هناك قانون في علم الإقتصاد يطلق عليه بعض المتخصصين تسمية المحصلة النهائية تساوي صفر وعلى الرغم من أن جوهر تلك التسمية و روحها تتمحور حول مفاهيم اقتصادية إلا أن لها تفسيرات في عالم السياسة والجيوبوليتيك. إمبراطوريات تظهر على أنقاض إمبراطوريات تنهار لأسباب مختلفة والإقتصاد يلعب دورا رئيسيا ومحوريا. المؤرخ البريطاني ميل جيبون وصف في كتاب "تاريخ ضعف وسقوط الإمبراطورية الرومانية" أسباب انهيار الإمبراطورية الرومانية ولكنه ليس المؤرخ الوحيد حيث أن هناك مؤرخين آخرين قاموا بالتأليف حول ذلك. إن أحد أهم الأسباب التي نسب المؤرخون إليها أسباب صعود وانهيار الإمبراطوريات كان الإقتصاد وحتى أكون أكثر دقة إنهيار العملة من خلال التلاعب بقيمتها حيث انخفضت قيمة العملة الرومانية بسبب إنخفاض نسبة نقائها التي كانت تعتمد على الذهب والفضة في مراحل مختلفة من تاريخها.
الولايات المتحدة تحولت الى إمبراطورية حيث أعلنت ١٣ مستعمرة بريطانية سنة ١٧٧٦م الإستقلال ثم بعد أن انتصرت في الحرب ضد بريطانيا بدأت في التوسع نحو الداخل من خلال المستكشفين والرواد المغامرين وخاضت صراعا عنيفا دمويا مع السكان الأصليين قبائل الهنود الحمر. الولايات المتحدة مرت بمراحل تاريخية وصراعات وحروب خصوصا الحرب الأهلية(١٨٦١-١٨٦٥) والحرب ضد الإمبراطورية الإسبانية سنة ١٨٩٨م التي كانت بداية تحول الولايات المتحدة الى دولة استعمارية و قوة عالمية. الحرب العالمية الأولى والثانية تعتبر مراحل مهمة في تحول الولايات المتحدة الى إمبراطورية استعمارية وذلك بإستخدام القوة العسكرية خصوصا البحرية و إتفاقية بريتون وودز التي أعلنت الدولار عملة احتياط عالمي. سنة ١٩٧١ أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلغاء العمل بمبادلة الذهب مقابل الدولار الأمريكي مما يعني عمليا إلغاء العمل بإتفاقية بريتون وودز و تعويم الدولار أمام العملات الأخرى في أسواق الصرف العالمية. الدولار الأمريكي حاليا غير مرتبط سوى بالقوة العسكرية الأمريكية والنفط الذي تسعيرة مقابل الدولار نتيجة اتفاقية ١٩٧٥ بين السعودية والولايات المتحدة.
هناك جهود متسارعة من بعض الدول من أجل التخلي عن التعامل بالدولار الأمريكي, جهود متواضعة ولكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة. الولايات المتحدة تقوم بطباعة الدولار بدون مسائلة أو تراعي مصالح الدول الأخرى التي تصدر لها التضخم وغلاء الأسعار. الحكومة الأمريكية ومن خلال بنك الاحتياط الفيدرالي قامت بطباعة تريليوني دولار بهدف محاولة معالجة أثار أزمة فيروس كورونا مما أدى الى موجة تضخم في الاقتصاد العالمي. الدولار أصبح مشكلة بالنسبة الى الكثيرين الذين بدأوا في التململ خصوصا روسيا, الصين ودول البريكس على العموم. الصين تراقب الحرب في أوكرانيا عن قرب وكيف أن الولايات المتحدة نجحت في مصادرة أصول روسية في الخارج خصوصا احتياطيات البنك المركزي الروسي لأنها أصول دولارية(بالدولار). الحكومة الصينية تمتلك ٣ تريليون دولار أصول بالعملة الصعبة نصفها بالدولار الأمريكي عبارة عن سندات تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحارب على جميع الجبهات ويهدد الجميع حتى حلفائه الأوروبيين. دول البريكس تحاول التخلي تدريجيا عن الدولار الامريكي و دونالد ترامب هددها بعقوبات اقتصادية إن فعلت ذلك. كما اعلن الرئيس الأمريكي أنه سوف يضم كندا وقناة بنما الى الولايات المتحدة ويتفاهم مع روسيا حول حرب أوكرانيا.إن كل ما يقوم به الرئيس الأمريكي سوف يؤدي الى التململ بين حلفائه وفقدان الثقة بالعملة الأمريكية. النفط يباع مقابل الدولار الأمريكي حصريا منذ سنة ١٩٧٥ تاريخ إتفاقية البترودولار بين السعودية والولايات المتحدة والتي كان عرابها مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر. الولايات المتحدة تحمي نظام الحكم في المملكة العربية السعودية وتعطيهم الأولوية في مبيعات أحدث الأسلحة بعد دولة الكيان الصهيوني بالطبع مقابل أن السعودية تلتزم بصفتها أكبر مصدر للنفط في منظمة أوبك أن تبيع نفطها حصرا مقابل الدولار الأمريكي.
ولكن حتى تكون المسألة واضحة خصوصا تأثير بيع النفط مقابل عملات أخرى, لا بدّض من توضيح بعض النقاط التي قد تكون خافية على الكثيرين. هناك نسبة من مبيعات النفط وتعاملات التجارة الدولية مقابل عملات أخرى مثل اليورو واليوان الصيني. نقطة أخرى مهمة وهي أن أسعار السلع والخدمات حول العالم يتم تقييمها بالدولار الأمريكي والولايات المتحدة باعتبارها أكبر سوق واردات في العالم لها الكلمة الحاسمة ولديها القدرة والأدوات المناسبة حتى تفرض عقوبات اقتصادية قاتلة على الدول التي تحاول التخلي عن الدولار أو حتى محاولة التأثير عليه. وقد رأى الجميع بأم أعينهم ماذا فعلت مع الرئيس العراقي صدام حسين والليبي معمر القذافي والإنقلابات في دول إفريقية وغيرهم ممن حاولوا الوقوف في طريق مصالح الولايات المتحدة النفطية و الدولارية.
إن القضية أكثر تعقيدا مما يتخيله الكثيرون أنه قرار على ورق وأن شخصا ما في موقع السلطة سوف يمضي على ذلك القرار بالتخلي عن الدولار. الإقتصاد العالمي معقد ومتشابك ولا يمكن لأي دولة حتى لو كانت الولايات المتحدة أن تتخذ قرارات منفردة ولكن يبدو أن الرئيس دونالد ترامب لديه نوايا جادَّة في العمل على تغيير ذلك حيث يهدد الجميع بفرض ضرائب جمركية وعقوبات إقتصادية لو إعترضوا على قراراته أو لم يمتثلوا لما يطلبه منهم. إن ما يقوم به دونالد ترامب تنظر اليه الصين و دول أوروبية بقلق بالغ حيث بدأت الصين على سبيل المثال في زيادة احتياطي الذهب وبيع سندات وزارة الخزانة الأمريكية التي في حوزتها والتخلص من الأدوات المالية التي يمكن للولايات المتحدة الضغط عليها لو قررت الاستيلاء على تايوان بالقوة المسلحة. كما أن الصين تراقب الأزمة الأوكرانية ونتائجها وتأثيراتها على الاقتصاد الروسي والعالمي وتتعلم من الأحداث استعدادا لما هو قادم.
دمتم بخير
عاشت الجمهورية العربية السورية حرة مستقلة
الوطن أو الموت
النهاية
No comments:
Post a Comment