Flag Counter

Flag Counter

Saturday, May 28, 2022

الاغتيال الاقتصادي للأمم, العملية برسيل

فرنسا كانت أحد الدول الاستعمارية الكبرى التي سيطرت على مساحة ٨.٦% من مساحة الكرة الأرضية حيث كانت لها مستعمرات في الشرق الأوسط, أفريقيا وآسيا. فرنسا غادرت مستعمراتها خصوصا في أفريقيا صوريا لأنه تم إجبار تلك الدول على إعلان اللغة الفرنسية لغة رسمية للدولة وفي النظام التعليمي. كما أنه تم توقيع إتفاقيات متعدِّدَة كانت نتيجتها تكبيل تلك البلدان إقتصاديا والمستفيد فرنسا التي إعترف رئيسها السابق جاك شيراك أن فرنسا كانت تنهب ومازالت مستعمراتها السابقة وذلك خلال تصريح في يناير/٢٠٠١ على هامش القمة الفرنسية-الأفريقية في العاصمة الكاميرونية ياوندي. 

إنَّ ما يحاول الإعلام إخفائه أن أغلب الجرائم الدموية التي تم إرتكابها خلال الحقبة الإستعمارية الفرنسية كانت من مسؤولية الإشتراكيين الفرنسيين مثل الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول الذي يعتبره الفرنسيون بطلا قوميا نجح في تحرير بلاده من النازيين ولكنه في الواقع ليس إلا مجرم حرب إرتكب الجرائم والتي لعل أشهرها هي تجارب بشرية من أجل دراسة تأثير الإشعاعات النووية تم إجرائها في صحراء الجزائر. الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وحقوق الإنسان تتجاهل كل ذلك وفرنسا لم تقدِّم الإعتذار أو التعويضات المناسبة.

مناسبة هذه المقدمة وكتابة الموضوع هو أحد نماذج الإستعمار الفرنسي في أفريقيا وتدخل فرنسا حتى بعد الإستقلال من أجل معاقبة كل من يحاول التملص من السيطرة الإقتصادية الفرنسية. دولة غينيا هي من المفترض أحد أثرى الدول الأفريقية خصوصا خامة البوكسايت التي تستخدم في صناعة الألومنيوم حيث تمتلك ٣٥% من الإحتياطي العالمي من تلك المادة ما يقدر ٤٠ مليار طن. كما أن أراضي دولة غينيا غنية بخامات مثل البلاتينيوم, الحديد, الذهب, الألماس, اليورانيوم ومصادر الطاقة مثل الغاز الطبيعي. 

فرنسا أعلنت قبيل انسحابها من مستعمراتها الأفريقية تأسيس الجماعة الأفريقية وتم إجراء استفتاء في الدول الأفريقية منها غينيا التي إختار ٩٥% من شعبها التصويت بلا. الرئيس الفرنسي شارل ديغول زار العاصمة الغينية كوناكري تاريخ ٢٥/أغسطس/١٩٥٨ والقى كلمة في مؤتمر جماهيري حضره عمدة كوناكري ونائب رئيس الحكومة المناضل الوطني أحمد سيكو توري. ومن خلال الكلمة التي ألقاها, هدَّدَ شارل ديغول الدول التي ترفض الإنضمام الى الجماعة الأفريقية ومنطقة الفرنك الفرنسي الإقتصادية بأنه لايمكن أن تكون لها أي علاقات مع فرنسا وأن فرنسا لن تقدم لها أي نوع من أنواع المساعدة. أحمد سيكوتوري الذي لم تعجبه لغة التهديد والابتزاز في الخطاب القى كلمة بدوره تحدث فيها أن غينيا تفضل الفقر في الحرية على الغنى في العبودية. شارل ديغول لم يكن راضيا عن كلمة أحمد سيكوتوري وقرَّرَ بعد الإجتماع مع مساعديه فور عودته من جولته الأفريقية تنفيذ عملية إغتيال أحمد سيكوتوري والتي فشلت قبل أن تبدأ بسبب تسريب تفاصيل العملية ومن ثم كان الخيار الثاني وهو تنفيذ العملية برسيل.

إنَّ إختيار إسم علامة تجارية فرنسية مشهورة عنوان للعملية الفرنسية في غينيا له مغزى وهو غسيل كينيا من أحمد سيكوتوري تماما وإزاحته من منصبه وإغراق غينيا في الإضطرابات وتخريب إقتصادها. برسيل هو إسم ماركة منظفات فرنسية شهيرة وملخص العملية هو أنَّ فرنسا قرَّرت تزوير كميات ضخمة من العملية الغينية التي قرَّر أحمد سيكوتوري تأسيسها خلال الفترة التي أعقبت التصويت على عدم الإنضمام الى الجماعة الفرنسية وإختيار الإستقلال الكامل عن فرنسا. جهاز مكافحة التجسس الفرنسي أشرف على العملية حيث كانت العملة المزورة يتم طبعها في مقر الجهاز في مدينة باريس. النتيجة كانت إرتفاع الأسعار , زيادة نسبة التضخم وانخفاض قيمة الفرنك الغيني مما أدى الى التأثير على اقتصاد دولة غينيا.

العملية برسيل نجحت في زعزعة إستقرار دولة غينيا وتخريب اقتصادها ولكن رغم ذلك لم يسقط رئيس غينيا أحمد سيكوتوري ولم تقبل غينيا الإنضمام إلى منطقة الفرنك الفرنسي. أحمد سيكوتوري إستمر في الحكم حتى وفاته تاريخ ٢٦/مارس/١٩٨٤ وذلك خلال إجراء عملية جراحية في القلب في مركز القلب في مستشفى مايو كلينيك في الولايات المتحدة.

 إن العملية برسيل هي نموذج للتدخل الغربي الوقح في شؤون الآخرين وأحد الأمثلة على الاستعمار المعاصر الذي حاولت من خلاله الدول الإستعمارية وفرنسا أحدها أن تبقي سيطرتها على مستعمراتها حتى بعد انسحابها الاسمي منها ومنحها الاستقلال الصوري. الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول الذي يحاول الإعلام الفرنسي بإستمرار تلميع صورته, كان من الاشتراكيين المؤمنين بقيم الثورة وشعارات الثورة الفرنسية ولكن ذلك لم يقف عائقا بينه وبين ارتكاب أكثر الجرائم قسوة ودموية في المستعمرات الفرنسية. 

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment