Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, July 23, 2024

هل فعلتها السعودية؟ وفاة البترودولار

سنة ١٩٤٤ مع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها وقعت الولايات المتحدة ومجموعة من الدول الأوروبية منها بريطانيا وفرنسا على إتفاقية بريتون وودز التي كان من بنودها اعتماد الدولار عملة احتياط عالمي مقابل ربطه بالذهب بسعر ٣٥ دولار/أونصة, تأسيس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. الولايات المتحدة خرجت من الحرب من دون أضرار ولم تتعرض مدنها الى الدمار وإقتصادها الأقوى بين الدول الغربية التي كانت في حاجة الى أموال خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا ولم يكن لديها خيار سوى التوقيع على إتفاقية بريتون وودز. هناك إتفاق آخر على درجة من الأهمية وله علاقة مباشرة بالقضية محور النقاش في هذا الموضوع وهو الاتفاق الذي وقعته سنة ١٩٤٥ المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية من خلال الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس فرانكلين روزفلت العائد من مؤتمر يالطا على متن الطراد الأمريكية كوينسي والذي يمكن إختصاره بأنه "النفط مقابل الحماية." السعودية تزود الولايات المتحدة بالنفط الرخيص مقابل حماية المملكة من التهديدات والأخطار الخارجية والداخلية.

الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وفي خطاب تلفزيوني تاريخ ١٥/أغسطس/١٩٧١ أعلن عن إلغاء(مؤقت) مبادلة الدولار مقابل الذهب ولكنه في الحقيقة فإن الولايات المتحدة لم تعد بعد ذلك الى تطبيق بنود إتفاقية بريتون وودز وكانت في حاجة الى بديل من أجل دعم الدولار والمحافظة على سعر صرفه أمام العملات الأخرى بعد خطاب نيكسون الذي كان يعني عمليا بداية التعويم الذي أصبح رسميا من خلال اتفاقية جامايكا ١٩٧٦, بلازا ١٩٨٥ و لوفر ١٩٨٧. الولايات المتحدة عقدت سنة ١٩٧٥ اتفاقية النفط مقابل الحماية حيث تبيع المملكة العربية السعودية النفط مقابل الدولار الأمريكي حصريا وتقوم الولايات المتحدة بحماية المملكة من التهديدات الخارجية والداخلية وتضمن حصول السعودية على أحدث الأسلحة الأمريكية. الإتفاقية كانت بمباركة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود و مدير الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر(الثعلب) والمملكة بوصفها أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك بينما الولايات المتحدة سوف تتولى مسؤولية التعامل مع أي دولة تخرج عن بنود ذلك الاتفاق. المثير للاستغراب أنه رغم موافقة الملك فيصل على الاتفاقية فإنه تم إغتياله في نفس السنة وهي حادثة مازالت تحوم حولها الكثير من الشبهات.

هناك عامل مشترك في إسقاط عدد من الأنظمة العربية  أو إغتيال شخصيات رفيعة المستوى التي كانت في السابق حليفة للولايات المتحدة وذلك هو أنها قررت التوقف عن بيع النفط بالدولار الأمريكي. هناك صدام حسين في العراق, معمر القذافي في ليبيا, الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في السعودية وحاليا هناك حالة غضب واسعة من الصين وروسيا بسبب بداية تبادل السلع والخدمات بما في ذلك النفط مقابل العملات المحلية و روسيا قد تبدأ في بيع النفط والغاز الى أوروبا مقابل اليورو.

ولكن السؤال هو عن تأثير ذلك على الدولار الأمريكي, وهل يعني بداية انهيار الدولار ونهاية الولايات المتحدة؟

الإتفاقية كانت مدتها ٥٠ عاما وقد نشرت عدة مواقع صحفية أمريكية مواضيع مهمة للغاية عن مصير اتفاقية البترودولار مع أخبار أن السعودية لم تجدد  الإتفاقية وأنها سوف تبيع النفط مقابل عملات مثل اليورو عملة الإتحاد الأوروبي, اليوان عملة الصين, الين عملة اليابان بالإضافة الى الدولار الأمريكي بعد أن كان الأخير هو حصريا العملة التي كانت السعودية تبيع النفط مقابلها. حاليا, إحصائيات ٢٠٢٣ أن عملة شراء ٨٠% من النفط العالمي هي الدولار الأمريكي و ٦٠% من الاحتياطات الرسمية للبنوك المركزية العالمية هي الدولار الأمريكي.

كانت هناك محاولات سابقة في سبعينيات القرن العشرين من أجل التخلص من تجارة النفط مقابل الدولار واستبدال ذلك بعملة صندوق النقد الدولي(SDR) أو سلة عملات ولكن السعودية تصدت لتلك المحاولات وإعاقتها. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ناقش سنة ٢٠٠٣ مع المستشار الألماني غيرهارد شرودر أن تبيع روسيا النفط والغاز الى أوروبا مقابل اليورو. ولكن الصين سنة ٢٠١٨ أطلقت بورصة تسعير عقود النفط الآجلة مقابل اليوان وليس الدولار.

الأمر الذي لا يدرك الكثيرون أبعاده والذي يجعل من الصعوبة إنهيار الدولار الأمريكي حتى لو باعت الدول المنتجة للنفط الذهب الأسود مقابل أي عملة أخرى أن الدولار الأمريكي هو عملة تسعير النفط. العراق سنة ٢٠٠٠ قرر أن يبيع النفط مقابل اليورو والأمم المتحدة التي كانت تسيطر على صادرات النفط العراقية بسبب العقوبات المفروضة على العراق وافقت على ذلك بدون أي مشاكل. العراق كان يبيع النفط مقابل اليورو ولكن وحدة تسعير النفط هي الدولار الأمريكي مما يعني مواجهة اليورو والدولار في أسواق الفوركس.  العراق كان يتلقى اليورو مقابل النفط ولكن بعد معادلته أمام الدولار في أسواق الصرف بالإضافة الى أن كافة السلع والخدمات التي كان العراق يشتريها كانت وحدة تسعيرها هي الدولار الأمريكي. خام برنت هو الأساس الرئيسي الذي يتحكم بأسعار النفط وليس منظمة أوبك أو المملكة العربية السعودية. خام برنت يستخرج من بحر الشمال في بريطانيا والنرويج.

إن سعر خام برنت يمر بحسابات معقدة قبل أن يصل الى السعر النهائي الذي يظهر على شاشات بورصات النفط, سوق العقود الآجلة والمستقبلية و سوق المقايضات والخيارات. الدولار الأمريكي يسيطر على التعاملات في أسواق البورصات والأسهم خصوصا بورصات النفط. سوق العقود المستقبلية كان هو السبب في هبوط سعر النفط سنة ٢٠٠٨ وذلك على هامش الأزمة المالية العالمية. المضاربون في البورصات سارعوا الى بيع حيازتهم من عقود المستقبليات في النفط بعد أن اقترب سعره من حاجز ١٤٠ دولار/برميل مما أدى الى زيادة العرض على الطلب.

الصين التي تعتبر العدو الأول للدولار الأمريكي تمتلك أكبر كمية من سندات الخزينة الأمريكية بقيمة تزيد عن تريليون دولار. الصين في حاجة الى الدولار أكثر من غيرها لأنها تبيع منتجاتها مقابل الدولار. كما أن وحدة تسعير الصادرات الصينية هي أيضا الدولار.  الدول العربية المنتجة للنفط تمتلك استثمارات بمئات المليارات من الدولارات في الولايات المتحدة وليس من مصلحتها إضعاف الدولار أو التخلي عنه واستبداله مقابل عملة أخرى. 

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment