Flag Counter

Flag Counter

Friday, November 8, 2024

كتاب "إستهداف أهل السنة"(٥)

هناك طرح خطير للغاية في كتاب "استهداف أهل السنة" وهي أن محددات القرائة الجيوبوليتيكية للأحداث في منطقة الشرق الأوسط هي ستة وأحدها بل وأهمها في رأي الشخصي هي النقطة الثالثة "الأهداف". وتتمثل وجهة نظر نبيل خليفة في تلك النقطة المهمة أن هناك مساعي من أجل دمج دولة الكيان الصهيوني في محيطها باعتبارها زعيمة التوجه الأقلوي(الأقليات) وذلك يعني تبعية الأقليات في الشرق الأوسط للأهداف والمصالح الإسرائيلية الصهيونية. كلام الدكتور نبيل خليفة يعني أن المسيحيين, العلويين, الشيعة, الأكراد, الإسماعيليين وغيرهم خاضعين وتابعين للمشروع الصهيوني في تشكيل تحالف هدفه إضعاف الكتلة السنية في المنطقة.


في بداية كتابه يتحدث الدكتور نبيل خليفة عن "أبلسة" أو شيطنة وتشويه صورة أهل السنة والجماعة وسؤالي هو من يقوم بشيطنة و أبلسة من؟ أو بصيغة أخرى, من هو المجرم ومن هو الضحية؟ الإتهام المعلب الجاهز عن تبعية الأقليات للمشروع الصهيوني في المنطقة هو إتهام له تبعات خطيرة للغاية يضع جميع تلك الأقليات في دائرة الإستهداف وبالتالي سوف يضطرهم ذلك الى الدفاع عن أنفسهم حتى لو تحالفوا مع الشيطان والاتهام جاهز بأنهم إرهابيون ومجرمون متأمرون. إن ذلك يذكرني بالاتهامات التي توجهها الولايات المتحدة الى المقاومة الفلسطينية بأنهم إرهابيون وأن دولة الكيان الصهيوني لديهم الحق في الدفاع عن أنفسهم. 


التركيبة السوسيولوجية في الوطن العربي أو المشرق العربي(لبنان, سوريا, العراق, الأردن وفلسطين المحتلة) معقدة للغاية وكما وصفها الدكتور نبيل خليفة بأنها تحتوي على ٥٩ أقلية مذهبية, لغوية و إثنية. الدول الغربية الاستعمارية عملت خلال الفترة التي سبقت تواجدها الاستعماري في المنطقة على تعزيز المشاعر الانفصالية ونشر الفتن وتحريض الأقليات ضد بعضهم البعض وتحريض الأكثرية ضد الأقليات وإتباع سياسة فرق تسد وذلك من خلال إرسال الجواسيس الى المنطقة والذي لعل أشهرهم الليدي هستر ستانهوب(١٧٧٦م-١٨٣٩م) وكان لقبها (الست), غيرترود بيل(١٨٦٨م-١٩٢٦م) وكان لقبها خاتون أو أم المؤمنين خاتون, جون فيلبي(١٨٨٥م-١٩٦٠م) وكان لقبه الشيخ عبدالله فيلبي و توماس إدوارد لورنس(١٨٨٨م-١٩٣٥م) وكان لقبه لورنس العرب.


مشكلة الطرح الذي يتبناه الدكتور نبيل خليفة وأمثاله من المفكرين وكثير منهم مسيحيين وجهة نظرهم أقرب الى المستشرقين الغربيين المنحازين هي أنه هناك فصولا مهمة من الأحداث في منطقة الشرق الأوسط ليس لها علاقة بأي صراع للحضارات أو سنة/شيعة أو الأقليات ضد السنة(الأكثرية) إنما كانت القضية صراع مصالح ولم تكن تلك المصطلحات مثل الشيعة أو السنة منتشرة أو معروفة. إن تلك المراحل بداية من ١٨٦٠ تاريخ مقتلة الدروز و المسيحيين الموارنة مرورا بمرحلة الحرب العالمية الأولى واتفاقية سايكس بيكو و وعد بلفور هي أهم المراحل التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط على العموم وبلاد الشام على وجه الخصوص والتي تأسس عليها ما بعدها. 


إن تلك المراحل لا يمكن أن تنطبق عليها نظريات الدكتور نبيل خليفة والتي عبر عنها في عدد من كتبه ولعل أهمها كتاب "استهداف أهل السنة." الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة تتعامل مع الأحداث والمعطيات كل مرحلة بطريقة منفصلة حيث تطبيق ما يناسبها من نظريات و مخططات وليس هناك سياسة ثابتة. البريطانيون خبراء في الكذب والغدر بحلفائهم والولايات المتحدة التي أسسها مهاجرون بريطانيون ورثت ذلك وقامت بتطوير أساليبها. 


دولة الكيان الصهيوني تحاول باستمرار ولن تتوقف عن محاولة دمجها في محيطها العربي والتوقف عن اعتبارها جسما غريبا وذلك بإستخدام مجموعة أدوات لعل أهمها الإعلام. الدول التي قادت عملية التطبيع ليس إيران(الشيعة) ولكنها جميعها دول مثل قطر وهي دولة سنية وهابية وتقوم بذلك في العلن بينما دول مثل السعودية تقوم بذلك في السر من خلال صفقة القرن ومشاريع عملاقة على الورق و التطبيع الإقتصادي. إن جميع محاولات التطبيع و دمج دولة الكيان الصهيوني في محيطها تقف على رأسها دول الإسلام السني بينما يعارضها الشيعة وإيران وهي دولة شيعية وتلك حقائق لايمكن أن ينكرها نبيل خليفة أو غيره من المفكرين. 


إنَّ من سوف يتزعم العالم العربي والإسلامي ليس السعودية أو إيران ولكن دولة الكيان الصهيوني التي تتفرج على الصراع السني-الشيعي أو حتى أكون أكثر دقة السعودي-الإيراني وفي النهاية يمكن أن ينطبق المثل القائل "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" على ذلك. الطرفان, السعودية وإيران خاسران, والطرف الرابح هو دولة الكيان الصهيوني وداعميها من دول غربية زرعوا ذلك الكيان اللقيط في المنطقة حتى يمثل عصا التأديب التي يضربون بواسطتها كل من يخرج عن طاعتهم وذلك بمعاونة تنظيمات الإسلام السياسي الأصولي وعصاباتهم المسلحة التي تصف نفسها بأنها من أهل السنة والجماعة.


مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية


…يتبع

No comments:

Post a Comment