Flag Counter

Flag Counter

Sunday, October 6, 2019

حروب الظلال, الطاعون الأسود والنظام العالمي الجديد

إن كل ما يعاني منه الوطن العربي من اضطرابات وانقسامات وتشرذم يمكن أن نجد جذوره في حرب الخليج الأولى والغزو العراقي للكويت سنة 1990-1991. العراق كان لديه أحد أعتى وأقوى الجيوش في المنطقة وأكثرها تسليحا وعددا وخرج من حربه مع إيران مثقلا بالديون يحمل على عاتقه عبئ قوات مسلحة يتجاوز تعداد أفرادها نصف مليون جندي. إبقاء قوات مسلحة بذلك الحجم في حالة الجهوزية هو عملية مكلفة خصوصا مع انخفاض أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيسي للعراق. الولايات المتحدة كانت لديها أجندتها الخاصة المتعلقة بإعادة ترتيب أوضاع المنطقة حيث كان العراق يحتل مكانة رئيسية في المخططات الأمريكية. بدون إزالة الدولة العراقية وتفتيت العراق، لن يكون بالإمكان إعادة رسم خارطة المنطقة أو ما يعرف باتفاقية سايكس-بيكو2 أو أحداث 11 سبتمبر أو ظهور تنظيم داعش. إن وجود دولة مركزية قوية في العراق كان سوف يجعل من الصعوبة المضي قدما في ذلك.
الإدارة الأمريكية أقنعت الكويت بزيادة إنتاجها من النفط مخالفة بذلك حدود الإنتاج المتفق عليها بين الدول الأعضاء في منظمة الأوبك. العراق المثقل بأكثر من 40 مليار دولار من الديون خسر بسبب ذلك عائدات مقدّرة بمبلغ 14 مليار دولار. وخلال تلك الفترة الحرجة، قام وفد اقتصادي أمريكي مؤلف من كبار رجال المال والبنوك وشركات النفط المرتبطة بأسرة روكفلر النفطية الشهيرة بزيارة للعراق تم إحاطتها بهالة إعلامية. الزيارة كانت تهدف الى إقناع الرئيس العراقي بإعادة هيكلة الديون العراقية عبر خصخصة الصناعة النفطية مقابل المزيد من القروض لتمويل مشاريع عملاقة في العراق أحدها كان مشروع سد بادوش على نهر دجلة شمال غرب الموصل وشبكات ري مرتبطة به الذي كان سوف يكلف العراق 40 مليار دولار خلال خمس سنوات ويجعله مكتفيا ذاتيا من المحاصيل الزراعية. العراق رفض العرض الأمريكية وكانت النتيجة إيقاف منحه ضمانات لاستيراد حاصلات زراعية بقيمة 2.3 مليار دولار.
الرئيس العراق قاد جهودا عربية من خلال منظمة الدول المصدر للنفط(الأوبك) ومن خلال منظمة التعاون العربي والجامعة العربية وذلك في عدة إتجاهات. الإتجاه الأول هو محاولة إقناع أمير الكويت الشيخ جابر الصباح الالتزام بخفض الإنتاج المتفق عليه بين دول منظمة الأوبك منذ أزمة انخفاض أسعار النفط(1986-1987). الإتجاه الثاني كان التحذير من التحديات التي يفرضها إنهيار سور برلين وتفكك الإتحاد السوفياتي خصوصا أن الولايات المتحدة قامت بزيادة وجودها العسكري في المنطقة بدلا من سحب قواتها بسبب إنتهاء الحرب العراقية-الإيرانية. الإتجاه الثالث كان محاولة توحيد جهود الدول المصدرة للنفط في بناء علاقة وثيقة مع اليابان والإتحاد السوفياتي وأوروبا خصوصا في مجال الطاقة والابتعاد عن الولايات المتحدة. الرئيس الأمريكي وكبار مساعديه لم يكونوا على وفاق مع تلك التصريحات وكان القرار باستدراج العراق الى الفخ.
المسرح جاهز والعرض قد بدأ. إيقاف ضمانات إستيراد المحاصيل الزراعية, التلاعب بأسعار النفط ومن ثم زيارة السفيرة الأمريكي في العراق أبريل غلاسبي للرئيس العراقي صدام حسين بتاريخ 27/يوليو/1990 وإبلاغه بأن الولايات المتحدة لن تتخذ موقفا بخصوص النزاع العراقي-الكويتي وأنها سوف تقف على الحياد, كان ذلك ليس إلا عملية تضليل. عمليات حشد القوات العراقية على الحدود الكويتية كانت قد بدأت والولايات المتحدة لم يكن لديها أي إعتراض على ذلك حسبما صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض مارغريت تويتويلر خلال لقاء صحفي في اليوم التالي لاجتماع السفيرة الأمريكي في العراق مع الرئيس صدام حسين. القوات العراقية دخلت الكويت بتاريخ 2/8/1990 واحتلت العاصمة في نفس اليوم مع مقاومة محدودة. الأسرة المالكة تمكنت من الهروب مع كميات ضخمة من الأموال والسبائك الذهبية بعد أن تلقَّت تحذيرا مسبقا من الولايات المتحدة التي كانت على علم بأدق تفاصيل المخططات العراقية. سعر برميل النفط ارتفع من 16 دولار الى 28 دولار وصولا الى 36 دولار بحلول نهاية شهر سبتمبر مما أدى الى تضخم غير مسبوق في أرباح الشركات النفطية. الأمم المتحدة فرضت حظرا على تصدير السلاح الى العراق والكويت. ولكن الخطوة الأهم والتي ليس لها تفسير إلا أنها عملية قرصنة كانت مصادر أموال صندوق الاستثمار الكويتي والذي كان الأضخم في العالم من حيث حجم موجودات تقدر بمبلغ 150 مليار دولار.
الولايات المتحدة وبريطانيا أعلنتا إرسال قوات الى السعودية للدفاع عنها من خطر هجوم عراقي وشيك. ولكن التقارير كانت تشير الى أن القوات الأمريكية توجهت بالفعل الى السعودية وأن الملك فهد قد أدلى بتصريح طلب فيه المساعدة العسكرية من الولايات المتحدة وبريطانيا لمجرد التغطية على التواجد العسكري الغربي في السعودية والذي لن يلقى قبولا شعبيا. الأدلة الأمريكية على حشود عراقية مدرعة على الحدود السعودية كانت مجرد عملية تضليل و بروباغندا وأن الملك فهد مضطرا قبل دخول قوات أجنبية الى السعودية بعد اجتماع مع الرئيس الأمريكي ونائبه بقيت تفاصيله سرية. الملك فهد أسرَّ لقادة عرب أنه لم يكن هناك أي أدلة على حشود عراقية على الحدود مع السعودية ولم تكن هناك اي توقعات بقيام صدام حسين بغزو السعودية.
الولايات المتحدة لم تكن مهتمة بتجنب الحرب فقد رفضت إرسال وزير الخارجية جيمس بيكر من أجل لقاء الرئيس العراقي صدام حسين قبل المهلة الممنوحة للعراق للانسحاب من الكويت والتي تم تحديدها بتاريخ 1/يناير/1990. العراق وافق في 15/فبراير/1990 على الإنسحاب من الكويت والإلتزام بجميع قرارات الأمم المتحدة وذلك  بناء على مقترح روسي ولكن الولايات المتحدة رفضت ذلك. الولايات المتحدة لم تكن مهتمة بتحرير الكويت بل كان لها أهداف أخرى ضمن إطار ما يسمى النظام العالمي الجديد الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي في وقت سابق. إن أحد أهداف حرب الخليج الأولى سنة 1990 كان لها إرتباطات بالحرب الباردة, العراق كان حليفا وثيقا في المنطقة للإتحاد السوفياتي السابق. سنة 1991, تم فرض منطقة حظر طيران في شمالي العراق خط عرض 36, المنطقة الكردية الغنية بالنفط. الولايات المتحدة كانت مهتمة بالسيطرة على حقول النفط الإستراتيجية في العراق حيث كان ذلك يمثل لها أولوية. الشركات النفطية الأمريكية مثل شيفرون تحركت فورا وبدأت العمل في حقول النفط العراقية.

النهاية

No comments:

Post a Comment