Flag Counter

Flag Counter

Friday, September 29, 2023

ماذا يستفيد العرب من التجربة الصينية في التنمية والتطوير؟

التجربة الصينية في الحقيقة مثيرة للإهتمام بسبب مستوى التقدم والتطور حيث هناك مدن في الصين تعتبر أفضل من أوروبا والولايات المتحدة في البنية التحتية والخدمات وذلك ليس وليد اللحظة بل منذ قرون فقد اكتشف البحارة الصينيون الهند قبل البحار البرتغالي فاسكو دي غاما بأكثر من مائة عام. الصين والهند والشرق الأوسط كانوا يقودون حركة التبادل التجاري والتداولات التجارية وكانت أوروبا في ذلك الوقت تعيش على الهامش و تقتات على فتات الفتات.

 الصين حقَّقت أكبر تجربة تنمية بشرية في العالم حيث نقلت أكثر من ٤٠٠ مليون مواطن من تحت خط الفقر الى مستوى حياة أفضل. إن كل ما يتعلق بالصين يعني (Big Bg Big) حيث عدد سكانها ١.٤٢٦ مليار سنة ٢٠٢٢ كما ذكرت تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان, دول في الوطن العربي مثل الأردن أو لبنان تعتبر من ناحية عدد السكان قرية صغيرة في الصين.

التجربة الصينية ليست بلا عيوب أو سلبيات وتلك طبيعة الحياة. ولكن علينا أن لا ننسى أن الصين بدأت تجربتها في التنمية والتطوير من تحت الصفر حرفيا. إن تاريخ الصين عبارة عن حروب أهلية دموية ومجاعات والإحتلال الأجنبي فترة زمنية ٥٠٠ عام منذ بداية القرن السادس عشر ولم يتوقف العداء الأجنبي ضد الصين حتى يومنا هذا. الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس تدخلت في الصين من خلال حروب الأفيون, حرب الأفيون الأولى(١٨٣٩-١٨٤٢) وحرب الأفيون الثانية(١٨٥٦-١٨٦٠) حيث كانت بريطانيا تجني أرباحا هائلة من زراعة الأفيون وتصديره الى الصين والحكومة الصينية حظرت تلك التجارة بعد انتشار إدمان الأفيون بين المواطنين الصينيين واستنزاف ثروات البلاد من المعادن الثمينة خصوصا الفضة.

 الولايات المتحدة, بريطانيا, فرنسا وعدة دول أوروبية أخرى كانت تحتل مناطق من الصين وأقامت فيها مستعمرات مما أدى الى قيام ثورة الملاكمين(١٨٩٩-١٩٠١) في أثناء الفترة الأخيرة من حكم سلالة تشينغ. ولكن الصين لم تلتقط أنفاسها منذ نهاية ثورة الملاكمين حتى بدأت الحرب اليابانية-الصينية الأولى(١٨٩٤-١٨٩٥) حول النفوذ على مملكة جوسون الكورية حيث خسرت الصين الحرب وأدى ذلك الى إشعال ثورة ضد أسرة تشينغ بلغت ذروتها سنة ١٩١١ بثورة شينخاي(شينهاي) والتي أطاحت بالملكية وخلع الإمبراطور وأعلنت جمهورية الصين المؤقتة والتي يمكن اعتبارها بداية ظهور الأفكار الشيوعية والاشتراكية في الصين والتي تحتفل الحكومة رسميا بذكرة ثورة ١٩١١ سنويا. 

سنة ١٩٣١, كانت الصين على موعد مع الحرب اليابانية-الصينية الثانية عندما غزت القوات اليابانية إقليم منشوريا ولكن بعض المؤرخين يرى من وجهة نظره أن البداية كانت سنة ١٩٣٧ في حادثة جسر ماركو بولو وأنها كانت التاريخ الأكثر دقَّة لبداية الحرب العالمية الثانية. الحرب اليابانية-الصينية الثانية انتهت سنة ١٩٤٥ مع إعلان استسلام اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية وارتكبت خلالها القوات اليابانية مجازر دموية خصوصا مذبحة نانجينغ ١٣/ديسمبر/١٩٣٧. الحرب الأهلية الصينية بدأت سنة ١٩٢٧ و انتهت جولتها الأولى سنة ١٩٤١ مع توحيد الجهود ضد الإحتلال الياباني خلال الفترة التي أعقبت عملية بيرل هاربر ودخول الولايات المتحدة رسميا الحرب العالمية الثانية. ولكن الحرب الأهلية تم استئنافها سنة ١٩٤٥ مع إعلان استسلام اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية وصولا الى سنة ١٩٥٠ بدون أي اتفاقيات سلام بين طرفي الحرب, الحزب الشيوعي الصيني الذي سيطر على البر الرئيسى للصين و حزب الكومينتانغ الوطني الذي سيطر على جزيرة تايوان وأعلنها دولة مستقلة.

إنتهت الحرب الأهلية اليابانية ولكن الصين كانت وخلال فترة قصيرة على موعد مع حرب أخرى وهي الحرب الكورية(١٩٥٠-١٩٥٣) حيث تدخلت الصين مباشرة في صالح كوريا الشمالية وأرسلت مئات الآلاف من الجنود مما أدى الى ترجيح كفة القتال الى جانبها و حليفتها كوريا الشمالية وتم توقيع إتفاقية أنهت الحرب سنة ١٩٥٣. عشرة سنوات مرت على الصين بدون حروب مباشرة ولكن صراعا حدوديا مع الهند سنة ١٩٦٢ انتهى بانتصار الصين وصراع خطير أيضا حدودي مع الإتحاد السوفياتي إنتهى سنة ١٩٦٩ حيث بلغ ذروته وكاد أن يتحول الى حرب مباشرة بين الدولتين. الولايات المتحدة وبريطانيا لعبت دورا رئيسيا في كثير من الصراعات التي كانت بالنسبة الى الصين مسألة حياة او موت خصوصا في انقسام المعسكر الشيوعي والصراع السوفياتي -الصيني حتى أن الصين قدمت الأسلحة الى المقاتلين الأفغان بالتنسيق مع الولايات المتحدة خلال الحرب الأفغانية-السوفياتية(١٩٧٩-١٩٨٩).

ولكن ذلك ليس نهاية الرواية. في مقال نشره موقع بي بي سي عربي بعنوان "كيف أصبحت الصين "معجزة اقتصادية؟" يصف أحد الكوارث التي مرت بها الصين خلال فترة الخمسينيات وحكم الزعيم الصيني ماوتسي تونغ وهي "القفزة الكبرى الى الأمام," محاولة تحويل الاقتصاد الصيني المعتمد على الزراعة الى اقتصاد صناعي. "القفزة الكبرى الى الأمام(١٩٥٩-١٩٦١)" انتهت بمجاعة أدت الى وفاة ما يزيد عن ١٠ ملايين صيني ووصلت بعض التقديرات الى ٤٠ مليون. ولكن ماو لم يكتفي بذلك بل أعلن عن "الثورة الثقافية(١٩٦٦-١٩٦٨)" بهدف القضاء على أعداء ومنافسين الحزب الشيوعي وإنتهت سنة ١٩٦٨ والصين على شفا حرب أهلية.

سنة ١٩٧٦ كانت مفصلية في تاريخ الصين حيث توفي ماو تسي تونغ وتولى الحكم دنغ شياو بينغ الذي كان يعتمد وجهة نظر مختلفة تماما وهي التنمية الاقتصادية مع الاحتفاظ بسيطرة الحزب الشيوعي على مقاليد الحكم. المزارعون تم السماح لهم باستغلال أراضيهم و بيع محاصيلهم بأنفسهم وتم إنشاء مناطق صناعية منحت فيها الشركات الأجنبية إمتيازات خاصة وتم تحسين العلاقات مع الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة وبدأت الاستثمارات الغربية في التدفق على الصين. سنة ٢٠٠١, أعلن عن قبول الصين في منظمة التجارة العالمية مما كان نقطة تحول حقيقية استغلتها الصين حيث انخفضت التعرفة الجمركية على البضائع الصينية في جميع الدول الأعضاء في المنظمة وإنتشرت البضائع الصينية في جميع أنحاء العالم.

التجربة الصينية في التنمية والتطوير مستمرة رغم العقوبات الغربية ومحاولة حصار الصين سياسيا وإقتصاديا. الصين أثبتت إمكانية التنمية رغم جميع الصعاب حيث تمكنت شركة هواوي الصينية من إنتاج أحدث هواتفها الذكية ميت ٦٠ برو والذي يمكنه إستخدام إنترنت فائق السرعة ٥-جي بإستخدام شريحة ٧-نانومتر من المفترض أن الصين لا تمتلك التكنولوجيا اللازمة من أجل صناعتها. ولكن ذلك ليس نهاية قصة شريحة المعالج المعجزة و هاتف هواوي الخارق. الصين قامت بإجراء تعديلات على الشريحة كرونوس-٩٠٠-س وبالتالي فهي تمتلك تكنولوجيا تصميم وتصنيع تلك المعالجات في الوقت نفسه وبالتالي كسرت احتكار شركة آبل التي كانت الشركة الوحيدة في العالم التي تمتلك القدرة على القيام بذلك بينما تصميم شرائح المعالجات و صناعتها هما أمران منفصلان تماما.

الدروس المستفادة من التجربة الصينية في التنمية والتطوير هي أن أساس تلك التجربة هو الانضباط والحزم والتصميم والإرادة القوية وكلمة لا للمستحيل والتضحية حيث مصلحة الجماعة هي فوق مصلحة الفرد. إن كل ما سبق ذكره هو من المميزات المفقودة لدى العرب نتيجة ٤٠٠ سنة من الإحتلال العثماني الذي عمل على محاربة التعليم واللغة العربية وتعزيز كل قيمة سلبية لدى شعوب الوطن العربي التي كان يحكمها بالحديد والنار.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment