الولايات المتحدة سوف تقاوم محاولات الدول أو المنظمات التي تعمل على تقويض مكانة الدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي ولديها مجموعة أدوات سياسية وإقتصادية لعل أهمها سيطرتها على إدارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونظام السويفت للتحويلات المالية. الولايات المتحدة تتجسس على العالم من خلال الدولار التي يعتبر عملة احتياطي عالمي حيث يمكنها تعقب جميع المعاملات المالية بين الدول وفرض عقوبات اقتصادية سوف يكون من الصعب التخلص منها. الدولار الأمريكي هو عملة تسعير السلع الرئيسية والتي لعل أهمها النفط.
الرئيس العراقي صدام حسين كان مصيره حبل المشنقة والسبب المباشر بيع النفط العراقي مقابل اليورو والرئيس الليبي معمر القذافي لم يكن أفضل حيث حاول أن يبيع النفط الليبي مقابل الدينار الذهبي الإفريقي. الملك فيصل بن عبد العزيز ملك السعودية كان أصدر الأمر بطباعة الدينار الذهبي العربي وأن النفط السعودية سوف يكون مسعرا بالذهب وليس الدولار ومصيره كان الاغتيال. الرئيس الفرنسي شارل ديغول كان بطلا قوميا وبطل التحرير في الحرب العالمية الثانية ولكن أسقطته مظاهرات قادتها مجموعة يسارية مجهولة من الطلاب وكانت بصمات التدخل الأمريكي واضحة للغاية.
الولايات المتحدة سوف تعمل على إسقاط أي دولة تفكر في تغيير الأمر الواقع وأن تبيع النفط مقابل عملات أخرى غير الدولار. ولكن هناك مهم للغاية هو أن إتفاقية بريتون وودز ١٩٤٤ التي فرضت بنودها الدولار عملة احتياطي عالمي مقابل ربط سعره مع الذهب ٣٥ دولار/أونصة قد انتهت عمليا سنة ١٩٧١. الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون أعلن عن إيقاف عملية مبادلة الدولار الأمريكي بالذهب وتم تعويم الدولار الأمريكي وفرضت الولايات المتحدة شروطها مرة أخرى في اتفاقية جامايكا(١٩٧٦) و إتفاقية بلازا(١٩٨٥).
الاتفاقية التي عقدتها الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية سنة ١٩٧٥ وكان مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر عرابها كان تنص بنودها أن السعودية تبيع النفط حصريا مقابل الدولار والولايات المتحدة تضمن حمايتها من أي عمليات تدخل خارجي أو إنقلاب داخلي. الإتفاقية كانت ذات أبعاد سياسية, إقتصادية وأمنية وظهر مصطلح البترودولار. ولكن مؤخرا بدأت تساؤلات في الظهور عن الجدوى من التحالف السعودي-الأمريكي خصوصا بعد توقيع الرئيس باراك أوباما على الاتفاق النووي مع إيران وصدور قانون جاستا ومواقف أخرى شعرت منها القيادة السياسية السعودية بالقلق.
هناك تحالف دول البريكس الذي كان يضم في البداية روسيا, الصين, جنوب إفريقيا, الهند وجنوب إفريقيا وحاليا أعلن عن ضم دول أخرى في الإجتماع الذي عقد في قازان عاصمة جمهورية تتارستان الروسية. تحالف البريكس يحاول العمل على عدة مقترحات من أجل التخلص من هيمنة الدولار الأمريكي منها عملة بديلة, بنك مركزي وبنك تنمية بديلا عن البنك الدولي. هناك الكثير من المشاريع التي يتحدثون عنها في اجتماعات دول البريكس ولكنها ما تزال في خطواتها الأولى وبعيدة عن الاستفادة منها عمليا والولايات المتحدة لن تتخلى هكذا ببساطة عن سيطرتها وتحكمها في مفاصل الاقتصاد العالمي.
مؤخرا وخلال اجتماع مجموعة البريكس عقد في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان الروسية تم الإعلان عن انضمام مجموعة من الدول منها لعل أبرزها السعودية. كما تم الإعلان عن إنضمام ١٠ دول (شريكة) الى البريكس وتضم تكهنات المحللين قائمة من ١٣ دولة. تحالف البريكس يسعى كما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى إنشاء نظام بنكي بديل عن السويفت وهناك حديث عن شبكة إنترنت مستقلة خاصة بدول المجموعة. المشكلة أن ذلك في المدى القريب والمتوسط عملية مستحيلة مع افتراض أن الولايات المتحدة تركت الأمور تسير كما يرام مع مجموعة الدول الأعضاء في البريكس.
منظمة البريكس تختلف عن الإتحاد الأوروبي والمقارنة غير ممكنة بأي حال من الأحوال. دول الإتحاد الأوروبي بدأت مشروعها بعد الحرب العالمية الثانية وكانت كما يقول المثل على قلب رجل واحد لديهم خطة واضحة عملوا على تنفيذها. الفكرة من إنشاء الإتحاد الأوروبي كانت تحقيق التكامل الإقتصادي بين الدول الأعضاء ومنع حروب مستقبلية بينهم وليس تحدي الدولار في أوروبا التي دمرت الحرب مدنها وإقتصادها. هناك خلافات بين الدول الأعضاء في بريكس وصلت الى اشتباكات مسلحة بين الهند والصين من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى هناك خلاف على جزيرة بولشوي أوسوريسكي التي تقع في نهر أمور. الهند تقيم علاقات ممتازة من الولايات المتحدة والسعودية التي انضمت مؤخرا حليف للولايات المتحدة ولن تخاطر تلك الدول بمصالحها مقابل تحدي الهيمنة الاقتصادية والقوة العسكرية للولايات المتحدة.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment