Flag Counter

Flag Counter

Sunday, October 20, 2019

هل تعتبر نظرية الأصل اللاأحيائي للنفط قابلة للتصديق؟

خلال مؤتمر علمي عقد سنة 1994 في مدينة سانتا-في في ولاية نيومكسيكو الأمريكية، أحدث علماء روس وأوكرانيين مفاجأة بسبب اكتشاف النفط بكميات تجارية في حوض دنبير-دونيتس بالقرب من الحدود الروسية-الأوكرانية على الرغم من أن خبراء من دول غربية قد أعلنوا قبل ذلك عدم عثورهم على النفط في تلك المنطقة. البروفيسور V.A. Krayushkin رئيس قسم التنقيب عن النفط في معهد العلوم الجيولوجية  في أكاديمية كييف للعلوم والمسؤول عن التنقيب في منطقة حوض دنبير-دونيتس قد شرح وجهة نظره للحضور الذين يمثلون أكثر من 57 جمعية ومؤسسة علمية معتمدا على النظرية الأبيونية(Abiotic Theory). وجهة النظر التقليدية بأن منطقة حوض دنبير-دونيتس لا تحتوي على طبقة الصخور الأساسية(Basic Rocks) التي تدل على وجود النفط في المنطقة, ولكن البروفيسور Krayushkin أعلن إكتشاف كميات من النفط في طبقة صخرية عميقة تدعى (Crystalline Basement)  وهي التي يستحيل بحسب نظرية الأصل العضوي للنفط تواجد مخزونات نفطية فيها. العلماء الحاضرون في المؤتمر لم يكونوا مسرورين بسماع تلك الأخبار.
في الحقيقة, ليس بمستغرب أن يثير ذلك الإكتشاف الجيولوجي الدهشة لدى الحاضرين لأن إعلان البروفيسور Krayushkin كان يتحدي النظرية التقليدية(الإحيائية) للنفط حيث لن يكون ذلك موضع ترحيب. النظرية الأبيونية تتحدى النظرة التقليدية لنشأة النفط قرب الطبقات السطحية للأرض نتيجة تراكم مواد عضوية, عبارة عن بقايا أشجار وحيوانات, ولكن النفط يتبلور على عمق قد يصل الى 200 كم حيث يتسرب عبر شقوق في الطبقات الصخرية الى السطح. ولكن ما زاد في دهشة الحاضرين هو أنه تم حفر 61 خلال فترة الدراسة التي استغرقت خمس سنين, تم حفر 61 بئر, على عمق يصل الى 4 كم, 13000 قدم,  37 بئرا منها أنتجت النفط بكميات تجارية, معدل نجاح يزيد عن 60% مقارنة بإستخدام الطرق التقليدية حيث قد لا يزيد معدل نجاح عمليات التنقيب 30%. إن بعض تلك الآبار كان ينتج متوسط 2.600 برميل في اليوم بقيمة ثلاثة ملايين دولار مما يعني أن إنتاج البئر الواحد سنويا يعادل مليار دولار بينما أعمق نقطة في حقل Prudhoe Bay في آلاسكا, أكبر حقل نفط في أمريكا الشمالية, بلغت 9000 قدم.
النظرية التقليدية حول أصل النفط العضوي تواجده تحديات علمية وضعت مصداقيتها ومصداقية العلماء الذين يؤمنون بها على المحك. أحد تلك التحديات والتي تحدث عنها البروفيسور Krayushkin خلال المؤتمر هي إكتشاف النفط في حقل روماشينكو في تتارستان, أكبر حقل نفطي يقع خارج منطقة سيبيريا الغربية وذلك على عمق 49 الف قدم أو 5 أميال حيث لا يمكن تواجد مستحثات ديناصورات وبقايا نباتات. البروفيسور شرح للمجتمعين الخطوات العلمية التي قام بها فريقه بأدق التفاصيل حتى وصل الى ذلك الاستنتاج خصوصا أن النفط الذي تم استخراجه بالقرب من الطبقات السطحية في حوض دنبير-دونيتس لا تحتوي على مادة (sporepollen) ومواد أخرى غير عضوية مما يثبت تسربه من طبقات على عمق أكبر من التوقعات التقليدية حيث يتواجد احتياطيات نفطية.. تحليل النفط الذي تم استخراجه أثبت أنه لا يحتوي على جزيئات عضوية من تلك التي من المفترض تواجدها وفق نظرية الأصل العضوي للنفط. إن النفط يتكون وفق النظرية الأبيونية على أعماق في باطن الأرض قد تصل الى 200 كم وفق تفاعلات بين جزيئات الكربون وغاز الميثان ومعادن أخرى في ظروف الحرارة المرتفعة ثم يتخذ مجراه عموديا الى سطح الأرض من خلال الشقوق(Migration Channels) حيث يتجمع في طبقة صخرية(sedimentary Rocks). إن ماينطبق على النفط وفق النظرية الأبيونية ينطبق أيضا على المعادن الثمينة مثل الألماس حيث يعتبر الكربون مكونا أساسيا.
العلماء المجتمعين في المؤتمر لم يكونوا مسرورين بذلك الإكتشاف لأنه تحدى وجهة النظر التقليدية حول الأصل العضوي للنفط التي كانوا يؤمنون بها ويدافعون عنها عشرات السنين. علماء معهد العلوم الجيولوجية  في أكاديمية كييف للعلوم منحوا جائزة الدولة في العلوم والتكنولوجيا مقابل اكتشافهم الذي قلب نظرية علمية مهيمنة رأسا على عقب. إن ردة الفعل التي صدرت منهم تماثل ردة الفعل التي صدرت من محاكم التفتيش الكنسية ضد نظريات جاليليو العلمية في القرن الخامس عشر.
إن وجهة النظر التي عرضها البروفيسور Krayushkin في سانتا-في مثَّلت تحديا خلال فترة تاريخية حرجة شهدت عددا من الأحداث المفصلية في تاريخ البشرية, سقوط جدار برلين وإنهيار الإتحاد السوفياتي حيث كان الهدف الأساسي للمصالح النفطية الأمريكية والبريطانية السيطرة على مصادر الطاقة العالمية حيث برزت نظرية الندرة(Scarcity) التي تم تبنيها ومهاجمة أي وجهة نظر مخالفة. إن منطقة التنقيب في حوض دنبير-دونيتس لم تكن الوحيدة حيث إكتشف العلماء الروس و الأوكرانيون مكامن نفطية في مناطق لم يكن من المفترض اكتشاف النفط فيها. لقد تم إكتشاف النفط في 80 حقلا في سيبيريا الغربية  وفي تتارستان على أعماق تتراوح 800-1500 متر من الطلقة الصخرية الرئيسية حيث من المفترض أن النفط يتكون فيها قبل أن يتسرب الى طبقات سطحية من خلال الشقوق في باطن الأرض. أحد تلك الحقول هو حقل Novoyelkhovskaya في تتارستان حيث يعتبر أحد أكثر الحقول إنتاجية ومصدر الدخل الرئيسي.
إن تواجد النفط على أعماق تصل الى 7كم يتعارض مع وجهة النظر التقليدية التي كانت الدوائر العلمية في الغرب والمصالح النفطية المرتبطة بها تتبناها وتروج لها. شركة موبيل(Mobile) الأمريكية كانت تحاول التنقيب عن النفط في فيتنام خلال الفترة التي سبقت نهاية التدخل الأمريكي في ذلك البلد الآسيوي. حوض النمر الأبيض(White Tiger Basin) هي المنطقة التي لم تتمكن شركة موبيل من اكتشاف النفط فيها وتقع في محافظة (Vung Tau) أصبحت أحد أكثر المناطق إنتاجا للنفط حتى يومنا هذا حيث تنتج مايزيد عن 300 ألف برميل يوميا بفضل بعثة علمية سوفياتية-فيتنامية مشتركة تمكنت من إكتشاف النفط على عمق 7كم في طبقات الصخور الغرانيتية حيث لم يتم إكتشاف أي مستحثات نباتية أو حيوانية تدعم نظرية الأصل العضوي للنفط.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment