Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, May 2, 2023

الثورة العربية الكبرى والربيع العربي, التاريخ يعيد نفسه

كان وعد بلفور وإتفاقية سايكس-بيكو بلا مبالغة من أهم الأحداث التاريخية التي أثَّرت ومازالت على منطقة الشرق الأوسط بل والعالم. الأولى كانت عطاء من لا يملك الى من لا يستحق حيث وعدت بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين, بينما الثانية رسمت حدود منطقة الشرق الأوسط بما يحفظ مصالح الدول الغربية ويضمن بقاء التفرقة والشرذمة حتى بعد رحيل الإستعمار.

الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في وعد بلفور وإتفاقية سايكس بيكو مهم للغاية وقد كشفت عن بعض تفاصيلة الوثائق التي يتم الإفراج عنها بين حين وأخر وفق قانون رفع السرية عن المعلومات بعد مرور فترة زمنية محدَّدَة. ولكن مناهج التاريخ المدرسية في الوطن العربي تتناول تلك الحوادث المهمة بطريقة سطحية وتقليدية وتتجاهل مابين السطور حيث يبقى الطلاب غير مدركين مع إنخفاض مستوى الوعي لديهم بأهمية وتأثير وعد بلفور واتفاقية سايكس-بيكو على مستقبل المنطقة.

كنت قد ذكرت في عدة مواضيع سابقة أنَّ التاريخ يعيد نفسه وأنَّ العرب هم ضحية أنفسهم. كتاب التاريخ التي يتم تدريسها للطلاب في الدول العربية تتحدث عن لورنس(Lawrence of Arabia) أنه مستشرق كانت لديه إهتمامات بمنطقة الشرق الأوسط خصوصا بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية ولكن في الحقيقة فإنَّ لورنس لم يكن إلا ضابط في المخابرات البريطانية ولم يكن متعاطفا مع الأماني والأحلام العربية في تأسيس دولة قوية للعرب. لورنس كان يفهم عقلية العرب وتفكيرهم حيث تغلب عليهم العاطفة وكان يتعامل معهم بناء على ذلك. قام لورنس بتأليف كتاب "أعمدة الحكمة السبعة"  حيث أنه من يقرأ الكتاب سوف يدرك أن ضابط المخابرات البريطاني لورنس كان مهتما بحماية مصالح بريطانيا وتحقيق أهدافها أكثر من اهتمامه بتحقيق الوعد البريطاني للعرب تحقيق وحدتهم وإقامة دولة لهم في المنطقة.

إن مشكلة كتابة التاريخ في منطقة الشرق الأوسط أنها قد  تأثَّرت بإنتشار القومية العربية والمد الناصري الذي كان معادي لأنظمة الحكم الملكية. الشريف الحسين بن علي كان يرغب في إقامة دولة للعرب تضم بلاد الشام, العراق وأرض نجد والحجاز ولكن موقف بريطانيا كان على النقيض تماما, السعي من أجل منع إقامة أي كيانات سياسية قوية تقف في وجه تحقيق المصالح البريطانية أو تتحدى نفوذ وهيمنة بريطانيا في المنطقة. إن مراسلات الحسين-مكماهون لا تخفي ذلك ولا تخفي تعاطف بريطانيا مع مطالب الشريف حسين وذلك على الأقل ظاهريا, بينما كانت بريطانيا في الحقيقة تكذب وتخطط مع فرنسا من أجل تقسيم المنطقة والغاية تبرر الوسيلة ولا مانع من الكذب على الحلفاء والأصدقاء وخداعهم.

إنَّ حدود الدول في إتفاقية سايكس-بيكو رسم خطوطها في الحقيقة الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون ومستشاره العسكري الجنرال إدوارد هاوس ومن ثم تم تمريرها الى بريطانيا وفرنسا من أجل الموافقة عليها. الرئيس الأمريكي لم يكن يرغب في مواجهة الرأي العام في الوطن العربي بأن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن تلك الاتفاقية لأنه في الوقت نفسه الذي كان يرسم مع مستشاره العسكري حدود التجزئة والشرذمة في منطقة الشرق الأوسط, كان يعلن عن المبادئ الأربعة عشر ومنها عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وحق تقرير المصير.

دولة روسيا القيصرية كانت أحد أطراف الاتفاقية ويوجد نسخة منها محفوظة في خزانة القيصر نيقولاي الثاني الخاصة. إن تلك الإتفاقية كان من المفترض أنها سرِّية ولكن نسخة منها وصلت الى الرأي العام من خلال الثورة الشيوعية حيث قام مفوض العلاقات الخارجية في إتحاد الجمهوريات الإشتراكية ليون تروتسكي بنشر نصوص الإتفاقية بعد إستيلاء الشيوعيين على السلطة والحكم. ليون تروتسكي كان يسافر بين الدول بإستخدام جواز سفر أمريكي مُنِح إليه بتوصية شخصية من الرئيس وودرو ويلسون.

ولكن السؤال ماهو هدف ليون تروتسكي من نشر نصوص تلك الاتفاقية السرية الى العلن وإعلانها أمام الرأي العام؟

الإجابة باختصار هي تحقيق مصلحة الولايات المتحدة التي كانت ترغب في الاستيلاء على المنطقة وثرواتها ولكن ذلك كان غير ممكن في وجود إمبراطوريات قوية مثل البريطانية(لا تغيب عنها الشمس) وفرنسا التي كانت لديها عدد من المستعمرات في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. الولايات المتحدة بدأت خطوة خطوة في تنفيذ مخطَّطاتها في المنطقة والخطوة الأولى كانت تجميع خصومها, فرنسا وبريطانيا, في زاوية ضيقة حيث يسهل التعامل معهم وتسريب نصوص إتفاقية سايكس-بيكو كان يحقِّقُ لها ذلك.

الحرب العالمية الأولى كانت من تخطيط الولايات المتحدة أو رؤوس الأموال اليهودية أو المرابين الدوليين, تختلف التسميات ويبقى الهدف هو نفسه. الولايات المتحدة دولة تم تأسيسها بأموال أولئك المرابين بداية وصول كريستوفر كولومبوس إليها وثورة المستعمرات البريطانية التي كانت تضم ثلاث عشر مستعمرة وصولا الى إنشاء بنك الاحتياط الفيدرالي سنة ١٩١٣ ومن ثم بداية الحرب العالمية الأولى في السنة التي تليها مباشرة. ليون تروتسكي الذي كان مسؤولا عن فضح إتفاقية سايكس-بيكو السرية كان يتلقى التمويل من بنوك وول ستريت التي كان يسيطر عليها أولئك المرابين الدوليين. الثورة البلشفية منذ بدايتها كانت تتلقى التمويل من عدة جهات لها أهداف ومصالحها منها ألمانيا القيصرية و الولايات المتحدة.

الربيع العربي أو ثورة العرب الثانية هي استنساخ لأحداث الثورة العربية الكبرى ومخطط الشرق الأوسط الجديد هو نسخة من اتفاقية سايكس-بيكو ولكن مع إختلاف الأسماء والأشخاص. اليهودي الفرنسي برنارد هنري ليفي لعب دورا مهما في ثورات الربيع العربي في مصر, تونس, ليبيا وسوريا وكان دورا بمثابة نسخة من الدور الذي لعبه توماس لورنس(Lawrence of Arabia) خلال الحرب العالمية الأولى بينما الولايات المتحدة ملأت الفراغ بعد تراجع الدور البريطاني وانسحابها من الهند والخليج العربي سنة ١٩٤٧ و ١٩٧١ على التوالي. 

الولايات المتحدة كانت على معرفة بأن الأحداث سوف تكون نتيجتها الفوضى وأنَّ نشطاء فيسبوك وتويتر والمتظاهرين ليس لديهم أي فكرة عن المشاركة في العملية السياسية أو القدرة على ترشيح ممثل عنهم الى الرئاسة أو البرلمان. وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تحدثت عن ذلك في كتابها "خيارات صعبة" عن النقاشات والحوارات التي قامت بإجرائها خلال جولتها في ميدان التحرير في مصر خلال أحداث ٢٥ يناير. تفاحة نيوتن التي كانت سوف تسقط ومن يلتقطها هم الإسلاميون ودوائر صنع القرار الغربية ومراكز ومعاهد الأبحاث تعرف ذلك وليس في قاموسها كلمة الصدفة أو الحظ.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment