماء الذين يؤمنون بها على المحك. أحد تلك التحديات والتي تحدث عنها البروفيسور Krayushkin خلال المؤتمر هي إكتشاف النفط في حقل روماشينكو في تتارستان, أكبر حقل نفطي يقع خارج منطقة سيبيريا الغربية وذلك على عمق 49 الف قدم أو 5 أميال حيث لا يمكن تواجد مستحثات ديناصورات وبقايا نباتات. البروفيسور شرح للمجتمعين الخطوات العلمية التي قام بها فريقه بأدق التفاصيل حتى وصل الى ذلك الاستنتاج خصوصا أن النفط الذي تم استخراجه بالقرب من الطبقات السطحية في حوض دنبير-دونيتس لا تحتوي على مادة (sporepollen) ومواد أخرى غير عضوية مما يثبت تسربه من طبقات على عمق أكبر من التوقعات التقليدية حيث يتواجد احتياطيات نفطية.. تحليل النفط الذي تم استخراجه أثبت أنه لا يحتوي على جزيئات عضوية من تلك التي من المفترض تواجدها وفق نظرية الأصل العضوي للنفط. إن النفط يتكون وفق النظرية الأبيونية على أعماق في باطن الأرض قد تصل الى 200 كم وفق تفاعلات بين جزيئات الكربون وغاز الميثان ومعادن أخرى في ظروف الحرارة المرتفعة ثم يتخذ مجراه عموديا الى سطح الأرض من خلال الشقوق(Migration Channels) حيث يتجمع في طبقة صخرية(sedimentary Rocks). إن ماينطبق على النفط وفق النظرية الأبيونية ينطبق أيضا على المعادن الثمينة مثل الألماس حيث يعتبر الكربون مكونا أساسيا.
العلماء المجتمعين في المؤتمر لم يكونوا مسرورين بذلك الإكتشاف لأنه تحدى وجهة النظر التقليدية حول الأصل العضوي للنفط التي كانوا يؤمنون بها ويدافعون عنها عشرات السنين. علماء معهد العلوم الجيولوجية  في أكاديمية كييف للعلوم منحوا جائزة الدولة في العلوم والتكنولوجيا مقابل اكتشافهم الذي قلب نظرية علمية مهيمنة رأسا على عقب. إن ردة الفعل التي صدرت منهم تماثل ردة الفعل التي صدرت من محاكم التفتيش الكنسية ضد نظريات جاليليو العلمية في القرن الخامس عشر.
إن وجهة النظر التي عرضها البروفيسور Krayushkin في سانتا-في مثَّلت تحديا خلال فترة تاريخية حرجة شهدت عددا من الأحداث المفصلية في تاريخ البشرية, سقوط جدار برلين وإنهيار الإتحاد السوفياتي حيث كان الهدف الأساسي للمصالح النفطية الأمريكية والبريطانية السيطرة على مصادر الطاقة العالمية حيث برزت نظرية الندرة(Scarcity) التي تم تبنيها ومهاجمة أي وجهة نظر مخالفة. إن منطقة التنقيب في حوض دنبير-دونيتس لم تكن الوحيدة حيث إكتشف العلماء الروس و الأوكرانيون مكامن نفطية في مناطق لم يكن من المفترض اكتشاف النفط فيها. لقد تم إكتشاف النفط في 80 حقلا في سيبيريا الغربية  وفي تتارستان على أعماق تتراوح 800-1500 متر من الطلقة الصخرية الرئيسية حيث من المفترض أن النفط يتكون فيها قبل أن يتسرب الى طبقات سطحية من خلال الشقوق في باطن الأرض. أحد تلك الحقول هو حقل Novoyelkhovskaya في تتارستان حيث يعتبر أحد أكثر الحقول إنتاجية ومصدر الدخل الرئيسي.
إن تواجد النفط على أعماق تصل الى 7كم يتعارض مع وجهة النظر التقليدية التي كانت الدوائر العلمية في الغرب والمصالح النفطية المرتبطة بها تتبناها وتروج لها. شركة موبيل(Mobile) الأمريكية كانت تحاول التنقيب عن النفط في فيتنام خلال الفترة التي سبقت نهاية التدخل الأمريكي في ذلك البلد الآسيوي. حوض النمر الأبيض(White Tiger Basin) هي المنطقة التي لم تتمكن شركة موبيل من اكتشاف النفط فيها وتقع في محافظة (Vung Tau) أصبحت أحد أكثر المناطق إنتاجا للنفط حتى يومنا هذا حيث تنتج مايزيد عن 300 ألف برميل يوميا بفضل بعثة علمية سوفياتية-فيتنامية مشتركة تمكنت من إكتشاف النفط على عمق 7كم في طبقات الصخور الغرانيتية حيث لم يتم إكتشاف أي مستحثات نباتية أو حيوانية تدعم نظرية الأصل العضوي للنفط.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Friday, October 11, 2019

النفط والطاقة, الصراع الأمريكي-السوفياتي

استخدمت الولايات المتحدة سلاح النفط بفعالية ضد الإتحاد السوفياتي سنة 1986 حيث فرضت على المملكة العربية السعودية زيادة الإنتاج رغم أن السوق كانت متخمة مما أدى الى إنخفاض أسعار النفط 70% خلال أشهر معدودة. إنتاج الإتحاد السوفياتي من النفط كان يبلغ 12.6 مليون برميل سنة 1987, أكثر من إنتاج المملكة العربية السعودية. سنة 1988, بداية تفكك الإتحاد السوفياتي, عائدات النفط بلغت 70% من عائدات العملة الصعبة في الإتحاد السوفياتي. الإستيلاء على حقول النفط السوفياتية كان يحتل أولوية في خطط واشنطون الإستراتيجية للتحكم في مصادر الطاقة العالمية. خلال الثمانينيات, فرضت الولايات المتحدة حظرا على توريد معدات حفر الآبار النفطية الى الإتحاد السوفياتي مما أدى الى تباطؤ في عمليات إنتاج النفط. تلك المعدات عبارة عن مضخات مياه ذات قدرة عالية لها علاقة بتقنية الحفر الهيدروليكي لآبار النفط حيث يتم ضخ المياه في أطراف المنطقة التي تحتوي على البئر النفطي. كازاخستان, انفصلت عن الاتحاد السوفياتي سنة 1991 حيث لعبت شركة شيفرون التي تلقت دعما من الحكومة الأمريكية دورا رئيسيا.
الولايات المتحدة وبريطانيا قدمتا التمويل الى حركات انفصالية تهدف الى تفكيك الاتحاد السوفياتي وتقليص نفوذه في آسيا والمنطقة الأوراسية. البداية كانت في كازاخستان, أوزبكستان وجورجيا منذ سنة 1991. الولايات المتحدة لم تكن مهتمة بهوية القادمين الجدد الى كرسي الحكم بقدر ماكانت مهتمة بأن يخضعوا للإرادة الأمريكية التي كانت تنظر بملئ عيونها الى حقول النفط الغنية في المنطقة. الولايات المتحدة كانت تشعر بالقلق من الاتحاد السوفياتي بسبب التقارير التي كانت تشير الى أنه الدولة الوحيدة القادرة على مواجهة الولايات المتحدة وهزيمتها.
النفط دائما حاضر في مشهد الصراع في المنطقة. حقل (Tengiz) في كازاخستان يحتوي على 25 مليار برميل من النفط, ضعف الكمية التي تحتويها حقول النفط البحرية في برادهو باي(Prudhoe Bay) في آلاسكا. الحكومة السوفياتية وفي محاولة منها تحقيق مكاسب سياسية ومالية قبل الإنهيار الوشيك للإتحاد السوفياتي, منحت شركة شيفرون امتياز التنقيب عن النفط في ذلك الحقل حيث تقبع إحتياطيات نفطية هائلة تحت طبقة ملحية تبلغ سماكتها 900 متر. الصفقة أثارت عاصفة من الإحتجاجات في الإعلام حيث تم توجيه الإتهام الى الشركة الأمريكية بتقديم رشاوى وهدايا لمسؤولين حكوميين للحصول على الإمتياز. الصفقة انهارت مع إنهيار الإتحاد السوفياتي وإنتقلت ملكية الحقول النفطية في كازاخستان الى الحكومة الجديدة التي أبرمت اتفاقا مع شركة شيفرون وإكسون موبيل تمنحهم بموجبه حقوق التنقيب في حقل (Tengiz) وحقل (Korolev) مقابل التالي: 50% شركة شيفرون, 25% شركة إكسون موبيل و 25% شركة النفط الحكومية الكازاخستانية. شركتين من شركات روكفيلر النفطية السبعة أصبحت تسيطر على 75% من 6-9 مليار برميل قابلة للاستخراج مع احتياطي يصل الى 25-40 مليار برميل من النفط.
الصراع الروسي-الشيشاني كان أحد فصول حروب النفط في المنطقة الأوراسية. السبب الرئيسي كان خط أنابيب لنقل النفط من حقول النفط البحرية في بحر قزوين والتابعة لأذربيجان عبر روسيا الى أوروبا ويمر بالشيشان. حقول النفط البحرية الأذربيجانية في بحر قزوين كانت تحتوي على كميات من النفط تعادل أو تزيد عن ماتحتويه حقول المملكة العربية السعودية. الصراع في الشيشان تم تصويره على أنه صراع عرقي وديني بين المسيحيين الأرثودكس والمسلمين السُنَّة. المملكة العربية السعودية كانت مهتمة بنشر الإسلام الوهابي في الإتحاد السوفياتي السابق بهدف إضعاف أحد منافسيها الرئيسيين في مجال استخراج النفط وتصديره, التصوف كان سمة شائعة لأهل الشيشان. الآلاف من المقاتلين من ذوي الخبرات ممن قاتلوا خلال الحرب الأفغانية(1979-1989) تم إرسالهم الى الشيشان بالإضافة الى تجنيد عدد كبير من بلدان عربية وإسلامية مختلفة وتلقيهم دعما بالأموال والسلاح من الولايات المتحدة ودول عربية وإسلامية.
الولايات المتحدة كان لديها خط بديل لنقل النفط دون المرور بالأراضي الروسية يبدأ من حقول استخراجه في باكو مرورا بالعاصمة الجورجية تبيليسي وسوريا حيث ينتهي في تركيا في ميناء جيهان. الولايات المتحدة تذرعت بأن مناطق الشيشان وداغستان غير آمنة وتجاهلت أن عملائها الإسلاميين هم من كان السبب في إثارة الإضطرابات والقلاقل. ولقد كان هناك الكثير من الشيشانيين ممن قاتلوا خلال الحرب الأفغانية تم إرسالهم للعمل في الشيشان وداغستان حيث كان قائدهم شامل باساييف الملقَّب "أسد الشيشان." شامل باساييف كان مسؤولا عن هجمات دموية ضد مواطنين روس من المدنيين وعمليات إحتجاز رهائن. أحد أشهر العمليات التي كان شامل باساييف مسؤولا عنها هي هجوم على مدرسة للأطفال في بيسلان-أوستيا, أحد مناطق روسيا الإتحادية, حيث سقط مئات الطلاب ضحايا محاولة القوات الخاصة الروسية تحرير الرهائن والقضاء على الخاطفين. الولايات المتحدة وبريطانيا منحتا اللجوء لعدد من قادة الإرهابيين الشيشان الهاربين من القوات الروسية التي بدأت في تطويق معاقلهم. وقد كان من الواضح أن بعض الدول الغربية كانت لديها أجندات ضد روسيا.
صندوق النقد الدولي لعب دورا رئيسيا في تحديد بنود منح روسيا القروض التي كانت تحتاجها خلال فترة إعادة البناء التي تلت انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي. أحد شروط صندوق النقد الدولي كانت موافقة الحكومة الروسية على خصخصة المؤسسات والمعامل والمصانع والشركات الحكومية, شركات التنقيب عن النفط والغاز كانت تحتل سلم الأولويات بالنسبة للولايات المتحدة. أسرة روتشيلد قامت في الظل بشراء حصة مؤثرة في شركة النفط الروسية يوكوس(Yukos) والتي كان الملياردير ميخائيل كودوفوسكي يمثل مصالحها فيها. الهدف من حروب النفط في المنطقة الأوراسية ليس تأمين النفط من أجل إستهلاك الولايات المتحدة المستقبلي أو أي دولة أوروبية أخرى, بل السيطرة والتحكم بمصادر الطاقة على مستوى العالم من أجل منع المنافسين السياسيين من الوصول إليها وفرض هيمنة الولايات المتحدة على العالم عبر التحكم بعصب الاقتصاد العالمي, النفط.

النهاية

Sunday, October 6, 2019

حروب الظلال, الطاعون الأسود والنظام العالمي الجديد

إن كل ما يعاني منه الوطن العربي من اضطرابات وانقسامات وتشرذم يمكن أن نجد جذوره في حرب الخليج الأولى والغزو العراقي للكويت سنة 1990-1991. العراق كان لديه أحد أعتى وأقوى الجيوش في المنطقة وأكثرها تسليحا وعددا وخرج من حربه مع إيران مثقلا بالديون يحمل على عاتقه عبئ قوات مسلحة يتجاوز تعداد أفرادها نصف مليون جندي. إبقاء قوات مسلحة بذلك الحجم في حالة الجهوزية هو عملية مكلفة خصوصا مع انخفاض أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيسي للعراق. الولايات المتحدة كانت لديها أجندتها الخاصة المتعلقة بإعادة ترتيب أوضاع المنطقة حيث كان العراق يحتل مكانة رئيسية في المخططات الأمريكية. بدون إزالة الدولة العراقية وتفتيت العراق، لن يكون بالإمكان إعادة رسم خارطة المنطقة أو ما يعرف باتفاقية سايكس-بيكو2 أو أحداث 11 سبتمبر أو ظهور تنظيم داعش. إن وجود دولة مركزية قوية في العراق كان سوف يجعل من الصعوبة المضي قدما في ذلك.
الإدارة الأمريكية أقنعت الكويت بزيادة إنتاجها من النفط مخالفة بذلك حدود الإنتاج المتفق عليها بين الدول الأعضاء في منظمة الأوبك. العراق المثقل بأكثر من 40 مليار دولار من الديون خسر بسبب ذلك عائدات مقدّرة بمبلغ 14 مليار دولار. وخلال تلك الفترة الحرجة، قام وفد اقتصادي أمريكي مؤلف من كبار رجال المال والبنوك وشركات النفط المرتبطة بأسرة روكفلر النفطية الشهيرة بزيارة للعراق تم إحاطتها بهالة إعلامية. الزيارة كانت تهدف الى إقناع الرئيس العراقي بإعادة هيكلة الديون العراقية عبر خصخصة الصناعة النفطية مقابل المزيد من القروض لتمويل مشاريع عملاقة في العراق أحدها كان مشروع سد بادوش على نهر دجلة شمال غرب الموصل وشبكات ري مرتبطة به الذي كان سوف يكلف العراق 40 مليار دولار خلال خمس سنوات ويجعله مكتفيا ذاتيا من المحاصيل الزراعية. العراق رفض العرض الأمريكية وكانت النتيجة إيقاف منحه ضمانات لاستيراد حاصلات زراعية بقيمة 2.3 مليار دولار.
الرئيس العراق قاد جهودا عربية من خلال منظمة الدول المصدر للنفط(الأوبك) ومن خلال منظمة التعاون العربي والجامعة العربية وذلك في عدة إتجاهات. الإتجاه الأول هو محاولة إقناع أمير الكويت الشيخ جابر الصباح الالتزام بخفض الإنتاج المتفق عليه بين دول منظمة الأوبك منذ أزمة انخفاض أسعار النفط(1986-1987). الإتجاه الثاني كان التحذير من التحديات التي يفرضها إنهيار سور برلين وتفكك الإتحاد السوفياتي خصوصا أن الولايات المتحدة قامت بزيادة وجودها العسكري في المنطقة بدلا من سحب قواتها بسبب إنتهاء الحرب العراقية-الإيرانية. الإتجاه الثالث كان محاولة توحيد جهود الدول المصدرة للنفط في بناء علاقة وثيقة مع اليابان والإتحاد السوفياتي وأوروبا خصوصا في مجال الطاقة والابتعاد عن الولايات المتحدة. الرئيس الأمريكي وكبار مساعديه لم يكونوا على وفاق مع تلك التصريحات وكان القرار باستدراج العراق الى الفخ.
المسرح جاهز والعرض قد بدأ. إيقاف ضمانات إستيراد المحاصيل الزراعية, التلاعب بأسعار النفط ومن ثم زيارة السفيرة الأمريكي في العراق أبريل غلاسبي للرئيس العراقي صدام حسين بتاريخ 27/يوليو/1990 وإبلاغه بأن الولايات المتحدة لن تتخذ موقفا بخصوص النزاع العراقي-الكويتي وأنها سوف تقف على الحياد, كان ذلك ليس إلا عملية تضليل. عمليات حشد القوات العراقية على الحدود الكويتية كانت قد بدأت والولايات المتحدة لم يكن لديها أي إعتراض على ذلك حسبما صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض مارغريت تويتويلر خلال لقاء صحفي في اليوم التالي لاجتماع السفيرة الأمريكي في العراق مع الرئيس صدام حسين. القوات العراقية دخلت الكويت بتاريخ 2/8/1990 واحتلت العاصمة في نفس اليوم مع مقاومة محدودة. الأسرة المالكة تمكنت من الهروب مع كميات ضخمة من الأموال والسبائك الذهبية بعد أن تلقَّت تحذيرا مسبقا من الولايات المتحدة التي كانت على علم بأدق تفاصيل المخططات العراقية. سعر برميل النفط ارتفع من 16 دولار الى 28 دولار وصولا الى 36 دولار بحلول نهاية شهر سبتمبر مما أدى الى تضخم غير مسبوق في أرباح الشركات النفطية. الأمم المتحدة فرضت حظرا على تصدير السلاح الى العراق والكويت. ولكن الخطوة الأهم والتي ليس لها تفسير إلا أنها عملية قرصنة كانت مصادر أموال صندوق الاستثمار الكويتي والذي كان الأضخم في العالم من حيث حجم موجودات تقدر بمبلغ 150 مليار دولار.
الولايات المتحدة وبريطانيا أعلنتا إرسال قوات الى السعودية للدفاع عنها من خطر هجوم عراقي وشيك. ولكن التقارير كانت تشير الى أن القوات الأمريكية توجهت بالفعل الى السعودية وأن الملك فهد قد أدلى بتصريح طلب فيه المساعدة العسكرية من الولايات المتحدة وبريطانيا لمجرد التغطية على التواجد العسكري الغربي في السعودية والذي لن يلقى قبولا شعبيا. الأدلة الأمريكية على حشود عراقية مدرعة على الحدود السعودية كانت مجرد عملية تضليل و بروباغندا وأن الملك فهد مضطرا قبل دخول قوات أجنبية الى السعودية بعد اجتماع مع الرئيس الأمريكي ونائبه بقيت تفاصيله سرية. الملك فهد أسرَّ لقادة عرب أنه لم يكن هناك أي أدلة على حشود عراقية على الحدود مع السعودية ولم تكن هناك اي توقعات بقيام صدام حسين بغزو السعودية.
الولايات المتحدة لم تكن مهتمة بتجنب الحرب فقد رفضت إرسال وزير الخارجية جيمس بيكر من أجل لقاء الرئيس العراقي صدام حسين قبل المهلة الممنوحة للعراق للانسحاب من الكويت والتي تم تحديدها بتاريخ 1/يناير/1990. العراق وافق في 15/فبراير/1990 على الإنسحاب من الكويت والإلتزام بجميع قرارات الأمم المتحدة وذلك  بناء على مقترح روسي ولكن الولايات المتحدة رفضت ذلك. الولايات المتحدة لم تكن مهتمة بتحرير الكويت بل كان لها أهداف أخرى ضمن إطار ما يسمى النظام العالمي الجديد الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي في وقت سابق. إن أحد أهداف حرب الخليج الأولى سنة 1990 كان لها إرتباطات بالحرب الباردة, العراق كان حليفا وثيقا في المنطقة للإتحاد السوفياتي السابق. سنة 1991, تم فرض منطقة حظر طيران في شمالي العراق خط عرض 36, المنطقة الكردية الغنية بالنفط. الولايات المتحدة كانت مهتمة بالسيطرة على حقول النفط الإستراتيجية في العراق حيث كان ذلك يمثل لها أولوية. الشركات النفطية الأمريكية مثل شيفرون تحركت فورا وبدأت العمل في حقول النفط العراقية.

النهاية