يرجع تاريخ إستخدام الذهب كعملة نقدية في العالم إلى عهد الملك كرويسوس ملك ليديا غرب الأناضول في القرن ٦ قبل الميلاد, مايعرف الأن بتركيا. في المملكة المتحدة أيضا كانت هناك بداية ١٧١٧ عملة نقدية ورقية بسعر صرف ثابت مرتبط بغطاء ذهبي حتى بدايات سنة ١٩٣١.
يطلق عليه المعيار الذهبي أو الغطاء الذهبي للعملة وهو ليس محدد التعريف ويشمل كل شيئ بداية من إستخدام قطع نقدية ذهبية وليس إنتهاء بإستخدام أوراق نقدية مطبوعة مدعومة بغطاء ذهبي ومرتبطة بسعر بيع وشراء الذهب.تاريخيا فإن كمية الذهب التي كانت تغطي العملة الورقية المطبوعة تتراوح بين ٢٠% و ١٠٠% وفي حالات نادرة كانت تتجاوز نسبة ١٠٠% إذا كانت قيمة الذهب تساوي أعلى من قيمة الأوراق النقدية المطبوعة.
الفترة الزمنية بين سنتي ١٨٧٠ و ١٩١٤ كانت تقريبا بلا تضخم بل على العكس كانت فترة تميزت بما يطلق عليه إنكماش بدون تأثيرات سلبية(إنكماش إيجابي). فترة تميزت بالإنتعاش الإقتصادي والإبتكارات التكنولوجية و زيادة الإنتاج مما أدى إلى رفع مستوى المعيشة بدون حدوث زيادة أسعار وإرتفاع مستوى البطالة. تلك الفترة الزمنية تعرف بالعصر الأول للعولمة وتميزت بتقدم التكنولوجيا ووسائل الإتصالات والمواصلات, العصر الثاني للعولمة بدأ مع نهاية الحرب الباردة سنة ١٩٨٩.
في تلك الفترة فإن الدول التي كانت تنضم لما يعرف مجازيا بنادي الغطاء الذهبي للعملة كانت تتقيد بقوانين ذالك النادي والتي لم تكن مكتوبة كما أنه لم يجري الإتفاق عليها في مؤتمر دولي. ليس العديد من الدول الرئيسية قد إنضمت ولكن البعض منها قد فعل وتميزت سياستها بميزة حرية الحركة لحسابات رأس المال, سياسة الأسواق المفتوحة, أدنى مستويات للتدخل الحكومي, وأسعار صرف مستقرة وثابتة.
هناك دول كانت تتبع سياسة الغطاء الذهبي لعملتها قبل سنة ١٨٧٠ مثل إنجلترا سنة ١٧١٧ وهولندا سنة ١٨١٨ ولكن الفترة التي تلت سنة ١٨٧٠ قد تميزت بإزدياد عدد المنضمين لنادي الغطاء الذهبي للعملة منها ألمانيا واليابان ١٨٧١, فرنسا وإسبانيا ١٨٧٦, النمسا ١٨٧٩, الأرجنتين ١٨٨١, روسيا ١٨٩٣, الهند ١٨٩٨ بينما الولايات المتحدة كانت أصلا تعمل بسياسة الغطاء الذهبي للعملة منذ سنة ١٨٣٢.
الأداء الإقتصادي لدول مثل بريطانيا والولايات المتحدة كانت متفوقا تحت سياسة الغطاء الذهبي للعملة بدلا من نظام إدارة الأموال الإئتماني الذي كان متبعا في البلدين قبل تلك الفترة والتي كانت مزدهرة بكل المعايير حيث الإنتعاش الإقتصادي الغير مقترن بالتضخم, زيادة في الثروة والإنتاجية في البلدان الصناعية والمنتجة للمواد الأولية.
أهم ميزة كانت تتميز بها سياسة الغطاء الذهبي للعملة هي البساطة حيث كانت أي دولة تقرر إتباع تلك السياسة تعلن قيمة عملتها الورقية مرتبطة بكمية الذهب الموجود لديها والذي يشكل غطاء لتلك العملة وتقبل بيع وشراء الذهب بذالك السعر مقابل العملة الورقية. عمليات الأسواق المفتوحة هي مايطلق في عصرنا الحالي على بيع وشراء الذهب للمحافظة على سقف سعري معين للمعدن الأصفر. كما أنه يمكن القيام بعمليات الأسواق المفتوحة من قبل البنوك المركزية أو الحكومة نفسها ولكن ذالك ليس ضروريا, على سبيل المثال الولايات المتحدة لم يكن لديها بنك مركزي طوال الفترة الزمنية الممتدة بين ١٨٧٠-١٩١٤ حيث كانت هناك عدة محاولات لإنشاء مايمثل بنك مركزي ولكنها كانت تنتهي بالإغلاق وعدم تجديد المراسيم التي أنشئت بموجبها تلك البنوك. كما أنه من الممكن تنفيذ عمليات الأسواق المفتوحة من خلال وكلاء مرخصين لديهم صلاحية لإستخدام كميات معقولة من الذهب سواء بالبيع أو بالشراء مع إمكانية إستخدام كميات إضافية في المناسبات التي يحدث فيها أزمات مالية.
من ميزات لنظام الغطاء الذهبي للعملة(معيار الذهب الكلاسيكي) هو أنه إذا تم إستخدامه لتسعير عملة بلدين لنفترض مثلا بريطانيا وألمانيا, فإن الجنيه الإسترليني والمارك الألماني يصبح سعر صرفهما مرتبطا بالذهب وبالتالي مرتبطا ببعضهما البعض ولا تحتاج العملتان في تلك الحالة لمراسيم من صندوق النقد الدولي ولا لقرارات من إجتماعات G20.
تلك الفترة التي تم فيها إستخدام الغطاء الذهبي التقليدي تميزت بثبات قيمة العملات وثبات أسعار صرفها بدون تحمل تبعات وكلفة التخطيط والتنسيق بين الدول عبر البحار وتدخلات البنوك المركزية.
أكبر ميزة يمتاز بها ذالك النظام هو أنه يقوم بالتعديل الذاتي لسعر الصرف بطريقة بسيطة وخالية من التعقيد. ففي حالة زيادة كميات الذهب المستخرجة مقابل الإنتاجية نتيجة إكتشافات مفاجئة لإحتياطيات ضخمة من الذهب كما حصل في أفريقيا الجنوبية, أستراليا, يوكون(كندا) بين سنتي ١٨٨٦ و١٨٩٦, فإن أسعار السلع والخدمات سوف ترتفع مؤقتا مما يؤدي إلى إرتفاعها كلفة إنتاج الذهب فيقوم المنتجون بخفض إنتاجهم منه لتخفيض السعر وثباته على المدى البعيد. وعلى العكس تماما ففي حالة إرتفاع الإنتاجية بسبب الإبتكارات التكنولوجية وإنخفاض كلفة المواد الأولية فإن ذالك يؤدي إلى زيادة القوة الشرائية للنقود فيؤدي ذالك إلى قيام من يمتلكون كميات من الذهب سواء حلي ذهبية أو سبائك ذهبية ببيع مالديهم ممايؤدي إلى زيادة المعروض وأيضا زيادة إنتاج الذهب من قبل شركات التعدين والتصحيح السعري للذهب لمستواه السابق.
(ألية تدفق أسعار العملات - ألية تدفق سعر الذهب) للإقتصادي ديفيد هوم توضح وبكل بساطة كيف أن معيار الذهب الكلاسيكي يعمل بألية تصحيح ذاتية في مجال التجارة الدولية وتبادل السلع بين الدول. الألية جدا بسيطة وهي أنه في حال حصول خلل في ميزان المدفوعات التجاري بين بلدين سواء كان ذالك الخلل سلبي أو إيجابي, تقوم الدولة صاحبة العجز(السلبي-أ) بتسوية مالية مع الدولة صاحبة الفائض(الإيجابي-ب) وذالك بما يساوي قيمة ذالك العجز ذهبا. نتيجة لتلك التسوية يحصل تدفق للذهب من الدولة (أ) إلى الدولة (ب) مما يؤدي إلى إنخفاض السيولة وحصول إنكماش إقتصادي لدى الدولة (أ) وزيادة السيولة وحصول تضخم إقتصادي لدى الدولة (ب). التضخم الإقتصادي في الدولة (ب) يؤدي إلى إرتفاع أسعار السلع ونتيجة لذالك يتراجع مستوى صادرات الدولة (ب) إلى الدولة (أ) نتيجة إرتفاع سعرها. العكس صحيح بالنسبة للدولة (أ) حيث يؤدي الإنكماش الإقتصادي إلى إنخفاض أسعار السلعو وزيادة صادراتها للدولة (ب) ممايؤدي إلى فائض بالميزان التجاري لصالحها يتم تسويتها وفق المعيار الذهبي الكلاسيكي فيحصل تدفق للذهب من الدولة (ب) للدولة (أ).
هناك إعتقاد شائع بأن جميع المعاملات المالية كانت تتم تسويتها بالذهب حصرا وهاذا خطأ بل كان هناك مايسمى فواتير تجارية قصيرة المدى ويمكن تحويلها لسيولة فور إستلام الطرف المشتري للسلعة وبيعها نقدا ومن دون أن يكون الذهب طرفا في العملية. الذهب كأساس للمعيار الكلاسيكي كان قاعدة وملاذا للنظام المالي أكثر من كونه متداولا بشكل مباشر في عمليات البيع والشراء كما كان في العصور القديمة قبل خروج فكرة الأوراق النقدية الورقية إلى حيز التنفيذ.
المعيار الذهبي الكلاسيكي كان حاضرا في الأذهان إثر الأزمة الإقتصادية التي ألمت بالعالم في الفترة التي تلن الحرب العالمية الأولى ١٩١٤-١٩١٨ حيث أنه جرت محاولات سنة ١٩٢٠ للعودة إلى المعيار الذهبي الكلاسيكي. تلك المحاولات بائت بالفشل بسبب تراكم الديون والقرارات الخاطئة التي جعلت من تلك المحاولات ليس عبارة إلا عن مرحلة من الإنكماش الإقتصادي المزمن مع الأخذ بعين الإعتبار أن لعالم لم يعمل بموجب قاعدة المعيار الذهبي الكلاسيكي في التجارة الدولية منذ سنة ١٩١٤.
إنتهى مع تمنياتي للجميع بالتمتع بالصحة والعافية
No comments:
Post a Comment