Flag Counter

Flag Counter

Saturday, January 19, 2019

الحسناء والوحش, رأسمالية الأوغاد وأكذوبة التجارة الحرة

إن مصطلح العولمة بمفهومه الأوسع والذي يشمل إتفاقيات التجارة الحرة على إختلاف مسمياتها ليس الا عبارة عن حماية مصالح الشركات العابرة للقارات على حساب شعوب الدول الفقيرة وحتى دول العالم المتقدمة(Developed countries) لم تسلم من رأسمالية الأوغاد وشرور العولمة, الاستيلاء على ثروات وموارد تلك الدول بأبخس الأثمان وإعادة بيعها البضائع المصنعة وتحقيق أرباح خيالية. العولمة وعلى الرغم من كل الحملات الإعلامية والبروباغندا التي تحاول تقديمها بصورة إنسانية إلا أن الواقع يحكي قصة مختلفة تماما. هي ليست عبارة إلا عن لعبة مصالح, حروب, نفط  وتجارة السلاح والشعوب هي ضحية للشركات والنخب السياسية التي لا يهمها الا مصالحها وتحقيق الأرباح. العولمة تعني الغاء الدولة القومية والحدود وتحول العالم الى مكان مفتوح حيث رؤوس الأموال هي التي الحاكم وهي المسؤولة عن كتابة التشريعات والقوانين.
هناك حرب تجارية تدور رحاها بين طرفين رئيسيين, الطرف الأول هو الولايات المتحدة التي كانت مسؤولة عن صياغة قوانين العولمة واتفاقياتها خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية بالاعتماد على القوة العسكرية بشكل رئيسي, بينما الطرف الثاني هو الصين التي تحولت الى قوة صناعية لا يستهان بها معتمدة على وفرة الموارد واليد وانخفاض الأجور مقارنة ببلدان أخرى. ولعل البعض يتسائل عن الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لتوجيه الاتهامات للصين بأنها تستخدم أساليب ملتوية لتحقيق أفضلية تجارية عبر تقديم الدعم للشركات الصينية والتلاعب بقيمة العملة(اليوان) بما يخدم الصادرات الصينية. الملياردير الصيني جاك ما رد في مقابلة مصورة على اتهامات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصين فيما يتعلق بالتلاعب بالعملة أن على الولايات المتحدة توزيع المال بشكل سليم عبر التوقف عن إنفاقه في الحروب والمضاربات في البورصات والأسهم. جاك ما ذكر في تلك المقابلة أن عدد الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة خلال الثلاثين سنة الأخيرة هو ١٣ حربا حيث تم إنفاق ١٤.٢ تريليون دولار. كما ذكر أن الأزمة المالية ٢٠٠٨ قد أدت الى خسائر بلغت ١٩.٢ تريليون دولار في الولايات المتحدة حيث تضرر قطاع الوظائف المكتبية بشدة. أما على المستوى العالمي فقد أثرت أزمة الرهون العقارية ٢٠٠٨ إلى فقدان ٣٤ مليون وظيفة مكتبية. جاك ما اعتبر أن الاتهامات التي توجهها الولايات المتحدة للدول الأخرى بسرقة الوظائف ليست عادلة وأن عليها إنفاق المال على البنية التحتية والتعليم بدلا من الحروب و مضاربات البورصة في وول ستريت.
الولايات المتحدة تتلاعب بقيمة الدولار الأمريكي عبر ما يعرف بالتسهيل الكمي(ََQuantitative Easing-QE). كما أنها تقدم الدعم للشركات الأمريكية العابرة للقارات خصوصا في المجال الزراعي حيث تغرق الصادرات الزراعية الأمريكية منخفضة الثمن أسواق دول العالم الثالث مما يؤدي الى تضرر القطاع الزراعي المحلي في تلك البلدان. إن مقارنة لسعر صرف اليوان الصيني مقابل الدولار الأمريكي سوف تكشف أن مطالب الولايات المتحدة من الصين فيما يتعلق بتخفيض قيمة العملة هي مطالب تعجيزية وتعني انتحارا اقتصاديا. الإتحاد الأوروبي ليس بأفضل حالا فهو يفرض رسوما جمركية(Tariffs) حماية للصناعات المحلية ولكن في الوقت نفسه يقوم بفرض عقد إتفاقيات تجارية مع البلدان الفقيرة بشروط مجحفة. وفي فيلم وثائقي بثته قناة دي دبليو(DW) الألمانية الناطقة بالعربية عنوانه "لعبة العولمة, كذبة التجارة الحرة," يواجه المزارعون في دول مثل الكاميرون ودول أخرى في أفريقيا منافسة شرسة في مواجهة الصادرات الزراعية الأوروبية رخيصة الثمن التي تغرق الأسواق المحلية بينما يقوم الإتحاد الأوروبي بتقديم الدعم المالي للمزارعين في دول الإتحاد وفرض تعرفة جمركية على استيراد المنتجات الزراعية من دول أفريقيا حماية للمزارعين المحليين.
إن الشركات الكبرى والتي يطلق عليها مصطلحات مثل متعددة الجنسيات والعابرة للقارات هي ليست إلا عبارة عن واجهة أمامية لمؤسسة مالية أو مصرفية  تعمل انطلاقا من وول ستريت في الولايات المتحدة أو من عاصمة الضباب البريطانية التي مازالت تشغل مركزا ماليا مهما على مستوى العالم. إن قوانين التجارة الحرة قد تمت كتابتها من قبل الشركات العابرة للقارات مثل شركة كارجيل(Cargill) الأمريكية التي تعمل في المجال الزراعي والغذائي بشكل رئيسي والتي كانت المسؤولة عن كتابة نصوص اتفاقية انضمام الولايات المتحدة لاتفاقية التجارة الحرة المتعلقة بالزراعة والمنتجات الزراعية. إن التشريعات والقوانين التي تعمل تحت ظلها العولمة تسلب الدول حقوق السيادة وتلغي الدول القومية لصالح الشركات المتعدد الجنسيات, قانون(MAI-Multilateral agreement on Investment) هو أحد الأمثلة على تغول العولمة وملحقاتها حتى على الحكومات وسيادة الدول. كندا دولة ثرية ومزدهرة تقبل اللاجئين والمهاجرين من كل أنحاء العالم ولكنها عاجز عن إطعام أطفالها واشباعهم رغيف الخبز حيث يتم بث إعلانات حكومية مدفوعة الأجر أن هناك عائلات كندية عليها أن تتخير بين إطعام أطفالها أو دفع إيجار مأوى يحميهم من التشرد في الشوارع. بريطانيا دولة مزدهرة وقوية وثرية ولكن هناك مواطنون بريطانيون من كبار السن يسقطون كل سنة ضحايا البرد والأمراض المتعلقة به بسبب عجزهم عن دفع فواتير التدفئة. الولايات المتحدة أغنى وأقوى دولة في العالم لا يمتلك مواطنوها تأمينا طبيا حكوميا وهناك عشرات الملايين ممن لا يمتلكون المال لدفع فواتير الطبيب والمستشفى ولا يملكون القدرة على شراء تأمين طبي من شركات خاصة. العولمة فشلت والرأسمالية فشلت في حل مشاكل العالم الإقتصادية والسياسية والإجتماعية بل وزادت تلك المشاكل تفاقما.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment