Flag Counter

Flag Counter

Sunday, January 17, 2016

بين الأرجنتين واليونان...عشرة سنين من الدروس - الجزء الأول

سنة 2001 تم قبول اليونان في الإتحاد الأوروبي على الرغم من إمتلاكها أحد أكثر الإقتصادات الأقل تنظيما في أوروبا. القبول تم لأهداف سياسية حيث كانت اليونان خلال فترة الحرب الباردة ساحة صراع شرسة بين الرأسمالية الغربية والشيوعية السوفياتية. خلال ثلاثة سنين حقق الإقتصاد اليوناني نموا غير مسبوقا كما أن اليونان إستضافت دورة الألعاب الأولمبية سنة 2004 وفاز فريقها الوطني لكرة القدم لأول مرة في بالبطولة الأوروبية حيث هزم فريق البرتغال في نهائي البطولة.
كانت سنة 1994 مميزة بالنسبة للأرجنتين حيث حق إقتصادها نموا في الناتج المحلي الإجمالي بلغ 5.8% ونسبة تضخم بلغت 4.2% والتي كانت تعد منخفضة مقارنة بفترات سابقة. الإصلاحات المالية وبرامج الخصخصة التي تمت في تلك الفترة جعلت صندوق النقد الدولي يصنف الأرجنتين كنموذج مثالي للإصلاح الإقتصادي. تلك الصورة المثالية للإقتصاد الأرجنتيني تعد سطحية حيث تخفي أسفلها ميزان تجاري مختل حيث أدى التوسع في الإستيراد إلى خلق فجوة في ميزان المدفوعات وإن تأجل ظهورها بسبب نمو الإقتصاد الأرجنتيني.
الأرجنتين في أوائل سنة 1990 واليونان في اوائل سنة 2000 قد إنضما إلى برنامج تثبيت سعر صرف العملة حيث أدى ذالك إلى إستفادة كل من اليونان والأرجنتين من مناخ إقتصادي عالمي معتدل.
أثناء رئاسة كارلوس منعم للأرجنتين في فترة التسعينيات, فقد حقق الإقتصاد الأرجنتيني نموا غير مسبوق بفضل سياسة تحرير الإقتصاد والخصخصة التي إتبعها منعم. أدى ذالك إلى نمو في الصادرات والواردات وخصوصا في مجال الزراعة حيث تعتمد الأرجنتين على الإنتاج الزراعي بنسبة 58% من ناتجها المحلي الإجمالي. المناخ الإقتصادي العالمي المعتدل الذي تمتعت به الأرجنتين في تلك الفترة كان يعني 40% إرتفاع في أسعار المنتوجات الزراعية ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
- تعد الأرجنتين في تلك الفترة المنتج الأول لفول الصويا في العالم حيث إرتفع إنتاج فول الصويا والمنتجات المرتبطة به ثلاثة أضعاف لتصل إلى 3 ملايين طن أو ماقيمته 3 مليار دولار أمريكي تقريبا.
- تعد الأرجنتين مسؤولة عن 75% من إنتاج القمح في أمريكا الجنوبية وخامس أكبر مصدر لتلك المادة في العالم بمعدل إنتاج 14.5 مليون طن. كما تعد رابع دولة على مستوى العالم في إنتاج الذرة بمعدل إنتاج بلغ 13.2 مليون طن
- سعر صرف البيزوس الأرجنتيني كان مرتبطا بالدولار الأمريكي والذي كانت قيمته منخفضة خلال فترة التسعينيات مما ساعد الصادرات الأرجنتينية فيما يتعلق بالتنافسية في الأسواق العالمية.
الإقتصاد اليوناني خلال الفترة الممتدة من بداية سنة 2000 كان معتمدا على ثلاثة أنشطة رئيسية وهي السياحة, الشحن والزراعة وفي وقت الحق بعد إنضمامه للإتحاد الأوروبية نما سوق العقارات اليوناني بشكل سريع. من الممكن وصف الإنتعاش الذي تمتعت به القطاعات المذكورة سابقا على النحو التالي:


- السياحة
إنتعشت إثر أحداث سيبتمبر في الولايات المتحدة وإنخفاض السياحة في الكثير من الدول العربية والإسلامية حيث قفز عدد السياح القادمين إلى اليونان من 10 مليون سائح إلى 17 مليون سائح سنويا.


- قطاع الشحن والخدمات المرتبطة به
كان مسؤولا عن ألاف الوظائف ذات الدخل المرتفع وإستفاد كثيرا من نمو الإقتصاد الصيني


- القطاع الزراعي
كان ذالك القطاع مسؤولا عن 12.5% من الوظائف في اليونان مقارنة بدول الإتحاد الأوروبي الأخرى حيث كان لا يتعدى 3.5%


- قطاع العقارات
شهد ذالك القطاع إزدهارا خصوصا مع سياسة سعر الفائدة المخفض لليورو حيث تضاعفت أسعار البيوت بين سنتي 200-2008


لم يتعلم اليونانيون سنة من الأخطاء التي تم إرتكابها سابقا في الأرجنتين سنة 1990 حيث تم توجيه أموال القروض والمنح نحو إستثمارات غير نافعة ولا تخلق فرصا مستقبلية من ناحية الوظائف والعائدات. الأموال التي هبطت على اليونان بعشرات المليارات تم إستخدامها لإرضاء النقابات العمالية ومنح منتسبيها إمتيازات وزيادة في الأجور. كما أنه تم إستخدام تلك الأموال في خلق وظائف غير ضرورية(بطالة مقنعة) وذالك في سبيل كسب أصوات إنتخابية. الإنطباع الواضح لدى المجتمع الإستثماري الدولي كان الثقة بالدولة الأرجنتينية ووعودها وأن الإقتصاد الأرجنتيني قد مر بمرحلة إصلاح جعلته عمليا وفعالا بينما اليونان كان لها قصة أخرى.
هناك الكثير من النقاط المشتركة بين الأرجنتين واليونان والتي أدت الى الكوارث الإقتصادية التي مر بها البلدان ولايزالان يعانيان من نتائجها حتى يومنا هاذا. في السنوات الأولى لربط عملات البلدين بالدولار فقد إستقرت أسعار الصرف في كل من البلدين وإرتفع مستوى الأداء الإقتصادي مما أدى إلى ثقة المستثمرين الباحثين عن الإرباح في الإستثمار بالسندات الحكومية. المشكلة التي كان البلدان يعانيان منها هي أن إرتفاع الأداء الإقتصادي كان أمرا مؤقتا بسبب الحاجة لتحديث ترسانة قوانين تعيق النمو الإقتصادي كما ان الأموال الناتجة من الإستثمارات الأجنبية تم إنفاقها في محاباة الأحزاب والنقابات عن طريق منح المزيد من الوظائف لمنتسبيها والإنفاق على مشاريع بهدف شراء الولائات والأصوات الإنتخابية.
في الفترة الزمنية بين 1996 ونهاية عام 1997 فقد كان بإمكان الحكومة الأرجنتينية أن تحقق فائضا إيجابيا في الميزانية حيث أن نسبة العجز في بداية عام 1998 بلغت 1.6% حيث تعد نسبة منخفضة. وبحلول نهاية تلك السنة فقد إستحقت الأرجنتين لقب أكثر الدول في أمريكا اللاتينية إصدارا للسندات حيث أن الإصلاحات الإقتصادية الشكلية وثقة المستثمرين قد أدت إلى المزيد من تدفق الأموال التي لم يتم توجيهها في مسارها الصحيح.
الحكومة الأرجنتينية كانت تعلم بحجم المشكلة وتخفي ذالك عن أعين العامة والمستثمرين الدوليين حيث كانت الحكومة تتجاهل في بياناتها الإقتصادية العوامل التي تؤدي إلى زيادة مستوى العجز كسندات الديون السيادية وإستحقاقات التقاعد. برنامج الخصخصة الذي قام الرئيس الأرجنتيني كارلوس منعم بتطبيقه كانت على حساب العائدات حيث تم بيع شركات ومصالح حكومية رابحة بأبخس الأسعار مما أدى إلى تراجع المداخيل الحكومية. التحذيرات من إحتمالية إفلاس الحكومة الأرجنتينية وعجزها عن الوفاء بإلتزاماتها بقيت متداولة في الدوائر المغلقة ولم تخرج إلى العلن. في سنة 2001 بدأ سعر سندات الدين السيادي التي تصدرها الحكومة الأرجنتينية بالإنخفاض حيث قام العديد من المستثمرين بجني الأرباح من البيع على المكشوف(Short Positions) لسندات الأسهم التي بحوزتهم لجني الأرباح مما أدى إلى تعقيد المشكلة.
الأرجنتين تم تصنيفها في الفترة بين 1995-2000 على أنها من ضمن إقتصاديات الدول الناشئة والتي تتمتع ببيئة إستثمارية منخفضة المخاطر بينما اليونان في الفترة التي تلت سنة 2002 فهي لم تكن مؤهلة حتى لتصنيفها ضمن إقتصاديات الدول النامية. إنضمام اليونان للعملة الأوروبية الموحدة أثار تسائلات حول كون اليورو يصنف كعملة صعبة ولكن إقتصاديات الدول المنضمة إليه تتفاوت في المستوى. أزمة الرهون العقارية سنة 2007\2008 نتجت عن دمج مستويات مختلفة من القروض العقارية ضمن أداة مالية واحدة وبضمان مايعرف بإسم (CDO-Collateral Damage Obligation) وتقييم مرتفع مضلل من قبل وكالات التصنيف المختصة(Rating Agencies), يتسائل المختصون إن كانت أزمة الرهون العقارية والأزمة المقبلة لليورو ذات جذور مشتركة؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment