Flag Counter

Flag Counter

Wednesday, October 28, 2020

قضية الرسوم المسيئة في فرنسا, مالها وما عليها

لن أستغرب ظهور تقارير مستقبلية أو وثائق ترفع عنها السرية عن تورط أردوغان وأجهزة مخابراته التي تنشط في أوروبا في قضية قطع رأس المدرس الفرنسي في محاولة لإستجرار ردة فعل فرنسية وأوروبية متوقعة وللتخفيف من حدَّة مقاطعة المنتجات التركية التي بدأت في السعودية وذلك بالدعوة الى مقاطعة المنتجات الفرنسية. قاطع الرؤوس الذي صدم الفرنسيين في عقر دارهم كان من أصول شيشانية وكان يخطط الى الفرار من فرنسا والانضمام الى الجماعات الشيشانية في سوريا لولا أن تمكنت منه الشرطة الفرنسية وقتلته. إن إرتباط تركيا بتلك الجماعات أمرٌ لايخفى على أي متابع لشؤون المنطقة خصوصا الأزمة السورية حيث تعتبر تركيا المعبر الرئيسي لتلك الجماعات وخط إمدادها وحيث تقع معسكرات تدريبها والمستشفيات التي يتعالج فيها جرحاها.

وقد يظن البعض أن أردوغان شخص غبي وأحمق ولكنه على العكس من ذلك يجيد التلاعب بالأوروبيين في محاولة منه للحصول على عضوية كاملة في الإتحاد الأوروبي وتنازلات اقتصادية وسياسية. السعودية وحلفائها وأنصارها يدعون الى مقاطعة المنتجات التركية مقابل قطر وتركيا ومن خلفهم جماعات الإسلام السياسي التي تدعو الى مقاطعة المنتجات الفرنسية. ولكن قطر وتركيا وحلفائهم قد كسبوا جولات جديدة ضد خصومهم خصوصا وأن القضية هي رسوم ساخر من الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم وهي أولى عند الكثيرين من الخلاف السياسي مع تركيا. مواطنون وأصحاب محلات ومراكز تسوق وجمعيات في دول مثل الكويت والأردن قد قاموا بإزالة كافة المنتجات الفرنسية من أرفف متاجرهم ودول أخرى تحذو حذوهم بوتيرة متسارعة.

فرنسا دولة مصابة بانفصام الشخصية, دولة ضائعة بين هويتها العلمانية وتاريخها الكاثوليكي العريق حيث تعتبر معقلا كاثوليكيا في أوروبا. الثورة الفرنسية والتي من المفترض أنها ألغت ارتباط الدين بالدولة لم تمانع من أن تقوم الدولة نفسها وعبر الحركة الإستعمارية والتي بدأت على أنها حركة كشوف جغرافية بنشر المذهب الكاثوليكي في مستعمراتها خصوصا في دول المغرب العربي وإفريقيا مثل الجزائر, تونس والمغرب. وقد لعبت الإرساليات التبشيرية الفرنسية دورا رئيسيا سبق مرحلة السيطرة العسكرية المباشرة في إنتزاع إعتراف الدولة العثمانية بتأسيس متصرفية جبل لبنان سنة 1860 حيث أرسلت فرنسا قوات ضخمة في محاولة مزعومة لضبط الأمن ووقف المذابح المتبادلة بين الطائفة المسيحية المارونية والدروز حيث كانت تلك المنطقة خلال الفترة التي سبقت ذلك التاريخ جزءاً لا يتجزأ من سوريا. إن فرنسا ومنذ نهاية الحملات الصليبية تعتبر نفسها الحامي للأقليات المسيحية الكاثوليكية حيث لم تتورع عن التصرف بناء على ذلك في عدَّة مناسبات.

ولكن داعش وأتباعها ليسوا الوحيدين من قاطعي الرؤوس في فرنسا, المتاحف الفرنسية مازالت الى الآن تحتفظ بجماجم قادة المقاومة في المستعمرات الفرنسية خصوصا الجزائر التي استعادت بعضها مؤخرا ودفنتها في إحتفال مهيب يليق بأصحابها وتاريخهم النضالي. قوات الاحتلال الفرنسي في المستعمرات كانت تقطع رؤوس قادة المقاومة الذين تنجح في القبض عليهم وفي كثير من الأحيان, يتم قطع رؤوس المدنيين الذين يلقي بهم حظهم العاثر بين أيدي جنود مجرمين يبحثون عن قضاء الوقت والتسلية. الإشتراكيون الفرنسيون ورثة الثورة الفرنسية كانوا هم الأكثر إجراما في مستعمراتهم خصوصا الجنرال ديغول الذي نكث بوعده في منح المستعمرات استقلالها مقابل خدمة مواطنيها في القوات الفرنسية. وقد لعب أبناء المستعمرات دورا رئيسيا في قتال القوات النازية وتحرير فرنسا. كما كان للمستعمرات دور رئيسي في إمداد القوات الفرنسية في أوروبا ومحطة استراحة للفرنسيين الذين استخدموا الموانئ بشكل رئيسي وفعال.

والمثير للضحك أن تركيا التي قام رئيسها بوصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالحالة العقلية المتأخرة هي نفسها تركيا التي سمحت لصحيفة جمهوريت وبحماية الشرطة بنشر بعض الرسوم المسيئة, وأن قطر التي تتزعم حملة دعم المنتجات التركية ومقاطعة الفرنسية هي نفسها التي استضافت رئيس تحرير صحيفة جويلاندز- بوست الدانماركية التي كانت أول من نشر الرسوم المسيئة سنة 2005 وذلك في مؤتمر عن حرية الرأي والتعبير, وأن فرنسا التي تحدى رئيسها العالم الإسلامي وأعلن دعمه لتلك الرسوم هي نفسها فرنسا التي لا تسمح بالسخرية من زوجة ماكرون وتعتبر ذلك تمييزا ضد المرأة, وأن المملكة العربية السعودية والتي هي موطن الأماكن المقدسة وقبلة المسلمين تطالب المسلمين بإعطاء الأولوية من أجل مقاطعة البضائع التركية والخلاف السياسي مع الرئيس التركي أردوغان, وأن جميع أولئك يتاجرون بالدين وبحرية الرأي والتعبير وبإسم الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم من أجل تحقيق أهداف سياسية.

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment