Flag Counter

Flag Counter

Sunday, July 21, 2024

صفحات من تاريخ الدولة العثمانية(٣)

هناك الكثير من التفخيم والتضخيم والتلاعب في التاريخ الإسلامي الذي يصل أحيانا الى مستوى المبالغات وربما الكذب ومثال على ذلك إسلام العالم الفرنسي موريس بوكاي مؤلف كتاب "القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم: دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة" وتلك كانت أكذوبة روَّجض لها رجال دين مسلمون يبحثون عن مادة إعلامية وشو إعلامي أمام الكاميرات وساهم شويعر فلسطيني يدعى جهاد الترباني في الدعاية لتلك الأكذوبة. الأخير هو مؤلف كتاب "مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ" والذي يروي فيه عدد من الأكاذيب منها شخصيات إسلامية مشكوك في صحة وجودها تاريخيا وحتى إسلام الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن.

في البداية فإنه من الضروري وفي سبيل الدقة التاريخية أنه عندما نتناول حدثا تاريخيا رئيسيا بالتحليل والتفصيل ومحاولة تقديم رواية تاريخية على درجة من المصداقية فإنه من المهم عدم عزل تلك الرواية عن ظروف المكان والزمان خلال تلك المرحلة الزمنية. فتح القسطنطينية سنة ١٤٥٣م يتم استخدامه بكثافة من إعلام أحزاب الإسلام السياسي خصوصا الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي التي تروج للخلافة العثمانية(الإسلامية) وعودتها بعد زوالها سنة ١٩٠٩ بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني ورسميا سنة ١٩٢٤م. 

السلطان العثماني محمد الثاني(١٤٢٩-١٤٨١) الملقب (الفاتح( و (صاحب البشارة) حيث هناك حديث نبوي شريف عن فتح القسطنطينية يمدح فيه الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام الجيش وأمير الجيش الذين يفتحون المدينة ولكن ذلك الحديث لا يجعل من المقبول التعميم على جميع حكام العثمانيين لأنه يقتصر على شخص واحد وفترة زمنية محددة.. إن فكرة فتح القسطنطينية ليست من بنات أفكار محمد الفاتح حيث سبقه إليها الكثيرون الذين حاولوا فتح المدينة وتحقيق البشارة النبوية  فقد كانت هناك ١١ حملة إسلامية كبيرة لعل أشهرها الحملات في عهد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك والخليفة العباسي هارون الرشيد ولكن كل تلك الحملات كانت تفشل في تحقيق غايتها بسبب مناعة أسوار المدينة وإستخدام النار الإغريقية من جنود المدينة المحاصرين والأهم أن الإمبراطورية البيزنطية كانت في ذروة قوتها ومجدها. 

إنَّ فتح القسطنطينية حدث تاريخي مهم حقق حلما طالما كان يراود الخلفاء والسلاطين المسلمين ولكنه ذلك الحدث قد نصراً مبالغا في تقديره ولم يكن فتحاً مستحيلاً أو فتح الفتوح كما يحاول البعض أن يصفونه. لقد كانت قوة الإمبراطورية البيزنطية في بداية الألف الثاني بعد الميلاد في بداية انحلالها وضعفها وساهمت الحملات الإسلامية ضدها في زيادة ذلك. الحملة الصليبية الرابعة نجحت في احتلال المدينة ونهبها وتخريبها سنة ١٢٠٤م ومنذ ذلك التاريخ فإن إمبراطور القسطنطينية لا يسيطر إلا على المدينة والمناطق المحيطة بها ودخلت الإمبراطورية القوية في دور الانحطاط وصولا الى سنة ١٤٥٣م.

هناك سلاطين عثمانيين حاولوا حصار المدينة وفتحها قبل قيام محمد الفاتح بذلك. السلطان العثماني بايزيد الأول(الصاعقة) كاد أن ينجح في تحقيق ذلك لولا غزو تيمورلنك من الشرق حيث نجح في هزيمة القوات العثمانية وأسر بايزيد الثاني. كما أن موسى ابن بايزيد الأول حاول خلال فترة الفوضى التي أعقبت هزيمة العثمانية وأسر والده كاد أيضا أن ينجح في دخول المدينة لولا أن استنجد البيزنطيون بأخيه محمد(الأول) الذي تحالف معهم ومع ملك الصرب للقضاء على شقيقه موسى والجلوس على كرسي الحكم. مراد الثاني بن محمد الأول حاول غزو المدينة ولكنه رفع الحصار بهدف إخماد الثورة في البلقان. 

إن التضخيم والتفخيم المبالغ فيه كان يشمل عدة أحداث مرتبطة بفتح المدينة منها نقل السفن الى البحر   بهدف حصار المدينة وتجاوز السلسلة الحديدية العملاقة التي كان البيزنطيون يغلقون بواسطتها المضيق المؤدي الى المدينة. فكرة نقل السفن بعد تفكيكها سبق العثمانيين إليها الأيوبيون في البحر المتوسط والمماليك في البحر الأحمر وليست من بنات أفكار العثمانيين وذلك كذب مفضوح. كما أن الفارق بين استعدادات العثمانيين الحربية ومدينة القسطنطينية كان كبيرا وجعل المدينة ساقطة حكماً. قوات العثمانيين التي حاصرت المدينة كانت تبلغ ٢٠٠ ألف جندي تقريبا بينما المدافعون بلغوا عدة آلاف من المتطوعين والمرتزقة الذين جرى تجميعهم على عجل. كما أن القوات العثمانية كانت تمتلك المدافع الضخمة التي كانت تدك أسوار المدينة ليل نهار بدون توقف حتى أنني قرأت في بعض الروايات أن أحدها إنفجر بسبب كثرة الإستخدام. 

الخلافات الداخلية في العالم المسيحي لعبت دورا مهما في إضعاف المدينة. كنيسة روما الكاثوليكية في روما كانت ربما أكثر سرورا بسقوط المدينة من العثمانيين أنفسهم حيث إنتقلت سيادة العالم المسيحي الى كنيسة روما بعد سقوط الكنيسة البيزنطية الشرقية بسقوط معقلها وعاصمتها. وقد أقيمت طقوس ومراسم كاثوليكية في المدينة وذلك حتى يثب بابا روما بإرسال مساعدات وإمدادات ولكن الوقت كان قد فاتهم. إن تلك الطقوس لم تلقى شعبية بين السكان والمسؤولين السياسيين الذين كانوا يفضلون رؤية العمامة العثمانية على القبعة اللاتينية في المدينة. سكان المدينة كانوا كارهين للسلطة الحاكمة بسبب خضوعها لكنيسة روما والضرائب المرتفعة وكانوا يهربون الى معسكرات العثمانيين من أجل طلب وجبة طعام.

إنَّ الهدف الرئيسي من السيطرة على مدينة القسطنطينية كان مرتببطا بأسباب جيوسياسية تم صبغها بالصبغة الدينية من أجل إستثارة عواطف المسلمين. العثمانيين كانوا يرغبون في الربط بين الولايات في الأناضول(آسيا) والولايات في الرومللي(أوروبا)  وكان وجود القسطنطينية في المنتصف يجعل من ذلك مهمة صعبة بل مستحيلة. إن (عثمنة) التاريخ الديني والسياسي للمسلمين هو هدف المؤرخين من تضخيم وتفخيم أي حدث تاريخي مرتبط بالعثمانيين والدولة العثمانية. هناك إنجازات أخرى عبر فيها المسلمون البحر و حاربوا وانتصروا في أرض غريبة عنهم و انتصارات أخرى في ظروف صعبة للغاية خلدها التاريخ ولكن بعض المؤرخين يحاول أن يمحو ذلك من ذاكرة التاريخ والهدف هو تقديم تاريخ الدولة العثمانية أنه تاريخ الإسلام والمسلمين المعتمد. المسلمون بقيادة طارق بن زياد عبروا البحر الى الأندلس وهزموا قوات صليبية تفوقهم في العدد والسلاح ومن قبلهم نجح سيف الله المسلول خالد بن الوليد في هزيمة الروم والفرس في عدة معارك منها معركة الفراض التي تحالفت فيها قوات الإمبراطوريتين ضد قوات المسلمين.  قائد جيوش المسلمين في الأندلس موسى بن نصير نجح في الدخول الى عمق البلاد حتى أنه كاد أن يدخل الى العاصمة الفرنسية باريس لولا هزيمة قواته وإستشهاده في معركة بلاط الشهداء(بواتييه). 

العثمانيون كانت لديهم مشكلة مستعصية في محاولتهم فرض سيادتهم على العالم الإسلامي خصوصا منطقة الشرق الأوسط وتلك هي أصولهم الوضيعة التي تعود الى قبيلة من البدو الرحل والتي كانت عبارة عن خليط من الأتراك والمغول والأرمن ومواطنين بيزنطيين ساخطين بسبب الضرائب المرتفعة. سيادة العالم الإسلامي كانت تحتاج الى شرعية دينية كان العثمانيين غير قادرين على الحصول عليها لأن الخليفة من قريش كما في السنة النبوية الصحيحة والعثمانيين لم يكونوا من قريش ولم يكونوا قادرين على التلقب بلقب الخلافة خصوصا بعد سيطرة سليم الأول والد سليمان القانوني على الشام ومصر وهزيمة قوات المماليك في مرج دابق والريدانية وبروز الحاجة الملحة الى إضفاء الشرعية على حكم العثمانيين في الديار الشامية والمصرية.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment