Flag Counter

Flag Counter

Wednesday, September 18, 2024

الإحتلال البريطاني وسياسة فرق تسد في المستعمرات

"التاريخ يكتبه المنتصرون" أو "التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون" عبارة تردد كثيرا وينسبها البعض ربما الى رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل أو شخصيات أخرى. ولكن هناك عبارة مهمة أيضا أنَّ "التاريخ هو مجموعة من الأكاذيب المتفق عليها" التي تُنسَب الى الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت. هناك حقبة تاريخية كاملة كتبت الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس سطورها وكانت السياسة البريطانية ميكافيلية تعتمد مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" و "فَرِّق تَسُد" والكذب ومخالفة العهود والمواثيق. بريطانيا كانت تحكم ربع مساحة الكرة الأرضية وتسيطر على تعداد سكاني يبلغ ٢٥٠ مليون شخص وكان الجنيه الاسترليني عملة احتياط عالمية والقوة البحرية الملكية تعتبر الأقوى.

مساحة الأراضي التي كانت بريطانيا تسيطر عليها تمتد في الشرق الأوسط, أفريقيا, آسيا وحتى في أوروبا. سياسة الحكومة البريطانية في الهند كانت تعتمد على حكام محليين يطلق عليهم لقب مهراجا وهم في غالبيتهم من الهندوس بينما في منطقة الشرق الأوسط هناك أشخاص محليون يطلق عليهم لقب الاغا وكان المسلمون السنة يهيمنون على ذلك المنصب وهو أقرب الى نظام الإقطاع الذي كان سائداً في أوروبا خلال العصور الوسطى. أما في إفريقيا فقد كانت تعتمد على مجموعة من زعماء القبائل المحليين الموالين للحكومة البريطانية وكانت تتعهد أولادهم بالتعليم في بريطانيا أو كليات بريطانية في بلدانهم اعتمادا على القيم البريطانية و الولاء للتاج البريطاني.

سنة ١٩٢٨ بدأت بريطانيا في اعتماد سياسة مختلفة بعد دراسة مكثفة شملت جميع جوانب حياة المسلمين السياسية, الإقتصادية والإجتماعية حيث قدمت تمويل من خلال شركة قناة السويس مواطن مصري يدعى حسن البنا مبلغ ٥٠٠ جنيه مصري من أجل بناء أول مسجد ومركز للجماعة في مدينة الإسماعيلية إحدى مدن قناة السويس وليس في العاصمة القاهرة. كان هدف بريطانيا من إنشاء جماعة الإخوان المسلمين وليس الإعتماد على عبد العزيز آل سعود وجماعة إخوان من طاع الله في السيطرة على بلاد الشام, مصر والرافدين هو عبارة عن عملية تكييف إجتماعي ومواءمة المتطلبات الاجتماعية في تلك المناطق حيث هناك أقليات عرقية و تنوع طائفي وقبلي قاوم الغزو الوهابي ونجح في التصدي له. بريطانيا قررت الإعتماد على الطربوش وليس العباءة والغترة التي كانت الأزياء التقليدية التي يرتديها جماعة إخوان من طاع الله.

الإمبراطورية البريطانية قررت إعتماد سياسة إحتلال ناعمة تسير بموازاة السيطرة العسكرية حيث كان من المستحيل السيطرة  بالقوة العسكرية المجردة على تلك المساحات الشاسعة والتعداد السكاني. جماعة الإخوان المسلمين وتفرعاتها من جماعات وأحزاب إسلامية كانت ذراع بريطانيا في تنفيذ سياستها الاستعمارية ضد جميع التيارات القومية والوطنية المختلفة خصوصا الشيوعيين والقوميين وكل من يرفع رأسه ضد التواجد البريطاني سوف يجد تنظيم الإخوان المسلمين في مواجهته. أبو الأعلى المودودي في باكستان لعب دورا رئيسيا بالإشتراك مع الشاعر محمد إقبال في انفصال باكستان عن الهند تحت شعار الحاكمية لله وتطبيق الشريعة. أبو الأعلى المودودي كان متأثرا بزعيم الإخوان المسلمين حسن البنا. الحكومة البريطانية بالإضافة الى مشكلة كشمير بين الهند وباكستان لعبت دورا قذراً في تقسيم الموارد المائية حيث قامت بترسيم الحدود بين الدولتين بما يضمن ثلاثة أرباع الموارد المائية في الجانب الهندي من الحدود بينما قنوات وأنظمة الري تقع في غالبيتها في باكستان. 

بريطانيا كانت لا تنسحب من بلد ما تستعمره بدون أن تترك خلفها إسفينا تدقه حيث يؤدي الى تقسيم البلد أو عداوة دائمة مع جيرانه. الجيوش البريطانية قبل أن تنسحب من فلسطين تركت أفضل المواقع والأسلحة للعصابات الصهيونية وزرعت بذور الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في نيجيريا والسودان وسلمت الجزر الإماراتية الثلاثة الى شاه إيران محمد رضا بهلوي وتخلت عن كشمير الى الهند حتى تضمن مشكلة دائمة بينها وباكستان. وقد كنت أشاهد أحد حلقات برنامج وثائقي عن الصراع بين الصين والهند حيث كان تقسيم الحدود الذي قامت به بريطانيا من خلال ممثلها هنري مكماهون يضمن بقاء الصراع بين الدولتين مستمرا.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment