Flag Counter

Flag Counter

Friday, April 21, 2023

الربيع العربي وحروب الجيل الخامس

كان الربيع العربي أحد تجارب حروب الجيل الخامس التي تم الإعداد لها في مختبرات معاهد ومراكز التفكير والأبحاث في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. إن تلك الحروب تعتمد على إستخدام الإنترنت, وسائل التواصل الإجتماعي و "اللاعنف" وهو مصطلح يعتبر من بنات أفكار جين شارب الباحث في معهد ألبرت إينشتاين في الولايات المتحدة. الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما هو المسؤول عن نشر أفكار الربيع العربي على أرض الواقع حيث حدَّدَ ملامحه في خطبته التي القاها في جامعة القاهرة في مصر سنة ٢٠٠٩ وهي خطبة لم يُسمَح للرئيس المصري محمد حسني مبارك بحضورها.

الحقيقة أنَّ الربيع العربي وهي التسمية التي أطلقت على محاولات قلب أنظمة الحكم في منطقة الشرق الأوسط بينما أطلق عليها في دول أوروبا الشرقية على سبيل المثال تسمية أخرى هي "الثورات الملونة" وفي النهاية تختلف المسميات والهدف يبقى هو نفسه وكل الطرق تؤدي الى روما. كان الربيع العربي يحقِّقُ عدة أهداف وليس هدفا واحدت لعل أهمها هو نشر الفوضى الخلاقة, تفتيت النسيج الاجتماعي وتخريب الاقتصاد في الدول المستهدفة واستمرار الحرب الباردة والتي دخلها لاعب جديد هو الصين بالإضافة الى استمرار حالة العداء مع دولة روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفياتي السابق.

تونس كانت أول ضحايا الربيع العربي وإختيارها لم يكن عشوائيا أو بالصدفة فقد كانت ومازالت تعتبر قلعة علمانية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وهي تجربة على الرغم من أخطائها, إلا أنها تبقى جديرة بالدراسة والبحث. كان زين العابدين بن علي يحكم تونس منذ سنة ١٩٨٧, التاريخ الذي نفَّذ فيه إنقلاباً بمساعدة المخابرات الإيطالية ضد الرئيس الحبيب بورقيبة فقد كانت نوايا الأخير في إعدام مجموعة من الإسلاميين الذي كان يكرههم بشدةسوف تؤدي الى إضطرابات واسعة وتهديد الإستقرار في تونس.

تونس خلال فترة حكم الحبيب بورقيبة كانت رائدة في مجال التعليم حيث كان التعليم الإجباري إلزاميا ومجانيا وأدت حملات محو الأمية خصوصا في الأرياف الى إرتفاع نسبة النساء الملتحقات بالجامعات الى ٦٠% من إجمالي عدد الطلاب. "مجلة الأحوال الشخصية" التي أصدرتها تونس سنة ١٩٥٦بعد شهور قليلة من الاستقلال منعت تعدد الزوجات ومُنِحَت المرأة حقوقها وكانت البلد العربي الوحيد الذي يسمح بالإجهاض وقاد حملات فاعلة من أجل تحديد النسل الذي انخفض من ٧.٢% قبل سنة ١٩٥٦ الى ٢.٦% خلال الفترة التي سبقت أحداث الربيع العربي.

الإنقلاب الذي نفَّذه زين العابدين بن علي كان سلميا حيث لم تجري أعمال إنتقامية ضد الرئيس السابق وأنصاره وتم الحفاظ على كرامة بورقيبة بوصفه مؤسس تونس الحديثة. إن الحبيب بورقيبة قاد عملية تحول جذرية إجتماعية, ثقافية, إقتصادية ودينية في تونس بدون أن يواجه معارضة أو ثورة شعبية تقود البلاد الى حالة حرب أو اضطرابات واسعة النطاق. كما أن زين العابدين بن علي كان ذكيا بما فيه الكفاية حتى لا يتعرض الى تراث الرئيس السابق وإنجازاته حيث كانت له شعبية بقيت رغم أحداث ما أطلق عليه "ثورة الياسمين" حيث لم تتعرض صوره الى التمزيق وتم الحفاظ على إسمه في عدد من الشوارع والميادين.

إدارة الرئيس باراك أوباما كانت تعلم يقينا أن النتيجة الطبيعية للأحداث في تونس هي الفوضى والتي وسف تؤدي الى وصول الإسلاميين الى السلطة. وقد شهدت تونس خلال الفترة التي أعقبت سقوط نظام حكم زين العابدين بن علي عدة حوادث تؤكد على ذلك, متشِّدون إسلاميون من حلفاء حزب النهضة هاجموا صالات سينما تعرض أفلاما وصفوها بأنها تتعدى على الثوابت الدينية وصالات تقدم عروضا مسرحية وحتى معابد يهودية في بلد يشتهر بتسامحه الديني. كما أن معدل الهجمات الإرهابية ضد قوى الأمن والجيش وإنخراط التونسيين في مناطق النزاعات في سوريا والعراق وغيرها من البلدان قد إزداد بمعدلات تبعث على القلق من تحول تونس الى إمارة وهابية تتوافق مع حكم طالبان في أفغانستان.

أما بالنسبة الى الوضع الإقتصادي في تونس مابعد ثورة الياسمين, حدِّث ولا حرج. المشكلة أن الإسلاميين الذي هدفهم هو الوصول الى السلطة رغم أنه ليس لديهم أي فكرة حول التعامل مع المشكلات التي تعاني منها تونس أو تلك التي انتقدوها واعتبروها قصورا وانعدام رؤية من النظام السابق ودائما يهربون الى تفسيرات غريبة لا تتماشى مع الواقع مثل أن الشعب غير متدين بما فيه الكفاية وأن النساء لا يرتدين الحجاب وغير ذلك من أساليب التخفي وراء الدين. ولكنهم في الوقت نفسه لا يملكون أي تفسير للنماذج الأخرى مثل أفغانستان حيث تطبق حركة طالبان الأرثودكسية الإسلامية من وجهة نظرهم وفي الوقت نفسه لا تظهر في أفغانستان بوادر البركة الإلهية والخير الذي ينعم به الله على بلد تقوم حكومته بتطبيق الشريعة الإسلامية.

إنَّ الوضع في تونس يلقي ظلاله على جميع تجارب البلدان الأخرى مع الربيع العربي أو تلك التي يصفها الإعلام تجاوزا بانها ثورات رغم أن الواقع يروى حكاية مختلفة. فإذا كانت أوضاع تونس البلد المفرط في علمانيته بتلك السوداوية, كيف سوف تكون الصورة في البلدان الأخرى التي تنتشر فيها تلك الأرثودكسية الإسلامية حيث المتشدِّدون يملكون نفوذا واسعا؟ 

الحقيقة أن منطقة الشرق الأوسط حتى البلدان العلمانية التي لا يلعب الدين في نظام حكمها أو في حياة شعبها دورا رئيسيا تخضع في الوقت نفسه الى تقسيمات قبلية ودينية وطائفية تجعل وصول الربيع العربي اليها مجرَّد مسألة وقت. إنَّ الربيع العربي ليس إلا تعبيرا عن تقسيمات كانت ومازالت موجودة والدول الغربية عملت على تعزيزها وتقويتها في سبيل خدمة مصالحها. 

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment