استخدمت الولايات المتحدة سلاح النفط بفعالية ضد الإتحاد السوفياتي سنة 1986 حيث فرضت على المملكة العربية السعودية زيادة الإنتاج رغم أن السوق كانت متخمة مما أدى الى إنخفاض أسعار النفط 70% خلال أشهر معدودة. إنتاج الإتحاد السوفياتي من النفط كان يبلغ 12.6 مليون برميل سنة 1987, أكثر من إنتاج المملكة العربية السعودية. سنة 1988, بداية تفكك الإتحاد السوفياتي, عائدات النفط بلغت 70% من عائدات العملة الصعبة في الإتحاد السوفياتي. الإستيلاء على حقول النفط السوفياتية كان يحتل أولوية في خطط واشنطون الإستراتيجية للتحكم في مصادر الطاقة العالمية. خلال الثمانينيات, فرضت الولايات المتحدة حظرا على توريد معدات حفر الآبار النفطية الى الإتحاد السوفياتي مما أدى الى تباطؤ في عمليات إنتاج النفط. تلك المعدات عبارة عن مضخات مياه ذات قدرة عالية لها علاقة بتقنية الحفر الهيدروليكي لآبار النفط حيث يتم ضخ المياه في أطراف المنطقة التي تحتوي على البئر النفطي. كازاخستان, انفصلت عن الاتحاد السوفياتي سنة 1991 حيث لعبت شركة شيفرون التي تلقت دعما من الحكومة الأمريكية دورا رئيسيا.
الولايات المتحدة وبريطانيا قدمتا التمويل الى حركات انفصالية تهدف الى تفكيك الاتحاد السوفياتي وتقليص نفوذه في آسيا والمنطقة الأوراسية. البداية كانت في كازاخستان, أوزبكستان وجورجيا منذ سنة 1991. الولايات المتحدة لم تكن مهتمة بهوية القادمين الجدد الى كرسي الحكم بقدر ماكانت مهتمة بأن يخضعوا للإرادة الأمريكية التي كانت تنظر بملئ عيونها الى حقول النفط الغنية في المنطقة. الولايات المتحدة كانت تشعر بالقلق من الاتحاد السوفياتي بسبب التقارير التي كانت تشير الى أنه الدولة الوحيدة القادرة على مواجهة الولايات المتحدة وهزيمتها.
النفط دائما حاضر في مشهد الصراع في المنطقة. حقل (Tengiz) في كازاخستان يحتوي على 25 مليار برميل من النفط, ضعف الكمية التي تحتويها حقول النفط البحرية في برادهو باي(Prudhoe Bay) في آلاسكا. الحكومة السوفياتية وفي محاولة منها تحقيق مكاسب سياسية ومالية قبل الإنهيار الوشيك للإتحاد السوفياتي, منحت شركة شيفرون امتياز التنقيب عن النفط في ذلك الحقل حيث تقبع إحتياطيات نفطية هائلة تحت طبقة ملحية تبلغ سماكتها 900 متر. الصفقة أثارت عاصفة من الإحتجاجات في الإعلام حيث تم توجيه الإتهام الى الشركة الأمريكية بتقديم رشاوى وهدايا لمسؤولين حكوميين للحصول على الإمتياز. الصفقة انهارت مع إنهيار الإتحاد السوفياتي وإنتقلت ملكية الحقول النفطية في كازاخستان الى الحكومة الجديدة التي أبرمت اتفاقا مع شركة شيفرون وإكسون موبيل تمنحهم بموجبه حقوق التنقيب في حقل (Tengiz) وحقل (Korolev) مقابل التالي: 50% شركة شيفرون, 25% شركة إكسون موبيل و 25% شركة النفط الحكومية الكازاخستانية. شركتين من شركات روكفيلر النفطية السبعة أصبحت تسيطر على 75% من 6-9 مليار برميل قابلة للاستخراج مع احتياطي يصل الى 25-40 مليار برميل من النفط.
الصراع الروسي-الشيشاني كان أحد فصول حروب النفط في المنطقة الأوراسية. السبب الرئيسي كان خط أنابيب لنقل النفط من حقول النفط البحرية في بحر قزوين والتابعة لأذربيجان عبر روسيا الى أوروبا ويمر بالشيشان. حقول النفط البحرية الأذربيجانية في بحر قزوين كانت تحتوي على كميات من النفط تعادل أو تزيد عن ماتحتويه حقول المملكة العربية السعودية. الصراع في الشيشان تم تصويره على أنه صراع عرقي وديني بين المسيحيين الأرثودكس والمسلمين السُنَّة. المملكة العربية السعودية كانت مهتمة بنشر الإسلام الوهابي في الإتحاد السوفياتي السابق بهدف إضعاف أحد منافسيها الرئيسيين في مجال استخراج النفط وتصديره, التصوف كان سمة شائعة لأهل الشيشان. الآلاف من المقاتلين من ذوي الخبرات ممن قاتلوا خلال الحرب الأفغانية(1979-1989) تم إرسالهم الى الشيشان بالإضافة الى تجنيد عدد كبير من بلدان عربية وإسلامية مختلفة وتلقيهم دعما بالأموال والسلاح من الولايات المتحدة ودول عربية وإسلامية.
الولايات المتحدة كان لديها خط بديل لنقل النفط دون المرور بالأراضي الروسية يبدأ من حقول استخراجه في باكو مرورا بالعاصمة الجورجية تبيليسي وسوريا حيث ينتهي في تركيا في ميناء جيهان. الولايات المتحدة تذرعت بأن مناطق الشيشان وداغستان غير آمنة وتجاهلت أن عملائها الإسلاميين هم من كان السبب في إثارة الإضطرابات والقلاقل. ولقد كان هناك الكثير من الشيشانيين ممن قاتلوا خلال الحرب الأفغانية تم إرسالهم للعمل في الشيشان وداغستان حيث كان قائدهم شامل باساييف الملقَّب "أسد الشيشان." شامل باساييف كان مسؤولا عن هجمات دموية ضد مواطنين روس من المدنيين وعمليات إحتجاز رهائن. أحد أشهر العمليات التي كان شامل باساييف مسؤولا عنها هي هجوم على مدرسة للأطفال في بيسلان-أوستيا, أحد مناطق روسيا الإتحادية, حيث سقط مئات الطلاب ضحايا محاولة القوات الخاصة الروسية تحرير الرهائن والقضاء على الخاطفين. الولايات المتحدة وبريطانيا منحتا اللجوء لعدد من قادة الإرهابيين الشيشان الهاربين من القوات الروسية التي بدأت في تطويق معاقلهم. وقد كان من الواضح أن بعض الدول الغربية كانت لديها أجندات ضد روسيا.
صندوق النقد الدولي لعب دورا رئيسيا في تحديد بنود منح روسيا القروض التي كانت تحتاجها خلال فترة إعادة البناء التي تلت انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي. أحد شروط صندوق النقد الدولي كانت موافقة الحكومة الروسية على خصخصة المؤسسات والمعامل والمصانع والشركات الحكومية, شركات التنقيب عن النفط والغاز كانت تحتل سلم الأولويات بالنسبة للولايات المتحدة. أسرة روتشيلد قامت في الظل بشراء حصة مؤثرة في شركة النفط الروسية يوكوس(Yukos) والتي كان الملياردير ميخائيل كودوفوسكي يمثل مصالحها فيها. الهدف من حروب النفط في المنطقة الأوراسية ليس تأمين النفط من أجل إستهلاك الولايات المتحدة المستقبلي أو أي دولة أوروبية أخرى, بل السيطرة والتحكم بمصادر الطاقة على مستوى العالم من أجل منع المنافسين السياسيين من الوصول إليها وفرض هيمنة الولايات المتحدة على العالم عبر التحكم بعصب الاقتصاد العالمي, النفط.
النهاية
No comments:
Post a Comment